د. الشفيع خضر سعيد

غض النظر عن نتائج اللقاءات السياسية والمؤتمرات وورش العمل التي عقدت خلال الفترة الماضية، أو التي متوقع انعقادها في مقبل الأيام، وغض النظر عن ما جاء من تفاصيل في مخرجات ووثائق هذه اللقاءات والمؤتمرات وورش العمل من إعلان للمبادئ ومن تفاصيل حول العملية السياسية والترتيبات الانتقالية بعد توقف الحرب، وعلى الرغم من صحة الطرح الذي ينادي بمخاطبة جذور الأزمة والتصدي للمسببات الرئيسة للنزاعات والحروب في السودان والعودة إلى منصة التأسيس… فإن الأولوية القصوى اليوم والتي يجب أن نركز كل جهودنا حيالها هي كيفية وقف القتال وإنقاذ حياة السودانيين عبر توفير العون الإنساني وتأمين ممرات إنسانية لمدهم بالدواء وضروريات الحياة.


صحيح الجميع ينادون بتأسيس أوسع جبهة لهذا الغرض، وهي مناداة صحيحة وواقعية، ولكنها قطعا بديهية، لأن لا بديل لها. ومع ذلك، تتعثر الخطى في هذا الاتجاه حتى اللحظة، رغم أن الأفق لا يخلو من بعض بوارق الأمل. ولعل البند الأول في برنامج عمل هذه الجبهة، متى ما تشكلت، هو التوافق حول دور ومساهمة القوى المدنية في كيفية وقف الحرب، بمعنى الإجابة على العديد من الأسئلة حول المساءلة بالنسبة لجريمة اندلاع الحرب وما صاحبها من انتهاكات، وحول مستقبل قيادة الجيش ومستقبل قوات الدعم السريع والميليشيات الأخرى، ومخاطبة المأساة الإنسانية الراهنة والمتفاقمة في البلاد، ورفض أي عملية سياسية يكون هدفها الرئيس فقط هو اقتسام كراسي السلطة أو الشراكة مع أي من طرفي القتال… وغير ذلك من الأسئلة التي ناقشناها بالتفصيل في أكثر من مقال سابق، بالإضافة إلى تفعيل دور القوى المدنية والشعبية داخل وخارج البلاد الرافضة للحرب ولخطاب العنصرية والكراهية، وخلق الآليات الضرورية والملائمة للتنسيق والتحالف مع الجهود الخارجية الدولية والإقليمية، بهدف التوافق حول آليات الضغط الممكنة على طرفي القتال لإخراس لعلعة الرصاص.
لقد كررنا كثيرا القول بأن حلم الشعب السوداني اليوم هو وقف الحرب والعودة إلى مسار ثورة ديسمبر/كانون الأول المجيدة ورتق جروح الوطن وبسط السلام الشامل في ربوعه. لكن، كل ذلك لن يتأتى إلا بتوفر الإرادة والرؤية والأداة المناسبة عند قياداتنا، بما في ذلك القناعة الصادقة بأن وقف الحرب وبسط السلام وإعادة بناء الوطن عبر مخاطبة جذور الأزمة الممتدة منذ فجر الاستقلال، يحتاج إلى توسيع مبدأ القبول والمشاركة ليسع الجميع إلا من ارتكب جرما في حق الوطن والمواطن، فهولاء مصيرهم المثول أمام العدالة.
ومن هنا كانت ولا تزال دعواتنا المتكررة لتطوير اللقاءات والسمنارات التي عقدتها وستعقدها القوى المدنية السودانية لتنتظم في مؤتمر مائدة مستديرة جامع للقوى السياسية والمدنية الرافضة للحرب والساعية لاستعادة مسار الثورة، مع ضرورة اشتراك الجميع في تفاصيل التحضير، والتقيد بالشفافية في كل خطوات العمل، والتي يجب أن تكون بعيدة عن أي مؤثرات خارجية، إقليمية أو دولية.

بعد مرور ستة أشهر على المؤتمر العالمي الذي حاز إعجاب الجميع لاتزال توصياته دون تنفيذ علما بأن الوضع الإنساني الآن في السودان أشد سوءا وأضخم كارثية مما كان عليه

في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وبمبادرة من مجموعة من المنظمات المدنية السودانية، انعقد في القاهرة مؤتمر عالمي لمخاطبة التحديات التي تواجه تقديم المساعدات الإنسانية بشكل فعال لأكبر أزمة إنسانية في العالم بعد مرور سبعة أشهر على اندلاع الحرب في السودان. لم يكن هدف المؤتمر هو حشد الدعم المادي أو العون الإغاثي، وانما تشريح الوضع الإنساني في السودان بشكل حقيقي ومباشر، واستكشاف ودراسة التحديات التي تعيق فعالية تقديم المساعدات الإنسانية وكيفية التغلب عليها ودعم التنفيذ السلس والفعال لمبادرات المساعدات الإنسانية، تعزيز الجهود التعاونية والتنسيق بين منظمات الإغاثة الوطنية والدولية من خلال إنشاء منصة للحوار والتنسيق المفتوح، وتقديم حلول عملية مملوكة للسودانيين لمواجهة أي تحديات تعيق إيصال المساعدات، ومعالجة التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي في الاستجابة للأزمة.
لقد كان المؤتمر عالميا بحق من حيث المشاركة المحلية والإقليمية والدولية، إذ حضره أكثر من مئة مشارك جاءوا من داخل السودان ممثلين لغرف الطوارئ وللمبادرات العاملة في المجال الإنساني في كل ولايات السودان، كما شارك ممثلون للاجئين السودانيين في دول تشاد واوغندا وكينيا واثيوبيا وجنوب السودان ومصر. أيضا، شارك في المؤتمر خبراء سودانيون من شتى مجالات العمل العام، بالاضافة الي مئة واثنين مشارك ومشاركة من منظمات الإغاثة الدولية وهيئات الأمم المتحدة المتخصصة والمنظمات الدولية الاخرى العاملة في السودان، وخاطبه، عبر الإنترنت، عدد من القيادات والشخصيات العالمية المرموقة. وخرج المؤتمر بتوصيات، روعي فيها أن تكون قابلة للتنفيذ، في مجالات الحماية الاجتماعية، الصحة، التعليم، الأمن الغذائي، الانتهاكات الجنسية والعنف ضد المرأة خلال الحرب، والتنسيق وتكامل الأدوار بين الجهود العالمية والمحلية، كما تم تسليط الضوء على الروافع التي يمكن أن تساعد في تشكيل الطريق إلى الأمام.
كل ذلك ضمن في تقرير واف نشر على نطاق واسع، كما تم رسم خطة عملية لكيفية تنفيذ توصيات المؤتمر، ومشاركتها مع أصحاب المصلحة في السودان، ومع منظمات الإغاثة الدولية وهيئات الأمم المتحدة المتخصصة والمنظمات الدولية الاخرى المعنية بتنفيذ العون الإنساني للسودان.
وكان المؤتمر، في بيانه الختامي، قد شدد على أنه ليس مجرد حدث احتفالي ينتهي بانقضاء مراسمه، بل هو بداية لعملية متكاملة ومستمرة حتى تتجسد ثمارها على أرض الواقع في شكل وسائل فعالة لتنشيط الاستجابة لمواجهة الكارثة الإنسانية في السودان. لكن هل تحقق ذلك؟ للأسف، وبعد مرور ستة أشهر على المؤتمر العالمي الذي حاز إعجاب الجميع، لاتزال توصياته دون تنفيذ، علما بأن الوضع الإنساني الآن في السودان أشد سوءا وأضخم كارثية مما كان عليه إبان أنعقاد المؤتمر. صحيح أن طرفي القتال يتحملان قدرا من المسؤولية في ذلك، ولكن المجتمع الدولي الذي شارك في المؤتمر وبين يديه توصياته وخطط التنفيذ المقترحة يتحمل قدرا مماثلا. ندعوه لفتح نقاش حول الأمر حتى لا تستفحل الكارثة.
نقلا عن القدس العربي  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان وقف الحرب

إقرأ أيضاً:

موجة جديدة من القتال المكثف تشعل جبهة دارفور في السودان

تجدّدت الاشتباكات العنيفة بين الأطراف المتحاربة، يوم السبت، في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب السودان، وسط قصف مدفعي كثيف، في حين تواصلت موجات النزوح من المدينة بأعداد كبيرة.

 وأفاد شهود عيان بأن «قوات الدعم السريع» بادرت، صباح السبت، بشنّ هجمات مكثفة على المناطق الشرقية الجنوبية للمدينة، قائلين: «شاهدنا تصاعد النيران وأعمدة الدخان في الأحياء الجنوبية من الفاشر». وأوضح نشطاء في إقليم دارفور، أن الجيش والقوة المشتركة للحركات المسلحة المتحالفة معه تَصَدَّيَا للهجوم الذي يعد الأعنف على أطراف المدينة.

 وكان الطيران الحربي للجيش قد نفّذ، في وقت مبكر من يوم السبت، غارة جوية على «قوات الدعم السريع» التي تتمركز في الأحياء الشرقية من المدينة. وبحسب منصات تابعة لـ«الدعم السريع» فإن قواتها توغلت إلى داخل حي الوحدة، بعد مواجهات عنيفة مع القوات المشتركة، التي قالت بدورها إنها صدّت هجوماً من 3 محاور.

 وتشير بعض الإحصاءات إلى مقتل وإصابة أكثر من 800 شخص في صفوف المدنيين؛ بسبب القتال المستمر الذي دخل أسبوعه الرابع. وأدانت وزارة الصحة في حكومة إقليم دارفور القصف المدفعي الذي شنّته «قوات الدعم السريع» يوم الجمعة، وأدى إلى إصابات متفاوتة وسط النساء والأطفال. كما تعرّض المستشفى الوحيد الذي يقدم الخدمة العلاجية لآلاف الأشخاص، بمَن فيهم جرحى العمليات العسكرية، لأضرار جسيمة جراء القذائف العشوائية.

 وكان الهدوء قد عاد إلى مدينة الفاشر في اليومين الماضيين بعد أن تراجعت وتيرة المعارك البرية، حيث بات الجيش و«قوات الدعم السريع» يعتمدان على تبادل الضربات المدفعية. وقال أحد السكان إن شبكات الاتصالات والإنترنت غير متوفرة في معظم أنحاء الفاشر مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي.

اليونيسيف تحذر

بدورها قالت منظمة «اليونيسيف» إن تدهور الوضع الأمني والنزاع العنيف في الفاشر وما حولها، أديا إلى ازدياد كبير في نزوح السكان المدنيين من المنطقة. وأوضحت المديرة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أديل خضر، أن الخدمات الأساسية مثل المياه والرعاية الصحية معرضة لخطر التعطيل.

 وقالت إن النزاع على خزان قولو، الذي يعد المصدر الرئيسي للمياه لنحو 270 ألف شخص في المدينة، يعرضه لخطر كبير بـ«التلف والتدمير»، وسيؤدي إلى انقطاع المياه الآمنة والكافية عن العائلات والأطفال وزيادة خطر الأمراض المنقولة عبر المياه في منطقة تعاني من الحرب.

 وأضافت: «تدعو يونيسيف الأطراف جميعها إلى إنهاء الهجمات على البنية التحتية المدنية الحيوية أو بالقرب منها، ويشمل ذلك شبكات ومرافق المياه والمستشفيات والمراكز الصحية والمدارس». وحضّت المسؤولة الأممية على ضمان استدامة خدمات المياه بتوفير الوصول الآمن وغير المقيد للموظفين في تلك المرافق، بما في ذلك خزان قولو. وكانت القوة المشتركة للحركات المسلحة قد استعادت السيطرة على الخزان بعد هجوم من «قوات الدعم السريع» وإغلاقها الخطوط الرئيسية المؤدية إلى شبكات المياه الداخلية في الأحياء السكنية.

 نزوح ومساعدات

وشهدت الفاشر خلال الأيام القليلة الماضية نزوح نحو 40 ألفاً من السكان إلى مناطق آمنة نسبياً داخل الولاية. وقال شهود إن موجات النزوح من مدينة الفاشر تزداد بشكل يومي جراء المعارك هناك، حيث يضطر المواطنون إلى استخدام الدواب، وبعضهم يخرجون من المدينة راجلين.

 من جهة ثانية، التقى المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة، الوفد المفاوض لـ«قوات الدعم السريع»، فيما حضرت اللقاء أيضاً في العاصمة الكينية نيروبي، منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، كلمنتاين نيكوتا سلامي.

 وذكر بيان «الدعم السريع» على منصة «إكس» أن اللقاء بحث تعزيز التعاون بين الطرفين؛ لتسهيل توصيل المساعدات الإنسانية للمتأثرين في جميع أنحاء البلاد، وتوفير الحماية للمدنيين. وجدّد وفد «الدعم السريع» تأكيد التزامه بمضاعفة الجهود واتخاذ جملة من الخطوات تسهم في إيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين.

 ولفت الوفد نظر المبعوث الخاص للأمم المتحدة، إلى عمليات القصف الجوي الممنهج للطيران الحربي العسكري للجيش، واستهدافه المدنيين والمستشفيات ومصادر المياه والمرافق العامة، وأعمال القتل والتعذيب التي يرتكبها ضد المواطنين على أساس الهوية.

 وحذّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن القتال في الفاشر قد أدى إلى فرض «ضغوط لا تطاق» على مئات الآلاف من السكان وعلى الموارد الضئيلة في المدينة. وأضافت، في بيان عبر منصة «إكس»، قائلة: «يجب الحفاظ على حياة المدنيين، ويجب أن تتمكّن المنظمات الإنسانية من توفير الإمدادات الحيوية لهم». وشدد البيان على أن المستشفيات والأسواق وإمدادات المياه وغيرها من الخدمات المدنية الأساسية «ليست هدفاً».

 تحذيرات دولية وإقليمية

وتفرض «قوات الدعم السريع» حصاراً على مدينة الفاشر في مسعى للسيطرة عليها بعد أن أحكمت قبضتها على 4 مدن في إقليم دارفور من أصل 5 مدن، وسط تحذيرات دولية وإقليمية من اجتياح المدينة التي تؤوي ملايين النازحين الذين فروا من مدن الإقليم المضطرب جراء الصراع. واندلع الصراع بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» بعد خلافات حول خطط لدمج الأخيرة في الجيش في إطار عملية سياسية مدعومة دولياً كان من المفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات والعودة إلى النظام الديمقراطي البرلماني، بينما يترك العسكريون السلطة ويعودون إلى ثكناتهم.

الشرق الاوسط  

مقالات مشابهة

  • مؤتمر سوداني تشاوري بميونخ لتكوين تجمع مدني عريض لوقف الحرب
  • موجة جديدة من القتال المكثف تشعل جبهة دارفور في السودان
  • مؤتمر «تقدم».. آمال وتحديات
  • الغذاء العالمي يطالب أطراف الصراع في السودان بوقف القتال
  • “تقدم” خطوة إيجابية للأمام
  • "الغذاء العالمي" يطالب أطراف الصراع في السودان بوقف القتال والسماح بإيصال المساعدات
  • مديرة منظمة المرأة العربية تدعو لمبادرة نسائية لوقف النار على غزة
  • أوباما يوضح أهمية المقترح الذي أعلنه بايدن لوقف القتال في غزة
  • هل تنعش التحركات الدولية والإقليمية عملية السلام في السودان؟
  • "سلمان للإغاثة" يدعو لتعزيز المسؤولية الدولية وإشراك المجتمع الإنساني في توسيع جهود إزالة الألغام حول العالم