بعد ثمانية أشهر من الصمود التاريخي والأسطوري الذي يواجه به الشعب الفلسطيني بقيادة مقاوميه الأبطال  آلة الدمار الصهيونية في غزة والضفة والقدس بدعم وانخراط مباشر وغير مباشر من أغلب الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وتواطؤ الأنظمة العربية، وأحيانا بشكل مفضوح، خاصة الممضية على اتفاقيات التطبيع بما في ذلك السلطة الفلسطينية التي تحولت إلى ذراع طولى للاحتلال في الضفة دون أن يهتز لها ولأعوانها جفن لهول ما يرتكبه الصهاينة من جرائم في حق أبناء جلدتهم آخرها قصف خيام اللاجئين في رفح دون أي اعتبار لمواثيق الأمم المتحدة أو قرارات الشرعية الدولية وآخرها قرار محكمة العدل الدولية بوقف العمليات العسكرية في رفح.



في الأثناء يتواصل مراطون الاتصالات والمفاوضات والوساطات والضغوطات والمخاتلات لوقف الصراع والمرور إلى ما يسميه البعض باليوم التالي أو ما بعد الحرب.

وهنا مربط الفرس كما يقال والسؤال المركزي حول مصير القضية ومستقبلها بين ما سطره الميدان من حقائق وما أحدثه من تحولات وما فتحه من آفاق وما يريده الكيان وطوابيره الدولية والإقليمية من تأمين لوجوده وتصفية نهائية للقضية ومقاومتها بالتفاوض؟

لقد أفضى صمود الأشهر الثامنية إلى الحقائق الميدانية التالية: 

1 ـ الفشل الذريع للكيان الصهيوني وداعميه والمتواطئين معه في تحقيق أي انتصار ميداني على المقاومة في معركة طوفان الأقصى رغم كلفة العدوان التي يدفعها الشعب الفلسطيني في كل شبر من أراضيه وخاصة في غزة من حصار وتجويع وقتل وترويع.

2 ـ معركة طوفان الأقصى مسمار غائر محسن النويشي في نعش آخر احتلال استيطاني في العصر الحديث، وذلك لانعكاساته الميدانية المباشرة التي هزت ثقة الكيان جيشا وشعبا وقيادة في قدراته الميدانية  وزرعت  بذور الهزيمة النفسية في داخله وبما أحدثته من زلزال في الرأي العام الدولي وفي وعي الشعوب خاصة الحرة منها ولدى أجيالها المستقبلية بالخصوص من شباب الجامعات وما حصل من تطورات مهمة في الموقف الدولي وخاصة طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية إصدار بطاقات جلب في حق رئيس وزراء الكيان ووزير دفاعه رغم توجيه نفس الطلب في حق ثلاثة من قيادات المقاومة وتسوية المعتدي بالمعتدى عليه أو المغتصب بصاحب الحق إلا أن أهمية الطلب تكمن في رفع الحصانة الدولية عن الكيان وقادته وفقدانه سلاح المحرقة ومعاداة السامية.. يضاف إلى هذا التطور إعلانات الاعتراف بالدولة الفلسطينية من عدة دول رغم رمزيته.

معركة طوفان الأقصى مسمار غائر محسن النويشي في نعش آخر احتلال استيطاني في العصر الحديث، وذلك لانعكاساته الميدانية المباشرة التي هزت ثقة الكيان جيشا وشعبا وقيادة في قدراته الميدانية وزرعت بذور الهزيمة النفسية في داخله وبما أحدثته من زلزال في الرأي العام الدولي وفي وعي الشعوب خاصة الحرة منها3 ـ معركة طوفان الأقصى على أهميتها فهي من الناحية الاستراتيجية خطوة متقدمة على طريق تحرير فلسطين كاملة من النهر إلى البحر وإجبار الغرب على تفكيك قاعدته المتقدمة في قلب الأمة مثلما تفكك نظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا وكذلك الاتحاد السوفييتي امبراطورية الشر حسب التوصيف الغربي الرأسمالي.. والأكيد أنها ليست الخطوة الأخيرة، لذلك فإن المهم هو في كيفية البناء عليها والمراكمة على إنجازاتها وتجاوز مخلفاتها الظرفية من دمار وتشريد وتجويع في ظل حصار خانق وإرادة دولية وإقليمية مجتمعة لإجهاضها وإفراغها من محتواها وتجنب انعكاساتها المستقبلية.

والأكيد أن للمقاومة وقيادتها رؤية ذات أبعاد استراتيجية وتكتيكية لليوم التالي وما يليه ضمن الهدف المركزي للثورة الفلسطينية .

كما أن  هذه الحقائق الميدانية الكبرى والثابتة تتطلب اقتدارا سياسيا تفاوضيا لا يقل أهمية عن الاقتدار الميداني وربما  يفوقه أحيانا، وذلك ضمن المحاذير التالية :

1 ـ الانتباه للمخاتلات التفاوضية التي يمكن أن تحقق نصرا ولو موهوما للكيان ظرفيا وتفتح المجال استراتجيا لعملية كي قاسية للوعي الفلسطيني المشبع بأشواق التحرر والمتمسك بالتحرير الكامل حتى يقلع عن ذلك نهائيا. ولعل من أبرز المخاتلات التفاوضية هي وهم الدولتين على أرض فلسطين التاريخية طبقا لقرارات الأمم المتحدة يعني دولة الكيان والدولة الفلسطينية على أراضي 1967 التي تضم القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة.

وكلما اشتد الضغط على الكيان إلا وأخرج كافليه ووكلائهم من أدراجهم ما يسمى بحل الدولتين للضحك على ذقون المغفلين من الأنظمة العربية والدخول في دوامة التفاوض ومزيد التفاوض دون نتيجة وهي في جوهرها وسيلة لإدخال أي نفس مقاوم إلى بيت الطاعة الصهيونية.

قد يكون حل الدولتين بالنسبة للمقاومة خطوة تكتيكية على طريق التحرير الكامل هذا من الناحية النظرية لكن عمليا لا توجد إمكانية لتنزيله والراجح أنه لن يحصل إلا أن يكون الكيان مضطرا إليه وفي هذه الحالة عليه أن ينسحب من أراضي الـ 67 انسحابا كاملا لإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة دون قيد أو شرط.

لذلك يصبح طرح إقامة الدولة الفلسطينية الآن مجرد مادة للاستهلاك السياسي وتحويل اهتمام الفلسطينين عن جوهر قضيتهم. كما أن ما أعلنته بعض الدول الأوروبية من اعترافات بالدولة الفلسطينية  لا أثر له سياسيا ودوليا خاصة إذا تبين أن الدولة المقصودة هي دويلة محمود عباس التي لا ترتقي إلى مستوى سلطة محلية في دولة ذات سيادة ومع ذلك يبقى الإعلان خطوة سياسية في صالح القضية  الفلسطينية يمكن البناء عليه مستقبلا.

أما المخاتلة الثانية فهي وحدة الشعب الفلسطيني وهي كلمة حق يراد بها باطل.. فلا شك أن الوحدة الوطنية ضرورة حيوية للقضية الفلسطينية لكن أية وحدة؟ وعلى أي أرضية؟ هل الوحدة على أرضية التحرير بكل الوسائل التي تكفلها كل الشرائع والأديان والمواثيق الدولية أم هي وحدة على أرضية الاستسلام والخنوع والتفريط؟

الواضح أن القصد من الوحدة الفلسطينية هو حشر المقاومة تحت سقف اتفاقية أوسلو وسلطتها المتهاوية وليس العكس لأن الوحدة على أرضية المقاومة أمر واقع في الميدان بين كل فصائل الشعب الفلسطيني في إطار غرفة العمليات المشتركة وفي إطار المشاورات السياسية المستمرة.

والحديث عن الوحدة مثل الحديث عن الدولة المزعومة هو طعم الهدف منه إرباك المقاومة وفك الارتباط بينها وبين حاضنتها الشعبية.

معركة طوفان الأقصى على أهميتها فهي من الناحية الاستراتيجية خطوة متقدمة على طريق تحرير فلسطين كاملة من النهر إلى البحر وإجبار الغرب على تفكيك قاعدته المتقدمة في قلب الأمة مثلما تفكك نظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا وكذلك الاتحاد السوفييتي امبراطورية الشر حسب التوصيف الغربي الرأسمالي.أما المخاتلة الثالثة فهي التواجد الدولي في غزة لحفظ السلام وإدخال المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار بمشاركة بعض الأنظمة العربية المطبعة التي عبرت عن استعدادها في القمة العربية الأخيرة لدعم سلطة عشائرية في غزة مثل سلطة محمود عباس. وهذا التواجد لن يكون إلا في خدمة الاستراتيجيا الصهيوأمريكية التي تهدف إلى إخضاع الشعب الفلسطني وشق صفه بتشكيل طابور خامس في خدمة الاحتلال في غزة لضرب المقاومة من الداخل على غرار تجارب الاحتلال الأمريكي في أفغانستان والعراق عموما وتجربة إخضاع مقاومة الفلوجة خصوصا وغيرها من التجارب.

2 ـ التمسك بالحق المطلق في المقاومة المسلحة وجعله خارج أي إطار للتفاوض أو المساومة حتى لا يتكرر سناريو إخراج المقاومة الفلسطينية بقيادة الشهيد ياسر عرفات من لبنان سنة 1982 إلى شتات آخر في أكثر من دولة عربية لتتولى عزلهم وترويضهم. فوجود المقاومة في ميدان الصراع مسألة استراتيجية لا يحق لأي كان التفريط فيها.

3 ـ ممارسة التكتيك السياسي والمرونة التفاوضية ضمن رؤية استراتيجية رغم صعوبة الأوضاع وضغطها وعدم وجود ظهير سياسي للمقاومة  من بين القائمين بالوساطة فاحدهم منحاز انحيازا تاما والاخر متواطئ ويحاول عبثا مداراة رغبته الجامحة بما يعادل او يفوق رغبة الكيان الصهيوني في القضاء على المقاومة اما الطرف المتبقي فانه يحاول بصعوبة التزام الحياد الذي يضطر احيانا الى دفع ثمن باهض مقابله. لذلك فان  الوضعية تتطلب انتباها شديدا لعدم القبول بحلول تكتيكية تحت ضغط الواقع  يمكن ان تكون لها انعكاسات سلبية استراتجيا.

وفي خلاصة فإن معطيات تطور الصراع في فلسطين في جولة طوفان الأقصى بين المقاومة والكيان الصهيوني تؤشر على قرب نهايته رغم مواصلة حالة عض الأصابع بينهما وانتظار من سيصرخ أولا.

الراجح أنها ستنتهي باستراحة محارب لا غير ليندلع الصراع مجددا بشكل أكثر ضراوة ويمكن أن يتوسع إقليميا رغم النجاح النسبي في تطويقه هذه المرة وحصره خاصة في غزة دون أن يتحول في الضفة وأراضي 48 إلى صراع مسلح شامل وكذلك دون أن يتحول إلى حرب إقليمية رغم الإسناد الميداني اليمني واللبناني والعراقي للمقاومة.

*كاتب وناشط سياسي تونسي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني غزة الحرب احتلال احتلال فلسطين غزة حرب مآلات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة معرکة طوفان الأقصى الشعب الفلسطینی فی غزة

إقرأ أيضاً:

الفيلم الكوري مجنونة جدا.. لعنة منتصف الليل تكشف الحقائق المخفية

عالجت السينما موضوع الانقسام بين الذات التي يراها المجتمع والدوافع الخفية الأكثر قتامة التي تقف خلف السلوكيات الغريبة التي لا تتسق معها. وجسّدت كلاسيكيات الرعب المبكرة مثل "دكتور جيكل ومستر هايد" (Dr. Jekyll and Mr. Hyde) هذه الثنائية حرفيا، إذ أظهرت رجلا محترما في حالة حرب مع الأنا البديلة العنيفة، محوِّلة الصراع النفسي إلى تحول جسدي.

وطوّرت الأفلام اللاحقة الفكرة بعمق نفسي أكبر، ومنها "فيرتيجو" (Vertigo) الذي جسّد الهوس والرغبة في التحكم بهوية الآخر، ملمّحا إلى أن الظلام لا يكمن فقط داخل الأفراد، بل أيضا داخل الأوهام التي يفرضها الآخرون عليهم. وفي فيلم "سائق التاكسي" (Taxi Driver)، يقدم البطل نفسه على أنه محارب قديم وحيد، لكن تحت هذه الهوية العامة الهشّة تنمو عقدة منقذ عنيفة تنفجر في عمل خطير، وفي فيلم "نادي القتال" (Fight Club)، يعبّر العمل عن خيبة أمل من خلال الأنا البديلة المولودة من الإحباط الذكوري المكبوت، كاشفا كيف يصنع المجتمع الحديث هويات تتمرّد في النهاية على الوضع الطبيعي المفروض.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"ضايل عنا عرض" يحصد جائزتين في مهرجان روما الدولي للأفلام الوثائقيةlist 2 of 2فيلم "أوسكار: عودة الماموث".. قفزة نوعية بالسينما المصرية أم كبوة جديدة؟end of list

وبرزت الميلودراما في أفلام منها "البجعة السوداء" (The Black Swan)، حيث استخدمت الذات المزدوجة لاستكشاف الكمال والذات الأنثوية، مشيرة إلى أن الشخصية المظلمة أحيانا ما تكون نتاجا لضغوط مجتمعية لا شرّا فطريا.

لم تتعامل هذه الأفلام مع الذات الخفية بوصفها مجرد وحش، بل باعتبارها رد فعل على الكبت العاطفي والوحدة والتوقعات الثقافية، ممهدة الطريق لقصص معاصرة مثل "مجنونة جدا" (Pretty Crazy) لإعادة صياغة الصراع نفسه في أنواع أدبية جديدة.

لعبت بعض المشاهد أدوارا مفتاحية للدفع بالمشاهد في قلب أزمة العمل (إيه إم دي بي على إنستغرام)اللعنة التي تغير موازين القوة

وتدور أحداث فيلم "مجنونة جدا" حول غيل غو، وهو شاب عاطل عن العمل ينجرف في روتين ممل حتى تدخل جارته الجديدة الساحرة، سون غي، حياته فجأة، ليكتشف أن المرأة اللطيفة التي يلتقيها خلال النهار تتحول إلى شخصية فوضوية، تكاد تكون شيطانية كل ليلة بسبب لعنة غامضة.

إعلان

ورغم صدمته، يفتن بها، ويقبل طلبا غير عادي من والدها المنهك لمراقبتها خلال هذه التحولات الليلية، ليصبح حارسا مترددا ينمو ببطء مرتبطا عاطفيا بكلا جانبي شخصيتها. بينما يقضي ليالٍ طويلة يحميها ويراقبها، يتحول ما يبدأ كخوف إلى عاطفة، ويتحول الفيلم من كوميديا ​​رومانسية غريبة إلى قصة عن الهوية والصدمة الخفية والصراع بين التوقعات الاجتماعية والواقع الداخلي.

وحين يحاول غيل غو كسر اللعنة ومساعدة سيون غي على استعادة السيطرة على حياتها، يترك الفيلم السؤال الأعمق الكامن وراء الحبكة الخارقة للطبيعة مفتوحا، وهو هل يمكن للحب أن يعيش في ظل الاختلاف الحاد بين شخصية المحبوب نهارا وليلا؟

يُشير التناقض بين غيل غو وسون غي بشكلٍ خفي إلى اختلاف طبقي، حيث يقدم الفيلم غيل غو كشاب عاطل عن العمل، ينجرف بلا هدف ولا استقرار. من ناحية أخرى، تعمل سون غي خبازة في متجر محلي، وتظهر في البداية كجارة مهذبة وفعّالة اجتماعيا، فهي امرأة لديها وظيفة وروتين، يبدو كأنه جزء من الحياة اليومية العادية، ويُنشئ هذا التناقض توترا اجتماعيا واقتصاديا بين استقرارها المتواضع، وإن كان منتظما، ووجوده الهش وغير المستقر.

ويزداد هذا التوتر حدة بالطريقة التي تُخفي بها "طبيعة" سون غي الظاهرة اللعنة الخارقة للطبيعة التي تسكنها. في الوقت نفسه، يُصبح غيل غو، رغم اضطرابه الاقتصادي، حاميها الليلي، لتنقلب بذلك موازين القوة والدعم المتوقعة. من خلال هذا التناقض، يُشير الفيلم إلى أن الطبقة أو المكانة الاجتماعية لا تضمن الأمن أو الهوية، فالاستقرار قد يكون وهما، بينما قد يحمل الضعف أو التهميش على قوة خفية.

قدم المخرج الكوري الجنوبي لي سانغ غيون أداء بصريا مميزا، ولعبت بعض المشاهد أدوارا مفتاحية للدفع بالمشاهد في قلب أزمة العمل، ولعل أحد أكثر المشاهد لفتا للانتباه هو ذلك الذي تستقل فيه غيل غو المصعد مع سون غي بعد مقابلتها في الليلة السابقة، يصبح المشهد العادي مقلقا فجأة حيث يتغير تعبيرها ووضعيتها بشكل جذري لدرجة أن الجمهور يشعر بالصدمة تماما كما يشعر بها غيل غو، تنجح هذه اللحظة لأنها تعلن بصريا عن الصراع المركزي للفيلم دون تفسير.

وفي مشهد آخر لا يُنسى خلال أحد "مواعيد الليل"، عندما تكشف سون غي، في حالتها الفوضوية، بشكل غير متوقع عن تلميحات من انعدام الأمن بدلا من العنف، مما يشير إلى أن شخصيتها المظلمة ليست شرا خالصا ولكنها جزء مجروح من نفسها، وهو كشف يجلب تعاطف المشاهد.

وفي مشهد لاحق تواجه فيه سون غي والدها بشأن اللعنة، لأنه يحول السرد من الكوميديا ​​إلى الدراما العاطفية، ويكشف عن الإرهاق والخوف والذنب الذي يحيط بحالة سون غي، ويظهر أن اللعنة تؤثر على كل من يرتبط بها.

وأخيرا، فإن اللحظة التي تقترب من النهاية التي يختار فيها غيل غو البقاء مع سون غي أثناء تحولها، بدلا من الهرب كما يفعل أي شخص عاقل، تقف كقمة عاطفية، فهي تُظهر القبول بدلا من الخوف، مما يحول الصراع الخارق للطبيعة إلى بيان مؤثر حول الحب والولاء والشجاعة لمواجهة الجانب الأظلم لشخص ما.

فصام الليل والنهار يظهر بصريا عبر تناقض الإضاءة والألوان (إيه إم دي بي على إنستغرام)فصام الليل والنهار بصريا

تتكامل العناصر البصرية وتصميم الصوت في الفيلم لبناء مشهد عاطفي متقلب يتأرجح بين الكوميديا ​​والتشويق والتوتر النفسي. بصريا، يلعب الفيلم على التناقضات بين بيئات النهار والليل لإبراز موضوعه الرئيسي، وهو الانقسام بين شخصية سون غي العامة وهويتها الخفية المظلمة.

إعلان

غالبا ما تصور مشاهد النهار بإضاءة طبيعية ساطعة، وألوان دافئة، وأجواء عادية، بينها مخابز، وشقق، وشوارع الأحياء، مما يخلق شعورا بالراحة والطبيعية اليومية، وتبرز هذه المشاهد الهادئة بصريا الروتين والاستقرار، مما يجعل سون غي تبدو مندمجة تماما في محيطها.

على النقيض من ذلك، تميل بيئات الليل إلى أن تكون أكثر برودة وظلاما وعدم استقرار بصري: تملأ الظلال الزوايا، وتصبح حركة الكاميرا أقل قابلية للتنبؤ، وتحل إضاءة النيون أو الإضاءة الاصطناعية محل سطوع النهار الطبيعي. لا يُشير هذا التحول في التصوير السينمائي إلى تحول سون غي فقط، بل يعكس أيضا القلق النفسي الذي يحيط بحالتها.

تسهم اللقطات المقربة في المشاهد الليلية في تجسيد تحولات الوجه والتوتر العاطفي، بينما تكون لقطات النهار أوسع وأكثر استرخاء، وتوضح السياقات الاجتماعية والمساحة، وتخلق المشاهد المكبرة جوا من الضيق، يشعر من خلاله الجمهور أنه مُحاصر بشخصية سون-غي المظلمة، بينما توحي التركيبات الأوسع في ضوء النهار بالحرية والانتماء الاجتماعي.

كما يستخدم الفيلم الانعكاسات والمرايا والنوافذ للتلميح إلى الهويات الخفية، وتذكر هذه العناصر البصرية المشاهدين ببراعة بوجود ذات منقسمة دائما تحت السطح، حتى التصميمات الداخلية البسيطة للشقق تصبح مساحات رمزية، تنتقل من الراحة المنزلية إلى الحبس المقلق اعتمادا على الإضاءة ووضع الكاميرا.

يلعب تصميم الصوت دورا حاسما بالقدر نفسه في تشكيل النسيج العاطفي للفيلم. خلال مشاهد النهار، تنشئ الأصوات المحيطة، كضجيج الشوارع والمحادثات العابرة، بيئة صوتية طبيعية ترسخ المشاهد في عالم اجتماعي واضح.

عادة ما تكون الموسيقى في هذه اللحظات خفيفة أو مرحة، مما يعزز أجواء الكوميديا ​​الرومانسية التي تفتتح الفيلم. ومع ذلك، يتغير المشهد الصوتي بشكل كبير مع حلول الليل. تضفي النغمات الخافتة، والأصداء البعيدة والضوضاء المحيطة المكتومة شعورا بالتشويق وعدم القدرة على التنبؤ، كما لو أن شيئا خطيرا على وشك الحدوث. تعمل هذه الإشارات السمعية الدقيقة كإشارات نفسية، تهيئ المشاهد لتحول سون غي حتى قبل أن يراه.

الأصوات الليلية الخافتة والمكتومة تخلق تشويقا وقلقا (إيه إم دي بي على إنستغرام)

في بعض المشاهد، يصبح الصوت أكثر تعبيرا من الصورة. على سبيل المثال، تعتمد مشاهد التحول بشكل كبير على المؤثرات الصوتية بدلا من المؤثرات البصرية، مما يوحي غالبا باضطراب داخلي من خلال تشوهات صوتية، أو أصوات هامسة، أو إشارات انتقالية حادة. تتيح هذه التقنية للجمهور الشعور بصراع سون غي الداخلي دون الاعتماد على صور حاسوبية صريحة أو صور مخيفة. فبدلا من صدمة الجمهور بصريا، يزعجهم الفيلم صوتيا، مما يجعل التحول تجربة عاطفية، وليست خارقة للطبيعة بحتة.

كما تساعد الموسيقى التصويرية على تطوير علاقات الشخصيات. عندما يبدأ غيل-غو بقضاء الليالي مع سون-غي، تتحول الموسيقى من نغمات كوميدية إلى ألحان عاطفية وتأملية، مما يوحي بترابط عاطفي متنام. أحيانا، يصبح الصمت أداة مؤثرت حيث يبرز الضعف في لحظات السكون، مما يجعل المشاهد ينتظر بقلق التحول غير المتوقع التالي.

في النهاية، يحول مزيج التناقضات البصرية وتصميم الصوت فيلم "مجنونة جدا" إلى أكثر من مجرد مزيج من الكوميديا ​​والرعب، باستخدام الإضاءة والتصوير والألوان واالصوت لعكس الصراع الداخلي.

مقالات مشابهة

  • برج السرطان حظك اليوم السبت 13 ديسمبر 2025… كشف الكثير من الحقائق
  • حروب الشيطنة إنقاذ لسمعة الكيان الصهيوني
  • الفيلم الكوري مجنونة جدا.. لعنة منتصف الليل تكشف الحقائق المخفية
  • سرقة الأسورة الأثرية تهز المتحف المصري وجلسة 14 ديسمبر للفصل في القضية
  • مسير ومناورة لخريجي دورات” طوفان الأقصى” في حرض بحجة
  • شهداء الحركة الرياضية .. الحلقة 379 (زين نصر)
  • مشعل: القضية الفلسطينية استعادت حضورها الدولي والطوفان كشف الوجه الحقيقي لـ"إسرائيل"
  • الرئيس الفلسطيني وملك إسبانيا يبحثان آخر التطورات السياسية والأوضاع الميدانية
  • من إسلام آباد.. الرئيس الإندونيسي يجدد التزام بلاده بدعم القضية الفلسطينية
  • إيرواني: يجب على العالم أن يتحرك بحزم لإنهاء الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة