خطاب الكراهية: هل هو قميص عامر حرب أبريل

عبدالله ديدان

مضي أكثر من اثني عشر شهرا منذ اندلاع حرب الموت والتشرد والاغتصاب وفقدان الممتلكات وضياع الإنسانية ولا زالت نيرانها مشتعلة، تزداد تمددا واشتعلا، ربما لا ينجو منها أحد، فهي تحرق الوطن كل يوم وتقضي على آمال العودة إلى ما قبلها من حقبة كانت بائسة، لكنها ممكنة الإصلاح بلا سلاح وطائرات وقذائف مدافع، خلفت ولازالت تفعل، هذه الحرب اللئيمة، الكثير من التحديات على مستوى إنسانيتنا حتى بتنا حديث العالم، الذي لم يشهد نزوحا ولجوءا لما يفوق الخمسة عشر مليونا من البشر طوال تاريخه الحديث، فضلا عن عشرات الألوف من الموتى والمصابين وأشد مضاضة من كل ذلك انكسار الإسنان السوداني وذهاب قيمته التي تجعل منه كائنا له وطن وتراب يحبه ويقدر على العيش فيه، وهو مشحون بكل الأزمات ومسيرة الفشل الطويل التي لازمت حلمه ببناء دولة التنوع ومجد الاستقرار والتطور، لينعم بالرفاه واستثمار موارده المتعددة فى توفير أسباب الراحة ولخير البشرية.

أنتجت هذه الحرب واقعا اجتماعيا وثقافيا جديدا وبسرعة شديدة وفي عام واحد فقط، استطاعت أن تفجر براكينا من التداعى المكبوت، بكل محمولات التاريخ وفشل النخب السياسية والثقافية والأكاديمية، منذ خروج المستعمر وآيلولة الشأن الوطني لبني الوطن وعدم قدرتهم على بناء أمة سودانية وفقط مشروع وطني سوداني مؤسس على إدارة التنوع العرقي، الثقافي، الاجتماعي والاقتصادي الحاد، الذين يتشكل منه مجموع الشعب السوداني بلا روابط حقيقية وصلبة، تجعل هناك عرى متينة لوحدة الشعور بالانتماء الوطني  والمصير المشترك، فبتنا شعبا سودانيا يحمل ذات الجنسية ولكنه ينتمي إلى فضاءات أخرى، ليس من بينها، إننا نرى أنفسنا جميعا سودانيين حتى ولو أدرنا خلافاتنا بالسلاح، نظل ننظر إلى أنفسنا كسودانيين نتقاتل بالسلاح، ومرد ذلك يعود إلى سوء تربيتنا السياسية والثقافية والاجتماعية والوطنية وغياب الرؤية للبناء الوطني وعدم الاعتراف بالتنوع الذي هو أس تكويننا كشعب لهذا البلد. برز مع هذه الحرب، خطاب سياسي، ثقافي، اجتماعي وحربي عدائي وازدرائي، مشحون برفض الآخر حتى أن تأثيره، وصل إلى مرحلة القتل على أساس العرق واللون والشكل بين كل الطراف المتقاتلة والإخفاء القسري والطرد من مكان إلى مكان آخر، إنه خطاب الكراهية الذي يمكن تعريفه مفاهيميا بأنه أي نوع من التواصل الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص لأو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى على أساس الدين أو الانتماء الاثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو الاصل أو نوع الجنس أو احد العوامل الاخرى المحددة للهوية. وهو خطاب دائما ما يستمد جذوره من مشاعر التعصب والكراهية التي يغذيها فى الوقت نفسه، ويمكن أن يؤدي إلى الاذلال ويقود إلى الانقسامات، وهنا تكمن خطورة خطاب الكراهية لأنه يمكن أن يصل إلى مرحلة الدعوة وإلى العمل على سحق الآخر ورفض وجوده مطلقا، وهذا ما يحدث عندنا حاليا كواحد من تداعيات هذه الحرب الليعنة، فخطاب الكراهية ظل موجودا في مجتمعنا قبل هذه الحرب ويتجلى بكيفيات وأوجه مختلفة، سواء كان على المستوى النخبوي وأوساط المتعلمين والمشتغلين بالقضايا العامية والمثقفين، أو على المستوى الشعبي البسيط، بسبب تداعيات التاريخ وضعف إدراكنا للتنوع ورفض البعض من للآخر، نسبة للشعور بالأفضلية العرقية والتفوق الثقافي المبني على الاساس العرقي أو الدين، إلا انه وفى ظل حرب ابريل اللعينة هذه، طفت على سطح تداعيات الحرب اقوال وافعال وممارسات قائمة على خطاب كراهية مفرط، ومما يؤسف له أن ثلة من المتعلمين والمثقفين والاعلاميين والسياسيين ورجال الدولة وبعض قادة الحرب من الطرفين، اصبحوا يمارسون خطابا مشحونا بالكراهية على اساس العرق والجهة واللغة والثقافة والملامح والتاريخ، الشيء الذي أدى إلى حالة انقسام على هذه الاسس بين السودانيين، وساهم فى تأجيج الصراع وصب المزيد من الزيت على نار الحرب المشتعلة، مما قد يؤدي إلى تحولها إلى حرب اهلية واسعة النطاق وشديدة الفتك ترتكب فيها كل انواع الجرائم اكثر مما يحدث الآن ولربما تؤدي إلى تقسيم الوطن بلا رجعة، هنالك قوى مجتمعية وثقافية وسياسية ودينية تتبنى هذا الخطاب شديد الخطورة، لأن الحرب أولها كلام واخطر انواع الكلام خطاب الكراهية، الذي امتلأت به وسائط الاعلام الاكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي والخطابات العامة الموجهة للجمهور بغرض الاستقطاب أو الرفض على اساس العرق والجهة، حتى بات بعض كبار القادة من طرفي الحرب، يجردون بعضهم البعض من صفة المواطنة سوءا بالكلام أو الممارسة، كما ان طرفا الحرب باتا يستجيبان لدعاة خطاب الكراهية حتى بات واقع الحرب الآن، ترتكب فيه المجازر والابادة العرقية فى معظم الاقاليم التي تشتعمل فيها الحرب، وبصورة اشد حدة في اقليم دافور وولاية الجزيرة، انتشار هذه الممارسات بمستويات مختلفة في كل السودان حاليا.

مسؤوولية قادة الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني وكيانات المثقفين والاعلام والقوى السياسية، باتت كبيرة ومطلوبة بصورة عاجلة للتصدي لخطاب الكراهية الحاد والمسيطر على فضاء الحرب الآن، وذلك بمقابلته بخطاب مضاد مبني على اسس ان الحرب هي في اصلها سياسية وصراع مصالح بين قوتين مسلحتين معاديتين لحق الشعب السوداني في الاستقرار والديمقراطية والحكم المدني وسيادة حكم القانون ومحاربة الفساد، كما لابد من فضح الذين يتبنون خطاب الكراهية لتغذية الحرب ورفض الآخر والدعوة إلى اجتثاثه على اساس انه آخر مختلف، لأن هذا الخطاب يخرج الحرب من السياق الذي يمكن احتوائه الى سياق آخر يقود الى الحرب الشاملة والفوضوية حتى ان طرفيها الحاليين لن يكونا موجودين حينها، لانهما سيذوبان فى حرب الكراهية الشاملة وهي حرب الكل ضد الكل. هنالك ضرورة ملحة فى ظل هذا الواقع المعقد لانتاج خطاب واسع موجه للشعب السوداني بعدم الانسياق وراء دعاة الكراهية بكل اوجهها وخطابها المشحون بروح تأجيج الحرب وتوسيع دائرتها على اسس عرقية وثقافية واستدعاءات تاريخية مضرة، على ان يتم تبني هذا الخطاب بواسطة حملة دولية واعلامية واسعة عبر مختلف المنصات بالتعاون بين منظمات المجتمع المدني الاقليمية والدولية والمحلية والفاعلين الاجتماعيين والمثقفين فى قواعد المجتمع السوداني.

 

 

الوسومحرب السودان مناهضة خطاب الكراهية نحن واحد

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: حرب السودان مناهضة خطاب الكراهية نحن واحد

إقرأ أيضاً:

قضيتنا الوطنية.. حين يشيخ الخطاب وتتمرد المرحلة

كأننا نعيش في شريط يُعاد بثه دون أن تُضاف إليه لقطة واحدة جديدة.
منذ خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة التشريعية الأخيرة، كُشف الستار عن مرحلة جديدة، لكنها – وللأسف – لم تجد من يقرأها، من يفك شفرتها، من يغوص إلى ما وراء الكلمات..
فالفاعل السياسي والمدني ظل وفيًا لعاداته القديمة، كأن الزمن لم يمسّه، وكأن سياق الخطاب لا يعنيه إلا كعرض مسرحي آخر.

هناك من لا يزال يتعامل مع قضيتنا الوطنية كما لو أنها عقد امتياز حصري لا يقبل المنافسة ولا المشاركة، وكأن الوطن وثيقة ملكية باسمه الشخصي.
منهم من يرى في الاختلاف مسًّا بالثوابت، وفي الرأي الآخر خيانة عظمى، وكأن حب الوطن لا يُقاس إلا بمقدار ما يُردَّد من شعارات، لا بما يُقدَّم من نقد صادق ومقترح جريء.

لم نعد بحاجة إلى من يرتدي “الدراعة” ليمنح نفسه شرعية الحديث، ولا إلى من يُتقن فنون الخطابة أكثر من فنون الفهم.
القضية أكبر من اللباس، أعمق من الخطاب، وأسمى من الصراعات الصغيرة التي تُدار خلف الكواليس.

الملك دعا إلى الكفاءة، لكن الكفاءة هنا تُترجم بعلاقات النسب والولاء، لا بعمق التحليل، لا بامتلاك المشروع، ولا بالقدرة على فهم التحولات الجيوسياسية.
إنه الزمن نفسه يعود، بالوجوه نفسها، بالعناوين ذاتها، بندوات تُعيد اجترار الكلام القديم بلغة جديدة باهتة، دون أن تغيّر شيئًا من المعنى أو المضمون.

نحن في أمسِّ الحاجة إلى شيء مختلف..
إلى ثورة ناعمة في المفاهيم..
نحتاج إلى خطاب لا يصرخ، بل يُقنع..
لا يلعن، بل يُناقش..
نحتاج إلى اختيار الكلمات كما يختار الجراح موضع شقّه بدقة، بحذر، وبحب.

نحتاج إلى أن نُشرك الجميع، حتى أولئك الذين يختلفون معنا، فحب الوطن لا يُقاس بالتطابق في الرأي، بل بالصدق في النية.
نحتاج إلى مساحة تحمي النقد ولا تخنقه، لأن أكثر الناس حبًا لهذا الوطن هم من يتألمون حين يرون العبث يُعيد نفسه بثقة العارفين.
نحن جيل لم يراكم الثروات، ولم يتخذ من القضية جسرًا إلى المناصب، جيل يُحب هذا الوطن كما تُحب الأم وليدها: حبًا قاسيًا، صامتًا، لكنه لا يساوم.

كم يُوجعنا ألّا يتغير شيء، أن تبقى الندوات على حالها، والأصوات نفسها، واللغة ذاتها، والوجوه نفسها تذهب وتعود دون أثر يُذكر.
أن نناقش مستقبل الصحراء ونحن لم نتصالح بعد مع أنفسنا، ولم نكتشف بعضنا البعض بعد.
أن نرفع راية الوحدة ونحن نغرس خناجر التخوين في ظهور من يختلفون معنا في زاوية النظر.

أيها المتحدثون باسم الوطن..
ليس من يرفع صوته أكثر هو من يحب هذا الوطن أكثر، وليس من يختزل القضية في صورة ولباس هو الأدرى بها.
الفهم لا يُمنح، بل يُبنى، والحقيقة لا تُحتكر، بل تُناقش.

الدبلوماسية المغربية تحت قيادة صاحب الجلالة حققت انتصارات على الأرض، اعترافات دولية، ومكاسب استراتيجية، بينما نحن – نخب الداخل – ما زلنا نُصارع بعضنا البعض في زوايا معتمة، كأننا نخشى النور، نخشى أن نُرى كما نحن: بلا مشروع، بلا أفق، بلا شجاعة للاعتراف بأننا بحاجة إلى بداية جديدة.

دعونا نُخرج القضية من قيد الشعارات.. دعونا نمنحها لغة جديدة..
لغة المصالحة، مع الذات أولًا، ثم مع الآخر، ثم مع التاريخ الذي يُكتب الآن، ولا ينتظر..

نحتاج إلى خطاب لا يكتفي بترديد ما قيل، بل يخلق ما لم يُقل بعد..
خطاب لا يرث، بل يبتكر..
فالقضية لم تعد تحتمل المزيد من الجمود، ولا المزيد من التمثيل الرديء على مسرح الواقع..

ولأننا نحمل وجع الوطن في صدورنا، نعرف جيدًا أن الأوطان لا تُبنى بالصوت العالي، بل بالعقل العميق، ولا تُحمى بالرقابة، بل بالحقيقة.

وما أقسى أن يظل الوطن حبيس خطابات لا تُشبهه..
وأن تتحول قضيته الأولى إلى قصيدة مكسورة الوزن، يكتبها من لا يعرف لغة الأرض، ولا وجع أهلها…

 

مقالات مشابهة

  • الرقابة المالية: 3.68 مليون مستفيد من تمويلات المشروعات المتوسطة والصغيرة بنهاية أبريل 2025
  • 1.8 مليار ريال حجم الزيادة في السيولة المحلية بنهاية أبريل 2025
  • قضيتنا الوطنية.. حين يشيخ الخطاب وتتمرد المرحلة
  • قراءة في خطاب حميدتي
  • ارتفاع صادرات السعودية غير البترولية 24.6% في أبريل
  • خالد عامر يكتب: من الفائز؟ أمريكا ـ إسرائيل .. أم إيران؟
  • «هيئة الإحصاء»: ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة (24.6%) لتصل إلى (28.4) مليار ريال في أبريل 2025
  • «الإحصاء»: 166.4 مليار ريال حجم التجارة الدولية للمملكة في أبريل 2025
  • خطاب المفتتح والخاتمة قراءة في رواية «الروع»
  • خطاب الحرب