أكد الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، رئيس مؤتمر الأطراف COP28، أن دولة الإمارات تقوم بدور رائد في نشر الطاقة النظيفة وتطبيقات التكنولوجيا المتقدمة عالمياً لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وبناء مستقبل أفضل للبشرية، وذلك بفضل الرؤية الاستشرافية للقيادة الإماراتية.

جاء ذلك خلال كلمته في افتتاح فعاليات "أسبوع باكو للطاقة" الذي يقام في الفترة من 4 إلى 6 يونيو، حيث دعا الجابر إلى تضافر جهود كافة الجهات المعنية لتحويل "اتفاق الإمارات" التاريخي إلى واقع ملموس، من خلال اتخاذ إجراءات عملية تساهم في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام ومنخفض الانبعاثات للجميع، مشددا على حرص دولة الإمارات ورئاسة COP28 على مواصلة دعم وتعزيز العمل المشترك مع رئاسة COP29 التي تتولاها جمهورية أذربيجان الصديقة، كما دعا كافّة الدول إلى المساهمة في إنجاح COP29 بناءً على مخرجات COP28 التي تم التوصّل إليها في دبي أواخر العام الماضي.

وقال الدكتور سلطان الجابر إن COP28 حقق إنجازاً مهماً بالتوصّل إلى "اتفاق الإمارات" التاريخي، الذي يتضمن مجموعة النتائج الأكثر طموحاً وشمولاً للمفاوضات المناخية منذ اتفاق باريس.

وأوضح أنه رغم التوترات الجيوسياسية في العالم، نجح COP28 في إثبات جدوى العمل متعدد الأطراف وقدرته على تحقيق الأهداف العالمية، ووحد جهود العالم لوضع مسار عملي للحفاظ على إمكانية تفادي تجاوز الارتفاع في حرارة الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية، مع بناء المرونة المناخية ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وأعلنت دولة الإمارات وأذربيجان، الثلاثاء، بدء العمل في تنفيذ محطتي "بيلاسوفار" و"نيفتشالا" للطاقة الشمسية الكهروضوئية ومشروع "أبشيرون كاراداغ" لطاقة الرياح، بقدرة إجمالية تفوق 1 غيغاواط من الطاقة النظيفة لتلبية احتياجات أذربيجان المتزايدة من الطاقة النظيفة.

ويتم تطوير المشروعات الثلاثة بالشراكة بين شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر"، وشركة "سوكار" الأذربيجانية، وتم الإعلان عنها خلال التحضير لانطلاق COP28 العام الماضي.

وأكد الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، رئيس مؤتمر الأطراف COP28، أن هذه المشروعات تشكِّل امتداداً للشراكة التاريخية بين دولة الإمارات وأذربيجان لتعزيز النمو الأخضر ودعم التنمية المستدامة عالمياً، وأشار إلى أن تلك الشراكات تساهم في تنفيذ "اتفاق الإمارات" التاريخي بصورة فعّالة في جميع أنحاء العالم.

وأوضح الجابر أن "ترويكا رئاسات مؤتمر الأطراف"، التي تم الاتفاق عليها بموجب "اتفاق الإمارات" التاريخي، والتي تشكّل أول تعاون ثلاثي رسمي بين رئاسة COP28 التي تتولاها دولة الإمارات، ورئاسة COP29 التي تتولاها أذربيجان، ورئاسة COP30 التي تتولاها البرازيل، ستساهم في تعزيز العمل المناخي المشترك ورفع سقف الطموح في الجولة المقبلة من المساهمات المحددة وطنياً، بما يتماشى مع متطلبات "اتفاق الإمارات" التاريخي.

ودعا إلى تعزيز التعاون بين الدول لتنفيذ الأهداف المناخية العالمية، مؤكداً أن قطاع النفط والغاز يقوم بدور ريادي لمواجهة تداعيات تغير المناخ.

وأشاد الدكتور سلطان الجابر، بمبادرة شركة "سوكار" للانضمام إلى "ميثاق COP28 لخفض انبعاثات قطاع النفط والغاز" الذي تم الإعلان عنه خلال COP28، وقال: "حتى الآن تعهدت شركات تمثل أكثر من 40 بالمئة من إنتاج النفط العالمي بإزالة انبعاثات غاز الميثان بحلول عام 2030، وتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050 أو قبله"، ودعا جميع الشركات إلى الانضمام، مؤكداً أن لديها الإمكانيات والموارد والتكنولوجيا اللازمة لتحقيق أثر إيجابي في وقت قصير.

كما دعا قطاعَي الطاقة والتكنولوجيا إلى تعزيز التعاون بينهما والتركيز على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة بشكل مستدام، واستكشاف مزيد من الحلول لتحفيز النمو الاقتصادي منخفض الانبعاثات في كل مكان، مشيراً إلى أن نمو استخدامات الذكاء الاصطناعي يزيد من الطلب على الطاقة كما يمكن الاستفادة منه لرفع كفاءتها والحد من الانبعاثات، وأوضح أن أكبر 3 توجهات عالمية شاملة ستشكل مستقبل العالم هي تطور الذكاء الاصطناعي، والانتقال المسؤول والمنظم في قطاع الطاقة، ونهوض الأسواق الناشئة ودول الجنوب العالمي.

وأشار إلى أن الانتقال في قطاع الطاقة يجب أن يكون منظماً وعملياً ومسؤولاً ومنطقياً، كما إنه سيتحقق بسرعات مختلفة بحسب تباين الأماكن والظروف، وسيتطلب حلولاً خاصة مصممة وفق احتياجات كل قطاع.

كما أكد ضرورة توفير مزيج من الطاقة المتجددة المدعومة بالغاز الطبيعي لتعزيز نمو مراكز البيانات التي تدعم التوسع في انتشار واستخدام الذكاء الاصطناعي.

وأوضح الدكتور سلطان الجابر أن COP29 الذي سيعقد في باكو خلال نوفمبر القادم، سيركّز على التمويل المناخي الذي يعد عامل تمكين أساسياً لتنفيذ بنود "اتفاق الإمارات" التاريخي، مؤكداً أهمية دور مؤسسات التمويل الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف في جهود تعزيز البيئة الاستثمارية في الأسواق الناشئة والنامية، وضرورة مشاركة القطاع الخاص في توفير تريليونات الدولارات اللازمة لهذه العملية.

وأشاد بوفاء الدول بتعهد توفير 100 مليار دولار من التمويل المناخي، وقال: "هذه خطوة تحفيزية جيدة لكننا بحاجة إلى مواصلة استكشاف الحلول المبتكرة لتوفير مزيد من التمويل بشروط ميسرة وبتكلفة مناسبة".

وأضاف: "هذه الحلول تشمل إطلاق دولة الإمارات صندوق "ألتيرا" برأس مال 30 مليار دولار خلال COP28 لتحفيز الاستثمارات المناخية على نطاق واسع، وتوفيرها للدول الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ".

وأوضح أن صندوق "ألتيرَّا" يهدف إلى جمع وتحفيز ما يصل إلى 250 مليار دولار إضافية على مدى السنوات الست المقبلة، لدعم الأسواق الناشئة ودول الجنوب العالمي، مؤكِّداً ضرورة اتباع هذا النموذج لتوفير التمويل على نطاق واسع.

وشدد على أن العالم يواجه تحديات غير مسبوقة، وأنه بالإمكان تحويل هذه التحديات إلى فرص استثنائية لإعادة صياغة مستقبل البشرية، واتخاذ مسارات تؤدي لتعزيز الاستدامة والمرونة المناخية، وقال إن الانتقال إلى اقتصاد مستدام سيؤدي إلى خفض الانبعاثات، كما سيساهم في خلق فرص عمل، وتعزيز الصحة العامة، وتحسين حياة مليارات من البشر في جميع أنحاء العالم.

وأوضح أن هذا الانتقال يشكل دعوة إلى كل دولة، وقطاع، ومجتمع، وفرد للقيام بدورهم والمساهمة في تحقيق هدف عابر للحدود والأجيال، مشدداً على ضرورة إجرائه بصورة عادلة ومنصفة تضمن مستقبلاً أفضل لكل طفل في دول الشمال والجنوب.

ودعا إلى الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، وتعزيز التعاون عالمياً، والالتزام بسياسات فعّالة وجذرية لحماية كوكب الأرض وتحقيق التنمية المستدامة للجميع، من خلال توحيد الجهود من أجل الأهداف التنموية والمناخية المشتركة، بما يتيح التغلب على كافة التحديات، والوصول إلى كل الأهداف الطَموحة.

وقال معاي الدكتور سلطان أحمد الجابر للحضور في ختام كلمته: "لقد اتحدنا وعملنا وأنجزنا خلال COP28، وفيما نستعد لمؤتمر COP29، يجب علينا مضاعفة جهود التنفيذ وضمان استمراريتها للوصول إلى نتائج ملموسة".

وفيما يلي أهم ما جاء في كلمة الدكتور سلطان الجابر: 

بفضل الرؤية الاستشرافية للقيادة، الإمارات تقوم بدور رائد في نشر الطاقة النظيفة والتكنولوجيا المتقدمة عالمياً لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة الإمارات وأذربيجان تنفذان ثلاثة مشروعات جديدة للطاقة المتجددة بالشراكة بين "مصدر"، وشركة "سوكار" بما يتماشى مع هدف "اتفاق الإمارات" التاريخي لزيادة القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030 1 غيغاواط القدرة الإجمالية لمحطتي "بيلاسوفار" و"نيفتشالا" للطاقة الشمسية الكهروضوئية، ومشروع "أبشيرون كاراداغ" لطاقة الرياح يجب على قطاعي الطاقة والتكنولوجيا تعزيز التعاون بينهما للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة بشكل مستدام قطاع النفط والغاز يقوم بدور رائد لمواجهة تداعيات تغير المناخ، ونشيد بمبادرة شركة "سوكار" للانضمام إلى ميثاق COP28 لخفض الانبعاثات وندعو جميع الشركات إلى الانضمام أيضاً الانتقال في قطاع الطاقة يجب أن يكون منظماً وعملياً ومسؤولاً ومنطقياً، وسيتحقق بسرعات مختلفة بحسب تباين الأماكن والظروف، وسيتطلب حلولاً خاصة مصممة وفق احتياجات كل دولة وكل قطاع نحتاج إلى مزيج من الطاقة المتجددة المدعومة بالغاز الطبيعي لتعزيز نمو مراكز البيانات والتوسع في نشر واستخدام الذكاء الاصطناعي الذكاء الاصطناعي يزيد من كفاءة الطاقة ويسهم في خفض الانبعاثات عبر جميع القطاعات ندعو إلى تضافر الجهود لتنفيذ "اتفاق الإمارات" والتعاون لضمان نجاح COP29 الذي يعقد في باكو خلال نوفمبر القادم التمويل عامل تمكين أساسي لتحقيق التقدم المطلوب في العمل المناخي بالسرعة والنطاق اللازمين COP29 سيركّز على التمويل المناخي، وستواصل الإمارات استكشاف الحلول المبتكرة لتوفير مزيد من التمويل بشروط ميسرة وبتكلفة مناسبة الإمارات أطلقت صندوق "ألتيرا" برأس مال 30 مليار دولار خلال COP28 لتحفيز الاستثمارات المناخية على نطاق واسع العالم يواجه تحديات غير مسبوقة وبالإمكان تحويلها إلى فرص استثنائية لإعادة صياغة مستقبل البشرية... وعندما نوحِّد جهودنا من أجل هدف مشترك، نستطيع التغلب على كافة التحديات الانتقال إلى اقتصاد مستدام سيؤدي إلى خفض الانبعاثات وخلق فرص عمل جديدة وتعزيز الصحة العامة وتحسين حياة البشر في جميع أنحاء العالم

نُبذة عن مؤتمر الأطراف COP28 الذي استضافته دولة الإمارات:

توافقت دول العالم خلال مؤتمر الأطراف COP28 على إقرار "اتفاق الإمارات" التاريخي، الذي يتضمن مجموعة النتائج الأكثر طموحاً وشمولاً لمفاوضات منظومة عمل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ منذ مؤتمر الأطراف COP21 الذي أقر اتفاق باريس. يتضمن "اتفاق الإمارات" إشارة غير مسبوقة في النص التفاوضي إلى تحقيق انتقال مُنظّم ومسؤول وعادل ومنطقي إلى منظومة طاقة خالية من الوقود التقليدي الذي لا يتم تخفيف انبعاثاته في هذا العقد الحاسم بالنسبة إلى العمل المناخي، لتمكين العالم من الوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050، بما يتماشى مع الحقائق العلمية المتاحة. يدعو "اتفاق الإمارات" إلى أن يكون 2025 هو العام الذي يشهد ذروة الانبعاثات عالمياً ثم تنخفض لاحقاً؛ وتوافق مسارات العمل المناخي مع الحفاظ على إمكانية تفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية؛ واستهداف خفض الانبعاثات بـ 43 في المئة بحلول عام 2030، و60 في المئة بحلول عام 2035؛ وتقديم مساهمات وطنية طموحة تشمل كافة جوانب الاقتصاد بحلول عام 2025؛ وتقديم خطط التكيف الوطنية بحلول عام 2025 وتنفيذها بحلول عام 2030؛ وتفعيل وتمويل الصندوق العالمي المختص بالمناخ ومعالجة تداعياته؛ وزيادة تمويل التكيف بشكل كبير؛ كما يشير إلى دور وكالات التصنيف الائتماني، ويدعو إلى زيادة كبيرة في المِنح والتمويل الميسّر. أقر الاتفاق "إطار عمل الإمارات للمرونة المناخية العالمية"، و"برنامج عمل الانتقال العادل"، و"برنامج عمل التخفيف"، كما نص على إدراج مهمة "رائد المناخ للشباب" في منظومة مؤتمرات الأطراف القادمة رسمياً. بالإضافة إلى "اتفاق الإمارات"، حقق COP28 إنجازاً تاريخياً بشأن التمويل، من خلال جمع وتحفيز تعهدات تمويلية بلغت 85 مليار دولار لدعم العمل المناخي.

المصدر: سكاي نيوز عربية

كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات باكو للطاقة النمو الاقتصادي اتفاق الإمارات التوترات الجيوسياسية وأذربيجان الشمسية النمو الأخضر تغير المناخ سوكار قطاع النفط والغاز الطاقة والتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي قطاع الطاقة سلطان الجابر القطاع الخاص التكنولوجيا سلطان الجابر الدكتور سلطان الجابر المناخ دعم المناخ البيئة ملف البيئة كوب28 رئيس COP28 رئاسة COP28 مؤتمر COP28 مؤتمر الأطراف COP28 باكو للطاقة النمو الاقتصادي اتفاق الإمارات التوترات الجيوسياسية وأذربيجان الشمسية النمو الأخضر تغير المناخ سوكار قطاع النفط والغاز الطاقة والتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي قطاع الطاقة سلطان الجابر القطاع الخاص التكنولوجيا اقتصاد الدکتور سلطان الجابر الذکاء الاصطناعی مؤتمر الأطراف COP28 اتفاق الإمارات الطاقة النظیفة خفض الانبعاثات العمل المناخی دولة الإمارات تعزیز التعاون بحلول عام 2030 ملیار دولار تغیر المناخ من الطاقة وأوضح أن خلال COP28 إلى أن

إقرأ أيضاً:

من سيتزعم العالم بعد أميركا؟ وكيف؟

تواجه الولايات المتحدة تحديًا وجوديًا متناميًا يتمثل في أزمة طاقة محتملة خلال العقد القادم، ناتجة عن تفاعل معقد بين السياسات الداخلية التي يقودها الرئيس الأميركي ترامب، والتطورات التكنولوجية المتسارعة، خاصة في الذكاء الاصطناعي، وديناميكيات التنافس العالمي.

يأتي في صلب هذه الأزمة "مشروع القانون الكبير الجميل" One Big Beautiful Bill Act، الذي وقّعه الرئيس دونالد ترامب 19 يوليو/ تموز 2025. هذا القانون، بتخفيضاته الضريبية الهائلة، يهدد بتقليص الدعم الحيوي للطاقة النظيفة، في وقت تزداد فيه شراهة نماذج الذكاء الاصطناعي لاستهلاك الكهرباء بشكل غير مسبوق.

فبينما تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على ريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي، قد تجد نفسها في مفارقة غريبة: تقدم تكنولوجي هائل يقابله تراجع في البنية التحتية للطاقة التي تغذيه.

في المقابل، تُراهن الصين على إستراتيجية مغايرة تمامًا، ترتكز على هيمنة الطاقة المتجددة والاستثمار المكثف في البنية التحتية للطاقة، مما يثير تساؤلًا جوهريًا: هل تفتح أميركا الطريق بيدها أمام تفوّق صيني شامل في هذا السباق الحاسم؟ وهل يسرّع ترامب بخطواته بهذا القانون  احتضار الهيمنة الأميركية؟

يهدف هذا المقال إلى تحليل تأثير "مشروع القانون الكبير الجميل" على الاستثمار في الطاقة والبنية التحتية، وكيف يساهم في إضعاف قدرة البلاد على مواجهة تحديات الطاقة المستقبلية. ثم ننتقل إلى استكشاف الطلب غير المسبوق على الطاقة الذي يفرضه النمو الهائل في قطاع الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن أن يؤدي هذا الطلب إلى إجهاد شبكات الكهرباء الحالية.

بعد ذلك، سنقارن الإستراتيجيات الأميركية والصينية في مجال الطاقة، مسلطين الضوء على الفروقات الجوهرية في النهج والتداعيات المحتملة لكل منهما. كما سنبحث في سؤال العدالة: من سيدفع فاتورة هذه الأزمة؟ وأخيرًا، سنختتم بتأمل حول التداعيات البيئية والوجودية لهذه الأزمة المحتملة.

أولاً: الذكاء الاصطناعي كساحة تنافس إستراتيجي

تحول سباق الذكاء الاصطناعي إلى ساحة تنافس إستراتيجي عالمي، حيث وصف نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس 21 مايو/ أيار 2025، تطوير الذكاء الاصطناعي بأنه أصبح بمثابة "سباق تسلح" مع الصين، مشددًا على أن التفوق في هذا المجال سيحدد ميزان القوى في المستقبل، ليس فقط اقتصاديًا بل وعسكريًا وإستراتيجيًا.

إعلان

كما أكّد فانس في مقابلات إعلامية أن الفارق بين الولايات المتحدة والصين في بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي الحيوية لا يتجاوز بضعة أشهر إلى عامين، وأن أي تراجع في وتيرة الابتكار قد يؤدي إلى فقدان الريادة بشكل دائم".

هذا التوصيف يعكس قلقًا عميقًا من التقدم الصيني السريع في هذا المجال، حيث تقلصت الفجوة بين الذكاء الاصطناعي الأميركي والصيني إلى بضعة أشهر فقط.

هذا التهديد، المفترض أن يدفع واشنطن إلى ضخ استثمارات هائلة في البنية التحتية اللازمة لتطوير وتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، خاصة مراكز البيانات العملاقة التي تعتمد بشكل أساسي على الطاقة النظيفة.

هذه المراكز، التي تضم آلاف الخوادم، هي العصب الحيوي الذي يغذي نماذج الذكاء الاصطناعي المعقدة، وتتطلب استثمارات رأسمالية ضخمة في الطاقة الكهربائية. هذا الاستثمار الضخم يضع ضغطًا هائلًا وغير مسبوق على موارد الطاقة والبنية التحتية للكهرباء في الولايات المتحدة، مما يمهد لأزمة طاقة محتملة في العقد القادم.

ثانياً: الذكاء الاصطناعي يستهلك الكهرباء بشراهة

إن التوسع المتسارع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي يترجم مباشرة إلى طلب غير مسبوق على الطاقة الكهربائية. هذه المراكز تستهلك كميات هائلة من الطاقة؛ إذ يعادل استهلاك مركز واحد استهلاك 100 ألف أسرة سنويًا.

مع وجود أكثر من 250 مشروعًا لمراكز البيانات قيد الإنشاء في الولايات المتحدة، يصبح سباق الذكاء الاصطناعي في جوهره سباقًا على تأمين الكهرباء.

هذه المشاريع الضخمة تضاف إلى شبكة كهرباء تعاني بالفعل من تحديات متعددة، حيث لم تُصمم لتلبية هذا النوع من الطلب المتزايد والمتقلب، والذي يتوقع أن يزيد سنويًا بنسبة 15٪، مما يسبب ضغطًا هائلًا على الشبكة الكهربائية.

هذه الزيادة في الطلب، إلى جانب ضعف البنية التحتية وازدحام شبكات الجهد العالي، قد تُفضي إلى صراع حاد على الطاقة بين مختلف القطاعات، يهدد استقرار الشبكة الكهربائية الوطنية، وقد يؤدي إلى انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي، وارتفاع في أسعار الطاقة، وهو ما يجعل الدولة الأولى عالميًا قد تقترب مستقبلًا من دول العالم الثالث في أزمة الطاقة إذا ما ظلّت السياسات الحالية كما هي.

ثالثاً: دور الطاقة النظيفة في سد الفجوة

في مواجهة الطلب المتزايد على الطاقة من قطاع الذكاء الاصطناعي، كان دور الطاقة النظيفة يُنظر إليه على أنه حاسم في سدّ الفجوة، حيث أدركت إدارة بايدن، قبل التغييرات الأخيرة في السياسات الضريبية التي أقرّها الكونغرس بضغط من ترامب، الأهمية الإستراتيجية للطاقة المتجددة كركيزة أساسية للأمن الطاقوي والتفوق التكنولوجي.

ولهذا الغرض، اعتمدت الإدارة على دعم ضخم للطاقة المتجددة عبر قانون خفض التضخم (Inflation Reduction Act – IRA)، الذي يُعد أكبر استثمار في تاريخ الولايات المتحدة لمكافحة تغير المناخ وتعزيز الطاقة النظيفة. لقد مكّن قانون خفض التضخم من توسيع قدرات التوليد بسرعة عبر مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر.

لقد أظهرت البيانات الأولية أن قانون خفض التضخم بدأ بالفعل في إحداث تأثير إيجابي، حيث شهدت الولايات المتحدة زيادة ملحوظة في مشاريع الطاقة المتجددة. ومع ذلك، فإن هذا التقدم يواجه الآن تهديدًا كبيرًا؛ بسبب التغييرات في السياسات الضريبية التي أقرّها "مشروع القانون الكبير الجميل".

إعلان

هذه التغييرات تقوّض الحوافز التي كانت تدعم نمو الطاقة النظيفة، مما يعيد الولايات المتحدة إلى نقطة البداية في سباق الطاقة، ويجعلها أكثر عرضة لأزمة طاقة في المستقبل القريب.

رابعاً: قانون ترامب: تخفيضات ضريبية وعجز كارثي

في 19 يوليو/ تموز 2025، وقّع الرئيس دونالد ترامب على قانون "One Big Beautiful Bill Act"، الذي يُعد نقطة تحول حاسمة في مسار أزمة الطاقة المحتملة في الولايات المتحدة. هذا القانون، الذي جاء تحت شعار تحفيز الاقتصاد، تضمن تخفيضات ضريبية هائلة بلغت قيمتها 4.5 تريليونات دولار.

المشكلة الجوهرية تكمن في عدم توفير تمويل كافٍ لهذه التخفيضات، مما يعني أنها ستُضاف إلى الدين العام وتفاقم العجز في الميزانية الفدرالية، حيث يُتوقع أن يصل إلى 3.3 تريليونات دولار بحلول عام 2034.

هذا النقص في التمويل سيؤدي إلى زيادة هائلة في العجز في الميزانية الفدرالية، ويقيد قدرة الحكومة على الاستثمار في القطاعات الحيوية. ولتمويل هذه التخفيضات الضريبية، قام ترامب برفع سقف الديون بمقدار 5 تريليونات دولار، مما يزيد من حجم الدين الوطني إلى مستويات غير مسبوقة. الأخطر من ذلك، أن هذا القانون لم يكتفِ بالتخفيضات الضريبية غير الممولة، بل قلّص في الوقت نفسه الإنفاق الإستراتيجي في قطاعات حيوية، لا سيما في قطاع الطاقة النظيفة.

هذا التوجه يعكس رؤية اقتصادية وسياسية تعطي الأولوية للتخفيضات الضريبية قصيرة الأجل على حساب الاستثمار طويل الأجل في البنية التحتية الحيوية والطاقة المستدامة.

إن هذا النهج المالي يهدد بتقويض قدرة الولايات المتحدة على تلبية احتياجاتها المستقبلية من الطاقة، ويزيد بشكل كبير من احتمالية حدوث أزمة طاقة عميقة.

خامساً: تداعيات القانون على قدرة توليد الكهرباء

إن التداعيات السلبية لـ"مشروع القانون الكبير الجميل" تتجاوز مجرد الأرقام المالية، لتصل إلى صميم قدرة الولايات المتحدة على توليد الكهرباء.

وفقًا لتحليل دقيق وشامل أجراه مركز "إنرجي إنوفيشن"، سيؤدي هذا القانون إلى تقليص هائل في القدرة الكهربائية المتوقعة خلال العقد المقبل.

وتشير تقديرات المركز إلى أن الولايات المتحدة ستفقد ما يُقدّر بـ 344 غيغا واط من القدرة الكهربائية التي كان من المتوقع إضافتها إلى الشبكة الوطنية. هذه الكمية الهائلة من الطاقة تعادل القدرة اللازمة لتلبية احتياجات نصف المنازل الأميركية.

هذا التراجع في القدرة الكهربائية المتوقعة ينبع بشكل مباشر من إلغاء أو تقليص الحوافز الضريبية التي كانت تدعم مشاريع الطاقة المتجددة. إن هذا النقص في القدرة الكهربائية لا يهدد قطاع الذكاء الاصطناعي فحسب، بل يمتد ليشمل الصناعات الأخرى والاستهلاك المنزلي.

فمع تزايد الطلب العام على الكهرباء، ومع عدم وجود قدرة توليد كافية، ستواجه الولايات المتحدة تحديات خطيرة تتمثل في ارتفاع أسعار الكهرباء، وزيادة احتمالية انقطاع التيار الكهربائي، وتراجع موثوقية الشبكة. علاوة على ذلك، فإن هذا التراجع في الاستثمار في الطاقة النظيفة يعيق جهود الولايات المتحدة لمكافحة تغير المناخ.

حتى الطرق التقليدية لتوفير الطاقة، بما فيها بناء المفاعلات النووية، تحتاج سنوات طويلة قبل أن يتم بناؤها ودمجها في شبكة الكهرباء الوطنية.

سادساً: الصين تستغل الفراغ

في الوقت الذي تتخذ فيه الولايات المتحدة خطوات سياسية قد تقوّض قدرتها على إنتاج الطاقة النظيفة، تستغل الصين هذا الفراغ الإستراتيجي ببراعة لتعزيز هيمنتها في هذا المجال.

لقد ضاعفت الصين استثماراتها في الطاقة النظيفة بشكل كبير. تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن الصين أضافت خلال خمسة أشهر فقط من 2025 أربعة أضعاف ما أضافته أميركا في عام كامل من قدرات الطاقة المتجددة، وهو ما يعادل 50٪ من القدرة العالمية.

هذا التوسع السريع في قدرات الطاقة المتجددة يعكس رؤية إستراتيجية صينية بعيدة المدى. تعتبر الصين الطاقة المتجددة ركيزة أساسية لأمنها الطاقوي، حيث تقلل من اعتمادها على واردات الوقود الأحفوري، وتوفر مصادر طاقة مستقرة لدعم نموها الاقتصادي والصناعي المتسارع، بما في ذلك قطاع الذكاء الاصطناعي.

إعلان

كما أن الاستثمار في الطاقة النظيفة يمنح الصين ميزة تنافسية في الأسواق العالمية، حيث أصبحت أكبر مصنّع ومصدّر لمعدات الطاقة المتجددة، مما يعزز نفوذها الاقتصادي والسياسي. هذا التباين في الرؤى والإستراتيجيات يضع الولايات المتحدة في موقف تنافسي صعب.

سابعاً: صمت الصين "الإستراتيجي"

على الرغم من الأثر العالمي الكبير لـ"مشروع القانون الكبير الجميل، لم تُعلّق بكين رسميًا على هذا التطور. هذا الصمت الصيني يحمل في طياته دلالات إستراتيجية عميقة، وهو ما فسرته صحف غربية بأنه تطبيق لمبدأ إستراتيجي قديم وحكيم: "لا تقاطع عدوك أثناء ارتكابه خطأً".

هذا المبدأ يشير إلى أن الصين ترى في هذا القانون الأميركي ليس مجرد خطأ سياسي عابر، بل هو خطوة تُضعف واشنطن ذاتيًا وبشكل منهجي. إن الصمت الصيني يعكس ثقة بكين في مسارها الخاص وإستراتيجيتها طويلة الأمد.

علاوة على ذلك، فإن هذا الصمت قد يكون جزءًا من إستراتيجية صينية أوسع تهدف إلى تجنب إثارة المزيد من التوترات مع الولايات المتحدة في الوقت الحالي، مع التركيز على تعزيز قدراتها الداخلية بهدوء وفاعلية.

ثامناً: انتقادات داخلية واسعة

لم يمر "مشروع القانون الكبير الجميل" دون انتقادات حادة وواسعة النطاق داخل الولايات المتحدة. من أبرز المنتقدين كان رائد الأعمال الشهير إيلون ماسك، الذي وصف القانون بأنه "الجنون المدمّر".

هذا الوصف يعكس قلقًا عميقًا من أن القانون، بتخفيضاته الضريبية التي لا تدعم الطاقة النظيفة، يرسّخ الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية التي تحتاج وقتًا طويلًا لتنفيذها، كما يعوق الابتكار في القطاعات الحيوية للمستقبل.

هذه الانتقادات، التي تأتي في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة تحديات غير مسبوقة، تزيد من الضغط على الإدارة الأميركية لإعادة تقييم سياساتها الطاقوية والضريبية، والبحث عن حلول أكثر استدامة وشمولية.

الخاتمة

إن أزمة الطاقة المحتملة التي تلوح في الأفق بالولايات المتحدة، والتي تتشابك فيها تداعيات "مشروع القانون الكبير الجميل"، والطلب غير المسبوق من الذكاء الاصطناعي، والمنافسة الجيوسياسية مع الصين، والحرب الأوكرانية الروسية، واستهلاك كثير من مواردها في دعم الكيان الصهيوني، ليست مجرد تحدٍ اقتصادي أو بيئي عابر. إنها أزمة متعددة الأوجه، تحمل في طياتها إمكانية التحول إلى أزمة وجودية تهدد أسس المجتمع الأميركي.

فالقانون الجديد يزيد كذلك من القيود الأميركية على هجرة العقول، مما يضعف تدفق المواهب في هذا القطاع، بينما أصبحت الصين أكثر جذبًا للكفاءات العالمية، حيث زادت نسبة استقطاب الكفاءات 20٪ عن مستويات ما قبل جائحة كورونا، وهو ما يدعم تقدّمها.

لقد توقّع المؤرخ الفرنسي إيمانويل تود في كتابه الصادر في 2001 "بعد الإمبراطورية: انهيار النظام الأميركي"، أنّ تسرّع أمثال هذه السياسات الانحدار الأميركي، وهو ما يعجل من احتضارها وتحوّلها إلى قوة إقليمية فقط قبل 2050.

أما العرب والمسلمون، فموقعهم في هذا المشهد العالمي المتحوّل مرهون بقدرتهم على توطين التكنولوجيا، والتخلي عن النفط كمصدر رئيسي للطاقة، فضلًا عن استقلال مصادر الطاقة لديهم عن الهيمنة الغربية.

إن امتلاك الطاقة النظيفة خلال العقد القادم هو ما سيحدد زعامة العالم للسنوات القادمة، وهو ما سيجعل الصين تتجاوز الولايات المتحدة إذا حافظت على تقدمها المطرد في هذا الملف الحيوي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • من سيتزعم العالم بعد أميركا؟ وكيف؟
  • الإمارات تدين بشدة الهجوم الإرهابي الذي استهدف كنيسة في الكونغو
  • الإمارات ترسّخ ريادتها في الطاقة النووية.. اتفاق جديد مع سامسونغ
  • انطلاق التسجيل في النسخة الـ25 لمؤتمر البترول العالمي للطاقة
  • الطاقة تعلن عن انطلاق التسجيل في النسخة الـ25 لمؤتمر البترول العالمي للطاقة
  • «الإمارات للطاقة النووية» و«سامسونج» تستكشفان فرص الاستثمار المشترك
  • تعاون بين «الإمارات للطاقة النووية» و«هيونداي للهندسة والإنشاءات»
  • الاتفاق الذي انقلب على صاحبه، كيف تحولت مبادرة الجيش لأداة ضده
  • الرجل الذي أنقذ العالم من جحيم الحر.. من هو كارير مخرع التكييف؟
  • تقرير سويسري يحدد المدن الأغلى وعادات الإنفاق لدى أثرياء العالم