الجديد برس: بقلم/ عبدالله فرح

كالعادة، بين شدّ وجذب، تعود التوترات بين صنعاء والرياض بعد مرحلة متقدمة من المفاوضات توقفت بعد إسناد اليمن غزة واستهداف السفن المتجهة إلى كيان الاحتلال، وحظر منع الملاحة للشركات الإسرائيلية والتصعيد تدريجياً بمراحل أربع أعلنت بالحديد والنار.

ومع توسع دائرة الإسناد اليمنية، أُعلن تحالف دولي حمل اسم “تحالف حارس الازدهار”، وهو تحالف بحري متعدد الجنسيات تقوده الولايات المتحدة الأميركية يهدف إلى شن عمليات عسكرية على اليمن إسناداً لكيان الاحتلال، وهذا ما دفع بملف المفاوضات إلى التوقف كلياً بعد ضغوط واشنطن على الحليف الاستراتيجي في المنطقة.

التطورات المتسارعة في الجنوب الغربي من قارة آسيا أعادت رسم خريطة الطريق في المنطقة، فنحن أمام حرب مستعرة بين بريطانيا وأمريكا في مواجهة اليمن الذي فاجأ العالم خلال مرحلة الصراع بعد أن اشتدت وتيرته فعلياً فأغرق سفناً وأحرق أخرى وأسقط حتى اليوم ست طائرات من طراز MQ9 في غضون ستة أشهر من الحرب على اليمن، وهي المفاجأة المؤلمة للبيت الأبيض، كما أعلن معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس وحشد لها الشعب للخروج في تظاهرات مليونية والالتحاق بمعسكرات التدريب ليصل إجمالي المجندين الجدد إلى أكثر من ثلاثمئة وثلاثين ألف جندي استعداداً لأي تصعيد على الأرض.

لم تستطع المملكة السعودية النأي بنفسها كلياً فاستمرت وسائل إعلامها بالهجوم وفقاً لتصريحات نائب وزير الخارجية الذي دعا سابقاً السعودية إلى البدء في تنفيذ إجراءات بناء الثقة مع اليمن، والمضي نحو السلام وعدم الإصغاء للأطراف المعيقة والمعرقلة من المندفعين والمنتفعين.

وكان رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن، مهدي المشاط، قد أكد أنّ على خصوم اليمن التخلي عن الممارسات العدائية والانتقال إلى أجواء السلام والحوار.

كما شدد المشاط على سرعة الإنهاء الفوري للحصار والانخراط بسرعة في إجراءات بناء الثقة في الجانبين الإنساني والاقتصادي.

هذه المواقف أتت بعد رسائل من جانب قائد أنصار الله السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الذي دعا تحالف العدوان على اليمن إلى إنهاء عدوانه وإنهاء الحصار، وأوضح أنّ الاستمرار في الحرب والاحتلال والحصار سيرتدّ على تحالف العدوان، وعليه الاستجابة لمساعي السلام التي تقوم بها سلطنة عُمان.

وفي خطابه الأخير في الثلاثين من أيار/ مايو 2024 أكد السيد عبد الملك الحوثي أن أي استهداف للبنوك في صنعاء يعدّ عدواناً في المجال الاقتصادي.

بعد سد اليمن الثغرات السياسية والعسكرية، لجأت الرياض إلى تحريك أدواتها في الداخل للتدخل بورقة بالغة الحساسية وهي ورقة الاقتصاد، فتنبّه البنك المركزي في صنعاء لذلك، وأصدر بياناً حذر فيه من استمرار التصعيد الذي يستهدف القطاع المصرفي.

وأكد البنك المركزي أنه كما واجه المؤامرات على مدى السنوات الماضية، فإنه سيواصل اتخاذ إجراءاته التي تُفشِل كل تلك المؤامرات مستعيناً بالله وبوعي الشعب اليمني، وأنه في حالة مواجهة مستمرة لكل المؤامرات التي تسعى للإضرار بالقطاع المصرفي.

وبعد مراقبة خطوات السعودية التي أوعزت لحلفائها في بنك عدن بحظر التعامل مع ستة بنوك في صنعاء، اتخذ البنك المركزي في صنعاء مبدأ التعامل بالمثل ليقوم بحظر ثلاثة عشر بنكاً في عدن والمحافظات التي تقع تحت حكم الرياض.

هذه اللهجة والخطوات من المؤسسات الرسمية في صنعاء والتي تلتها تحذيرات من رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبد السلام وتحذيرات شديدة اللهجة من جانب قائد أنصار الله تدل على وصول السخط اليمني إلى مراحله الأخيرة إزاء تصرفات السعودية المعادية وأساليبها، والتي قد تمهد لمعركة قادمة في حال استمرت الرياض في الانصياع وراء التحركات الأميركية التي فشلت عسكرياً في اليمن وتتجه إلى تحريك الداخل عبر أساليب متعددة ومتنوعة.

ويبقى السؤال الذي ستطرحه صنعاء في كل مناسبة ومحفل متى ستحسم الرياض ملف الحرب على اليمن، وهل ستخضع كلياً للضغوط الأميركية والبريطانية أم أنها ستحافظ على ضبط النفس وترمم الأخطاء التاريخية والعميقة التي أحدثتها في اليمن، وتذهب إلى حل سريع، خاصة إذا ما قرأت فشل السلاح الأميركي والبريطاني في حسم المعركة وتعاظم القوة اليمنية جواً وبراً وبحراً، والأيام القليلة المقبلة ستكشف مآلات الأحداث والأمور، فربما تزيد صنعاء اللهب اشتعالاً في البحر الأحمر وتصب النار على النفط السعودي، وقد تخفت آلة الحرب مجدداً، إذ تعقلت المملكة العربية السعودية وأوقفت حلفاءها عن اللعب بورقة الاقتصاد التي تعدّ خطاً أحمر لدى بلد جريء ويملك النفس الطويل والسلاح العابر.

المصدر: الجديد برس

كلمات دلالية: على الیمن فی صنعاء

إقرأ أيضاً:

أوجلان والكلمة التي أنهت حربا

آخر تحديث: 12 يوليوز 2025 - 7:24 صبقلم: فاروق يوسف تخلى حزب العمال الكردستاني عن خيار الكفاح المسلح معلنا نزع سلاحه. فهل يعني ذلك اعترافا بالهزيمة؟كان عبدالله أوجلان زعيم الحزب واضحا في كلامه. الاستمرار في ذلك الخيار يعني المشي في طريق مسدودة.لقد سبق للزعيم الكردي الذي تم اعتقاله عام 1999 في سياق صفقة سياسية مبتذلة على المستوى الأخلاقي أن دعا غير مرة من سجنه إلى طي صفحة الحرب.كان من الصعب على الحزب الذي تأسس عام 1984 أن يطوي تلك الصفحة التي انطلق منها من غير أن تتغير المعادلات السياسية في تركيا. تلك المعادلات المتحجرة التي كانت قائمة على عدم الاعتراف بوجود الأكراد جزءا من التركيبة الوطنية في تركيا.

لقد أنهى أوجلان الحرب بكلمة. غير أن تلك الكلمة ما كان لها أن تكون بذلك التأثير لولا أن الواقع السياسي التركي قد قدّم لها كل أسباب القوة قاوم الأكراد تحجّر العقل السياسي التركي بطريقة تعبّر عن معرفة عميقة بتعثر إمكانية الحوار تحت مظلة وطنية جامعة. فبغض النظر عن نوع النظام الحاكم في أنقرة، دينيا كان أم مدنيا فإن الاعتراف بحقوق الأكراد القومية كان خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، حتى أن تركيا لم تكن تعترف بوجود الأكراد قومية مستقلة وكانت تسمّيهم بأتراك الجبل.

وعلى الرغم من أن الحرب على الساحة الكردية قد كلفت تركيا خسائر بشرية ومادية هائلة فإن دولة أتاتورك كانت مستعدة لخرق القانون الدولي واحتلال أجزاء من سوريا والعراق من أجل مطاردة المتمردين الأكراد.كان خيار السلم على الأراضي التركية التي يقيم فيها الأكراد مُستبعدا حتى بعد اعتقال أوجلان. ذلك لأن حزب العمال وقد وجد له حاضنة في شمال العراق كان يأبى أن ينضم إلى زعيمه في معتقله ويستسلم. وإذا ما كان حزب العمال قد استفاد من الاستقلال النسبي للإقليم الكردي في شمال العراق فإنه استفاد أيضا من  الظرف الإقليمي المضطرب بحيث كانت تركيا حائرة في أن تحارب على أيّ جبهة، في سوريا أم في العراق أم في الداخل التركي.ولا يخفى على تركيا وهي الضليعة بمؤامرات الناتو التي هي جزء منه ما تخطط له الولايات المتحدة وهي تعمل على تأثيث وجودها في المنطقة بأسلوب استعماري جديد. كل تفكير بتركيا قوية يبدو ساذجا في ظل استضعافها محليا من خلال المسألة الكردية. ولأن تركيا بدت عاجزة عن حل مشكلة محلية فقد بات الحل الدولي قريبا. فعلى الرغم من أن تركيا كانت حاضرة  في المعالجة الدولية للمسألة السورية فإن ذلك لم يضمن لها انحياز الجانب الأميركي.يملك الأكراد اليوم تمثيلا قويا في الحياة السياسية التركية. ذلك ما يعني أن تركيا قد تغيّرت. ولأن تركيا قد تغيّرت فقد آن للأكراد أن يتغيّروا.

من المهم أن أنبه هنا إلى أن أكراد تركيا على الرغم مما عانوه من تهميش وعزل وازدراء إلا أنهم لم يطالبوا إلا بحقوقهم المدنية وهي حقوق المواطنة المتوازنة والسوية من المؤكد أن أكراد حزب العمال لم يتخلوا عن خيار الكفاح المسلح إلا بعد أن ضمنوا أن هناك حياة وطنية عادلة في انتظارهم.

من المهم أن أنبه هنا إلى أن أكراد تركيا على الرغم مما عانوه من تهميش وعزل وازدراء إلا أنهم لم يطالبوا إلا بحقوقهم المدنية وهي حقوق المواطنة المتوازنة والسوية. وكما يبدو فإن تركيا تغيرت عبر الزمن. لذلك صار على الأكراد أن يتغيّروا ويغيّروا نهجهم وطريقتهم في التلويح بمطالبهم. والأهم من ذلك أن مبدأ الكفاح المسلح لم يعد مقنعا للكثير منهم، أولئك الذين انخرطوا في الحياة السياسية التركية من خلال الأحزاب التي صار لها صوت في الشارع. كان عبدالله أوجلان حكيما ورجلا مسؤولا حين صارح شعبه بأهمية الاستجابة لتلك التغيّرات والتفاعل معها بطريقة إيجابية. فالمهم بالنسبة إليه وإلى شعبه أن يكون الهدف الذي اختاروا من أجله اللجوء إلى الكفاح المسلح قد تحقق أو في طريقه إلى أن يكون واقعا وليس الكفاح المسلح هدفا في حد ذاته. هنا تكمن واحدة من أهم صفات الزعيم العاقل. ليس من المعلوم حتى الآن ما هي الصفقة التي تخلّى حزب العمال بموجبها عن سلاحه منهيا الحرب التي أضرّت بالأكراد مثلما أضرّت بتركيا.لكن اللافت هنا أن رجلا لا يزال قيد الاعتقال منذ أكثر من ربع قرن كان قادرا على أن يقول كلمة النهاية. وهو ما يعني أن الطرفين، الكردي والتركي، يثقان بذلك الرجل الذي وهب شعبه الجزء الأكبر من عمره.لقد أنهى أوجلان الحرب بكلمة. غير أن تلك الكلمة ما كان لها أن تكون بذلك التأثير لولا أن الواقع السياسي التركي قد قدّم لها كل أسباب القوة.

مقالات مشابهة

  • أوجلان والكلمة التي أنهت حربا
  • اليمن.. إحباط هجوم «حوثي» شمالي الضالع
  • عبدالصادق يبحث مع نظيره السعودي التعاون بمشاريع الغاز والتدريب المهني
  • لافروف في بيونغ يانغ: تحالف روسي-كوري شمالي يتعمق في ظل الحرب والعقوبات
  • ما الذي يحرك الطلب على المشاريع العقارية التي تحمل توقيع المشاهير؟
  • موقع بحري يقرّ بفرض اليمن معادلة ردع جديدة
  • وزير الطاقة يؤكد دور الإمارات البارز في "أوبك" و"أوبك بلس"
  • المزروعي: دور بارز للإمارات في تحالف «أوبك بلس»
  • وزير الطاقة يؤكد دور الإمارات البارز في منظمة أوبك وتحالف أوبك بلس
  • عاجل.. رويترز عن شركة للأمن البحري: بدء مهمة لإجلاء طاقم السفينة اليونانية إتيرنتي سي التي هوجمت قبالة سواحل اليمن