لجريدة عمان:
2025-08-01@10:06:52 GMT

نفاد الثقة وحلبة الصراعات الاقتصادية

تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT

نعيش في عصر لم يعد للثقة فيه مكان، بداية بالعلاقات الشخصية مرورا بالشراكات والعلاقات التجارية، ونهاية بكل ما قد يصدر عن وسائل الإعلام أو المنابر الإخبارية والمؤسسات الحكومية والمدنية، نعم تضاءلت الثقة حتى أنها إن صادفت مَحَلّا عُدّ ذلك شيئا من السذاجة وضربا من البله والعته، ولا أحسبنا نحتاج تبريرا أو حججا لذلك وقد امتلأت سنواتنا الأخيرة بكثير من أدلة كسر الموثوق وتهافت الثابت، كيف لا وقد عايشنا زمنا اصطدمت فيه ثقة الناس بالكثير من تصنيع الأوهام وترويج الأباطيل؟! لعل آخرها ما لم يكن بالحسبان إبّان جائحة كورونا ودور شركات الصحة والأدوية العالمية في ترويج الوهم والخوف وتسويق المرض سعيا للتكسب وتأكيدا لدورها في تنفيذ مخططات الدول العظمى في تنافساتها غير الإنسانية وصراعاتها المادية السياسية.

لم يعد من السهل بمكان إقناع الناس في دول العالم كافة بمصداقية المصدر وأهلية المتحدث حتى وإن صدق فعلا، خصوصا حينما تتصل أذرعته بامتداد قوة اقتصادية هنا، أو نفوذ سياسي هناك، تماما كحكاية الراعي الكذّاب الذي تعوّد ادّعاءَ مظلمته من الذئب، حتى ثبت كذبه وبراءة الذئب ما أفقده مصداقيته حتى أوان الصدق فعليا في استصراخه الأخير ضد هجمة الذئب الأولى، وهكذا فإن تعوّد الكذب يفقد المرء قيمته وصدقه، كما يفقد المصدر (مهما كان ثقله ومرجعيته) كل مصداقيته.

أزمة الثقة بين الجماهير من الناس والمؤسسات سواء كانت حكومية، خاصة أو مدنية اتسعت مساحاتها حتى انسحبت على كل أنماطها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى الدينية التي كانت مقدسة لا تقبل المساس لما شاب بعضها من تسييس أو أدلجة، وضمن كل هذه التراكمات من انعدام الثقة الشعبية تأتي قضية فلسطين التي تشغل العالم اليوم لتأتي على ما يمكن أن يكون قد تبقى من فتات الثقة المنهوبة لتذروه مع رياح العدوان الإسرائيلي وتمترسه بالتحالفات العالمية والسرديات التاريخية، كل تلك التراكمات من الثقة المهترئة كانت مدعاة لبحث شعبي معرفي معمّق في التاريخ والجغرافيا، والقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية ليعتنق كل إنسان -حيثما كان موقعه- عقيدته النابعة من معرفته وتحليله وربطه العقلي لا من مصادر إعلام أجيرة أو مصادر معرفية مؤدلجة مُسَيَّسَة.

ثم تتناوشنا كثير من جولات التنافس وميادين النفوذ والسيطرة بين الدول الكبرى لنمعن النظر في أولوياتنا وفيما تراكم لدينا من معرفة أولا، ثم من قدرة على التشكيك بعيدا عن الوقوع في شرك تصديق كل ما ينشر ثانيا ، وضمن هذه الجولات تمر جولة عابرة من صراع اقتصادات العالم وخاصة العملاق الصيني الذي التهم السوق العالمية بقدرته على الوصول للجميع في كل مكان وبأقل الموارد الممكنة، لم يكن من السهل على أمريكا وبريطانيا وحلفائهما الاعتراف بالهزيمة الاقتصادية أمام الصين، ولن تكون سهلة مع الوقت كذلك خصوصا إن ما تحالف هذا العملاق مع خصم لدود قديم هو روسيا، لذلك فلا أسهل من فبركة التقارير الصحفية وصنع الأخبار الاقتصادية المحذرة من الشركات الصينية (المغشوشة والخطيرة على البشر) على افتراض الأصالة والأمان من خصمها الغربي طوال عقود من الزمن، وما كان أسهل ابتلاع طعم التقارير الصحفية والتحقيقيات الاقتصادية لولا أن شعوب العالم لم تنس بعد تقارير مماثلة عن العراق قبل الحرب عادت المصادر التي روجتها لتكذيبها والتشكيك فيها دون التفات أن تلك التقارير المصنوعة لأهداف تنافسية وصراعات سياسية ذهبت بأرواح آلاف الأبرياء وبحياة أضعافهم في الشتات بين تهجير وتجويع، تلك التقارير صدرت عن منظمات أممية وإعلام قدّم نفسه حينها على أنه الإعلام النزيه الساعي لنصرة الإنسان، هو ذاته المُصَدِّر اليوم للهجوم على الشركات الصينية وهو ذاته المُصَدِّر لأسطورة التفوق الإسرائيلي .

( SHEIN ) ليست منزهة عن العيوب والقصور، ولكن أخواتها الأوروبية التي تدعي النزاهة ليست كذلك، وإنما هي حروب اقتصادية ساء فيها الطرف المسيطر سابقا قدرة هذه القوة الطارئة على سحب البساط في خضم انشغالات الخصم بانشغالات تستنزف طاقته المادية في حين تبني هذه القوة الطارئة ترسانة اقتصادية تمكنها مع حلفائها من المنافسة سياسيا إن دعت الحاجة، ولا شك أن هذا كابوس لا تريد أمريكا وحلفاؤها له المرور فضلا عن تأكيده واقعا، وقد بدأت التقارير المصنوعة بملابس الأطفال في ادعاء اهتمامها بأطفال العالم من مخاطر ملابس الشركة الصينية، وكأننا قد نسينا غفلتها عن أرواح أطفال فلسطين الذين ما زالوا رماد آلة حرب مدعومة من ذات الدول مُصَدِّرةِ التقرير عبر صحفها، فهل هؤلاء أطفال وأولئك دمى ؟! أم هل تلك دماء وما يجري الآن على أرض فلسطين ماء؟!

ختاما: لن تكون استعادة الثقة أمرا هينا على شعوب بلغ لديها الشك مبلغه، ولن تستعاد هذه الثقة بغير اعتناق مبادئ إنسانية عالمية لا استثناءات بها لحليف أو صديق، ولا سلطة فيها لغير القانون الذي وضع لصالح إنسان هذا العالم ولمنفعة شعوبه الحالمة بالأمان في أوطانها وبالتنمية في مؤسساتها بعيدا عن تنفذ الأقوياء وكواليس السياسات المادية والفساد المقنّع.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مستثمر عراقي:العراق بيئة طاردة للاستثمار وانعدام الثقة بالدولة

آخر تحديث: 31 يوليوز 2025 - 12:04 م بغداد/ شبكة أخبار العراق- لم يكن قرار المستثمر العراقي بإنشاء مصنع حديث لإنتاج المياه الصحية في الأردن بدلاً من العراق قرارًا اقتصاديًا بحتًا، بل تجسيدًا ملموسًا لفكرة “الهروب من بلد الفرص المعطلة إلى بلد القواعد الواضحة”.فالمصنع، الذي من المقرر أن يبدأ إنتاجه في آذار 2026، بمنتجات زجاجية تشمل البروبايوتك، المياه الغازية، والمياه المدعّمة بالفيتامينات، سيوجَّه معظمه إلى أسواق الخليج وأوروبا، فيما بقي العراق – بلد المنشأ – مجرد احتمال غير قابل للتنفيذ، في نظر صاحب المشروع.الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، الذي نقل هذه التجربة في تدوينة ، لم يقدّم مجرد قصة، بل أشار إلى خلل بنيوي أعمق، قائلاً: “بدأ أحد رجال الأعمال العراقيين بإنشاء مصنع حديث لإنتاج المياه الصحية والمعدنية في الأردن، بمختلف أنواعها، باستخدام علب زجاجية، تشمل البروبايوتك، والمولتي فايتمنز، والمياه الغازية والعادية ومياه بنكهات الفواكه، ومن المقرر أن يبدأ الإنتاج في آذار 2026، ومعظم الإنتاج محجوز للتصدير إلى الخليج وأوروبا”. وبحسب ما نقله المرسومي عن المستثمر، فإن قرار عدم تنفيذ المشروع في العراق يعود إلى ما وصفه بـ”البيئة الطاردة للاستثمار”، موضحًا: “قراري بعدم إقامة المشروع في العراق يعود إلى معوقات الصناعة والرُخص والتعقيدات البيروقراطية، إضافة إلى ضعف ثقة الأسواق الخارجية بالمنتج العراقي، وهو ما اعتبره عاملاً حاسماً في اتخاذ القرار”.وأضاف المستثمر: “حاولت سابقًا إضافة خط إنتاجي لأحد معامل المياه في العراق، وصارلي سنتين بالضبط بالمعاملات، خلوني أكفر باليوم الي فكرت بي أستثمر بالعراق”. تُظهِر قراءات اقتصادية مستقلة أن العراق يُعد من أكثر بلدان المنطقة ثراءً بالفرص الاستثمارية غير المستغلة: سوق استهلاكية واسعة، موقع جغرافي محوري، موارد طبيعية هائلة، وقطاع خاص طامح للنمو. ومع ذلك، فإن هذه المؤهلات لا تتحوّل إلى مشاريع قائمة إلا نادرًا، بسبب ما يُعرف بفجوة الثقة، أي الفجوة بين المستثمر والمنظومة المفترضة لحمايته وتمكينه. في بيئة تتداخل فيها صلاحيات المركز والمحافظات، وتتقاطع فيها سلطات الهيئات الرسمية، وتتكاثر فيها الجهات الرقابية بلا سند قانوني واضح، يتحوّل أي مشروع إنتاجي إلى معركة يومية، لا علاقة لها بالمنتج أو جدواه، بل بإرهاق الإجراءات.وتشير بيانات صادرة عن وزارة التخطيط العراقية إلى أن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي ارتفعت من 32.4٪ عام 2020 إلى نحو 39.5٪ عام 2024. لكن هذه النسبة، وإن بدت مشجعة على الورق، لا تعكس تحوّلًا حقيقيًا في فلسفة الدولة تجاه الاستثمار، بقدر ما تُظهر ضغوطًا على الدولة نفسها في ظل الأزمات المالية المتكررة وتقلص قدرة القطاع العام على استيعاب المزيد من التوظيف. في المقابل، تواصل دول الجوار – مثل الأردن وتركيا والإمارات – جذب المشاريع العراقية، ليس بامتيازات مالية استثنائية، بل بوضوح الإجراءات وثبات السياسات، وثقة الأسواق العالمية بأنظمتها القانونية والرقابية، وهو ما لا يزال العراق يفتقر إليه حتى اليوم.تجربة هذا المستثمر، كما نقلها المرسومي، لا تُعد استثناءً، بل تُجسّد نمطًا متكررًا، وفقًا لمتابعين للشأن الاستثماري العراقي، يمتد من قطاع الزراعة إلى الصناعة، ومن التكنولوجيا إلى الخدمات. المعاملات المرهقة، انعدام الشفافية، غياب التحكيم التجاري، وتضارب الصلاحيات؛ كلها تشكّل ما يمكن تسميته بـ”البيئة الطاردة الناعمة”، بيئة لا تطرد المستثمر بأمر إداري، بل تُنهكه حتى ينسحب طوعًا، مثقلاً بخيبة وتردد.ويذهب بعض الباحثين إلى أن السؤال لا يكمن في “لماذا فضّل الأردن؟”، بل في “لماذا لم يجد في بلده حافزًا للبقاء؟”.وحين تصبح الدول المجاورة أكثر جاذبية للمشاريع العراقية من العراق نفسه، فإن الخلل لا يكون في رأس المال، بل في البنية التي يُفترض أن تحتويه. وعندما يُبنى مصنع مياه بتمويل عراقي في عمّان، فإن المفارقة لا تكون في الموقع، بل في ما تكشفه من فجوة عميقة في الثقة بالدولة، لا بالمشروع.

مقالات مشابهة

  • النواب مرتاحون: خطاب عون يعيد الثقة بعهده
  • سموتريتش يكشف نفاد رصيده السياسي: الاستقالة تسقط الحكومة ولا توقف الصفقة
  • مستثمر عراقي:العراق بيئة طاردة للاستثمار وانعدام الثقة بالدولة
  • «ثقة في الله ليلة أسطورية».. محمد رمضان يُعلن نفاد تذاكر حفله بالساحل الشمالي
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس الشرع تعمل بشكل متواصل لحل جميع المشكلات التي تواجه الشعب السوري، وخاصة الاقتصادية منها، بهدف دفع عجلة التنمية وتحسين نوعية حياة المواطنين
  • خبيرة دولية: استغلال الدين سياسياً يؤجج الصراعات بدلاً من حلها
  • أوراق أمريكا المتساقطة في خريف ترامب
  • وزير الخارجية الصيني: على بكين وواشنطن تجنب الصراعات والمواجهات
  • أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي