خبيرة دولية: استغلال الدين سياسياً يؤجج الصراعات بدلاً من حلها
تاريخ النشر: 30th, July 2025 GMT
هذا ما أكدته الدكتورة عزة كرم العالمة المصرية الهولندية المتخصصة في الحوار بين الأديان والدبلوماسية الدينية، مشددة على أن التعددية الدينية تشكل قوة مضادة قوية للظلم عندما تتحد الأديان المختلفة معاً، ويظهر خطر تبرير الظلم حين تهيمن ديانة واحدة على الخطاب.
وتحدثت عزة كرم -التي شغلت منصب الأمين العام لمنظمة أديان من أجل السلام وأصبحت أول امرأة وأول مسلمة وأول سيدة من شمال أفريقيا تتولى قيادة هذه المنظمة العالمية- عن التحديات الجوهرية التي تواجه العمل بين الأديان في عصر يشهد تصاعداً في النزاعات والتلاعب السياسي بالدين.
وانطلاقاً من هذه الخبرة، كشفت عزة كرم -خلال مشاركتها في برنامج "المنطقة الرمادية"- عن الثغرات الهيكلية في أنظمة الدبلوماسية المتعددة الأطراف، مستندة إلى عقدين من الزمن كرستهما للعمل في الأمم المتحدة.
وأوضحت أن هذه المؤسسات تنظر إلى الدين باعتباره عنصراً ثانوياً في أفضل الأحوال، رغم أن المجال الديني يشمل جميع أطياف المجتمع من الناس العاديين وصولاً إلى الحكومة ذاتها.
وفي إطار نقدها للواقع الراهن، انتقدت الخبيرة الدولية النهج السائد بالدبلوماسية الدينية الذي يقتصر على الممثلين الرسميين للمؤسسات الدينية، مؤكدة أن الدين بطبيعته لا يمكن احتواؤه أو السيطرة عليه، ولا يمكن تعيين ممثل واحد يتحدث باسم الجميع.
الدبلوماسية متعددة الأديان
وبناءً على هذا الفهم، أشارت عزة كرم إلى أن الدبلوماسية متعددة الأديان يجب أن تُنفذ على مستويات متعددة داخل المنظمات المجتمعية، وأن تجتمع العديد من الأطراف الدينية من مختلف الأطياف والمنظمات المدنية تدريجياً.
وقادها ذلك إلى تشخيص أعمق للمشكلة، حيث لفتت الخبيرة إلى أن التحدي الأكبر الذي تواجهه الدبلوماسية متعددة الأديان يكمن في التقارب المتزايد بين الجهات الدينية ومراكز القوة والنفوذ ونظم الحكم، مما يؤدي إلى الصمت المستمر تجاه مظالم متعددة.
إعلانوأوضحت أن هذا التلاعب المتبادل بين الأنظمة العلمانية والمؤسسات الدينية يعرقل تحقيق السلام الحقيقي.
وعند الانتقال من التشخيص إلى التطبيق العملي، أكدت عزة كرم -في معرض حديثها عن الصراعات الراهنة- أن نحو 99.9% من النزاعات التي تنطوي على جانب ديني نادراً ما تضم جهات متعددة الأديان، بل تكون ديانة واحدة في طرف وأخرى في الطرف المقابل.
ومع ذلك، لفتت إلى أن التعاون بين الأديان يمكن أن يشكل مصدراً للوساطة والشفاء، لكن ذلك يتطلب التركيز على المستقبل وما يجب أن يحدث لضمان تعايش سلمي بعد الصراع.
حوار الأديان
وفي سياق معالجتها للقضايا الأكثر إثارة للجدل، واجهت الدكتورة عزة كرم أسئلة صعبة حول إمكانية إشراك جهات يهودية في الحوار بين الأديان دون التعرض لاتهامات معاداة السامية، فأكدت وجود أصوات يهودية مناهضة للصهيونية أو متحفظة على بعض جوانبها، لكنها تواجه صعوبات كبيرة من مجتمعاتها ومن الآخرين.
وفي هذا الإطار، دعت إلى التعاطف والتفهم حتى مع من يصعب التعامل معهم، مشددة على ضرورة التضامن مع من يتخذون مواقف ضد الصهيونية بدلاً من إهمالهم جميعاً.
وبالتوازي مع هذه الرؤية، رفضت عزة كرم استخدام الدين لتبرير العنف أو الظلم، مؤكدة أن الأديان وُجدت لتثبت البشر على مسار رحلة مشتركة على كوكب يتشاركونه جميعاً.
وفي هذا السياق، أكدت أن البشر خُلقوا مختلفين ليتعارفوا ويتعايشوا ويتعلموا من بعضهم البعض، لا ليبحثوا في النصوص الدينية عن مبررات للقتال.
وتماشياً مع هذا المبدأ، حذرت الخبيرة من مخاطر استخدام الدين للتغطية على القضايا الأعمق مثل الاحتلال وعدم المساواة والاستبداد، مؤكدة أن ما يحدث في هذه الحالات ليس ديناً حقيقياً بل هو خطاب سياسي يستخدم لغة الدين. وفي المقابل، أكدت أن الخطاب الإيماني هو ما تبقى للإنسانية كملاذ للتعايش الرحيم.
وأكدت عزة كرم على أن الوسطاء الدينيين يمتلكون أدوات مذهلة لا تستطيع أي حكومة امتلاكها، وهي الفضاء المدني والقدرة على الوصول للشعب.
وبناءً على هذه القناعة، دعت إلى دعم الجهات الدينية الفاعلة على المستوى المجتمعي والاستثمار فيها من بعضها البعض، مؤكدة أن الاختبار النهائي للتعايش الديني هو أن تستثمر المؤسسات الدينية فعلياً في بعضها البعض لخدمة مجتمعاتها، وعندما يحدث ذلك سيتحقق السلام الحقيقي.
30/7/2025-|آخر تحديث: 19:24 (توقيت مكة)المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات بین الأدیان مؤکدة أن
إقرأ أيضاً:
هجوم سيدني.. هل أفشل المنقذ المسلم خطة نتنياهو لتوظيف الدم سياسيا؟
أثار الهجوم الذي استهدف يهودا كانوا يحتفلون بعيد الحانوكا بمنطقة شاطئ بوندي الشهير قرب مدينة سيدني وأسفر عن سقوط قتلى، تفاعلات سياسية وإعلامية واسعة، تجاوزت إطار التعاطي الأمني مع الحادثة، لتفتح نقاشا حول دلالاتها وسياقات توظيفها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
فبينما ركزت السلطات الأسترالية على توصيف ما جرى كجريمة مدانة تستدعي التحقيق والمساءلة، سارعت إسرائيل إلى ربط الهجوم بسرديات أوسع، تتعلق بمعاداة السامية والاعتراف بدولة فلسطين، ما أطلق قراءات متباينة حول أهداف هذا الربط وحدوده.
وناقش برنامج ما وراء الخبر أبعاد الحادثة، حيث رأى الدكتور راتب جنيد، رئيس الاتحاد الفدرالي للمجالس الإسلامية في أستراليا، أن الهجوم يجب فصله عن أي توظيف سياسي، مؤكدا أن استهداف المدنيين مرفوض أيا كانت الدوافع.
وتقاطع هذا الموقف مع إدانات دينية ومجتمعية واسعة داخل أستراليا، شددت على حماية النسيج الاجتماعي، ورفض تحميل أي جماعة أو مواقف سياسية مسؤولية أفعال فردية، في ظل حساسية المشهد بعد الحرب المستمرة على غزة.
بيد أن المسار الذي اختارته الحكومة الإسرائيلية في التعاطي مع الحادثة اتجه نحو توسيع دلالاتها، وهو ما يقرؤه مراقبون في سياق سياسة إسرائيلية معتادة، تسعى لربط أي عنف يقع خارج حدودها بخطاب معاداة السامية عالميا.
استثمار سياسي
الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى رأى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استثمر الحادثة سياسيا، من خلال ربطها بالاحتجاجات المناهضة للحرب على غزة، ومحاولة تصوير هذه التحركات بوصفها تهديدا أمنيا لليهود في الغرب.
ويأتي هذا الربط، بحسب التحليل، في وقت شهدت فيه أستراليا مواقف رسمية غير منسجمة مع السياسات الإسرائيلية، من بينها الاعتراف بدولة فلسطين، والسماح بتظاهرات واسعة دعما لغزة، ما جعلها هدفا مباشرا للانتقادات الإسرائيلية.
إعلانغير أن تفاصيل الحادثة نفسها أربكت هذا الخطاب، بعدما كشفت التحقيقات أن الرجل الذي تصدى لأحد منفذي الهجوم وانتزع سلاحه كان مسلما، في مشهد لقي إشادة واسعة داخل المجتمع الأسترالي.
هذا التفصيل الإنساني، الذي عكس تعقيد الواقع وتناقضه مع السرديات الجاهزة، قلّص من قدرة إسرائيل على تقديم الحادثة كدليل على تصاعد العداء الديني، وأعاد تسليط الضوء على خطورة التعميم السياسي.
ورغم تراجع نتنياهو لاحقا عن توصيفه الأولي لهوية من حاول إحباط الهجوم، فإن الخطاب الإسرائيلي، كما يرى محللون، واصل تجاهل هذا البعد، مفضلا التركيز على ما يخدم هدف الضغط السياسي على الحكومات الغربية.
وفي هذا السياق، أشار الدكتور مهند مصطفى إلى أن إسرائيل وسّعت مفهوم معاداة السامية إلى حد بات يشمل أي نقد لسياساتها أو اعتراض على حربها في غزة، ما أدى إلى تآكل تأثير هذا المصطلح في الرأي العام الغربي.
هذا التآكل، وفق متابعين، لم يأت من فراغ، بل نتيجة الاستخدام المكثف للمصطلح خلال العامين الماضيين، حتى فقد جزءا من قدرته على ردع الانتقادات أو إحداث الخوف السياسي الذي راهنت عليه تل أبيب طويلا.
التعاطي الأوروبي
على المستوى الأوروبي، تناول الأكاديمي المختص في قضايا العالم العربي والإسلامي الدكتور صلاح الدين القادري أبعاد التعاطي مع الحادثة، مميزا بين مواقف بعض الحكومات الغربية، والمزاج الشعبي المتنامي داخل مجتمعاتها.
ويرى القادري أن قطاعات واسعة من الرأي العام الأوروبي باتت أكثر وعيا بالفصل بين اليهودية كديانة، والصهيونية كمشروع سياسي، ما يجعل محاولات ربط التضامن مع الفلسطينيين بمعاداة السامية أقل قابلية للتسويق.
وتعزز هذا الوعي، بحسب التحليل، بفعل المشاهد القادمة من غزة، وحجم الخسائر البشرية، خصوصا بين المدنيين والأطفال، وهو ما أعاد تشكيل أولويات التعاطف الإنساني لدى شرائح واسعة من المجتمعات الغربية.
كما أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في كسر احتكار الرواية التقليدية، عبر نقل صور الحرب وتفاصيلها دون وسيط، ما أضعف قدرة الخطاب الرسمي الإسرائيلي على التحكم في اتجاهات الرأي العام.
في أستراليا تحديدا، تبدو فرص استجابة الحكومة للضغوط الإسرائيلية محدودة، في ظل التأكيد الرسمي على حماية حرية التعبير، ورفض الخلط بين الاحتجاج السلمي والعنف، وهو موقف ينسجم مع طبيعة المجتمع التعددي.
ويرى مراقبون أن أي تراجع أسترالي عن هذه المبادئ قد يفتح الباب أمام توترات داخلية، ويقوض الثقة المتبادلة بين مكونات المجتمع، وهو ما يجعل كلفة الاستجابة للابتزاز السياسي مرتفعة.