لوموند: الأرض المحروقة إستراتيجية الدعم السريع في السودان
تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT
قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، كثفت هجماتها على الفاشر، آخر مدينة في دارفور لا تزال تحت سيطرة الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ومن شأن الاستيلاء عليها أن يمنح قوات الدعم سيطرة شبه كاملة على الثلث الغربي من السودان.
وأوضحت الصحيفة الفرنسية -في تقرير من مراسلتها بالقاهرة إليوت براشيه- أن ما يقرب من مليوني مدني محاصرون في المدينة، حيث لا تجد أي مساعدات إنسانية طريقها عبر الخطوط الأمامية بسبب قذائف الدعم السريع المنهمرة، رغم دعوة مجلس الأمن قبل أسبوعين لإنهاء القتال وحثه لتلك القوات على رفع الحصار.
ويصف محمد عثمان من هيومن رايتس ووتش الوضع قائلا "يدور القتال في الفاشر في قلب المناطق المكتظة بالسكان، بما في ذلك مخيمات النازحين. ويتم تنفيذ الهجمات دون تمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية. وثقنا قصف قوات الدعم السريع للمناطق السكنية والمباني العامة وقد هاجمت العديد من المستشفيات".
تفوق عددي
وذكّرت المراسلة باقتحام قوات الدعم السريع للمستشفى الواقع في جنوب الفاشر، ونهبها مخزون الأدوية وسيارة إسعاف، وبقصفها الصاروخي للمستشفى السعودي، وهو المؤسسة الوحيدة التي لا تزال قادرة على استيعاب الجرحى بالمدينة، مما أسفر عن مقتل صيدلي وتدمير مخزون الأدوية.
ويقول أحد مقدمي الرعاية، لم يرغب في الكشف عن هويته، إن "الفوضى تسود في الداخل، حيث استقبلنا في أسبوع واحد أكثر من 500 جريح، أكثرهم من الأطفال ومات 76، في حين يتراكم الناجون كل اثنين على سرير".
ويضيف أن "قوات الدعم السريع قامت بتدمير المركز الطبي الوحيد المتخصص في أمراض الكلى في المنطقة".
وتكتفي قوات الدعم السريع بقصف المدينة من الجو في هذه الفترة، "إنهم يعيدون تجميع صفوفهم وإعادة تنظيمهم -حسب مصادر المراسلة- ولكنهم عازمون على تنفيذ الهجوم قبل موسم الأمطار"، وهم يتمتعون بتفوق عددي ساحق في محيط الفاشر بنحو 30 ألف رجل، مقابل 8 آلاف من مشاة الجيش السوداني إلى جانب حركات التمرد السابقة، كحركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان.
بدء التطهير العرقيوأشارت المراسلة إلى أن تعبئة المدنيين على الجانبين حسب انتمائهم العرقي يزيد من خطر وقوع مذابح عنصرية، وهناك مخاوف من وقوع حمام دم إذا تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على الفاشر، على غرار ما وقع في الجنينة بغرب دارفور، حيث قتل ما يقرب من 15 ألف شخص، معظمهم من قبيلة المساليت على يد قوات الدعم السريع والمليشيات التابعة لها.
وفي غضون أشهر قليلة، أحرقت قوات الدعم السريع في شمال دارفور أكثر من 50 قرية، ومسحت من الخريطة أحياء بأكملها في الفاشر، وفق تقرير لوموند.
ويقول ناثانيال ريموند، مدير مختبر البحوث الإنسانية في جامعة ييل الأميركية "التطهير العرقي بدأ بالفعل وهذا ليس مفاجئا. قوات الدعم السريع تستخدم الطريقة نفسها منذ بداية الحرب. بالنسبة لهم، هذا هو استكمال الإبادة الجماعية التي بدأت عام 2003″.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن الهجمات القاتلة التي تشنها قوات الدعم السريع لا تقتصر على دارفور، إذ ارتكبت خلال الأسابيع الأخيرة عدة مجازر في منطقة الجزيرة، وقبلها قتلت أكثر من 156 شخصا في قرية ود النورة و17 في بلدة عسير، وطردت القوات السودانية من مدينة الفولة، عاصمة ولاية غرب كردفان، وبثت الذعر بين السكان المدنيين.
وقالت إنه في مواجهة عدم فعالية قواته البرية، يقوم الجيش السوداني بتكثيف ضرباته الجوية في جميع أنحاء البلاد، إلا أن عددا متزايدا من المدنيين بدؤوا يتسلحون ويشكلون مجموعات للدفاع عن النفس في جميع أنحاء البلاد بسبب الانتهاكات المتكررة وتكتيكات الأرض المحروقة التي تتبعها قوات الدعم السريع، مما يشير إلى أن السودان ينزلق إلى حرب أهلية محققة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات قوات الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
???? حين ضاق الخناق .. هل قرر العالم أخيرًا التخلص من مليشيا الدعم السريع؟
قراءة مختلفة للمتغيرات الدولية… منذ اندلاع الحرب في السودان، كان الموقف الدولي في بداياته مرتبكًا، تتنازعه مصالح متضاربة وحسابات ضيقة. لكن يبدو أن الزمن كفيل بكشف الحقائق مهما طال الإنكار. واليوم، وبعد أكثر من عامين من المعاناة، بدأ المجتمع الدولي يغيّر لهجته، وربما حتى بوصلته.
فبيان وزارة الخارجية الأمريكية الأخير، واجتماع نائب الوزير كريستوفر لاندو مع سفراء الرباعية (الولايات المتحدة، مصر، السعودية، والإمارات)، يعكسان تحولاً لافتًا في طريقة مقاربة الأزمة: لم يعد الحديث عن وقف القتال فقط، بل عن معالجة جذرية، وأن لم يعلن عن تفاصيلها لكن يبدو أنها ستبدأ من تحمّل مليشيا الدعم السريع مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، وتفكيك الأزمة عبر إخراجها من المشهد بأقل الأضرار الممكنة.
الدعم السريع.. من ورقة ضغط إلى عبء ثقيل
كانت بعض العواصم في بداية الحرب تنظر إلى الدعم السريع كـ”أمر واقع”، يمكن احتواؤه أو توظيفه لمصالح سياسية ضيقة. لكن ما ارتكبته هذه المليشيا من فظائع — من نهب واغتصاب وتجنيد أطفال، إلى ترويع المدنيين واحتلال المدن وتخريبها — جعل أي محاولة لتبرير وجودها عبئًا لا يُحتمل أخلاقيًا وسياسيًا.
اليوم، تتعامل العديد من الدول مع هذه المليشيا كـ”ورقة محروقة”، لم يعد بالإمكان الدفاع عنها. التفاوض المقترح لا يهدف إلى إعادة تأهيل الدعم السريع، بل إلى إخراجه من المسرح السياسي، تحت عباءة “الحل السلمي”.
الجيش السوداني.. صمود بدّد الأوهام
التحول الدولي لم يكن منحة مجانية، بل ثمرة لصمود أسطوري لقواتنا المسلحة وقواتنا النظامية. فقد راهن البعض على انهيار الجيش، لكنه صمد، وقاتل، واستعاد زمام المبادرة في محاور عدة، رغم الظروف الصعبة.
وفي ظهره، وقف الشعب السوداني بكل ما يملك من صبر وكرامة. صمد في وجه الترويع، ورفض الخضوع، وعرّى المليشيا أمام العالم. حتى بعض القوى السياسية، رغم تباين المواقف، كان لها دور في فضح الانحيازات الدولية والتدويل غير النزيه.
التفاوض القادم: لا تنازل عن الثوابت
والآن، مع ازدياد الحديث عن تسوية سياسية، فإن الجيش وحكومة السودان لا يذهبان إلى الطاولة من موقع ضعف، بل من موقع الطرف الذي صمد ورفض أن ينكسر. ومن هنا، فإن أي مفاوضات جادة يجب أن تُبنى على الثوابت الوطنية، وأهمها:
1. تفكيك الدعم السريع كليًا، دون قيد أو شرط.
2. تقديم قادة المليشيا للعدالة على الجرائم التي ارتكبوها.
3. رفض أي مساواة بين الجيش والمليشيا في أي صيغة سياسية أو انتقالية.
4. الحفاظ على وحدة المؤسسة العسكرية والأمنية، واحتكارها المشروع لاستخدام القوة.
5. رفض أي وصاية خارجية، وتمسك كامل بسيادة القرار الوطني.
من يتحمّل فاتورة الإعمار؟
لا يمكن تجاهل الدور غير المعلن لبعض الدول في دعم الأزمة، وخاصة الإمارات التي أصبحت في خانة المساهم في تعقيد الموقف. واليوم، وقد بدأت هذه الدول تراجع مواقفها، فإن من الطبيعي أن نطالبها بالمشاركة الفاعلة في إعادة الإعمار، لا نكايةً، بل من منطلق المسؤولية السياسية والأخلاقية.
مؤتمر دولي، أو صندوق دعم تشارك فيه الدول الفاعلة، قد يشكّل بداية صحيحة لمصالحة قائمة على الاحترام المتبادل، لا على الإملاءات.
ختامًا: لا مكان للمليشيات في سودان الغد
ربما تغيّر الموقف الدولي، وربما نشهد محاولات لإنتاج تسوية جديدة، لكن الثابت أن الجيش والشعب كانا خط الدفاع الأول عن الوطن. وكل محاولة لحل الأزمة لا تعترف بهذه الحقيقة، ولا تستند إلى دماء الشهداء ومعاناة النازحين وصمود الجنود، ستكون مجرد وهم سياسي جديد.
السودان اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يحسم المجتمع الدولي أمره ويضع حدًا لوجود المليشيا، أو يستمر في إدارة الأزمة إلى أن تنفجر بشكل أوسع. لكن الأكيد أن الجيش الذي لم ينكسر، لن يفرّط في نصرة ولا في كرامة شعبه.
السودان ليس أرضًا سائبة، بل وطن عريق، مليء بالخيرات، لكنه يعرف كيف يدافع عن نفسه. ومن لا يحسن قراءة تضاريسه، ستلتهمه أشواكه قبل أن يلتقط أنفاسه.
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
٥ يونيو ٢٠٢٥م
نشر بموقع صحيفة المحقق الإلكترونية