عن آفة التسطيح والمآلات المجتمعية
تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT
Your browser does not support the audio element.
يتغير عالمنا وتشتبك معطياته بطريقةٍ تستصعب الفهم - ولكنها لا تستعصي عليه - وفي حينه، يصبح على المجتمعات اتخاذ قرارها الفوري والمباشر؛ فإمّا أن تكون واعية ومدركة لتلك المتغيرات ومواكبة لها بحصافة، وإمّا أن تكون متلقية لارتداداتها وعواقبها وانعكاساتها، وأن تكيف نسيجها في الدخل من أجل المتغير، لا من أجل التغير.
إذن في المقابل هناك ثلاث قواعد يتوجب على المجتمعات أن تنهجها في سبيل التكيف مع هذا الاشتباك، أولها افتراض غير المفترض، وثانيها العمل والتعامل مع الغامض وغير المدرك، وثالثها الاستخدام الجاد للمعرفة الناتجة وعدم التعامل بالتسطيح. والواقع أن التسطيح أصبح آفة مجتمعاتنا المعاصرة. فإذا أردنا تصنيف المجتمعات في تعاملها مع حالة الاشتباك العالمي هذه، فيمكن أن نضعها على النحو التالي:
- مجتمعات منتجة للوقائع العالمية وموجهة لها.
- مجتمعات منتجة للوقائع العالمية ومسيطرة عليها.
- مجتمعات مستهلكة للوقائع العالمية ومستفيدة منها.
- مجتمعات مستهلكة للوقائع العالمية ومسطحة لها.
والانتقال إلى الحالتين الأولى والثانية يقتضي جهدًا تآزريًا، يقوده تغيير العقلية الاجتماعية السائدة، وتمكين مؤسسات المعرفة، وتعزيز الفعل الثقافي، وتطوير الفعل الإنتاجي والابتكاري، واعتبار المعرفة القيمة الأعلى التي تتمحور حولها العمليات داخل المجتمع والدولة. ولكن قطاعًا واسعًا من هذا الفعل داهمه التسطيح في أغلب جوانبه، فأصبحت عبارات من قبيل «المجتمع يريد التبسيط، المجتمع يتقبل من يقدم له الشيء الموجز، الإعلام لا يحتمل المادة المعرفية العميقة، الفرد يريد الشيء المختصر...» مسيطرة على مختلف تعاملاتنا؛ تعاملاتنا مع حالة التعلم، وتلقي الأخبار والأحداث، ومحاولة فهم الوقائع التي تدور حولنا، والمواد الإعلامية وسواها. وكأن تلك أصبحت قواعد تسير حياتنا وتسيطر عليها، دون أن نتساءل من الذي أنتج تلك القواعد؟ ومن الذي فرضها وشرعنها، ومن الذي أحقَّ وجوبها في العقلية الاجتماعية؟ فوسط حالة التسطيح تتسرب الكثير من المعارف غير المدركة، والجوانب التي يتوجب التعمق بها لنفهم مسار حياتنا، ومسار دولنا ومجتمعاتنا. فمن تلك المعرفة المتسربة قد نتصور واقعًا غير واقعنا، وقد نتوهم بفرضيات لا محل لها من الصحة، وقد نصدم بما هو غير متوقع وما هو غير مفترض.
إن الانتقال إلى حالة الفاعلية العالمية يقتضي جهدًا نوعيًا في مساءلة عمق المعرفة المتلقاة في مؤسسات التعليم، وفي الدور التنويري الذي تقوم به الجامعات، وفي جدية الفعل الثقافي والمعرفي للمؤسسات الثقافية، وفي مستوى العمق في التناول والطرح الذي تتبناه وسائل الإعلام، وفي وسائل التهيئة لتلقي المعرفة التي تضعها الأسر لأبنائها، وفي حالة المحتوى المعرفي الجاد والرصين الذي نسهم بنشره عبر المنصات والشبكات الإلكترونية، وفي الدافعية للمعرفة الجادة التي تشجع عليها مختلف أنواع الخطاب، سواء كانت خطابا دينيا أو سياسيا أو ثقافيا. كل هذا يجب أن يوجه لمحاربة آفة التسطيح التي غزت مجتمعاتنا وأصبحت تسيرها وفق منطق (المجتزئ والمبتور والخطوط العريضة). أن نفهم بعمق يعني أن نكون أكثر قدرة على المواكبة، وأن نتلقى ونسهم في صنع المعرفة الجادة وتعميمها يعني أن نقلل من مستويات الغموض التي تحيط الظاهرة العالمية، وأن نشجع على مواجهة التسطيح يعني أن يكون لدينا المخزون المعرفي للتكيف مع جالة الاشتباك العالمي. فإذا لم نسابق إلى مضمار ذلك سُبقنا. هذه اللحظة هي التي لا يجب أن تبقى فيها مؤسساتنا الأكاديمية «مصنعًا للشهادات» - حسب تعبير آلان دونو - ولا أن تبقى مؤسساتنا الإعلامية مجرد منصات للعاجل والأخبار والمقتطفات ولا أن تبقى مؤسساتنا الثقافية جزرًا معزولة عن فعل المجتمع وسيرورته. إنه زمن العودة إلى العمق ومواجهة التسطيح.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
سفير اليابان يفتتح مشروع تنقية المياه وتحسين الصحة المجتمعية بالعياط
قام السفير الياباني لدى مصر، إيواي فوميو، بزيارة رسمية إلى مركز العياط التابع لمحافظة الجيزة، للاحتفال بإتمام مشروع ياباني جديد يهدف إلى تحسين جودة الحياة من خلال توفير مياه شرب نقية وآمنة للمواطنين، وذلك في إطار برنامج "كوسانوني" الياباني للمنح الأهلية الأساسية والأمن الإنساني، وذلك برفقة المهندس ياسين سيد ياسين رئيس مركز ومدينة العياط.
ويأتي المشروع بمنحة قدرها 60 ألف دولار أمريكي، خُصصت لإنشاء محطتين لتنقية المياه، بالإضافة إلى شراء أربع دراجات ثلاثية العجلات تُستخدم لتوصيل المياه إلى الأسر في المناطق الريفية.
ومن المتوقع أن يوفر المشروع نحو 24 لترًا من المياه النقية يوميًا لكل أسرة، ليستفيد منه ما يقرب من 2400 أسرة بالعياط.
وأكد السفير إيواي خلال زيارته أن هذا المشروع يعكس عمق العلاقات بين اليابان ومصر، وحرص بلاده على دعم الجهود التنموية المحلية، لا سيما في ما يتعلق بالصحة العامة وتحسين المرافق الأساسية. كما شدد على أهمية الوصول إلى مياه نظيفة باعتبارها حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، وركيزة رئيسية لتحقيق التنمية المستدامة.
ويُعد المشروع خطوة مهمة نحو تعزيز مستوى الصحة المجتمعية، من خلال تقليل المخاطر المرتبطة باستخدام مصادر مياه غير آمنة، خاصة في المناطق التي تعاني من ضعف في البنية التحتية للخدمات الأساسية.
IMG-20250508-WA0005 IMG-20250508-WA0010 IMG-20250508-WA0012 IMG-20250508-WA0015 IMG-20250508-WA0013 IMG-20250508-WA0021 IMG-20250508-WA0018 IMG-20250508-WA0017 IMG-20250508-WA0019 IMG-20250508-WA0020 IMG-20250508-WA0011 IMG-20250508-WA0014 IMG-20250508-WA0016 IMG-20250508-WA0009 IMG-20250508-WA0008 IMG-20250508-WA0007 IMG-20250508-WA0006