اكتشاف جديد في ظفار: أقدم مجتمع صيد في شبه الجزيرة العربية
تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT
العمانية – أثير
قامت البعثة الأثرية الفرنسية “بحر العرب” خلال السنوات العشر الماضية، بالتنقيب على امتداد سواحل محافظة ظفار بالتعاون مع المديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار حيث تم اكتشاف العديد من المواقع الأثرية التي يتجاوز عددها 400 موقع.
ومن ضمن هذه المواقع المكتشفة “كهف ناطف” الذي يُعد من المواقع المهمة والاستثنائية التي تعود إلى العصر الحجري القديم المتأخر (10,350 – 10,700) قبل الميلاد، واكتشفه الفريق الفرنسي عام 2013م ضمن “مشروع دراسة شواطئ بحر العرب ” ونقّب فيه عدة مواسم مختلفة خلال الأعوام (2013 – 2016) وأُعيد النظر فيها عام 2024م لإكمال التوثيق.
ودلّت التنقيبات والدراسات الأثرية على أن الاستيطان في “كهف ناطف” تعود إلى 10000 آلاف سنة وهو أقدم مجتمع صيد في شبه الجزيرة العربية وهذا ما أكدته المكتشفات الاثرية من بقايا الأسماك والسلاحف داخل هذه الكهوف، إضافة إلى العثور على قطعة من حبل في إحدى كهوف ناطف وقد يكون أقدم حبل اكتُشِف على مستوى العالم، كما عُثر على الكثير من الأدوات الصوانية والخرز وحبات اللبان.
وقال علي بن مسلم المهري رئيس قسم المسوحات والتنقيبات الأثرية بالمديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار ومشرف فريق العمل، في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية: تعكف البعثة الفرنسية على دراسة الآثار البشرية في العصر الحجري الحديث وتقوم بجمع كل الآثار التي خلّفها الإنسان منذ ذلك العصر؛ حيث عثرت على مجموعات كثيرة من رؤوس السهام الحادة المصنوعة من حجر الصوان وبقايا عظام وقواقع بحرية مثقوبة كانت تستخدم للزينة والحلي للنساء.
وأضاف: ركزت دراسات فريق معهد المركز الفرنسي للأبحاث العلمية في معرفة عمر الترسبات الجيولوجية لربطها بالعمر التقديري للمعثورات الأثرية، ويقوم الفريق باستخدام تقنيات مختلفة لدراسة العمر الجيولوجي مثل تحليل الاشعاع التحفيزي لمعدن الكوارتز وتحليل نظائر الكربون وتحليل ترسبات الكالسيوم وبهذه التحاليل سيتمكن الفريق من تحديد الإطار الزمني للمستوطنات الأثرية.
ووضّح رئيس قسم المسوحات والتنقيبات الأثرية بالمديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار أن موقع “كهف ناطف” المعروف محليًّا بـ “كهف خنشروتن” الذي يقع بنيابة حاسك بالقرب من شلالات ناطف هو أحد تلك المواقع الأثرية التي عملت فيها البعثة الفرنسية وقد أثبت فريق البحث بقيادة الدكتور فنسنت شاربنتير (Vincent Charpentier ) – عالم آثار فرنسي من معهد ( INRAP ) – أن المكتشفات الأثرية في الموقع تعود لأزمنة تاريخية مختلفة مثل: العصر الحجري القديم المتأخر (9.500 – 11.000) والعصر الحجري الحديث ( 5.000 – 8.500) والعصر البرونزي (3.000 -5.000) والعصر الإسلامي.
وأشار إلى أن الفريق عثر على آثار لأقدم صياد في تاريخ شبه الجزيرة العربية منذ 10,500 عام؛ حيث تم العثور على بعض الأصداف ومنها “الصفيلح”؛ ما يدل على أن المنطقة تعد أول مكان مُورِس فيه الصيد منذ العصر الحجري، مؤكدًا أن امتداد اليابسة نحو البحر كان أكبر مما هو عليه الآن.
وأكد أن من أهم الأدوات التي عثر عليها فريقُ التنقيب في كهف ناطف هي أدوات حجرية من صنع البشر استخدمت في العديد من الأنشطة مثل القطع والحفر والكشط وهي عبارة عن “رؤوس من حجر الصوان” تسمى أحيانًا “رؤوس السهام” التي كانت تستخدم لاصطياد الغزلان وغيرها من الحيوانات البرية، إضافة إلى بعض أدوات صيد السمك المصنوعة من عظم السمك، وكذلك بعض أشكال الخرز والثقوب التي وجدت في الأصداف والقواقع البحرية التي استخدمها البشر لصنع القلائد والأساور أو تزيين الملابس والشعر، موضحًا أنه في أثناء التنقيب عُثر كذلك على عدة عظام من أسماك السردين وسمك السلور وكذلك سمك القرش، وحبل مكون من ألياف الأشجار يقدر عمره بـ ( 9000 سنة ) .
وعن خطوات التنقيب في المواقع الأثرية؛ وضّح رئيس قسم المسوحات والتنقيبات الأثرية بالمديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار أن هناك خطوة أولى قبل القيام بعملية التنقيب، إذ يقوم الفريق بإكمال عملية المسح والتوثيق الطبوغرافي للكهوف، بما في ذلك نموذج ثلاثي الأبعاد ثم يتم تنظيف سطح الموقع، بعدها يرسم الفريق مربعًا ذا /4/ أضلاع، ويُحفر فيه ببطء مع مراعاة فوارق مستويات الطبقات الأرضية التي تشكلت خلال 11,000 عام بواسطة الأدوات الحديدية الخفيفة كأدوات البناء والملاعق والفرش.
واستطرد قائلاً، ثم تبدأ أعمال التنقيب الفعلية بإزالة طبقات التربة والكشف عن القطع الأثرية والهياكل، بعدها يقوم علماء الآثار بتسجيل وتوثيق كل اكتشاف بدقة، مع الإشارة إلى موقعه وتفاصيله، ومع ظهور القطع الأثرية يتم تحليلها وتأريخها باستخدام أساليب علمية مختلفة ودقيقة، وتساعد هذه المعلومات المجمعة في معرفة أسرار الحياة في أزمنة ما قبل التاريخ كما تعد نافذة يطل من خلالها أبناء الحاضر على عالم الأسلاف وحضارات الأمم الغابرة.
وحول عملية فرز وتصفية المواد الأثرية من الرمل المستخرج من قاع مربع الحفرية؛ أشار رئيس قسم المسوحات والتنقيبات الأثرية بالمديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار إلى أنه – بعد التنقيب البطيء – يتم غربلة كل طبقة من الرواسب المزالة بشبكة معدنية بقطر 2/3 ملمتر لإزالة الغبار والرمل وعزل الأصداف والعظام وبقايا الفحم من الحرائق الماضية والأدوات الحجرية، ثم يتم جمع عينات المستكشفات لدراستها ومعرفة المدة الزمنية التي عاشتها تلك الأشياء.
وأكد على أنه يوجد في نيابة حاسك العديد من المواقع الأثرية الأخرى التي ستعمل الوزارة على استكشافها في المستقبل القريب
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: المواقع الأثریة العصر الحجری الحجری ا
إقرأ أيضاً:
ظفار أرض اللبان
علي العايل
الشعار أعلاه يعكس التاريخ العريق لظفار، حيث كانت مركزًا عالميًا لإنتاج وتجارة اللبان منذ آلاف السنين.
وهو شعار له جذر تاريخي عميق، وقد ارتبط اسم ظفار عالميًا باللبان في كتب التاريخ والجغرافيا القديمة. ويوحي هذا الشعار بالأصالة والتراث والبعد العالمي.
أما ظفار أرض التباشير فيشير إلى التباشير الموسمية، أي بدايات موسم الخريف والضباب والبرودة الجميلة التي تبدأ مبكرًا في ظفار قبل بقية المناطق؛ وهو شعار شاع محليًا في السنوات الأخيرة، ويرتبط بجمال الطبيعة والطقس الاستثنائي.
ويوحي بالفرح والتجدد والجمال الطبيعي، ويُستخدم كثيرًا في سياق الترويج السياحي، وبالرغم من أن كلا الشعارين يحملان قيمة، فإنَّ شعار أرض اللبان يظل هو غاية ثقافية وتاريخية، وضمن سياق اليونسكو والتراث العالمي.
ولهذا فإنَّ ظفار أرض اللبان هو الأنسب، لأنه يعكس الإرث الفريد المرتبط عالميًا بالمنطقة. بغض النظر عن الغاية الترويجية والسياحية لجمال الطبيعة، وقد يقول قائل إن ظفار أرض التباشير يبدو جذّابًا وعاطفيًا ويترك أثراً حديثًا، ولكن تظل الأصالة والتراث الثقافي هي الأكثر عمقاً ودلالة، وأكثر بقاءً من تباشير موسم عابر لا يخلفه إلا الجفاف.
من هنا يظل "أرض اللبان" مرتبطًا بإرث عالمي وتراث إنساني فريد. وعليه يمكن حسم كل هذا الجدل باعتماد شعار ظفار أرض اللبان، كعلامة فارقة تصلح لكل زمان ومكان، كخصوصية ظفار ولبانها عبر الحقب والأزمان، لأن أرض اللبان تحمل خصوصية ثقافية وتاريخية حصرية لظفار؛ فاللبان الظفاري لا يوجد في أي مكان آخر بجودة ونوعية وشهرة مماثلة، فقد ارتبط اسم ظفار باللبان في النقوش القديمة والخرائط التجارية منذ آلاف السنين، وتم إدراج "طريق اللبان" ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.
اللبان شكّل جزءًا من هوية ظفار الدينية والاقتصادية، وحتى الأسطورية، فخلاصة القول فإن ظفار أرض اللبان هو الشعار الأنسب؛ لأنه يؤكد هوية ظفار كإرث ثقافي عالمي ويمثلها في المحافل الدولية، ويربط الماضي بالحاضر بطريقة تميزها عن غيرها.