عقدت الجمعية العمانية للمسرح مساء أمس رابع جلساتها الشهرية "مقهى المسرح"، وحملت الجلسة عنوان "المختبر المسرحي.. آفاق أخرى لانفتاح المسرح على الجمهور"، وتحدث فيها الدكتور سامي النصري، وهو باحث تونسي في مجال المسرح، وذلك في "مقهى حلوى" بمبنى جمعية الفنون بغلا.

انطلقت الجلسة بحديث مقدمها الإعلامي أحمد الكلباني، معبرًا عن سعادته بإقامة هذه الجلسة، التي وصف أنها برعاية ولاية النخل، إذ يعد الدكتور سامي النصري ضيفًا على فرقة نخل المسرحية وجاءت استضافته في "مقهى المسرح"، وأكد الكلباني على أهمية الاستفادة القصوى من هذه الجلسة، وشكر الجمعية العمانية للمسرح على جهودها المستمرة في تنظيم مثل هذه الفعاليات.

كما تحدث عن موضوع الجلسة الرئيسي المتعلق بالتكوين المسرحي وخلق عروض مسرحية تفاعلية بين طاقم العمل والجمهور.

بعد ذلك، تحدث الدكتور سامي النصري عن أهمية المختبر المسرحي قائلا: "المختبر المسرحي هو لقاء وفرصة استثنائية للتساؤل حول المسرح من منظومة فهمنا المستقرة، وأيضًا لمحاولة استشراف المستقبل من خلال الأفكار والتصورات الجديدة. المسرح دائمًا يتطلب التفكير المتجدد وليس الثبات على مسلمات أو بديهيات، ومن المهم أن ننطلق في المسرح من المفاهيم، لأن المفاهيم تشكل الأرضية التي ننطلق منها لاكتشاف الفنون. المسرح يحتاج إلى مساءلة دائمة لهويته وأصله، وهذه المساءلة هي التي تمنحه القدرة على التطور المستمر، المسرح ليس مجرد منصة للأسئلة، ولكنه أيضًا مجال للتجريب والاختبارات المختلفة.

ويأتي المختبر المسرحي ليكون فضاءً للبحث والتجريب، حيث نحاول معرفة الشيء عبر تجربته. هذا المفهوم تطور في بداية القرن العشرين ليشمل الفن كإبداع، وليس فقط كنتاج، والمختبر المسرحي يؤسس للانزياح عن المكونات التقليدية من أجل تجربة مكونات جديدة، وهو عنصر أساسي في البحث النظري والفني.

وتابع حديثه بقوله: "يمكن القول إن المختبر يأخذ قيمته من العلم لأنه يتضمن عنصر التجريب والاكتشاف. عندما نقول (مختبر)، نفكر في فضاء علمي حيث يمكننا تجربة شيء للوصول إلى نتيجة معينة، ولكن في المسرح، يتجاوز المختبر هذا المفهوم ليصبح فضاءً للتكوين والإبداع، وهناك منهجية تحكم هذا المختبر، فهو ليس مجرد حالة من التفاعل الحر دون أسس أو ركائز معينة. وعندما نصل إلى نتيجة نهائية، نستطيع القول إنها نتيجة تفاعل منهجي ومدروس".

وحول المفهوم الحديث للمختبر قال النصري: "تطور من مفهوم الورشة الفنية، فقبل ظهور المختبر، كنا نتعامل مع الفنون من خلال ورشات، مثل ورشات الرسم والمسرح، وكانت هذه الورشات تضم مجموعة من المتعلمين الذين يواكبون تجربة المعلم ويتعلمون منها، وعندما انتقل هذا المفهوم إلى المسرح، أصبح الفضاء الإبداعي أكثر انفتاحًا على التفاعل الداخلي، لذلك لم يكتف المسرح بالورش، بل أتى المختبر ليلبي الطموح المسرحي نحو الإبداع المتطور والتجدد، فلا يقتصر دور المشاركين على التعلم فقط -كما هو الحال بالورش- بل يمتد ليشمل البحث والاكتشاف. هؤلاء المؤدون يكتشفون طاقاتهم وإمكاناتهم الجديدة. المختبر ليس فقط لإنتاج نتائج محددة، بل هو فضاء للاكتشاف والتجربة الشخصية. وفي المسرح المعاصر، نشهد تجديدًا من الداخل.

التكوين المسرحي وقيمته تجددا في المسرح الغربي منذ بدايات القرن العشرين، وأصبحنا نتحدث عن أهمية التكوين في المسرح كجزء من الممارسة الفكرية والفنية التي تغذي فهمنا للمسرح وعلاقته بالمواضيع والمفاهيم بشكل عام".

مصطلحات ثلاث

وتطرق الدكتور سامي النصري إلى هوية المختبر المسرحي في الغرب، متحدثًا عن مدرسة "جاك لوكوك" في فرنسا التي تفتح أبوابها ليس فقط للطلاب الجدد بل أيضًا للخريجين والممثلين ذوي الخبرة، مؤكدًا أن هؤلاء الممثلين يعودون لإعادة اكتشاف طاقاتهم وقدراتهم.

والهدف هنا ليس فقط التشكل التقليدي للممثل، بل هو بيئة تجمع بين الباحثين والممثلين لاكتشاف طاقاتهم وتعزيز مهاراتهم المسرحية، مع التركيز على الخصوصية الثقافية والراهنة. وهذا ما يفتحُ ديمومة اكتشاف الذات والبحث عن الجديد.

وتطرق الدكتور سامي إلى بحث من بحوثه، إذ قال: "في بحثي حول المختبر المسرحي، توصلت إلى ثلاثة مصطلحات أساسية لفهم عملية المختبر، أولًا (المخاطرة)، فالمسرح بدون مخاطرة لا يكون مسرحًا، الممثلون يأتون إلى المسرح ليجازفوا باكتشاف ذواتهم وإعادة تطويرها، هذا الاكتشاف ليس سهلًا، فهو يتطلب مواجهة الألم والتحديات النفسية والجسدية.

وثانيًا (القسوة) وهذا المصطلح لا يشير فقط إلى ما أورده (أنتونين أرتو)، بل إلى الانضباط والالتزام، في المختبر المسرحي، الممثلون يلتزمون بقوانين وشروط هذا المسار التعليمي والبحثي، هذا الالتزام يؤدي إلى ما يسمى بـ (الصفحة البيضاء)، حيث يصل الممثل إلى صفاء داخلي بعد تجاوز العراقيل النفسية والجسدية. وثالثًا (الغرابة) وهذا المفهوم مستوحى من تجربة (بريشت)، حيث تتشكل المادة المسرحية على أساس نوع من الغرابة، (بريشت) استخدم مصطلح (التغريب) وهذا يساعد الممثلين على إعادة اكتشاف المادة المسرحية والعمل عليها بشكل فريد. بهذا الشكل، المختبر المسرحي ليس فقط مكانًا للتدريب، بل هو فضاء للاكتشاف والتجريب، حيث يتجاوز الممثلون "الحدود التقليدية لاكتشاف إمكاناتهم الإبداعية".

كما تطرق الدكتور سامي إلى عدد من النقاط، منها "التعامل مع الممثل"، مؤكدًا أن التكوين المسرحي يتطلب من الممثل أن يتعامل مع ذاته دون مكياج أو أكسسوارات، ليتعرف على نفسه بشكل أعمق ويواجه التحديات الداخلية، و"التعامل مع المادة المسرحية" حيث يجب أن يتعامل الممثل مع مواد مختلفة مثل النصوص والأقنعة والارتجال، ما يساعده على بناء شخصيات جديدة واكتشاف مواهبه، والتجريب بمادة مثل القناع المحايد يساعد الممثل في التعبير عن مشاعره الداخلية دون أن يكون مقيدًا بتعابير الوجه الخارجية.

ومما تطرق إليه "استخدام الموسيقى والإيقاع" فإدخال عناصر مثل الموسيقى والإيقاع في التدريب المسرحي يمكن أن يساعد الممثلين على تحسين قدراتهم على التنسيق والتحكم في الأداء، وهذه العناصر تمثل نظامًا يمكن أن يساعد في تنظيم الأداء.

وأكد الدكتور أن المسرح العربي بحاجة إلى إعادة النظر في جذور التكوين المسرحي وأهميته، بدلًا من التركيز فقط على الإنتاج النهائي. التكوين هو الأساس لبناء نتائج مسرحية قوية ومؤثرة، من خلال الأدوات. كما أشار إلى أن النص المسرحي ليس أدبًا، فهو ما أن يكون عنصرًا من عناصر المسرح حتى يعبر أداة لبناء صورة مسرحية. وأشار إلى أنه في المسرح العربي، هناك حاجة لإعطاء الجسد أهمية أكبر في الأداء المسرحي، حيث يتكامل الجسد مع الخطاب النصي لصنع تجربة مسرحية شاملة.

وفي ختام الجلسة، فتح المجال أمام الحضور لطرح تساؤلاتهم والنقاش حول بعض النقاط المطروحة.

الجدير بالذكر، أن الدكتور سامي النصري يُعد من الشخصيات البارزة في مجال المسرح والفنون في تونس، فقد حصل على شهادة الدكتوراة في علوم وتقنيات الفنون، اختصاص نظريات الفنون، من المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس، ويمتلك الدكتور النصري خبرة واسعة تمتد لسنوات عديدة في التدريس والبحث والإدارة المسرحية، حيث شغل مناصب عدة من بينها مدير قطب المسرح بمسرح الأوبرا بتونس، ومدير المركز الوطني للفنون الدرامية.

كما أن الدكتور سامي النصري له إسهامات مهمة في مجال التأليف والإخراج المسرحي، حيث كتب وأخرج العديد من الأعمال المسرحية التي نالت استحسان الجمهور والنقاد. إلى جانب ذلك، شارك في العديد من المهرجانات الوطنية والدولية كضيف شرف ومحاضر، مما يبرز دوره الفاعل في تطوير المشهد الثقافي والفني في تونس. بالإضافة إلى ذلك، ساهم في تأطير وتوجيه العديد من ورشات البحث المسرحي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا المفهوم فی المسرح لیس فقط

إقرأ أيضاً:

نقابة الموسيقيين تعلن موعد انتخابات التجديد النصفي

أعلن الدكتور محمد عبد الله المتحدث الرسمي لنقابة المهن الموسيقية أن انتخابات التجديد النصفي على مجلس نقابة الموسيقيين، ستُجرى غدا الثلاثاء الموافق ٢٩ يوليو ٢٠٢٥، بمقر نادي جامعة القاهرة بشارع البحر الأعظم، بحضور أعضاء الجمعية العمومية.

وأكد أن الجمعية تمثّل دائمًا عماد النقابة ومصدر شرعيتها وهو ما حرص النقيب العام الفنان مصطفي كامل علي تأكيده دوما. 

جارة القمر تلقي النظرة الأخيرة على زياد الرحباني.. شاهدشمس الكويتية عن أغنيتها الجديدة "طز": كلماتها تعبر عني.. وأوجهها لكل حاسد


وأوضح المتحدث لنقابة الموسيقيين أن هذه الانتخابات تُعد محطة فارقة في مسيرة العمل النقابي، داعيًا جموع الأعضاء إلى المشاركة الإيجابية الفاعلة، ومشددًا على أن صناديق الاقتراع ستظل هي الفيصل الوحيد بين الجميع.

وفي ختام تصريحه، أعرب المتحدث الرسمي عن خالص تمنياته بالتوفيق لجميع المرشحين، متمنيًا أن تعبّر النتائج عن إرادة الجمعية العمومية بكل حرية ونزاهة .

ويتنافس على انتخابات التجديد النصفى  6 أعضاء من مجلس إدارة نقابة الموسيقيين الحالي وهم الفنان حلمي عبد الباقي ومنصور هندى ونادية مصطفى ومحمد صبحي وعلاء سلامة وأحمد العيسوي، بالإضافة إلى كل من أحمد محمد عرفات وداوود محمد سمير عبد المحسن وعادل محمد مصطفى نعيم.

تأتي هذه الخطوة ضمن الإجراءات القانونية المنظمة لعمل النقابات المهنية في مصر، حيث يُجرى التجديد النصفي لأعضاء المجلس لضخ دماء جديدة ومنح الفرصة للراغبين في خدمة المهنة وأعضائها.

قرعة التجديد النصفي تُعد استحقاقًا قانونيًا إلتزم به النقيب العام الفنان مصطفى كامل، إيمانًا منه بأهمية ترسيخ مبدأ العدالة، واحترامًا للقواعد المنظمة للعمل النقابي، وحرصًا على أن تسير النقابة في مسارها الصحيح، الذي يصون حقوق الأعضاء ويحفظ هيبتها.

طباعة شارك نقابة الموسيقيين انتخابات الموسيقيين مصطفى كامل

مقالات مشابهة

  • مصرع شخص سقط من الدور الرابع واكتشاف جثة آخر داخل مزرعة بالوادى الجديد
  • مصرع شخص سقط من الدور الرابع واكتشاف جثة شخص آخر داخل مزرعة بالوادى الجديد
  • الموت يفجع المخرج المسرحي خالد جلال
  • نقابة الموسيقيين تعلن موعد انتخابات التجديد النصفي
  • ريال مدريد يدرس بيع فينيسيوس في حال فشل مفاوضات التجديد
  • التجديد لـاليونيفيلسيتم في نهاية آب.. إستكشاف اسرائيلي فوق البقاع والسلسلة الشرقية
  • أحمد محمود: شيكابالا أسطورة.. وأحمد سامي كلمة السر في انضمامي للاتحاد السكندري
  • «أنا كارمن» يُشارك في فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان المونودراما المسرحي
  • سامي الخيبري خارج قائمة معسكر الفيحاء
  • المالية النيابية: سامي لا تعرف شيئاً عن الموازنة.. وارتكبنا خطأً كبيراً بتمرير الثلاثية