تحولت إيران إلى لغز كبير بعد استباحة أراضيها واغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية منذ الرد الذى قامت به إيران بعد اغتيال بعض قادتها فى دمشق عن طريق صواريخ ومسيرات فى مشهد عبثى لم يسفر حتى عن صيد دابة فى إسرائيل وبعدها عملية اغتيال «رئيسى» الغامضة والتى لا يستبعد الآن أن تكون وراءها إسرائيل وأصبحت طهران اشبه بالعاجز وبدأ الأمر كله ان كل ردودها مجرد تمثليات متفق عليها، وحتى عندما تم اغتيال قاسم سليمانى فى العراق ردت إيران بضرب قاعدة أمريكية قرب بغداد دون ايضًا أى خسائر تذكر.
لا نتمنى أن تتحول الأحداث الأخيرة وبعد فتح الجبهة اللبنانية إلى حرب اقليمية وأن كانت الأرض مهيأة لها بعد اغتيال قادة من حزب الله واخيرًا اصطياد قائد حماس إسماعيل هنية، لم تعد أمام إيران فرصة لإنقاذ هيبتها سوى الرد الحقيقى والمباشر، وليس مجرد تحريك لوكلائها بالمنطقة.. منطقة الشرق الأوسط دخلت إلى منعطف خطير بفعل جنون نتنياهو والعصابة الصهيونية التى تحكم إسرائيل.
الجرأة الإسرائيلية سببها تخلى إيران وحزب الله منذ البداية عن غزة وعدم فتح جبهة لبنان للتخفيف من المجزرة التى ترتكبها إسرائيل منذ شهور فى حق الشعب الفلسطينى، فى تلك الشهور تحملت مصر وحدها كل الضغوط على حدودها ونجحت فى الحفاظ على أمنها القومى، وافشال المخطط الاسرائيلى فى تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
لم تعد هناك خيرات أمام إيران بعد الذى حدث، ولا يكفى تصريح على خامنئى بأن طهران سوف تنتقم لان هنية اغتيل على أراضيها الخطير فى الأمر هو استباحة الأراضى الإيرانية، وكسر الهيبة التى صنعها نظام الملالى على خلفية البرنامج النووى وسعى الولايات المتحدة وأوروبا إلى التفاوض معهم لوقف البرنامج، نتنياهو يصل بالمنطقة إلى حافة حرب كبيرة قد تطول وللأسف الجميع خاسر فى هذه الحرب.
يجب أن يتدخل المجتمع الدولى لوقف الجنون الذى أصاب العصابة الصهيونية وحل القضية برمتها والزام إسرائيل بالانسحاب الكامل من غزة بدلاً من حرب كبيرة تعيد المنطقة كلها إلى مواجهات لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: لغز إيران قاعدة أمريكية
إقرأ أيضاً:
فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة
منذ يومين مرت الذكرى الرابعة والعشرون لرحيل رجل من أعظم رجال مصر فى القرن العشرين؛ رجل لم يكن مجرد سياسي أو صاحب منصب، بل كان مدرسة كاملة فى الوطنية والعناد الشريف والإصرار على أن تبقى مصر واقفة مهما حاولت قوى الاحتلال أن تكسر إرادتها.
أتحدث هنا عن فؤاد باشا سراج الدين، الرجل الذى ترك بصمة لا تمحى فى الوجدان المصرى، والذى رحل عن عالمنا فى التاسع من أغسطس عام 2000، لكنه لم يرحل يوما عن ذاكرة الوطن.
فى كل مرة تمر فيها ذكرى رحيله، أشعر أن مصر تعيد اكتشاف جزء من تاريخها؛ تاريخ لا يمكن فهمه دون الوقوف أمام شخصية بهذا الثقل وبهذه القدرة على الصمود.
ولد فؤاد باشا سراج الدين سنة 1910 فى كفر الجرايدة بمحافظة كفر الشيخ، وبدأ مشواره شابا يحمل حلم الوطن فى قلبه قبل أن يحمله على كتفيه.
تخرج فى كلية الحقوق، ودخل معترك الحياة العامة صغيرا فى السن، لكنه كبير فى العقل والبصيرة، وفى سن لم تكن تسمح لغيره سوى بأن يتدرب أو يتعلم، أصبح أصغر نائب فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، ثم أصغر وزير فى حكوماتها المتعاقبة، فى زمن لم يكن الوصول فيه إلى المناصب بالأمر السهل ولا بالمجاملات.
لكن ما يجعل الرجل يستحق التوقف أمامه ليس كثرة المناصب، بل طريقة أدائه فيها، فقد كان نموذجا للمسؤول الذى يعرف معنى الدولة، ويؤمن بأن خدمة الناس شرف لا يباع ولا يشترى.
ومن يعيش تفاصيل تاريخه يدرك أنه لم يكن مجرد جزء من الحياة السياسية، بل كان جزءا من الوعى العام للمصريين، وصوتا قويا فى مواجهة الاحتلال، وسندا لحركة الفدائيين فى القناة، وواحدا من الذين كتبوا بدموعهم وعرقهم تاريخ كفاح هذا الوطن.
ويكفى أن نذكر موقفه الأسطورى يوم 25 يناير 1952، حينما كان وزيرا للداخلية، ورفض الإنذار البريطانى الداعى لاستسلام رجال الشرطة فى الإسماعيلية.
وقتها لم يتردد لحظة، واختار الكرامة على السلامة، والوطن على الحسابات السياسية، ذلك اليوم لم يصنع فقط ملحمة بطولية، لكنه صنع وجدانا كاملا لأجيال من المصريين، وأصبح عيدا رسميا للشرطة تخليدا لشجاعة رجال رفضوا أن ينحنوا أمام الاحتلال، وهذه الروح لم تكن لتظهر لولا وزير آمن برجاله وبمصر أكثر مما آمن بنفسه.
كما لا يمكن نسيان دوره الحاسم فى إلغاء معاهدة 1936، ودعمه لحركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز، ولا تمويله للفدائيين بالمال والسلاح، كان يعلم أن المستقبل لا يهدى، وإنما ينتزع انتزاعا، وأن السيادة لا تستعاد بالكلام، وإنما بالمواقف.
وفى الداخل، قدم سلسلة من القوانين التى شكلت تحولا اجتماعيا حقيقيا؛ فهو صاحب قانون الكسب غير المشروع، وصاحب قوانين تنظيم هيئات الشرطة، والنقابات العمالية، والضمان الاجتماعى، وعقد العمل الفردى، وقانون إنصاف الموظفين.
وهى تشريعات سبقت عصرها، وأثبتت أن الرجل يمتلك رؤية اجتماعية واقتصادية عميقة، وميلا دائما للعدل والمساواة، وفهما راقيا لطبيعة المجتمع المصرى.
ولم يكن خائفا من الاقتراب من الملفات الثقيلة؛ ففرض الضرائب التصاعدية على كبار ملاك الأراضى الزراعية حين كان وزيرا للمالية، وأمم البنك الأهلى الإنجليزى ليصبح بنكا مركزيا وطنيا، ونقل أرصدة الذهب إلى مصر للحفاظ على الأمن الاقتصادى للدولة، وكلها خطوات لا يقدم عليها إلا رجل يعرف معنى السيادة الحقيقية ويضع مصالح الوطن فوق كل اعتبار.
ورغم الصدامات المتتالية التى تعرض لها، والاعتقالات التى مر بها فى عهود متعددة، لم يتراجع ولم يساوم، ظل ثابتا فى المبدأ، مؤمنا بالوفد وبالحياة الحزبية، حتى أعاد إحياء حزب الوفد الجديد عام 1978، ليبقى رئيسا له حتى آخر يوم فى حياته، وقد كان ذلك الإحياء بمثابة إعادة الروح لمدرسة سياسية كاملة ترتبط بتاريخ النضال الوطنى الحديث.
إن استعادة ذكرى فؤاد باشا سراج الدين ليست مجرد استدعاء لصفحات من التاريخ، بل هى تذكير بأن مصر لم تبن بالكلام، وإنما صنعت رجالا مثل هذا الرجل، آمنوا أن الحرية حق، وأن الوطنية فعل، وأن الكرامة لا تقبل المساومة.
وفى زمن تكثر فيه الضوضاء وتختلط فيه الأصوات، يبقى صوت أمثال فؤاد باشا أكثر وضوحا، وأكثر قوة، لأنه صوت نابع من قلب مصر، من تربتها وأهلها ووجدانها.
رحل جسد الرجل، لكن أثره باق، وتاريخه شامخ، وسيرته تذكرنا دائما بأن الوطن لا ينسى أبناءه المخلصين وأن مصر، رغم كل ما تمر به، قادرة دائما على إنجاب رجال بحجم فؤاد باشا سراج الدين.