مارسيليا بين التاريخ وتحديات الحاضر.. شباب الأحياء الفقيرة لم يطأ البحر يوما ويسعى للخروج من التهميش
تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT
في مشهد يجسد التنوع والحيوية، قفزت فتاة ترتدي حجابًا أسود إلى مياه البحر الأبيض المتوسط المتلألئة من رصيف خرساني في أحد مراسي مرسيليا، ثم عادت بسرعة إلى الشاطئ وصعدت على لوح تجديف ضخم لتستمتع بجولة مع مجموعة من الأصدقاء المتحمسين.
هؤلاء الأطفال، الذين جُلبوا من مركز خدمات اجتماعية يقع الأحياء الفقيرة شمال المدينة الساحلية والتي ينحدر أغلب سكانها من دول المغرب العربي، يمثلون جزءًا من برنامج لتعليم السباحة في المدينة التي ستستضيف منافسات الإبحار الأولمبي لعام 2024.
تعتبر مرسيليا، المدينة الساحلية العريقة التي تحمل بين طياتها تاريخًا يمتد لآلاف السنين، ملتقى لثقافات وأديان متعددة، حيث يظل البحر عنصرًا دائم الحضور، لكنه ليس دائمًا متاحًا للجميع. في هذا السياق، قال ماتياز سينتيس، مشرف في مرسى كوربيير لجمعية غراند بلو، "هناك أطفال يرون البحر من نوافذهم ولكنهم لم يلمسوه قط." وتقوم الجمعية بتدريب الأطفال المهمّشين، حيث يُقدر أن 50% منهم لم يتعلموا السباحة بعد.
تأسست الجمعية على يد إبراهيم تيمريشت، الذي نشأ في الأحياء الشمالية لمرسيليا، بهدف تمكين الأطفال من الاستمتاع بمياه البحر الذي يلمع على سفح المنحدرات الصخرية حيث الأبراج السكنية المتهالكة. وقد أدرك تيمريشت أن العديد من الأطفال لم يتعلموا السباحة في المدارس، مع أنها مهارة ضرورية، وقرر استغلال فصل الصيف لتعليمهم هذه الرياضة الحيوية.
وأضاف الناشط: "أخبرتنا الأمهات أنهن لا يذهبن إلى الشاطئ بسبب خوفهن من عدم معرفتهن للسباحة، لذا بدأنا برامج تعليمية لهن أيضًا." هذا الواقع يسلط الضوء على النقص في حمامات السباحة كدليل على "الانفصال الاجتماعي والاقتصادي"، حيث يقول جان كوجييه، معلم التربية البدنية في الأحياء الشمالية: "نقلنا الطلاب لمدة 45 دقيقة إلى حمام سباحة حيث خصصت لهم مسارات محددة، وهو نموذج غير مستدام."
وبينما تناقش المدينة إمكانية استخدام المرسى الأولمبي بعد الألعاب، يظل البحر باردًا للسباحة في معظم فصول السنة الدراسية، ما يجعل الحاجة لبناء المزيد من حمامات السباحة أكثر إلحاحًا. وتواجه جهود تعليم هذه الرياضة تحديات إضافية بسبب الشهادات الطبية المزورة التي يستخدمها بعض الأهالي حتى لا يرسلوا أطفالهم إلى حمام السباحة، في ظل الجدل المستمر حول مفهوم "العلمانية" في فرنسا.
لكن رغم التحديات، تظل الرياضة وسيلة لتفادي التهميش والانخراط أكثر في المجتمع. ولنأخذ كمثال زين الدين زيدان، المنحدر من أصول جزائرية وأحد أعظم اللاعبين في تاريخ كرة القدم الفرنسية. فقد نشأ في أحد الأحياء الشمالية الفقيرة في مارسيليا. ويظل شغف المدينة بكرة القدم رابطًا موحدًا بين سكانها.
بالنسبة للأطفال في مرسى كوربيير، كانت تجربة البحر فرصة لتوسيع آفاقهم ومقابلة أشخاص جدد. هم "لا يريدون الرحيل"، قالت صفورة سعيد، إحدى قادة المجموعة، التي ارتدت الحجاب أثناء النشاطات، بما في ذلك أثناء التجديف.
تجسد مرسيليا العلاقة الوثيقة بين البحر والمدينة، التي تأسست قبل 2600 عام كميناء تجاري، وتُعتبر أقدم مدينة في فرنسا والثانية في المساحة بعد العاصمة باريس. قال فابريس دينيس، مدير متحف تاريخ مرسيليا: "قبل أن تكون مدينة، كانت مرسيليا ميناءً." اليوم، يُعد ميناء مرسيليا، ثالث أكبر ميناء في البحر الأبيض المتوسط من حيث حجم الشحن، وهو مركز حيوي يشمل المصافي والسفن السياحية.
بدأت القصة يوما في خليج صغير، وهو يُعتبر حاليا من أبرز معالم السياحة في المدينة، حيث كانت السفن الخشبية تنقل شحنات مثل كروم العنب إلى مناطق شمالية تُعرف الآن بإنتاج النبيذ الرفيع. ومع مرور الوقت، تطور الميناء ليصبح مركزًا حضريًا عظيمًا، وفي القرن السابع عشر، تمت إضافة الحصون لحمايته.
تتربع كنيسة نوتردام دو لا غارد المعروفة بلقب "الأم الطيبة" على قمة تل مرسيليا كرمز حقيقي لحماية المدينة. تستقطب الكنيسة حوالي 2.5 مليون زائر سنويًا، لتقدم لهم إطلالة ساحرة تجمع بين الميناءين القديم والجديد، والأحياء المحيطة بالمرسى الأولمبي، وكذلك الأبراج البارزة في الأحياء الشمالية.
يقول الأب أوليفييه سبينوسا، راعي الكنيسة: "يمكنك رؤية مرسيليا، والبحر، والأفق، كل ذلك تحت نظرتها الرؤوفة." وأضاف: "من الأسهل رؤية الجمال من الأعلى، ويشجعنا ذلك على العمل على أشياء جميلة عندما نكون في الأسفل."
المصادر الإضافية • أب
شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية اتهموها بأنها رجل.. جدل في أولمبياد باريس حول الملاكمة الجزائرية إيمان خليف بعد انسحاب غريمتها يوسف ديكيتش: النجم التركي الذي لفت الأنظار في باريس 2024 تهديد بالقتل والاغتصاب في افتتاح أولمبياد باريس: "دي جي" تطلب الحماية بعد عرض وُجد مسيئًا للمسيحية مياه ساحلية باريس الألعاب الأولمبية باريس 2024المصدر: euronews
كلمات دلالية: إسماعيل هنية تركيا الحرس الثوري الإيراني أمطار رياضة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسماعيل هنية تركيا الحرس الثوري الإيراني أمطار رياضة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني باريس الألعاب الأولمبية باريس 2024 إسماعيل هنية تركيا الحرس الثوري الإيراني أمطار رياضة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الألعاب الأولمبية باريس 2024 غرائب علم النفس فلاديمير بوتين احتجاجات السياسة الأوروبية یعرض الآن Next
إقرأ أيضاً:
أوزبكستان تكرم كاتانيتش.. «البطل الغائب الحاضر»
سلطان آل علي (دبي)
في لحظة مؤثرة تجمع بين الاعتراف والامتنان، أعلن الاتحاد الأوزبكي لكرة القدم أن المدرب السابق للمنتخب الوطني، سريتشكو كاتانيتش، سيحضر بشكل خاص مباراة الفريق المقبلة أمام قطر اليوم على ملعب مليي بالعاصمة طشقند، وذلك تكريمًا له على الإنجاز التاريخي الذي تحقق ضمن فترة قيادته بتأهل أوزبكستان لأول مرة في تاريخها إلى نهائيات كأس العالم 2026.
هذا التكريم يأتي بعد أشهر من إعلان المدرب السلوفيني، البالغ من العمر 61 عامًا، استقالته من تدريب «الذئاب البيضاء» لأسباب صحية، حيث أعلن الاتحاد مارس الماضي أن كاتانيتش قرر فسخ عقده بالتراضي، مشيرًا إلى أن وضعه الصحي لم يعد يسمح له بأداء مهامه «بالشكل الكامل والمهني» المطلوب، جاءت هذه الاستقالة المفاجئة قبل أقل من شهرين على استئناف التصفيات، حيث كانت أوزبكستان حينها تحتل المركز الثاني في المجموعة الأولى خلف إيران، ومتقدمة على الإمارات، في سباق محموم نحو المونديال.
كاتانيتش، الذي تولى المنصب في أغسطس 2021، قاد المنتخب لرحلة تحوّلية شملت الوصول إلى ربع نهائي كأس آسيا 2023 في قطر، حيث ودّع البطولة بركلات الترجيح أمام أصحاب الأرض. كما أرسى نهجًا تكتيكيًا جديدًا أعاد إلى المنتخب هويته القتالية والواقعية، مما جعله مرشحًا حقيقيًا للذهاب بعيدًا في التصفيات.
قبل أوزبكستان، تنقّل كاتانيتش بين عدة منتخبات بارزة، أبرزها العراق والإمارات ومقدونيا، كما يُعد من الأسماء القليلة التي نجحت في قيادة منتخب بلادها سلوفينيا للتأهل إلى نهائيات كأس العالم 2002، لكن إنجازه مع أوزبكستان يحمل طابعًا خاصًا، فهو لم يُحقق فقط نتائج إيجابية، بل حقق حلمًا وطنياً طال انتظاره لعقود.
المباراة المنتظرة أمام قطر ستكون أكثر من مجرد لقاء ودي، إذ تمثل فرصة لرد الجميل لمدرب أعاد كتابة التاريخ، حتى لو لم يتمكن من إكمال الرحلة حتى نهايتها. فحضوره، رغم ظروفه الصحية، يؤكد عمق العلاقة التي بناها مع الجماهير واللاعبين والاتحاد.