المستشار بهاء المرى..ومؤلفه «النَّجْمُ الذى هَوَى»
تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT
المستشار الجليل بهاء المرى، له العديد من المؤلفات القانونية التى ترقى إلى مصاف الأدب القضائى، فهوا أحد رجال مصر العظام من أعضاء السلطة القضائية، الذين يحكمون بين الناس بالعدل لأن إقرار العدل إلزام إلهي، بقوله تعالى: «وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ» الآية ٥٨ من سورة (النساء)، فقد خص الله هذا الفقيه الجليل، بأن يحكم بشريعة الحق والعدل والإنصاف، مستمدًا هذه الأحكام من الشريعة الإسلامية الغراء، وما أوجبه القانون الوضعى فى قواعد نصوصه الآمرة، وعلى أثار تكريس هذه الأحكام والنصوص يسود حكم العدل فى الأرض، وعلى أساسه يطبق القانون على الجميع دون محاباة لأحد، حتى يطمئن الناس على حياتهم وعلى حقوقهم المادية وحرياتهم الشخصية، تلك هى الروح والعقيدة التى يسدى بها أعضاء السلطة القضائية، فى أداء مهام واجباتهم الوظيفية لحماية الحق، وينطقون الحكم بلسان العدل لكى ينبلج الحق ويستبين فى حماية حقوق المتقاضين.
وأنا أطالع مباحث من كتاب «النَّجْمُ الذى هَوَى»، أجد أن المؤرخ المستشار المرى قد عرض سيرة إبراهيم الهلباوى، بأسلوب واضح المعنى فى تخيره لحسن الكلمات وسلاستها، وأسهل الألفاظ وأعذبها بحكمته البليغة التى تسكن العقول والقلوب وتصغى لها الآذان، عندما نطوف ونبحر فى محيط جلال وجمال الكلمات، نجد أن الكاتب يدخل بنا فى عبق التاريخ، ويسرد لنا شخصية الهلباوى، بأسلوب علمى وضح فيه كل الشواهد الأدبية عندما بدأ حياته الوطنية الصادقة، بكتابة عدة مقالات فى الصحف ظهرت فيها مقاومته للظلم والاضطهاد وفساد الحكومة، وعندما تطلع لممارسة المحاماة كأنه كان يرسم لنفسه مستقبل حياته الوطنية والسياسية والفكرية، ومقاومته المستمرة لقوات الاحتلال الإنجليزى، حتى أصبح المثل الأعلى والقدوة لكل من يسلك مهنة المحاماة، بعد أن كان ينظر المجتمع إليها نظرة محدودة فى نطاق ضيق كما وصفها الكاتب بقوله كانت «مهنة لا مهنة له»، ولكن بعد أن اتخذ الهلباوى المحاماة مهنة له، جعلها رسالة وعقيدة أكثر شموخًا ورسوخًا لم تعد تتفق مع نظرة المجتمع فى نظرته السطحية الأولى لها،وبعد أن أقام الهلباوى الأساس القانونى والقواعد المنظمة لكل من يريد أن يمتهن هذه المهنة.. وقد تطرق المرى إلى الجانب الشخصى فى حياة الهلباوى، بوصفه من عظماء الرجال فى قوة شخصيته وشجاعته وذكائه وإخلاصه لوطنه وانشغالة بقضيته الوطنية، رغم أنه لم يدرس القانون ولم يلتحق أو ينتسب إلى مدرسة الحقوق ولا الأزهر الشريف، إلا أن مبدأ ومنهج حياته هو أستاذه جمال الدين الأفغانى، والذى تتلمذ على يديه وقد أثبت ثباتًا عظيمًا بنبوغ فكره وروعة عبقريته النادرة، التى جعلته محاميًا بارعًا حاضر الذهن فصيح اللسان، يستعمل كلماته بالترافع فى معانيها الحقيقية دون خطأ أو تعقيد فى تركيب معانى الكلمات للالفاظ.. وهذه روعته وفراسته وحضور بديهته بأنه كان ناجحًا باهرًا فى مهنته، بتأثيره الخطابى وأسلوبه الفطرى اللغوى البليغ، حتى أصبحت تتجه إليه عقول وقلوب الناس، وهذه النزعة النفسية التى سيطرة على جماهير الشعب نحوه، جعلته أشهر محامٍ فى زمانه والجميع يتعقب أخبار مرافعاته لكى يستمع إليه فى نشوة وسرور.
إلى أن تدور الأيام بالاحداث دورتها ويذهب الهلباوى إلى قرية «دنشواي»، ولكن لم يدخلها محاميًا مدافعًا عن الحق من أجل حصول أهالى القرية المكلومين على حقوقهم، كما كان يتبع الهلباوى فى دفاعه قبل ذلك عن إقامة حكم العدل بين الناس واسترداد حقوق المظلومين، إلا أن سقوطه المدوى كما وصفه المرى فى كتابه، بأن يدخل القرية لكى يكون المدعى العام فى القرار الذى أصدره بطرس غالى باشا وزير الحقانية بالنيابة، بتشكيل المحكمة المخصوصة لمحاكمة أهالى قرية «دنشواى»، وقد انعقدت المحكمة فى صباح الأربعاء ٢٧ يونيه عام ١٩٠٦م، وعلى الرغم من بشاعة قوات الاحتلال الانجليزى على ما ارتكبوه من جرائم على أرواح الأهالى وممتلكاتهم وإشعال النيران فى أجران القمح مصدر قوتهم وأرزاقهم، إلا أن الحكم كان أشد قسوة واستبدادا وغابت عنه كل الضمائر الإنسانية، بعد تلاوته من محكمة مستبدة غاب عنها حكم العدل والحق، ولا يكون للمظلومين وأهاليهم المكلومين إلا أن ينفذوا هذا الحكم ولا يستطيعون مخالفته، فكانت هذه المحكمة نقمة وخطئية لا تغتفر للهلباوى، بل جعل نفسه من هذا الحكم خصمًا للشعب، وجعله الشعب من الخائنين لأبناء وطنه على فظاعة ووحشية التعذيب والانتقام من الضحايا،وأصبح الهلباوى منذ تنفيذ هذا الحكم يعرف «بجلاد دنشواي»، وهذا الوصف أطلقه عليه شاعر النيل حافظ إبراهيم.
ويركز المرى على الجانب الوطنى للهلباوى، عندما انتقد استخدام الحكومة لعمال السخرة فى حفر قنوات الرى وتطهير المجارى المائية، ثم اختياره من قبل الجمعية العمومية لنقابة المحامين لكى يكون أول نقيبًا لها فى مصر، إلى جانب تطوعه فى الدفاع عن حرية التعبير عن الرأى، بعدما عطل قانون المطبوعات الخاص باغتيال حرية الصحافة عام ١٩٠٩، ثم دفاعه عن إبراهيم ناصف الوردانى قاتل بطرس غالى باشا رئيس وزراء مصر عام ١٩١٠، وايضا دفاعه عن شفيق منصور المتهم فى اغتيال السير لى ستاك سردار الجيش المصرى عام ١٩٢٤.... إلى جانب عضويته فى مؤسسات المجتمع المدنى والأهلى إلى جانب مشاركته فى وضع دستور الدولة المصرية الملكية عام ١٩٢٣ فى عهد الملك فؤاد.. هكذا سرد المرى قصة حياة ونشأة الهلباوى وجهاده فى سبيل الوطن، ومطالبه بجلاء الاحتلال عن مصر وتحبيذه لهذه الفكرة حتى كاد يمجده التاريخ كأحد أساطين الحركة الوطنية، إلا أن لهيب هذه الروح الوطنية ومضات توهجها تخبو بأحداث «دنشواى» وسقوط الشهداء من الأهالى المظلومين صرعى، لكى تصبح دماؤهم الزكية وأرواحهم الطاهرة لعنة فى عنق الهلباوى وخطيئة لا تغتفر له، وسبة ستظل عالقة فى جبينه حتى بعد مماته، لأنها سبب فى كراهية الشعب له، وعلى ذلك قد أحسن المستشار المرى فى اختيار عنوان مؤلفه «النَّجْمُ الذى هَوَى».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الن ج م الذى ه و ى إلا أن
إقرأ أيضاً:
السيناريو الذى فشل فى سيناء قبل غَزة!
بهدوء وحتى لا نغرق فى تفاصيل أوراق وبنود اتفاق السلام فى شرم الشيخ أمس الأول.. وحتى لا تُنسينا بهجة عودة سكان غَزة لرُكام بيوتهم المُهدمة حقيقة ما حدث خلال 24 شهرًا.. يجب أن نستعيد المواقف والحكايات الحزينة والقرارات غير السليمة الممزوجة بدماء الأبرياء الذين سقطوا نتيجة فِعلٍ أهوج لتنظيم سياسى اسمه «حماس» لم يشاور أحدًا فيما فعله قادته من خطف لعشرات الأفراد من الكيان الصهيونى، فكان الثمن سبعين ألف شهيد نصفهم من النساء والأطفال.. بالإضافة إلى مائة وسبعين ألف جريج وأحد عشر ألفًا من المفقودين!!
ما أقوله لا ينفى توصيف نتنياهو بالمجرم وإسرائيل بالكيان اللقيط والحكومة الإسرائيلية بالعدو.. ولكن كل النتائج تقول إن ما حدث فى السابع من أكتوبر لم يكن مدروسًا، ولكنه فعلٌ أهوج لتنظيمٍ قاده هواة فقتل شعبه وكاد يحرق المنطقة، ويُنهى على ما تبقى من قضية كافحت أجيالٌ متعاقبة لجعلها قائمة.. فلم يكن صاحب قرار«الخطف» وليس«الحرب» دارسًا للفارق بين الحرب مع كيان مُجرم وبين توجيه ضربات مقاومة فاعلة.. فصنع فخًا لأبناء شعبه ليتم التهامهم، وبدلًا من إحداث الوجع فى قلب إسرائيل، تمت صناعة المبرر لتهجير سكان القطاع إلى سيناء!! ولولا صمود مصر لتم تنفيذ المخطط الإجرامى الخطير!!
ستقول لى ولكن حماس كانت تحارب بالفعل.. نعم رجالها فى الخنادق كانوا يحاربون، ولكن قادتها كانوا يخططون لما أسموه تحريك القضية حتى لو مات نصف سكان غَزة وجاعوا وتشردوا!
ما أريد ألا ننساه هو أن هؤلاء القادة الحمساوية كانوا يحاولون الضغط على مصر لكى تدخل فى حرب مباشرة مع إسرئيل اعتقادًا منهم أن جيشها الذى قاوم إرهاب حماس من قبل سوف يذهب لحرب لم يقررها أو يضع استراتيجيتها أو يحدد أهدافها.. وكانت القيادة المصرية عاقلة عندما حافظت على قوتها وصلابتها وقدراتها لحماية حدودها.. فتعرضت لهجوم إخوانى أحمق ليس له مثيل ولا يقل شراسة عن الهجوم الذى تعرضت له عندما تم التخلص من تنظيمهم الإرهابى فى مصر للأبد.. لتتكشف خيوط مؤامرة «عدم ممانعة» الجماعة الإرهابية فى تهجير الفلسطينيين من غَزة إلى مصر بدعوى حمايتهم من الموت الذى صنعوه هم وليس غيرهم.. بل إنهم تظاهروا ضد مصر فى شوارع تل أبيب.. وأمام سفاراتها فى عدد من الدول الأوروبية لتحقيق قلاقل داخلية- من وجهة نظرهم- ليقتنع المصريون بأن دولتهم باعت القضية ليهتز الأمن فيتفكك النظام السياسى ليعبر من يعبر من سكان غَزة خلال فوضى تتم صناعتها فى الداخل - على غِرار ما حدث فى 2011 - فيعبر المسلحون مرة أخرى إلى سيناء بدعوى حماية من عبروا، فيقومون بالاستيلاء على سيناء ليرفعوا عليها راية غير العلم المصرى، فإذا واجه الجيش المصرى هؤلاء المسلحين لإفساد المخطط - الصهيونى القديم للتهجير مثلما فعل خلال سنوات ما بعد رحيل الإخوان كان سيتم - طبقًا للمخطط - اتهامه من قبل شعبه قبل خصومه، بأنه جيشٌ عديم الرحمة لأنه يقاوم الباحثين عن الحياة!
المخطط كان كبيرًا.. وكان هدفه سيناء.. ولكن مصر كانت أكبر.. وفهمها ووعى أجهزتها ومؤسساتها أكبر من قدرة هؤلاء الذين لا يعرفون سوى التآمر واستهداف تراب هذا الوطن حتى لو على حساب الشرف والنزاهة.. أو حتى على حساب أراضى وطنهم!!!
ما تم توقيعه لا يقل أهمية عن كامب ديفيد.. فقد أعاد الرئيس السادات من خلالها سيناء كاملة بعد احتلالها لعشر سنوات كاملة.. وفى اتفاق شرم الشيخ أنقذ السيسى الشعب الفلسطينى فى غزة من استمرار مخطط قتله وطرده ودفعه نحو سيناء التى احتفظ بها كقطعة غالية من أراضينا وأبقى السيادة المصرية عليها بدون حرب!
احذروا.. فقد يتكرر السيناريو بتفاصيل أخرى فى السنوات القادمة.. لأن سيناء ستبقى هدفًا لهم!