ليس هناك إنسان على وجه الأرض لديه قدر ولو بسيطًا من المشاعر والضمير يمكنه أن يرفض الاتفاق الذى تم التوصل إليه بشأن وقف أو إنهاء الحرب فى غزة. يمكنك أن تقدم من التحفظات ما تشاء، ولكن وقف تلك «المقتلة» أو المجزرة أو عملية الإبادة التى كانت تجرى للفلسطينيين فى غزة أمر لا ينبغى بأى حال سوى تشجيعه والقبول به وتمريره حتى لو صاحب ذلك مذاق الحنظل!
صحيح أن مستقبل الاتفاق غامض، وقد لا يكون له مستقبل من الأصل، وصحيح أن السلاسة التى صادفت تطبيق مرحلته الأولى قد لا تصادف الثانية أو حتى الثالثة إن وصلنا إلى تلك الأخيرة، ولكن الرد على كل ذلك هو تلك الحالة التى يشيح فيها البعض بيده قائلاً وفى نبرة صوته شىء من الحسرة: ما باليد حيلة!
ولذلك أضم صوتى إلى صوت أستاذى الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية حين راح يقول دون خجل وهو المحلل الحصيف والعالم السياسى الذى له باع أنه يتحفظ على إبداء الرأى فى هذا الذى يجرى، معربًا عن سعادته – كبنى آدم وإنسان من لحم ودم – أن يستريح مواطنو غزة من الإبادة الجماعية، وأن يبدأ حصولهم على ما يقيم أودهم.
نفس هذه النبرة وإن فى صورة أخرى راحت تعبر عنها الكاتبة الكبيرة التى تفيض كتاباتها وأعمالها بروح إنسانية بعيدا عن أى انغماس فى السياسة الأستاذة فاطمة المعدول حين راحت تعلق على الاتفاق قائلة: لم أعرف هل أفرح لأن أطفال غزة سوف ينامون فى هدوء ويشربون اللبن مرة أخرى ويأكلون وجبة ساخنة أم أتوجس وأخاف مما هو آت؟
ولأن الاتفاق تم على أرض مصر ورغم أنه اتفاق إشكالى بكل المعانى، إلا أن الكثيرين، ولديهم الكثير من الحق، لم يملكوا سوى أن يعبروا عن سعادتهم، بأن ينطلق ذلك من أرضنا، رغم أن تعقيدات المشهد الدولى ربما كان يمكن أن تجرفنا فى سكة أخرى مختلفة تمامًا.
مصدر الأسى أن الاتفاق ربما يضع القضية الفلسطينية فى الطريق الذى فشلت عملية الإبادة فى غزة فى وضعها فيه ألا وهو طريق التصفية، وليصبح الأمر بيدنا لا بيدى عمرو! مصدر الأسى أن الحرب التى عجز العالم كله عن وقفها على مدار عامين، ينجح شخص واحد هو الرئيس الأمريكى ترامب فى فرض عملية وقفها على الجميع لغرض فى نفسه ولرؤية تنطلق من تصورات للأسف تصب أغلبها إن لم تكن كلها فى غير صالح الفلسطينيين أو حتى الدول العربية! رغم كل الضجيج الذى نتابعه، وهو فى جانب منه صحيح، عن تراجع واضمحلال الهيمنة الأمريكية!
من حق الفلسطينيين فى غزة أن يشعروا بالراحة بعد طول عناء، وأن يشعروا بالاستقرار بعد رحلة شقاء وإبادة ومساع لفرض الهجرة القسرية، لقد كانوا على مدار عامين كاملين كالقابضين على الجمر، وعاشوا وأكثر الحروب كارثية فى القرن الحادى والعشرين، على الأقل حتى اللحظة. ذلك هو المبرر الرئيسى الذى يجعل اتفاق شرم الشيخ مستساغًا، وتبدو منطقية هذا الطرح فى ظل وجود تحديات عديدة ستواجه مستقبل بقاء الفلسطينيين سواء فى غزة أو الضفة ومدى نجاح مساعيهم فى دولتهم المستقلة والتى راح ترامب يحاول التعمية على موقف بلاده بشأن إقامتها على أرض الواقع.
ربما تنطلق هذه السطور من رؤية متشائمة يجد معها المرء صعوبة فى رؤية ضوء فى نهاية النفق، لكن منطقها أنه ليس فى المواقف العربية الداعم الرئيسى المفترض للحقوق الفلسطينية ما يوحى بغير ذلك!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: تأملات ى تم التوصل إليه فى غزة
إقرأ أيضاً:
مصر تصنع السلام
مرة بعد أخرى، وعلى مدار عقود، تثبت مصر للعالم، أنها الرقم الصعب والمؤثر، فى معادلة الشرق الأوسط، والتأكيد أن استقرار المنطقة لا يمكن تحقيقه بدون دورها المباشر والفاعل.
لقد نجحت مصر، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى إنجاز اتفاق جديد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، دخل حيز التنفيذ مؤخرًا، بعد جهود دبلوماسية وأمنية قادتها الدولة المصرية بهدوء وحنكة، وعلى رأسها جهاز المخابرات العامة، الذى تحرك باحترافية عالية، حسمت كثيرًا من التعقيدات، كما أذابت جليد التوتر بين الطرفين فى ملفات شائكة.
لم يكن هذا التحرك المصرى مفاجئًا، خصوصًا أن مصر تحمل على عاتقها منذ عقود مسئولية دعم القضية الفلسطينية، حيث حرصت على دفع كافة الأطراف نحو حل يوقف نزيف الدم ويحفظ ما تبقى من الأمل فى مستقبل أكثر أمنًا.
تلك التحركات المصرية تمت عبر قنوات مفتوحة مع جميع الفاعلين الدوليين والإقليميين، بعيدًا عن الاستعراض، و«الشو الإعلامى»، لكنها كانت فائقة الدلالة، من حيث التوقيت والدقة وتحقيق الهدف.
فى قلب تلك الأحداث، برزت شرم الشيخ (مدينة السلام)، كمساحة آمنة للحوار، حيث استضافت اللقاءات الحاسمة وسط إجراءات أمنية مشددة، عكست مدى جاهزية الدولة لحماية مسار التفاوض بكل ما أوتيت من إمكانات، ومعها شعر الجميع أنهم آمنون، حيث الأمان والسرية والاحترافية، وهذا ما ساعد على خلق مناخ تفاوضى حقيقى، يعلو فيه صوت العقل والحكمة.
الرئيس السيسى، بثقله السياسى وحضوره الإقليمى، أعاد التأكيد أن السلام ليس مجرد خيار، بل ضرورة لحماية أمن المنطقة بأكملها، وأن مصر لن تتردد فى استخدام ما لديها من تأثير وعلاقات للدفع باتجاه الحل العادل والدائم، ثم جاءت الإشادات الدولية الأخيرة لتعكس هذا الدور القيادى، تأكيدًا أن القاهرة لا تزال قادرة على جمع المتناقضات وصياغة توافقات وسط الدمار.
كما لا يمكن إغفال الدور الذى لعبه رجال المخابرات العامة المصرية، الذين خاضوا جولات طويلة من الحوار غير المعلن، بتكليف مباشر من القيادة السياسية، وبتنسيق مع الأطراف الإقليمية والدولية، فكانوا صقورًا فى الرؤية، وثابتين فى المواقف، وعاملًا حاسمًا فى صياغة الاتفاق النهائى.
تلك التطورات، تتزامن مع زيارة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب إلى مصر، للمشاركة فى قمة السلام، إذ تعتبر إشارة جديدة لإدراك واشنطن بأن مفاتيح الحل الحقيقى تبدأ من القاهرة، لا من غيرها، حيث إنها بتاريخها وثقلها، تبقى حجر الأساس فى أى عملية سلام، والضامن الأهم لأى استقرار فى المنطقة.
وفى الختام، لا يمكن النظر إلى هذا الاتفاق إلا كخطوة أولى على طريق السلام الطويل، الذى تقوده مصر بثبات، بتاريخها السياسى العميق، وقدرتها على الجمع بين الواقعية والالتزام، إذ أثبتت أنها الأجدر بهذه المهمة، لأن السلام لا يُصنع بالشعارات، بل بالثقة، والهدوء، والعمل المتواصل، وهى عناصر أصبحت اليوم عنوانًا للدور المصرى المتجدد فى الشرق الأوسط.
[email protected]