ضربات متواصلة ضد المدمرات الأمريكية.. اليمن يصنع تاريخاً جديداً
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
العملية التي استخدمت فيها الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية تكشف عن تطور في التكتيكات العسكرية وقدرات الهجوم غير التقليدي، فالهجوم على المدمرة "كول" بواسطة الطائرات المسيرة يعكس استخدام تكتيكات متقدمة تعتمد على الهجمات غير التقليدية، مما يعزز من قدرة القوات اليمنية على استهداف الدفاعات التقليدية للسفن الحربية.
نجاح العملية يشير إلى قدرة الطائرات المسيرة على اختراق نظم الدفاع الجوي المعقدة، مما يعكس تطورًا تقنيًا ملحوظًا في استخدام الطائرات المسيرة من قبل القوات اليمنية.
أما استخدام الصواريخ الباليستية ضد المدمرة "لابون"، فيشير إلى تطور في أنظمة التوجيه والدقة، مما يسمح بإصابة أهدافاً متحركة ومعقدة.
هذه الخطوة تعزز من التأثير النفسي للهجمات، حيث تعتبر الصواريخ الباليستية أدوات استراتيجية تحمل دلالات قوية في الصراعات العسكرية، مؤثرة بذلك على الروح المعنوية والاستعداد الدفاعي للقوات المستهدفة.
شجاعة نادرة
استهداف القوات المسلحة اليمنية للمدمرتين الأمريكيتين "كول" و"لابون" يعكس شجاعة نادرة في مواجهة قوة عظمى، مثل الولايات المتحدة.. تاريخيًا، لم تجرؤ العديد من القوى على اتخاذ مثل هذه الخطوة الجريئة التي تهز هيبة الجيش الأمريكي وتستهدف بشكل مباشر رموزًا للقوة العسكرية الأمريكية.
هذه الجرأة تمثل تحديًا واضحًا للمفاهيم التقليدية حول الهيمنة العسكرية الأمريكية في المنطقة، وتظهر تصميمًا قويًا من جانب القوات اليمنية على مواجهة أمريكا، فالعملية العسكرية ضد المدمرتين ليست فقط عملًا عسكريًا بحتًا، بل هي أيضًا رسالة سياسية تعبر عن عدم الرضوخ للضغوط والتهديدات الخارجية.
بل أن اقدام القوات اليمنية على هذه الخطوة يعكس ثقة في قدراتها الذاتية واستعدادها لتحمل المخاطر في سبيل الدفاع عن قضاياها ومبادئها، حتى وإن تطلب ذلك مواجهة أحد أقوى الجيوش في العالية.. هذا التحرك يعزز من صورة اليمن كقوة مقاومة في المنطقة، قادرة على التحدي والمواجهة بالرغم من الظروف المعقدة والضغوط الدولية.
قدرات استخباراتية عالية
استهداف المدمرتين الأمريكيتين أثناء عبورهما منطقة العمليات في البحر الأحمر يعكس قدرة القوات المسلحة اليمنية على القيام بعمليات دقيقة ومعقدة تستند إلى تحليلات استخباراتية متقدمة وتحديد أهداف ذات أولوية عالية.
يعتمد تنفيذ مثل هذه العمليات على جمع المعلومات الاستخباراتية بشكل دقيق، ويتطلب معرفة تفصيلية بتوقيت ومسار حركة المدمرات الأمريكية في المنطقة، وهذا يشير إلى وجود شبكة استخباراتية فعالة، قادرة على المراقبة المستمرة وجمع البيانات، بما في ذلك المراقبة المباشرة أو الاعتماد على معلومات استخباراتية
اختيار توقيت استهداف المدمرتين أثناء عبورهما منطقة العمليات يدل على استغلال ذكي لنقاط الضعف الزمنية والمكانية للخصم من خلال تحديد اللحظة المناسبة التي تكون فيها المدمرات في وضع أضعف من حيث القدرة على الدفاع أو الاستجابة الفورية، يتمكن المهاجمون من تحقيق أقصى قدر من التأثير، وهذا يعكس قدرة القوات اليمنية على تقييم البيئة العملياتية بشكل دقيق وتحديد أفضل الأوقات للهجوم.
وفيما تعتبر المدمرات الأمريكية أهدافًا ذات قيمة عالية نظرًا لدورها الحاسم في توفير الحماية البحرية والدعم اللوجستي للعمليات العسكرية، فان استهدافها يحقق أهدافًا استراتيجية من حيث تقويض القدرة العسكرية للخصم وتوجيه رسالة قوية تتعلق بقدرات القوات المهاجمة.
هذا النوع من العمليات يتطلب تخطيطًا دقيقًا وتنسيقًا محكمًا بين مختلف وحدات القوات المسلحة، بما في ذلك وحدات الصواريخ والطائرات المسيرة، مما يشير إلى مستوى عالٍ من التدريب والجاهزية العملياتية.
القدرة على تنفيذ عمليات معقدة وفعالة مثل استهداف المدمرتين يعزز من موقف القوات المسلحة اليمنية، إذ تبرزها كقوة قادرة على مواجهة تهديدات كبيرة وتوجيه ضربات مؤثرة للأعداء، وتعكس هذه العمليات أيضًا إرادة سياسية وعسكرية لاستمرار النزاع حتى تحقيق الأهداف المعلنة، مما يؤكد على التزام القوات المسلحة بالاستراتيجية المرسومة رغم التعقيدات والصعوبات التي تواجهها.
وبشكل عام، يظهر هذا الاستهداف أن القوات المسلحة اليمنية تمتلك قدرة فريدة على تنفيذ عمليات دقيقة تستند إلى تحليلات استخباراتية وتخطيط محكم، مما يمكنها من التأثير في مسار النزاع، والتأكيد على قدرتها على تحدي القوى الكبرى في المنطقة وإظهار مدى استعدادها للتعامل مع مختلف السيناريوهات العسكرية.
تحول نوعي في مسار الصراع العربي الاسرائيلي
لعل أهم ما ورد في بيان العميد يحيى سريع الناطق العسكري باسم الجيش اليمني هو اعتبار أي تحركات للجانب الأمريكي في منطقة مسرح العمليات البحرية تحركاً معادياً داعماً للجانب الإسرائيلي، وبالتالي فان القوات المسلحة اليمنية سوف تستهدف هذه التحركات.
وهنا يمكن القول إن الصراع العربي الإسرائيلي اليوم يشهد تحوّلاً نوعياً في ظل إعلان القوات المسلحة اليمنية اعتبار التحركات العسكرية الأمريكية في منطقة العمليات البحرية، والتي تشمل البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي، تحركات معادية ودعمًا مباشراً لإسرائيل، وهي خطوة تعكس تحولًا غير مسبوق في ديناميكيات الصراع، حيث تُعد اليمن أول دولة عربية تتخذ موقفًا صريحًا يعادي التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة، مستهدفةً إياه باعتباره داعمًا للعدو الإسرائيلي.
وبالتالي يمثل تغييرًا جذريًا في السياسة الإقليمية، حيث يعكس استراتيجية مواجهة جديدة تتبناها اليمن، تتسم بالتصعيد ضد الوجود الأمريكي في المنطقة من خلال اعتبار التحركات الأمريكية أهدافًا مشروعة
أول دولة عربية تعتبر التحركات الأمريكية هدفاً مشروعاً
من الناحية التاريخية، يُعد هذا الإعلان سابقة في العلاقات العربية الأمريكية، حيث لم يسبق أن أعلنت دولة عربية بهذا الوضوح أن التحركات الأمريكية تُشكل أهدافًا مباشرة في سياق دعمها لإسرائيل.
هذا الموقف يعكس تحولًا في النظرة إلى التحالفات الدولية، حيث يضع ضغوطًا كبيرة على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، خاصة الدول التي تسعى للحفاظ على علاقات متوازنة مع واشنطن وتل أبيب.
أيضاً تعتبر هذه الاستراتيجية تهديدًا مباشرًا للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، في نظر المسؤولين الأمريكيين، حيث قد تحتاج واشنطن إلى إعادة النظر في استراتيجيتها العسكرية والسياسية في المنطقة.
علاوة على ذلك، يعكس هذا الموقف دعماً ملموساً للقضية الفلسطينية، حيث يربط اليمن عملياته العسكرية مباشرة بمساندة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي.. هذا الربط يعزز من موقف اليمن كداعم للقضية الفلسطينية في مواجهة الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل.
ختاماً: تعكس هذه العمليات العسكرية تحولاً استراتيجياً في الموقف اليمني، حيث باتت القوات المسلحة اليمنية تسعى لتغيير قواعد اللعبة في المنطقة.
ومن خلال استهداف التحركات العسكرية الأمريكية، يرسل اليمن رسالة قوية حول قدرته واستعداده لمواجهة التحديات، مما يزيد من تعقيدات الأوضاع الإقليمية، ويبرز اليمن كلاعب رئيسي في إعادة تشكيل التوازنات السياسية والعسكرية في المنطقة.
المسيرة
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
إقرأ أيضاً:
موجة جديدة من الانقلابات العسكرية بأفريقيا تحت مجهر مؤتمر الجزيرة للدراسات
الدوحة- في ظل مشهد أفريقي يتقاطع فيه تصاعد الانقلابات العسكرية مع تراجع المسارات الديمقراطية وتنامي التهديدات الأمنية، عقد مركز الجزيرة للدراسات اليوم السبت جلسة نقاشية بعنوان "الحكومات العسكرية والتهديدات الأمنية وتنافس الإستراتيجيات الإقليمية"، ضمن مؤتمر "أفريقيا وتحديات الأمن والسيادة في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة"، الذي انطلقت أعماله صباح اليوم السبت وتستمر يومين.
وحذر الباحثون والأكاديميون المشاركون في الجلسة من أن القارة الأفريقية تشهد منذ عام 2020 موجة جديدة من الانقلابات التي تتميز بالقبول الشعبي المتزايد، مدفوعة بالفساد والتلاعب بالدساتير وفشل الحكومات المدنية في إدارة الأزمات، إضافة إلى ما أسموه "البيئة التمكينية" المتمثلة في عدوى الانقلابات والمشاعر المناهضة للقوى الأجنبية، لا سيما فرنسا.
كما رأوا أن الديمقراطية الأفريقية لم تتجذر رغم التعددية الشكلية، بسبب تحكم الأنظمة في المسار الانتخابي واستفحال الفساد والاضطرابات الأمنية، محذرين من أن استمرار هذه الأوضاع قد يبدد فرص استثمار التنافس الدولي على موارد القارة في تحقيق نهضة اقتصادية وتنموية.
وبحث المتحدثون في الجلسة أيضا أنماط الجماعات المسلحة في أفريقيا، من الجهادية والانفصالية إلى الإثنية وعصابات الجريمة المنظمة، وأهمية المزج بين المقاربات الأمنية والتنموية وربطها بالسياقات المحلية لضمان الفاعلية.
وتطرح الموجة الأخيرة من الانقلابات العسكرية في أفريقيا سؤالا عميقا حول أسباب تكرارها واتساع رقعتها، لا سيما في غرب القارة ومنطقة الساحل، وسط قبول شعبي ملحوظ في بعض الدول، مما يميزها عن الموجات السابقة.
إعلانولذلك يوضح الباحث النيجيري حكيم ألادي نجم الدين أن العوامل المفسرة لهذه الظاهرة تنقسم إلى 3 مجموعات:
عوامل أساسية محلية تشمل الفساد والمحسوبية، والتلاعب بالدساتير، وتمديد الفترات الرئاسية، وضعف الأداء الاقتصادي، وغياب استقلالية المؤسسات التشريعية والقضائية. عوامل محفِّزة مثل انعدام الأمن، وهشاشة الدولة، والتاريخ الطويل للحكم العسكري، إلى جانب استياء المواطنين من فشل الحكومات المدنية في تقديم الخدمات. بيئة تمكينية تتمثل في تأثير "عدوى الانقلابات"، وتنامي المشاعر المناهضة لفرنسا، وانهيار الشراكات الأمنية التقليدية، وفشل العقوبات الإقليمية في ردع من يعبث بالدساتير أو ينقلب على الشرعية.وأشار نجم الدين إلى وجود منظورين رئيسيين لتحليل هذه الظاهرة:
الأول يرى الانقلابات انعكاسا لـ"أزمة الدولة". الثاني يعتبرها شكلا من "السيادة الجديدة" في مواجهة الهيمنة الخارجية.ويكشف واقع الديمقراطية في أفريقيا عن فجوة بين الشكل التعددي وصورة الانتخابات، وبين المضمون والمؤسسية الحقيقية، حيث لم تثمر موجة الانفتاح السياسي منذ التسعينيات عن ديمقراطية راسخة في معظم بلدان القارة.
وهذا ما استعرضه الإعلامي الموريتاني محفوظ السالك في ورقته التي قدمها تحت عنوان "مستقبل الديمقراطيات في أفريقيا"، موضحا أن كثيرا من الدول انتقلت من حقبة الحزب الواحد إلى التعددية، لكن الأنظمة الحاكمة ظلت تتحكم في المسار الانتخابي، مما أدى إلى إبقاء رؤساء في السلطة عقودا طويلة.
كما أشار السالك إلى أن الانقلابات العسكرية، واستشراء الفساد، وضعف الحوكمة، وانتشار الإرهاب والنزاعات المسلحة، كلها عوامل قوّضت المسار الديمقراطي. موضحا أن أفريقيا تخسر سنويا ما لا يقل عن 120 مليار دولار بسبب الفساد، وأن نحو نصف النزاعات المسلحة في العالم العام الماضي وقعت في القارة.
وأكد الإعلامي الموريتاني أن القارة تمتلك فرصا إذا أحسنت استثمارها يمكنها منافسة القوى الدولية عليها، عبر تنويع الشركاء واستغلال مواردها، شريطة وجود مؤسسات قوية، وأن تتصف بالشفافية، وتكون هناك سيادة حقيقية على المقدرات.
وتتوزع الجماعات المسلحة في أفريقيا على أنماط مختلفة، مما يجعل إستراتيجيات مكافحتها معقدة ومتعددة الأبعاد، تتراوح بين الحلول الأمنية البحتة والمقاربات التنموية الشاملة، حسب ما شرحه أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد عبد الله في المغرب إسماعيل حمودي، في ورقة بعنوان "إستراتيجيات مكافحة الجماعات المسلحة".
حيث صنّف حمودي هذه الجماعات إلى 4 أنماط: جهادية، وانفصالية، وإثنية، وجماعات الجريمة المنظمة. موضحا أن المقاربات الأمنية تعتمد على العمليات العسكرية، والتدخلات الدولية، وبرامج نزع السلاح ومكافحة التمويل.
وأضاف الأكاديمي المغربي أن هذ المقاربات غالبا ما تحقق مكاسب مؤقتة وتتجاهل جذور الصراع، بل قد تؤدي الانتهاكات الأمنية إلى إطالة أمد الأزمة.
إعلانوفي ما يتعلق بالمقاربات التنموية، فقد قال حمودي إنها تركز على الاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية، وتفعيل آليات الإنذار المبكر، والتحالفات الإقليمية. ورغم ذلك فإنه استدرك بأنها تواجه عقبات من ضعف الدولة، والفساد، واستمرار النزاع.
وشدد أستاذ العلوم السياسية على أن الحلول الفعّالة يجب أن تنطلق من السياقات المحلية، وأن تتحمل النخب الأفريقية مسؤولية صياغتها وتنفيذها.
وتكشف محاور هذه الجلسة صورة متشابكة لأوضاع القارة، حيث تتقاطع فيها الأزمات السياسية والأمنية مع اختلالات اقتصادية وهيكلية مزمنة. فمن منظور حكيم ألادي نجم الدين فإن أي معالجة جادة لظاهرة الانقلابات تستلزم إصلاحا عميقا في بنية الدولة ومؤسساتها.
لكن محفوظ السالك يرى أن بناء ديمقراطية حقيقية هو المدخل الأساسي لتحويل التنافس الدولي إلى فرصة تنموية، لا أداة لاستدامة النخب الحاكمة.
ويضيف إسماعيل حمودي أن مكافحة العنف المسلح تحتاج إلى رؤية متكاملة تعالج المظالم الاجتماعية وتربط الأمن بالتنمية.
ورغم حدة التحديات، يتفق المتحدثون على أن القارة ما تزال تمتلك عوامل قوة إستراتيجية، مثل: موارد طبيعية هائلة، وموقع جغرافي مؤثر، وكتلة سكانية شابة يمكن أن تقود النهضة إذا ما توفرت الإرادة السياسية، والإدارة الرشيدة، والتعاون الإقليمي الفعّال.
يذكر أن فعاليات مؤتمر "أفريقيا وتحديات الأمن والسيادة في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة" مستمرة حتى الغد، عبر عدة جلسات يشارك فيها باحثون وأكاديميون وإعلاميون لمناقشة المزيد من القضايا التي تتعلق بمستقبل القارة ودورها في المشهد الدولي.