منصات التواصل الاجتماعي ... الاصطفاف والانحياز
تاريخ النشر: 11th, August 2024 GMT
بعد استشهاد القائد إسماعيل هنية كتبت تعزية على صفحتي في الفيسبوك وكتب الكثيرون، وتلقيت وتلقى غيري رسائل من الموقع تفيد بأنه تم حظر حسابي بسبب عدم اتباعي لقواعد الموقع في النشر، وبسبب دعمي لأشخاص ومنظمات مصنفين من قبلهم بالخطرين.
لست وحدي من حُظر حسابه وأُزيلت صفحته من منصات التواصل الاجتماعي فهناك الكثيرون الذين اشتكوا من المعاملة التمييزية التي يلاقونها من مواقع التواصل الاجتماعي.
يرجعنا ذلك إلى مقولة «غزة الفاضحة» تلك الحقيقة التي تترسخ فترة بعد أخرى وكأنها معادلة أو عناد تقذفه غزة في وجوه الكثير، ولسان حالها يقول: كلما أطلتم أمد الحرب والإبادة وتمادت في وحشيتكم فضحتكم وكشفت زيف ادعاءاتكم. غزة أماطت اللثام وفضحت الكثيرين والقائمة تطول بين دول ومنظمات أممية وشخصيات وجامعات ومنظمات مجتمع مدني ووسائل إعلام وغيرها. يتتابع مسلسل السقوط والانحدار نحو الهاوية، مؤخرًا انضمت منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي طالما تغنّت بالحرية وحق التعبير للجميع فتسقط عنها تلك المثالية وتغوص في بحر من الانحياز والمكيال بمكيالين والتمييز. بات من المؤكد أن العديد من منصات التواصل الاجتماعي انضمت إلى جوقة الاصطفاف إلى جانب العدو الصهيوني في حرب الإبادة التي يشنها على شعب غزة.
فقد اشتاط رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم غضبًا على الشركة بسبب إزالة تطبيقي فيسبوك وإنستجرام لمحتوى تعزيته في إسماعيل هنية (اعتذرت لاحقا الشركة وأعادت المحتوى) وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبله قد أمر بحذف تطبيق انستجرام وقامت هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التركية بحجب الوصول إلى التطبيق «انستجرام» بعد قيام التطبيق بحذف ملايين المنشورات التي تنعى إسماعيل هنية.
في إطار الحملة الغربية على كل ما يرمز لفلسطين ونضال شعبها ضد الاحتلال الإسرائيلي والتي طالت الكثير من تلك الرموز كالعلم الفلسطيني والكوفية الفلسطينية وأسماء المدن والأشخاص المناضلين والكتاب، ورأينا مؤخرًا الحظر الذي فرضته ألمانيا على استخدام المثلث الأحمر المقلوب الذي تستخدمه المقاومة الفلسطينية للإشارة إلى ما تستهدفه من جنود وآليات العدو الصهيوني.
في الحقيقة نقف حيارى بالفعل وتشطح بنا الأفكار ويزداد اعتقادنا بأن كل شيء ينتجه الغرب مسخّر فقط لخدمتهم وأغراضهم لا تعنيه البشرية جمعا في شيء، وتزداد دهشتنا ونحن نعلم أن هذه المنصات تتخذ من حرية الرأي والمعتقد شعارًا ومنهجًا لها وقد فتحت أروقتها لمناصرة الكثير من ثورات المقهورين ضد الطغاة والفساد والظلم. الحقيقة التي باتت ندركها بأن هذه منتجات تقف معنا وتدعمنا فقط عندما نكون ضد بعضنا بعضًا، وإذا ما تمادت مع أهداف ما يروجون لها، بشرط دون تجاوزنا لخطوط حمر هم وضعوها وخصوصًا إذا تعلق الأمر بإسرائيل وجرائمها، لا حياد ولا مثالية ولا نزاهة في ذلك، كلها تتسابق نحو إسرائيل وتعمل لصالحها هكذا بكل بساطة، أهي حقيقة تتجلى لا يمكن نكرانها، أم نحن الذين نهول الأشياء ولا نفهم طبيعتها بالأساس؟
الحقيقة الساطعة هي أن الغرب بأكمله يقوم على سردية واضحة المعالم وهي سردية التفوق والعلو، السردية التي ترى في نفسها هي البشرية والإنسانية أما الغير والآخر فليس له إلا الخضوع والدونية.
يشعر الكثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بالتضييق عليهم بحيث لا يستطيعون التعبير عن وجهة نظرهم في القضايا الإنسانية وخصوصا إذا ما تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، فهذه التطبيقات تمارس ضدهم الانتقائية والتحيز وتقف صفًا بجانب الكيان الصهيوني وخصوصًا ما بات يتجلى للجميع في طوفان الأقصى. وقد تعدى ذلك من مرحلة التضييق إلى تعتيم ممنهج وتستر على جرائم إسرائيل والذي يُعد انتهاكًا صريحًا وواضحًا لحرية الرأي والتعبير لفرض ونشر سردية واحدة، ومنع الجانب الآخر تمامًا من التعريف بروايته ووجهة نظره والدفاع عنها أمام الآلة الوحشية الممنهجة في التعتيم وقلب الحقائق.
لا يقتصر ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي فقط بل ذهبت إلى ذلك تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي حيث بُرمجت خوارزميات هذه التقنية بما يخدم الأغراض والسردية الصهيونية ويضيع حقوق العرب والمسلمين، لا يقتصر ذلك فقط على إعادة برمجة واختراع الكثير من القصص والحكايات وصياغتها بما يتوافق مع أهداف تلك السردية، فمثلا يتم استبدال بعض المصطلحات بأخرى فبدلًا من «احتلال» علينا القول «صراع»، وبدلًا من «الحرب» نقول «أزمة» أو «أحداث»، ومقاومة إرهاب ومقاومين إرهابيين وهكذا ومع مرور الوقت ونتيجة لسياسات مبرمجة واستراتيجيات مدروسة وخطط موضوعة قد ينتهي ويختفي بعض هذه المصطلحات، خصوصًا المرتبطة بالقضية الفلسطينية، وحق المقاومة للشعوب المقهورة. وفلسطين تصبح إسرائيل والقدس أورشليم وحائط البراق وحائط المبكى وهيكل سليمان. وفي هذا السياق تم حذف حساب لفتاة لمجرد اسمها فلسطين. وهناك تعاون وثيق بين مالكي هذه المنصات وإسرائيل لصد كل ما هو لا يخدمهم ويدحض سرديتهم. فقد ذكرت الناشطة الفلسطينية منى شتية، المدافعة عن الحقوق الرقمية، إن الجيش الإسرائيلي أو كما تسمى «وحدة السايبر الإسرائيلية»، يتعاون مع هذه المواقع وذلك بأن يرسل طلبات إلى مواقع التواصل لحذف وتحجيم المحتوى الفلسطيني. مما حدا للكثير من مستخدمي تلك المنصات إلى ابتكار بعض الأفكار للخروج من تلك الرقابة وتجاوز الحظر، فمثلا للكتابة بطريقة مشفّرة، واستخدام الأحرف بلا نقاط، أو استخدام فواصل ومسافات بين الأحرف، أو استغلال بعض الوسوم (هاشتاغ) التي تدعم إسرائيل وإضافتها إلى المنشورات الداعمة لفلسطين، لغرض انتشارها وضمان إيصالها لأكبر عدد من المتابعين. وفي الإطار نفسه استخدم أحد المؤثرين التقنية في فيديو له على إنستجرام، بحيث إنه استخدم وسمًا مناصرًا لإسرائيل وموسيقى منتشرة لدى الإسرائيليين حتى يصل الفيديو إلى عدد كبير، بعد حذف فيديوهات عدة كان يدعم بها القضية الفلسطينية.
ليس بعيدًا عن ذلك وفي السياق نفسه اشتكى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو من انحياز تطبيق (واتساب) إلى المعارضة المشككين بفوزه في الانتخابات الأخيرة، فقد دعا إلى مقاطعة (واتساب) وقال مادورو «قولوا لا لتطبيق واتساب! سأقطع العلاقات مع واتساب، لأنّ واتساب يُستخدم لتهديد فنزويلا». لذلك سأحذف واتساب من هاتفي إلى الأبد، وشيئًا فشيئًا، سأنقل جهات الاتصال الخاصة بي إلى تلجرام، إلى وي تشات»، داعيًا مواطنيه إلى التخلّي طوعًا وتدريجيًّا وجذريًّا عن التطبيق المملوك لشركة ميتا الأمريكية. ووقع لاحقًا قرارًا يحظر فيه تطبيق إكس لمدة عشرة أيام.
يعني الفكرة الموجودة مع مالكي تلك المنصات هي الفكرة الصهيونية نفسها: نحن الوحيدون الذين يحق لنا أن نتدخل في شأنكم الداخلي في المقابل لا يحق لكم إلا أن تلتزموا بقوانين المنصات.
في المقابل نحن ندرك ذلك ولا ننكره، بل نزيد عليه ذلك التراشق والانقسام الحاد بيننا والاستقطاب الذي يضرب بأطنابه ويهدم ما تبقى من جسور الود.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: منصات التواصل الاجتماعی مواقع التواصل إسماعیل هنیة الکثیر من
إقرأ أيضاً:
أستراليا تطالب عمالقة التواصل الاجتماعي بتقديم تقارير عن التقدم في حظر حسابات الأطفال دون ١٦ عاما
قد تواجه الشركات غرامات تصل إلى 49.5 مليون دولار أسترالي (28.1 مليون يورو) اعتبارا من الأربعاء إذا لم تتخذ خطوات معقولة لحذف حسابات الأطفال الأستراليين دون سن 16 عاما. حظر حسابات الأطفال في أستراليا يدخل حيّز التنفيذ
طالبت السلطات الأسترالية بعضا من أكبر منصات التواصل الاجتماعي في العالم بالإبلاغ عن عدد الحسابات التي عطّلتها منذ أن أصبح حظر الحسابات لمن هم دون سن 16 عاما قانونا نافذا. وقالت وزيرة الاتصالات الأسترالية أنيكا ويلز بعد يوم واحد إن "Facebook" و"Instagram" و"Kick" و"Reddit" و"Snapchat" و"Threads" و"TikTok" و"X" و"YouTube" و"Twitch" أعلنوا أنهم سيلتزمون بـالقانون الأسترالي الأول من نوعه عالميا الذي دخل حيّز التنفيذ يوم الأربعاء. غير أن ردود شركات التكنولوجيا على أول طلب بيانات من المفوضة لشؤون السلامة الرقمية جولي إنمان غرانت ستُظهر على الأرجح مدى التزامها بإزالة حسابات الأطفال من منصاتها.
"اليوم ستكتب المفوضة لشؤون السلامة الرقمية إلى المنصات العشر التي تُعتبر منصات تواصل اجتماعي مقيّدة بالعمر، وستسألها: ما عدد حسابات من هم دون 16 عاما لديكم في 9 ديسمبر؛ وما عددها اليوم في 11 ديسمبر؟" قالت ويلز. وأوضحت أن المفوضة ستكشف ردود المنصات خلال أسبوعين، على أن تُقدّم المنصات تحديثات شهرية لمدة ستة أشهر.
غرامات على عدم الامتثالوتواجه الشركات اعتبارا من يوم الأربعاء غرامات تصل إلى 49,5 مليون دولار أسترالي (28,1 مليون يورو) إذا لم تتخذ خطوات معقولة لإزالة حسابات الأطفال الأستراليين دون سن 16 عاما.
Related أستراليا تطلق حظرًا على استخدام الأطفال لوسائل التواصل.. وخبراء يحذّرون من "ثغرات" اهتمام دولي متزايدوقالت ويلز إن المفوضية الأوروبية وفرنسا والدنمارك واليونان ورومانيا وإندونيسيا وماليزيا ونيوزيلندا تفكر في اقتفاء أثر أستراليا في تقييد وصول الأطفال إلى وسائل التواصل الاجتماعي. وأضافت: "هناك اهتمام عالمي كبير ونرحّب به، ونرحّب بكل الحلفاء الذين ينضمون إلى أستراليا لاتخاذ إجراءات في هذا المجال ورسم خط يقول: طفح الكيل".
طعن قضائي وتحديات التطبيقتعتزم مجموعة حقوقية مقرّها سيدني "Digital Freedom Project" الطعن في القانون أمام المحكمة العليا الأسترالية مطلع العام المقبل. وقالت إنمان غرانت إن بعض المنصات استشارت محامين وقد تنتظر تلقي أول "إخطار إلزامي للحصول على معلومات" يوم الخميس أو أول غرامة بسبب عدم الامتثال قبل المضي في الطعن القضائي. وأضافت أن فريقها مستعد لاحتمال أن تتعمّد المنصات عدم استبعاد الأطفال الصغار عبر تقنيات التحقق من العمر وتقدير العمر. وقالت لهيئة الإذاعة الأسترالية: "قد تكون تلك استراتيجية بحد ذاتها: سنقول إننا نمتثل ثم نؤدي عملا رديئا باستخدام هذه التقنيات ونسمح للناس بالمرور، ثم يدّعي البعض أنه فشل". وأوضحت أن أبحاثها وجدت أن 84 في المئة من الأطفال في أستراليا الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية و12 عاما استخدموا حسابا على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن 90 في المئة من هؤلاء فعلوا ذلك بمساعدة من الوالدين. والسبب الرئيسي لمساعدة الآباء، بحسبها، هو أنهم "لا يريدون استبعاد أطفالهم". وختمت: "ما تفعله هذه التشريعات هو أنها تزيل ذلك الخوف من الإقصاء".
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة