أهمية إعلان المبادئ لوقف حرب السودان
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
د. الشفيع خضر سعيد
رحبنا في المقالين السابقين بالدعوة التي وجهها وزير الخارجية الأمريكي لعقد لقاء بين قيادات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في جنيف، في منتصف الشهر الجاري بهدف بحث إمكانية الاتفاق على وقف لإطلاق النار طويل الأمد في البلاد، وهو ما يتماشى ورغبات كل السودانيين جميعا، إلا تجار وسماسرة الحرب الذين يزكّون نيرانها سعيا وراء السلطة والجاه والمصلحة الخاصة الدنيئة على حساب مصلحة الوطن.
ورغم أن السودانيين يترقبون لقاء جنيف بقلق متزايد ويلهثون بالدعاء عله ينجح في وقف القتال، إلا أن المنطق والتجربة يقولان بأن هذا الهدف لن يتحقق بضربة لازب أو من جولة واحدة، رغم أمنياتنا أن يتحقق ذلك، ولكن يظل العشم أن ينجح هذا اللقاء، على الأقل في وقف الاقتتال لأطول مدة ممكنة، بما يسمح بالعمل على إنقاذ حياة السودانيين عبر توفير العون الإنساني وتأمين ممرات إنسانية لمدهم بالغذاء والدواء وضروريات الحياة. هذه هي الأولوية القصوى التي يجب أن تركز كل الجهود حيالها اليوم، مع التشديد مرة أخرى على أن هذا الملف الإنساني لا يقبل التسييس ولا المساومة به. وغض النظر عن نتائج اللقاء المقترح، إذا تم، فأرى بضرورة تقارب الجولات التالية وتسريع وتيرتها، ولكن الأهم من ذلك أن تستند كل العملية إلى إعلان مبادئ يتم التشاور حوله مع القوى السياسية والمدنية السودانية. وكما أشرنا في مقال سابق، سبتمبر/أيلول 2023، لم تنجح مبادرة الإيقاد في إيقاف الحرب في جنوب السودان إلا بعد أن انتظمت المفاوضات بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحكومة الإنقاذ على أساس إعلان مبادئ الإيقاد في 20 مايو/أيار 1994. صحيح أن إعلان مبادئ الإيقاد صاغتها دول الإيقاد وقدمتها جاهزة إلى الطرفين ليوقعا عليها، لكن لابد من التشديد على أن تلك المبادئ لم تكن من وحي بنات أفكار علماء السياسة الدوليين والإقليميين، بقدر ما كانت إعادة صياغة وترتيب للأطروحات المتناثرة في أدبيات الحركة السياسية السودانية، وخاصة الحركة الشعبية لتحرير السودان. واليوم، نحتاج إلى إعلان مبادئ يوجه ويحكم العملية التفاوضية لوقف الحرب ووضع أسس عدم تجددها أو إعادة إنتاج الأزمة أو العودة لذات أوضاع ما قبل الحرب. ودائما تظل قناعتي الراسخة أن القوى المدنية والسياسية السودانية هي وحدها المؤهلة لاجتراح هذا الإعلان. وأيضا دائما تظل الأولوية الآن هي لإسكات البندقية ودعاوى التسليح الأهلي، وخلق ممرات آمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية، وخروج قوات الدعم السريع من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين، ووقف الاعتقالات السياسية من قبل الطرفين، وإطلاق سراح من تم إعتقالهم.
ومرة أخرى، نحن نفرق بين وقف الاقتتال ووقف الحرب. فبينما وقف إطلاق النار والاقتتال هو من صميم واجب الطرفين المتقاتلين، فإنه ليس في مقدورهما، ولا ينبغي لهما، التصدي لوقف الحرب بمعنى الانخراط في العملية السياسية، إلا إذا كنا نود إعادة إنتاج أسباب الحرب. فوقف الحرب، ويشمل تصميم وقيادة العملية السياسية، هو مهمة القوى السياسية والمدنية السودانية. ومن هنا وجوب انتظام كل الكتل والتنظيمات والأفراد والمجموعات السودانية الرافضة للحرب في نشاط عملي، وفق برنامج عمل مركز متوافق عليه، يغطي المجالات السياسية والإنسانية، ويعمل على خلق آليات للتنسيق مع الجهود الدولية والإقليمية، من أجل الضغط المتواصل على طرفي القتال لوقف دائم للأعمال العدائية. وفي نفس الوقت يعمل البرنامج على إرساء أسس الفترة الانتقالية لما بعد الحرب. إن أي تقاعس عن العمل المشترك ضد الحرب لا يقل جرما عن جريمة إشعالها.
وفي ذات السياق، صحيح أن مبادرات المجتمع الدولي والإقليمي لفرض وقف إطلاق النار وحل الأزمة السودانية تلعب دورا مطلوبا وأساسيا، ولكنه يظل العامل المساعد وليس الرئيسي الحاسم. فقضية شعب السودان لا يمكن حلها من خارجه أو بالإنابة عنه من قبل المجتمع الدولي.
الوسومالشفيع خضر سعيدالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
أستاذ اقتصاد: لقاء نيويورك يعكس إصرار مصر على كشف جرائم التجويع في غزة
في إطار الجهود الدولية لدعم مسار التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، التقى وزير الخارجية والهجرة الدكتور بدر عبد العاطي بنظيره البريطاني ديفيد لامي، على هامش أعمال المؤتمر الدولي رفيع المستوى المعني بالتسوية السلمية وتنفيذ حل الدولتين، وذلك بمقر الأمم المتحدة في نيويورك.
وتناول اللقاء مسارات التعاون الثنائي بين القاهرة ولندن، إلى جانب آخر المستجدات المتعلقة بالأوضاع في قطاع غزة، وسبل دعم المساعي الدولية لوقف العدوان، وتعزيز الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة.
محمود عنبر: اللقاء المصري البريطاني يعكس سعي مصر لتدويل قضية غزة وفضح ممارسات الاحتلالقال الدكتور محمود عنبر، أستاذ الاقتصاد والسياسة، في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد أن اللقاء الذي جمع بين وزير الخارجية المصري ونظيره البريطاني على هامش أعمال المؤتمر الدولي المعني بالتسوية السلمية، يعكس إصرار الدولة المصرية على كشف جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها سياسة التجويع الممنهج التي تمارس ضد سكان قطاع غزة.
وأوضح عنبر أن هذا اللقاء يأتي في إطار محاولة مصرية لتدويل القضية الفلسطينية، وكشف الممارسات اللاإنسانية التي ينتهجها الكيان الصهيوني، بما فيها تجويع المدنيين واستخدام الحصار كسلاح في وجه السكان، وهو ما يمثل انتهاكًا صارخًا لكل القوانين الدولية.
وأشار عنبر إلى أن هذه اللقاءات قد تمثل تمهيدًا لتحركات دولية أكثر حسمًا، ليس فقط لفرض وقف إطلاق النار أو إنهاء الحصار، بل ربما لفرض عقوبات اقتصادية على الكيان، أو حتى التلويح باستخدام القوة في حال استمرت الانتهاكات.
ولفت إلى أن هذا التحرك المصري قد يلهم قوى إقليمية ودولية أخرى كما فعلت جنوب أفريقيا مؤخرًا أمام المحكمة الجنائية الدولية لتبني القضية وتحميل الاحتلال كلفة سياسية وقانونية لما يرتكبه من جرائم ضد الإنسانية.
وشدد عنبر على أن ما يجري في غزة لا يمكن مقارنته بأي مجاعة في التاريخ المعاصر، حيث لم تكن تلك المجاعات ناتجة عن حسابات سياسية أو عسكرية كما هو الحال اليوم، مؤكدًا أن الوضع الإنساني في القطاع يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي.
واختتم الدكتور محمود عنبر تصريحاته بالتأكيد على أن اللقاء من حيث شكله السياسي ومضمونه الإنساني، يعد نقطة مهمة في مسار تحريك المجتمع الدولي، سواء باتجاه قرارات أممية حاسمة أو نحو مواقف أكثر جرأة من القوى الإقليمية والدولية.