لجريدة عمان:
2025-12-13@07:12:53 GMT

الأسى موقد الإبداع

تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT

يحتّم علينا الواقع المعاش التسليم بالمشاركة الإجبارية في كثير من الأحداث التي لم تعد خاصة، ولا محلية حتى، بل اتسعت لتصير مشاركة عالمية، خصوصا إذا ما اتصل حدث ما بأطر سياسية أو ثقافية عامة، ومع كل تداعيات الحدث وما يعقبه من تحليلات بداية من الانطباعي الانفعالي العابر مرورا بالتخصصي النفسي السلوكي أو الاجتماعي الإنساني وصولا إلى إمكانية توجيه ذلك الحدث سياسيا أو إنسانيا، تشغلني كثيرا فكرة الأثر النفسي على الفرد خلال وبعد الحدث، تحديدا مع هدوء الصخب الآني للحدث وما يتبقى من آثاره في النفس، ومن متابعات الواقع وتوثيق الأحداث تاريخيا قد يتحول هدوء الإنسان( مركز الحدث) إلى طاقة جبارة تدفعه إلى فعل مفاجئ بعد أمد، هذه الطاقة الجبارة قد تدفع صاحبها إلى الخير المضاعف تأكيدا على أن حدة الانفعال لم تفقده إنسانيته بل عززتها وفجرت مكامن الخير فيها ووجهت شتاتها، كما قد تدفع صاحبها كذلك إلى عنف يفضي إلى قتل النفس هربا من جحيم الصراع النفسي الداخلي الذي يتغلب على صاحبه، أو عنف آخر موجه بشكل عشوائي تجاه الآخر، أو منظم تجاه أشخاص يعتقد أنهم السبب في كل صراعاته.

موضوع المقالة بين شخصيتين تعرض كل منهما لحدث شخصي تحول إلى رد فعل إيجابي رغم إرهاصات الألم وتحديات الصراع النفسي؛ الشخصية الأولى لطالب الطب الفلسطيني عز الدين لولو المعروف باسم «صانع الابتسامة « يوشك الأمر أن يبدو عظيما إذا ما عرفنا أن عز الدين من غزة المستهدفة من الاحتلال الإسرائيلي، وكيف استطاع توزيع البسمة عبر مبادرة لرسم لوحات للمصابين والجرحى في مستشفيات غزة، لكن ما حدث لعز الدين وما فعله بعدها جعل الحدث وعز الدين أعظم؛ فطالب السنة الخامسة فوجئ بخبر استشهاد 20 من أفراد عائلته عبر مكالمة هاتفية في 13/ نوفمبر الماضي ضمنهم والده وشقيقه، كانت والدته المصابة بجروح خطيرة هي الناجية الوحيدة من الحادث، مع استهداف مستشفى الشفاء الذي كان مكان تدريب عز الدين ، كل ذلك أسلمه لا إلى يأس، بل إلى أمل مضاعف لا يخلو من الأسى حين قرر الشروع في مبادرته الثانية بعد مأساته الشخصية، أنشأ عز الدين مؤسسة سمير التي تحمل اسم والده الراحل، لتحقيق أحلام الآباء في رؤية أبنائهم أطباء مؤهلين ناجحين، يقدم برنامج المبادرة الذي أطلق في مايو الماضي، مساعدات مالية لطلاب الطب جمعها عز الدين من التبرعات عبر الإنترنت، وتسمح منظمة «هيومن كونسيرن إنترناشيونال» لمنظمة عز الدين بتقديم ورش عمل تدريبية، للاستجابة لحالات الطوارئ ورعاية المرضى والتقنيات الطبية المتقدمة، كل ذلك تحت التهديد المستمر للاجتياح الإسرائيلي، مبادرة عز الدين التي تساعد زملاءه الفلسطينيين على إنقاذ حياة الناس قائمة على جهد من عُرف ذات يوم بصانع الابتسامة، وهو الذي يرى إن إيجاد سبب للابتسام أصبح تحديا كبيرا له، مع إدراكه أن عائلته لا تزال تحت الأنقاض.

ومع الحدث الرياضي الأبرز عالميا لهذا العام أولمبياد باريس الذي أحرزت فيه إيمان خليف الجزائرية ذهبية الملاكمة في وزن 66 بعدما تغلّبت على الصينية ليو يانغ، لتصبح أول ملاكمة جزائرية وإفريقية تحصد ميدالية ذهبية في الألعاب الأولمبية، إلا أن فوزها هذا لم يأت على جسر من التعب وحسب، بل أتى على جسر من الدموع والغضب وهي تتابع مسلسلا من التنمر الإعلامي عالميا تبنته شخصيات غربية لها ثقلها في التأثير على الجماهير بعد فوز إيمان على منافستها الإيطالية أنجيلا كاريني المنسحبة باكية من المباراة ليستغل الإعلام الغربي دموع كاريني في تأجيج الجماهير الشعبية ضد فوز إيمان متهما إياها واللجنة المنظمة بإدخال رجل إلى لعبة نسائية، الغرب نفسه الذي ينادي بالحرية في كل شيء والذي يدافع تحديدا عن التحول الجنسي وحقوق المثليين وجّه كل سهام التنمر لرياضية عربية أثناء تنافسها عالميا، إيمان ولدت فتاة ونشأت كفتاة وهويتها الحقيقية وفق وثائقها الرسمية كانت وما تزال أنثى، دموع اللاعبة الإيطالية صارت موقدا لإشعال الحرب لا على المتحولين عموما، ولا على ثقافة دعم التحولات البيولوجية الطبيعية وقوانينها الكونية، لكنها وجهت ضد شخص إيمان خليف ستارا لحرب سياسية بين الأحزاب والحكومات وحسابات أخرى شخصية، ورغم اعتذار اللاعبة الإيطالية لاحقا( التي اتضح أنه كانت تجمعها صداقة بإيمان وأن النزال بينهما لم يكن لقاء أول) ورغم تأكيد اللجنة المنظمة على صحة المشاركة إلا أن الإعلام الغربي بقي على تصعيد هجمة التنمر ضد إيمان التي عبّرت باكية عن تأثرها بحملة التشويه ضدها، لكن دموع إيمان ليست كدموع أنجيلا! اللاعبة الجزائرية حوّلت دموعها -لشعورها بالإهانة لمحاولة النيل من أنوثتها- طاقة تدفعها للفوز في جولتين بعدها لتحرز الذهبية وتتفرع بعدها لأبرز المتنمرين عليها خلال رحلة مشاركتها الصعبة التي جعلها هؤلاء شاقة مُحمّلة بكل الأسى والغضب، حيث تقدمت إيمان رسميا بملاحقات قضائية ضد قائمة ضمّت الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ومالك منصة «إكس» إيلون ماسك، والكاتبة البريطانية جي كي رولينغ مؤلفة السلسلة الشهيرة «هاري بوتر»

بين الحدثين وبين الشخصيتين كثير من المختلفات والمشتركات لكن الأسى يجمع بينهما دافعا للإنجاز وهدفا للوصول.

ختاما: قد يبدو مشهد الوصول متشابها للجمهور ومشتبها لكثير ممن يجهلون كواليس الجهد الحقيقية وتفاصيل المعاناة، لكن أولئك الذين اختاروا - طوعا أو كرها- الأصعب سبيلا للوصول وحدهم يدركون أن الأمر ليس سواء، ووحدهم يعلمون أن وصولهم الأجمل وإنجازهم الأغلى صنع على تعب ومشقة لا يدرك أسرارها سواهم، وما دموعهم الممتزجة بالاحتفاء ساعة الوصول إلا مرآة لرحلة الأسى قبل الوصول، فطوبى لكل الفائزين بالوصول المُنتزَع المُستحق.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عز الدین

إقرأ أيضاً:

339 ألف زائر في جزيرة ياس خلال سباق جائزة الاتحاد للطيران الكبرى لـ«الفورمولا-1»

 

أبوظبي (الاتحاد)

أخبار ذات صلة فتح باب التسجيل لبطولة العين الدولية للجودو الإمارات تؤكد على أولوية التوصل لهدنة إنسانية فورية بالسودان


أعلنت شركة إثارة، الجهة المنظمة لسباق جائزة الاتحاد للطيران الكبرى لـ «الفورمولا-1»، أن أسبوع سباق 2025 سجّل رقماً قياسياً في الحضور، حيث جذبت فعاليات جزيرة ياس 339 ألف زائر، في مؤشر يعكس الإقبال الكبير على الحدث.
وشهدت حلبة مرسى ياس واحدة من أكثر الجولات الختامية إثارة في تاريخ البطولة، مع احتدام المنافسة الثلاثية بين سائقي ماكلارين لاندو نوريس وأوسكار بياستري وسائق ريد بُول ماكس فيرستابن، حيث تابع 203 آلاف متفرج جولة حسم اللقب من المدرجات في زيادة ملحوظة مقارنة بـ192 ألف متفرج في العام الماضي.
وبالإضافة إلى أجواء الحماس التي شهدتها الحلبة مع فوز فيرستابن بالسباق، وتتويج نوريس بأول ألقابه في فئة السائقين، استقطب برنامج «ياسلام» الترفيهي المُقدَّم من e& رقماً قياسياً بلغ 136 ألف مشجع «بزيادة قدرها 9% تقريباً عن حضور عام 2024 البالغ 125300»، خلال أربع أمسيات من حفلات ما بعد السباق من بنك الإمارات دبي الوطني، بمشاركة بنسون بون، وإليانا وبوست مالون، وميلتالكا وكاتي بيري، إلى جانب حفلات الأفتربارتي الرسمية التي أحياها إدريس إلبا وكالفن هاريس، وفرقة كاين ميوزيك.
وقال سيف راشد النعيمي، الرئيس التنفيذي لشركة إثارة: «سيظل سباق جائزة أبوظبي الكبرى لهذا العام محطةً بارزة في تاريخ «الفورمولا-1»، بعدما حُسم لقب البطولة تحت أضواء حلبة مرسى ياس، نفخر في شركة إثارة بتقديم فعالية ترتقي إلى مستوى هذا الحدث الاستثنائي».
وأضاف: «شهد السباق أكبر حضور جماهيري منذ انطلاقه، مدعوماً ببرنامج ترفيهي عالمي المستوى وابتكارات متميزة في تجارب المشجعين، شملت تقديم مفاهيم الضيافة الجديدة والمنصات والأنشطة المبتكرة في موقع السباق، إضافة إلى المزايا الموسعة للتذاكر، وأسهم ذلك كله في تقديم تجربة استثنائية لا تُنسى، ونجحت أبوظبي في ترسيخ مكانتها مجدداً كأفضل وجهة لاستضافة الجولة الختامية من بطولة العالم».
وكان من أبرز الإضافات هذا العام توسيع نطاق الأنشطة الجماهيرية، بما في ذلك جولتان مفتوحتان في منطقة الصيانة وجولات المشي على المسار من بنك أبوظبي الأول يوم الخميس، ومع الأداء المميز لبنسون بون ضمن حفلات ما بعد السباق، تحوّل يوم الخميس من مجرد بداية لعطلة نهاية الأسبوع، إلى يوم حافل بالترفيه وتجارب الجمهور، ليسجّل أكبر حضور ليوم خميس في تاريخ الحدث.
ومع تعزيز مكانة جائزة أبوظبي الكبرى كأحد أكثر السباقات تألقاً في عالم «الفورمولا-1»، شهدت منطقة البادوك ظهور عدد من النجوم العالميين، من بينهم مقدمي الحفلات الرئيسية بينسون بون، كاتي بيري، وميتاليكا، إلى جانب الممثلة آنا دي أرماس التي لوّحت بالعلم المربّع، والممثلين جيسون ستاثام وإيميلي راتاجكوسكي ومادلين بيتسش وجيسيكا تشاستين، ورجل الأعمال ورائد العمل الخيري بيل جيتس، وأساطير الرياضة تييري هنري ورونالدينيو ويانيك سينر.
ومع تزايد الإقبال الجماهيري عاماً بعد عام، تواصل شركة إثارة تطوير مبادرات مستدامة تعزّز مسؤوليتها البيئية، شهدت جائزة أبوظبي الكبرى 2025 زيادة بمقدار ثلاثة أضعاف في استخدام الطاقة الشمسية المؤقتة، حيث جرى تشغيل عدد من المناطق الرئيسة في الحلبة، ومنها المنعطفات 2 و5 و9- باستخدام الطاقة النظيفة بالكامل، كما اعتمدت جميع المولدات المؤقتة على وقود حيوي بنسبة 100% ضمن الفئات B5 وB20 ما أدى إلى خفض ملموس في الانبعاثات عبر العمليات التشغيلية طوال أيام الحدث.
وشكّلت الشراكة مع شركة «ما-هوا» الإماراتية، المتخصصة في إنتاج المياه بتقنية تحويل الهواء إلى ماء، إحدى أبرز مبادرات هذا العام، وأنتجت المحطات الموزعة في مواقع الجمهور أكثر من 260 ألف لتر من المياه، ما ألغى الحاجة إلى أكثر من 520 ألف عبوة بلاستيكية بسعة نصف لتر، خلال الأيام الأربعة للفعالية.
ومع كتابة التاريخ على الحلبة وتواصل الفعاليات الترفيهية في أرجاء جزيرة ياس كافة، جاء سباق جائزة أبوظبي الكبرى لعام 2025، ليكون النسخة الأضخم والأكثر تشويقاً على الإطلاق، وكان ختاماً يليق بالموسم الـ75 التاريخي لسباقات «الفورمولا-1».

 

مقالات مشابهة

  • كيفية التعامل مع القلق النفسي
  • أزمة منتصف العمر عند المرأة بعد الأربعين.. طرق فعالة في التعايش وتقليل التوتر النفسي
  • حكم الدين في عدم الإنجاب.. أزهري: الشخص الذي يرفض النعمة عليه الذهاب لطبيب نفسي
  • شركة فرنسية تشرف على برنامج التطوع في كأس أمم أفريقيا
  • وفاة مُسنة تسمما بغاز موقد النار في تيارت
  • 339 ألف زائر في جزيرة ياس خلال سباق جائزة الاتحاد للطيران الكبرى لـ«الفورمولا-1»
  • د. إيمان شاهين تكتب: اتيكيت التعامل بين الأزواج في الإسلام
  • تهديد بهدم قبر عزّ الدين القسّام.. ما الرسالة التي يسعى بن غفير إلى إيصالها؟
  • قيادة عُمانية لحدث عالمي
  • أسرة الوفد تتقدم بخالص العزاء للزميلة إيمان عاصم في والدها الرائد عاصم غريب