قناة بنما.. قصة الظهور والتغيرات الجيوسياسية
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
تعتبر قناة بنما ثاني أهم معبر مائي صنعه الإنسان بعد قناة السويس تربط المحيطين الأطلسي والهادي وتشق اليابسة الواصلة بين الأميركتين بطول يتجاوز 80 كيلو مترا فاسحة المجال لعبور أكثر من 14 ألف سفينة سنويا.
تعود فكرة شق القناة إلى العصر نفسه الذي ظهرت فيه قناة السويس، إذ ألهم نجاح القناة المصرية صاحب فكرتها بتطبيقها في مكان آخر، وبالفعل حصل الفرنسي فرديناند دي ليسيبس عام 1879 على امتياز لشق قناة من الحكومة الكولومبية.
وفي ذلك الحين لم يكن هناك دولة مستقلة تسمى بنما بل كانت جزءا من الأراضي الشمالية لدولة كولومبيا التي انقلب المشروع وبالا عليها وعلى الشركة الفرنسية أيضا، إذ اصطدمت جهود شقها بطبيعة المنطقة الاستوائية وفقدان أكثر من 20 ألف عامل حياتهم نتيجة تفشي أمراض فتاكة كالملاريا والحمى الصفراء، قبل أن تفلس الشركة وترفع راية الاستسلام عام 1889 بعد إنفاق قرابة 260 مليون دولار.
ولم تثمر محاولات بث الروح في المشروع مجددا وحكم على المهندس الفرنسي الشهير بالسجن 5 أعوام بتهمة الاحتيال. ورغم الانتكاسة الفرنسية أبدت واشنطن اهتمامها بالفكرة ولاسيما في عهد الرئيس ثيودور روزفلت، وبعد نقاش محتدم صوت مجلس الشيوخ الأميركي في 19 يونيو/حزيران 1902 تأييدا لبناء القناة وشراء أصول الشركة الفرنسية.
وفي غضون 6 أشهر وقع وزير الخارجية آنذاك جون هاي اتفاقا أوليا مع نظيره الكولومبي توماس هيران لبناء القناة الجديدة، لكن الشروط المالية لم ترق للجانب الكولومبي فرفض العرض.
إعلان الاستقلالوردّ الرئيس روزفلت بإرسال سفن حربية إلى مدينة بنما على المحيط الهادي ومدينة كولون على المحيط الأطلسي بذريعة دعم الأصوات المطالبة بالانفصال عن كولومبيا التي لم تتمكن من فعل شيء لتعلن بنما استقلالها في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 1903، وفي غضون أسبوعين فقط وقّعت الدولة الوليدة اتفاقا يمنح الولايات المتحدة شريطًا من الأرض بعرض 10 أميال إلى أجل غير مسمى مقابل 10 ملايين دولار تدفع دفعة واحدة.
بدأت واشنطن على الفور استكمال الأعمال الإنشائية مفضلة فكرة إنشاء محابس مائية ترفع السفن وتخفضها لاستحالة عمل قناة على مستوى واحد في ذلك الحين، وفي 15 أغسطس/آب 1914 عبرت أولى السفن القناة التي انقلبت إلى مصدر للتوتر بين الدولتين بسبب الشروط المجحفة للاتفاقية ولاسيما بعد إقامة واشنطن قواعد عسكرية لحماية القناة ومنعها رفع العلم البنمي.
بعد سنوات من المفاوضات والاحتجاجات الشعبية أبرم الجانبان اتفاقا جديدا عام 1977 اعترفت بموجبه واشنطن بسيادة بنما على القناة ونقلت إدارتها إلى لجنة مشتركة مقابل امتيازات وتعهدات أمنية تخولها استخدام القوة العسكرية لإبقاء القناة مفتوحة ومواجهة أي تهديد لحيادها.
وفي نهاية عام 1999 سلمت واشنطن القناة بالكامل للسلطات البنمية التي عمدت إلى توسيع القناة لتسهيل عبور سفن الشحن الكبيرة وزيادة إيراداتها المالية التي ناهزت 5 مليارات دولار في عام 2023
18/8/2024المزيد من نفس البرنامجكيف تبتلع إسرائيل الأراضي الفلسطينية؟تابع الجزيرة نت على:
facebook-f-darktwitteryoutube-whiteinstagram-whiterss-whitewhatsapptelegram-whitetiktok-whiteالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
الجزيرة نت ترصد حقيقة المعادن النادرة في جزيرة غرينلاند
رغم تزايد الاهتمام الدولي مؤخرًا بثروة جزيرة غرينلاند المعدنية، بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإعلانه نية شرائها بشكل أو بآخر، فإن ذلك لم يُترجم حتى الآن إلى أي نشاط ميداني فعلي.
ففي الوقت الذي تمتلك فيه الجزيرة القطبية الشمالية احتياطيات معدنية وفيرة غير مستغلة، لا تزال صعوبة استخراج هذه الموارد وعزلها، إلى جانب ارتفاع تكاليف إنتاجها، من أبرز العقبات التي تعيق جذب الاستثمارات بالقدر الكافي.
ولفهم حقيقة هذه المعادن النادرة والصعوبات التي تواجه صناعة التعدين في أكبر جزيرة في العالم، التقت الجزيرة نت الجيوفيزيائي توماس فارمينغ، المستشار في هيئة المسح الجيولوجي للدانمارك وغرينلاند، ورئيس فريق الجيولوجيين في غرينلاند.
التاريخ الجيولوجيتغطي المنطقة الخالية من الجليد في غرينلاند مساحة تقارب 0.4 مليون كيلومتر مربع، وتضم تضاريس جيولوجية معقدة تمثل ما يقرب من 4 مليارات سنة من التاريخ الجيولوجي، تمتد من العصر الأركي إلى العمليات الحديثة.
وأوضح توماس فارمينغ أن التاريخ الجيولوجي الطويل للجزيرة القطبية الشمالية أدى إلى مراحل تكوينها المختلفة وتعدد أنواع الأنظمة الجيولوجية، وهو أمر ذو صلة مباشرة بعمليات استكشاف المعادن.
إعلانوأضاف فارمينغ، في حديثه للجزيرة نت، أن غرينلاند تطورت على مر الزمن، وهي أجزاء قديمة ومستقرة من الغلاف الصخري للأرض تقع تحت الصفائح التكتونية القارية.
وأدت التصادمات القارية إلى تشكيل نظام المضيق البحري في غرينلاند، الذي شهد أيضا ثورات بركانية قبل 60 مليون سنة في وسط غرب الجزيرة ومنطقة خليج ديسكو، قبل أن تنتقل لاحقًا إلى ساحلها الشرقي.
وإذا عدنا إلى العصر الطباشيري، أي قبل حوالي 120 مليون سنة، أكد الجيوفيزيائي أن غرينلاند لم تكن تقع في منطقة باردة، بل في موقع أبعد جنوبًا، حيث شهدت في وقت من الأوقات وجود الأشجار الضخمة والغابات المطيرة والديناصورات.
وتم تقييم 67 مادة فردية من المواد الخام و3 مجموعات من المواد، تجاوزت 32 منها عتبة المواد الخام النادرة. وعلى الرغم من أن النحاس والنيكل لا يستوفيان هذه العتبة، فإن المفوضية الأوروبية صنفتهما كمواد خام إستراتيجية، ومن ثم أُدرجا في القائمة، ليصل مجموع المواد الخام الحيوية الرسمية للاتحاد الأوروبي إلى 34 مادة.
وتعليقًا على ذلك، كشف رئيس فريق الجيولوجيين في غرينلاند أن "العناصر الأرضية النادرة" توجد داخل المعادن، مؤكدًا أنها ليست نادرة فعلًا، لتوفرها في أماكن كثيرة في العالم، مثل الصين والسويد والنرويج.
واعتبر أن اليوتروليت، والكرونيكليت، والأسبربونيت من أكثر المعادن شيوعًا التي تحتوي على هذه العناصر الأرضية النادرة.
وبعكس التوقعات، أكد توماس فارمينغ أن اليورانيوم لا قيمة له في غرينلاند، لوجود قانون يمنع التنقيب عن أي مادة يكون فيها اليورانيوم منتجًا ثانويا، إذ يوجد حد أقصى يبلغ 100 جزء في المليون، وذلك ما يجعله غير قابل للاستخدام التجاري، على حد تعبيره.
إعلانوفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، شكّل الاتحاد الأوروبي شراكة إستراتيجية مع غرينلاند بشأن سلاسل قيمة المواد الخام المستدامة، بهدف تطوير قطاع التعدين في الجزيرة من خلال جذب الاستثمارات، وتبادل المعرفة، وتعزيز تنمية المهارات المحلية.
ورغم أن هذه الشراكة تُعبّر عن اهتمام مشترك بتطوير مشاريع التعدين في الجزيرة، فإن العديد من العوائق لا تزال قائمة، ويجب التغلب عليها قبل أن تتحقق الرؤية السياسية والاقتصادية المتمثلة في جعل غرينلاند مصدرًا أساسيا للمواد الخام لأوروبا.
صعوبات جادةويعتبر المستشار في هيئة المسح الجيولوجي للدانمارك وغرينلاند أن استخراج المعادن النادرة من جوف الأرض هو الجزء السهل نسبيا، إذ يقتصر على معرفة الكمية المتوفرة ودرجة الجودة وغيرها من الخصائص، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في المعالجة.
ويفسّر توماس فارمينغ ذلك بالقول: "بسبب تشابهها الكيميائي، يصعب جدا استخراج هذه العناصر الأرضية النادرة وعزلها. وأعني بذلك أنه لاستخراج هذه العناصر إلى مكوناتها المعدنية، كلّ على حدة، علينا المرور بعملية طويلة ومعقدة للغاية وتستهلك كثيرا من المواد الكيميائية".
وإضافة إلى اختلاط أنواع معادن غرينلاند ببعضها، تكمن الصعوبة الأخرى في نقص البنية التحتية، إذ تقع أماكن التعدين بعيدًا عن القرى أو المدن، وهو ما يعني ضرورة التفكير في بناء ميناء ومساكن وتأمين إمدادات الطاقة والمياه ونظام الصرف الصحي، فضلًا عن بناء مطار يتناسب مع عدد العاملين في المنجم، وكلها أمور تتطلب استثمارات مالية ضخمة.
يُذكر أن الجليد يغطي 80% من مساحة الجزيرة القطبية الشمالية التي تتميز بمناخ قاس واعتبارات بيئية صارمة، وهي عوامل تؤدي إلى ارتفاع تكاليف التشغيل. ولهذا، لكي تُصبح هذه المعادن مصدر دخل كبيرا لغرينلاند، يجب أن ترتفع أسعار المواد الخام، لأن استخراجها ليس مربحًا بما يكفي في الوقت الراهن.
من جهة أخرى، يستبعد فارمينغ بناء منجم خلال عامين فقط في غرينلاند، وهي المدة التي تحتاجها الدول ذات الطقس الجيد، لأن قسوة الطقس في فصل الشتاء لن تُمكّن الشركات من العمل طوال العام، ومن ثم قد يحتاج الأمر إلى 4 سنوات على الأقل.
إعلان أهمية إستراتيجية واقتصادية للمعادن النادرةتُعد المعادن الأساسية، مثل النحاس والليثيوم والنيكل والكوبالت والعناصر الأرضية النادرة، مكونات رئيسية للعديد من تقنيات الطاقة الحديثة السريعة النمو، بدءًا من توربينات الرياح وشبكات الكهرباء، وصولًا إلى المركبات الكهربائية. ويتزايد الطلب على هذه المواد بوتيرة متسارعة، مع تسارع وتيرة التحولات في قطاع الطاقة، وفقًا لتقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية.
وأوضح الجيوفيزيائي فارمينغ أن العناصر الأرضية النادرة تُستخدم بكثرة في التقنيات الحديثة، من الهواتف الذكية والمصابيح الثنائية الباعثة للضوء (LED) إلى السيارات الكهربائية، مشيرًا إلى أهميتها أيضًا في المجال العسكري، لا سيما في بناء الغواصات والطائرات المقاتلة والصواريخ.
وفي السنوات المقبلة، سيكون ضمان إمدادات موثوقة من المعادن الأساسية أمرًا حيويا لأمن أنظمة الطاقة. كما تزداد أهمية هذه المعادن بشكل خاص في سياق "التحول الأخضر"، أي الانتقال من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، وهو هدف تسعى إليه معظم دول العالم.
وفي هذا الصدد، قال رئيس فريق الجيولوجيين في غرينلاند إن "العديد من هذه الرواسب التي نمتلكها ضرورية للتحول الأخضر، إذ يُستخدم الليثيوم والغرافيت في صناعة البطاريات، بالإضافة إلى عناصر تُستخدم في صناعة المغناطيسات الفائقة القوة، مثل توربينات الرياح والسيارات الكهربائية وكهربة القطارات".
وأضاف "العديد من هذه الرواسب الموجودة في غرينلاند معروفة منذ عقود، لكن لم تكن هناك حاجة فعلية لها لأن الناس لم يعرفوا استخداماتها. ولكن فجأة، ومع وجود هذه التكنولوجيا الحديثة والسعي نحو عالم خالٍ من الوقود الأحفوري، أصبحت هذه المعادن ضرورية".