كيف تعمل المؤسسات الحكومية بغزة في ظل الحرب والدمار؟
تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT
غزة- داخل قاعة صغيرة، ينهمكُ 4 من القضاة الشرعيين في دراسة معاملات تقدم بها مواطنون فلسطينيون، تختص في غالبيتها بقضايا الزواج والطلاق والميراث في غزة.
وبينما يصطف العشرات من المواطنين، أمام قاعة المحكمة المؤقتة التي تستضيفها جمعية أهلية بمدينة دير البلح (وسط) ترتفع أصوات القذائف والرصاص الثقيل الذي تُطلقه دبابات جيش الاحتلال على بُعد نحو كيلومترين من المكان الذي يوجد به القضاة.
وطلب جيش الاحتلال يوم الجمعة الماضي من سكان أحياء واسعة، تقع شرقي وجنوبي مدينة دير البلح، مغادرتها تمهيدا لاجتياحها، في وقت يشن هجوما على مناطق في مدينة خان يونس المجاورة.
وإلى جوار القضاة، يوجد داخل القاعة مأذون شرعي ومُحاسب وكاتب ورئيس قلم وموظفون إداريون، يقدمون لهم المساعدة في إنجاز المعاملات بسرعة.
ويواصل القضاة عملهم "المحفوف بالمخاطر" رغم استمرار الحرب المروعة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والتي تشنها إسرائيل على القطاع المحاصر، وتستهدف خلالها كافة مظاهر العمل الحكومي بالقصف والاغتيالات.
وعلى خلاف عملهم التقليدي قبل الحرب، يُنفذ القضاة عدة مهام في آن معا، بالتعاون مع الموظفين الموجودين في القاعة بغرض حل أكبر عدد ممكن من مشاكل المواطنين وإنجاز معاملاتهم.
ونظرا لظروف الحرب، لا ينظر القضاة الشرعيون في القضايا المرفوعة إليهم، ويكتفون فقط بإصدار الشهادات التي تُسهّل أمور المواطنين، كالزواج والطلاق وحصر الإرث، وحُجج شرعية مختلفة كالوصاية والإعالة والحضانة وصرف أموال القاصرين.
وقد علمت الجزيرة نت أن المحاكم الشرعية في قطاع غزة أنجزت خلال الحرب أكثر من 6600 معاملة للمواطنين، منها توثيق 3920 معاملة زواج و337 حالة طلاق.
وبعد ساعات من الانتظار، تمكّن المحامي الشرعي ماجد سَمّور من إنجاز 5 معاملات لمواطنين، وكّلوه لإنجازها.
والمعاملات التي أنجزها هي حُجة إعالة (إثبات أن الأب توفي وتوكّل العم أو الجد في إعالة اليتيم) وحُجة وصاية (للأم على الأطفال لعدم وجود جد أو عم شقيق) وحُجة ترمل (إثبات أن المرأة قد توفى عنها زوجها) وحُجة حصر إرث، وحُجة إقرار حضانة، وإذن صرف أموال قاصرين.
ويُقدم القضاة خدماتهم لكافة سكان غزة، سواء كانوا مواطنين من سكان وسط القطاع، أو نازحين من مناطق أخرى.
ويقول سمّور للجزيرة نت "القضاة يعملون بسرعة وجدية وكفاءة عالية، وينفذون مهام متعددة في ذات الوقت.. وعليهم عبء كبير جدا، وجهدهم مشكور".
وتزيد الأعداد الكبيرة من الشهداء من العبء الملقى على القضاة، نظرا لوجود إجراءات متعلقة بحصر الإرث، وكذلك حضانة الأطفال وإعالتهم، وما إلى ذلك من قضايا متعلقة، بحسب المحامي سمّور.
وفي خيمة صغيرة، يدير كاتب العرائض حسام الشاعر عمله بالقرب من مقر الجمعية الأهلية التي تستضيف المحكمة.
ويقول الشاعر للجزيرة نت "نُجهّز كل ما يتعلق بالزواج والطلاق، ومعاملات الأيتام والتأمين والمعاشات، والأرامل والمطلقات وإثبات العزوبية وإثبات الطلاق، وإثبات الترمّل، وكل الإجراءات المماثلة".
وبرغم ظروف الحرب، يقول الشاعر إنه يجهّز يوميا نحو 8 معاملات زواج، وحوالي 3 معاملات طلاق.
وإلى جانب المعاملات الشرعية، تحرص السلطات الحكومية في غزة على تسهيل حصول المواطنين على الأوراق الثبوتية الأخرى، كشهادات الميلاد والوفاة، وبطاقات الهوية الشخصية، وبدل "الفاقد" منها.
ويقول كاتب العرائض أدهم إبراهيم إن معاملات "بدل الفاقد" تُعد من أكثر المهام التي ينفذها، وذلك بسبب فقدان آلاف المواطنين أوراقهم الثبوتية خلال القصف الإسرائيلي لمنازلهم.
ويستطرد: كما تعد شهادات الوفاة من المعاملات الشائعة نظرا لكثرة أعداد الشهداء. وتُواجه إبراهيم العديد من العقبات وأهمها فقدان الورق اللازم لطباعة المعاملات.
وقبل نحو 4 شهور، فقدتْ والدة الشاب محمد أبو عبسة وشقيقتاه أوراقهم الثبوتية تحت أنقاض منزلهم الذي دمرته قوات الاحتلال في مدينة خان يونس. وبعد عدة شهور من الحادثة، قرر أبو عبسة استخراج "شهادات ميلاد" بدل المفقودة لوالدته وشقيقتيه.
ويقول أبو عبسة للجزيرة نت بينما يمسك بيده 3 شهادات ميلاد "رغم الحرب تمكنت من استخراج الشهادات، كان الأمر سهلا". وينوي العودة لاحقا لإصدار بطاقة هوية شخصية "بدل فاقد" له، موضحا أنه يستخدم صورة لبطاقته السابقة على هاتفه لإثبات شخصيته.
وعلى النقيض من أبو عبسة، حضر خالد تايِه (70 عاما) إلى مكتب المعاملات الشخصية للحصول على شهادة وفاة لشقيقته التي استشهدت باعتداء نفذته قوات الاحتلال في 27 يوليو/تموز الماضي.
ويضيف تايِه للجزيرة نت "هذا إجراء ضروري لإثبات الوفاة، نحن بشر ويجب إثبات من الحي ومن الميت؟". ويتابع "وجدتُ الأمور ميسرة، والحكومة شغّالة".
يوضح إسماعيل الثوابتة مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة أن الاحتلال استهدف بشكل متعمد مقرات الشق المدني لوزارة الداخلية، وكذلك المحاكم، المعنية بتقديم الخدمة للجمهور، كما قتل واعتقل الكثير من كوادرها.
لكنه استدرك بالقول -في حديثه للجزيرة نت- إن الحكومة تمكنت رغم شح الموارد واستهداف المقرات والموظفين من الاستمرار في تقديم الخدمات للجمهور.
وذكر أن الداخلية تنجز حاليا، رغم ظروف الحرب، أكثر من 30 ألف معاملة خلال الشهر الواحد، لافتا إلى أن الوزارة تحفظ بيانات المواطنين "بطريقة خاصة وآمنة، وتحاول قدر المستطاع تأمينها من القصف".
وقال الثوابتة إن وزارته تصدر حاليا شهادات الميلاد وبطاقات الهوية الشخصية المؤقتة، وحسن السير والسلوك، وتغيير الحالة الاجتماعية (الزواج والطلاق).
وأوضح أن أكثر المعاملات التي يطلبها المواطنون هي شهادات الميلاد، وبطاقة الهوية الشخصية المؤقتة (بدل الفاقد). وذكر أن الوزارة وثقت قرابة 30 ألف حالة ميلاد على مستوى قطاع غزة منذ بداية الحرب.
وبخصوص الخدمات الحكومية التي ما تزال متوفرة رغم ظروف الحرب، ذكر الثوابتة أنها تتضمن الخدمات الطبية والأمنية والشُرطية، وخدمات البلديات كتوفير المياه وترحيل النفايات وصيانة ومتابعة شبكات الصرف الصحي، إضافة إلى المساعدات المالية من خلال وزارة التنمية الاجتماعية وتنظيم حركة السلع والأسواق، والخدمات الإعلامية من المكتب الإعلامي الحكومي.
أما الخدمات الحكومية التي توقفت بسبب الحرب، فتتضمن أعمال العديد من الوزارات مثل التربية والتعليم والزراعة والسياحة والعمل.
وأشار الثوابتة إلى أن أكثر من 18 ألف موظف حكومي ما زالوا على رأس عملهم يقدمون الخدمات للمواطنين وفق خطة الطوارئ الحكومية التي بدأ العمل بها منذ اندلاع الحرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
نادي الأسير: قضية معتقلي غزة عكست مستوى غير مسبوق من الجرائم
أعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، استشهاد المعتقل صايل رجب أبو نصر 60 عاماً من غزة بتاريخ 21/1/2025، وهو معتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ نوفمبر 2023.
وقالت هيئة الأسرى ونادي الأسير في بيان مشترك نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية وفا، إن قضية معتقلي غزة ما تزال تشكّل أبرز القضايا التي عكست مستوى غير مسبوق من الجرائم والفظائع التي مورست بحقّهم، وأبرزها جرائم التّعذيب، والتّجويع، والجرائم الطبيّة، والاعتداءات الجنسيّة، فعلى مدار الشهور الماضية كانت إفادات وشهادات المعتقلين من غزة الأقسى والأشد من حيث تفاصيل الجرائم المركّبة التي تُمارس بحقّهم بشكل لحظيّ، واليوم تضاف قضية الشهيد أبو نصر إلى سجلّ منظومة التوحش الإسرائيلية، التي تعمل على مدار الساعة من خلال سلسلة من الجرائم المنظمة لقتل الأسرى والمعتقلين، لتشكّل هذه الجرائم وجهاً آخر من أوجه الإبادة المستمرة وامتدادا لها.
وأضافتا أنّه وباستشهاد المعتقل أبو نصر، يرتفع عدد الشهداء من الأسرى والمعتقلين الذين ارتقوا بعد الإبادة الجماعية إلى (75) شهيداً على الأقل، من بينهم (46) معتقلاً من غزة، وهم فقط المعلومة هوياتهم، فيما يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967 الموثّقين لدى المؤسسات إلى (312)، وهم كذلك المعلومة هوياتهم، لتشكّل هذه المرحلة الأكثر دموية في تاريخ الحركة الأسيرة والأشدّ من حيث ظروف الاعتقال.
وأوضحت الهيئة والنادي أنّ الإعلان عن شهداء غزة المعتقلين يستند إلى الردود التي تتلقّاها المؤسسات من جيش الاحتلال وفق الآلية المتّبعة في الفحص عن معتقلي غزة، وتبقى هذه الرواية محصورة بردّ جيش الاحتلال في ظل استمرار احتجاز جثامين الشهداء وعدم الإفصاح عن ظروف استشهادهم علماً أنّ الجيش حاول مرارًا التلاعب بهذه الردود من خلال إعطاء المؤسسات أجوبة متناقضة.
وتوجّهت بعض المؤسسات إلى المحكمة للحصول على ردّ يحسم مصير المعتقلين. مع التأكيد على أنّ جرائم التّعذيب شكّلت السبب المركزي في استشهاد الغالبية العظمى من الشهداء بعد الإبادة، إلى جانب الجرائم الطبيّة المتصاعدة، وجريمة التّجويع، وجرائم الاغتصاب.
وشدّدت الهيئة والنادي على أنّ وتيرة ارتفاع أعداد الشهداء بين صفوف الأسرى والمعتقلين في تصاعد مستمر، في ظل تصاعد المخاطر على مصير الآلاف من الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، واستمرار تعرّضهم بشكل لحظيّ لجرائم ممنهجة أبرزها التّعذيب، والتّجويع، والاعتداءات بكافة أشكالها، والجرائم الطبيّة، والاعتداءات الجنسيّة، والتعمّد بفرض ظروف تؤدّي إلى إصابتهم بأمراض خطيرة ومعدية، أبرزها مرض (الجرب - السكابيوس)، هذا عدا عن سياسات السّلب والحرمان غير المسبوقة بمستواها.
وحملت المؤسسات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن استشهاد المعتقل أبو نصر، كما جدّدت مطالبتها للمنظومة الحقوقية الدّولية بفتح تحقيق دولي محايد في استشهاد العشرات من الأسرى والمعتقلين منذ بدء الإبادة، والمضي قدماً في اتخاذ قرارات فاعلة لمحاسبة قادة الاحتلال على جرائم الحرب التي يواصلون تنفيذها بحقّ شعبنا، وفرض عقوبات على الاحتلال من شأنها أن تضعه في حالة عزلة دولية واضحة، وتعيد للمنظومة الحقوقية دورها الأساس الذي وُجدت من أجله، ووضع حدّ لحالة العجز المرعبة التي طالتها خلال حرب الإبادة، وإنهاء حالة الحصانة الاستثنائية التي منحها العالم لدولة الاحتلال باعتبارها فوق المساءلة والحساب والعقاب.
يُذكر أنّ إجمالي عدد الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال بلغ حتى بداية يوليو 2025 أكثر من (10.800) أسير، وهم فقط المحتجزون في السجون التابعة لإدارة سجون الاحتلال، ولا يتضمن هذا العدد المعتقلين المحتجزين في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال، ومن بين الأسرى يوجد (48) أسيرة، وأكثر من (440) طفلاً، وأكثر من (3.600) معتقل إداري، و(2.454) معتقلاً من غزة تصنّفهم إدارة سجون الاحتلال مقاتلين غير شرعيين.
اقرأ أيضاًنادي الأسير يعلق على قرار الاحتلال بشأن تأجيل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين بالدفعة السابعة
نادي الأسير الفلسطيني: الاحتلال يفرج عن 30 معتقلا بعد انتهاء محكومياتهم
نادي الأسير الفلسطيني: ارتفاع عدد الصحفيين المعتقلين إداريا بسجون الاحتلال إلى 22