لجريدة عمان:
2025-08-01@14:21:20 GMT

الشعر الذي ولد من خيمة

تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT

الشعر الذي ولد من خيمة

(خنجر في النشيد) كتاب شعري صدر قبل أيام عن (دار كل شيء) في حيفا، للشاعر الغزي الشاب محمود الجبري، هذا شعر لا يصف الألم، لا وقت لديه للوصف، بل يصف دلالته وإشاراته البعيدة وما بعده، صحيح هو ينام في خيمة وتحت قصف، يأكل المعلبات مثل الناس في غزة ويأرق في الليل، ويخرج في ليل البلاد الدامي راكضا في الشوارع المدمرة بانتظار شاحنة طحين، نعم الشعر يرغب في الطحين فهو جائع مثل أهل غزة، لكنه يعيش تأملاته الخاصة، ونخبويته المثقفة النابعة من الألم الأرضي، هذا شعر طبيعي صاف بريء يتعارك مع الحشرات، ويتذمر من سخونة الرمل ونحول الفرشة، هذا شعر قرر أن يولد من رحم خيمة، وسط آلاف الخيمات المزروعات بهشاشة على رمل ساخن ليكون شاهدًا على نذالة العالم وسقوط الحضارة، نعم الحضارة، إذ ماذا يعني أن يسكن الإنسان في المريخ، بينما هو على الأرض يرتكب المجازر ضد البشر والحجر والشجر، أية حضارة هذه، أي تمدن، أية حداثة، هذا شعر بطل، من زاوية أنه لم يفكر أن يوجد بعد الحرب، ليحمي نفسه من موت ربما يأتي، لقد قرر أن يغامر ويولد في قلب العاصفة عله ينجو من شبهة الاتزان المزيف، و أصر على الوجود في الحرب، اختبارا لصمود لغته وتماسك مجازاته في مهبات القتل والدم، هذا شعر فلسطيني عالمي خاص يكتب نفسه بذكاء وغموض وحزن في قلب شاعر شاب هو محمود الجبري.

لم أعرف شعرا بهذه المواصفات،: عامر بغير استعراض، وهادر بغير صوت. ومجنون بغير ادعاء، وهامس بغير افتعال، وحزين دون دمعة، ومجنون دون فقدان للعقل، هذا شعر كتب في أشد مراحل تاريخ غزة التباسا وسريالية، الحرب ليست موضوعا مفضلا هنا، الحرب موجودة كخلفية أو كمقدمات، أو كحواش، لكن التفاصيل أو الحشوة فهي الحياة ببردها وغرابتها وحنينها وسقوطها وبطولتها وجنونها، الحياة هنا بكل خياراتها المحبوسة ترقص على جمر الرمل، وأن يفكر شاعر شاب بكتابة الشعر وإصداره على شكل كتاب بوجود مجزرة متنقلة تسكن نفس سرير القصيدة والشاعر، فهذه ليست فقط بطولة، إنها أقوى حالات رفض الواقع والتحايل عليه.

جاء الكتاب في 150 صفحة من القطع المتوسط، بعناوين ملفتة تنسجم مع غرابة الجو الذي ولدت فيه القصائد: الأرض مكتظة بالكلام وبقايا ترحال ونجاة ونعي فتى فاضل وصدمة وحلم أخير وفي رجفة النداء ومنابر الفراغ وهذيان ورحلة وبكاء ويقظة أقدام تائهة واستحضار وغيرها.

بالإمكان النظر إلى ديوان خنجر في النشيد على أنه سفر قاس في الهشاشة، هشاشة كائن غزي، شاب شهد عددا من الحروب، وجد نفسه فجأة نازحا عن بيته المدمر هائما على وجهه، فاقدا بعض أصدقائه الشهداء، يقف في طوابير طويلة أمام مرحاض واحد، وينام جائعا وظمآنا، كيف يمكن أن يخرج شعرا من هذا المناخ الكابوسي؟ ولمّا كان الشاعر ناضجا وخبيرا ويعرف أن الكتابة ليست نقلا فوتوغرافيا عن الواقع وليست صدى مباشرا له، فقد، حوّل كل هذا الكابوس إلى أسئلة ونزعات تأملية عالية وعميقة، ولغة لا تقول كل ما يتوقع منها، يقول في قصيدة:

رحلة

ناقما من كل الطرق

أبدأ الرحلة بخنجر في النشيد

أهرول إلى المشيئة

بحظ النعام النائم فوق سرير الحطب

بعكاز الصمت

أقفل الباب المفتوح على ضوئه

وأرنو إلى اتجاهي بعماء مثقل بالصدمة

فلا أسمع سوى صداي.

هذا كتاب شعري منفصل تماما عن نمط الكتابة في غزة، منفصل حتى عن طوفان النصوص الحالية، كيف لا وهو ابن كابوس ما زال مستمرا، وهو عصيّ عن التفسير والقولبة، فلا هو شعر فلسفي ولا ثوري ولا رومانسي ولا تجريدي ولا واقعي، ولا نرى فيه جنودا قذرين يرقصون على الجثث وضحايا فلسطينيين يئنون، ويموتون بسهولة كما ينتظر القارئ العادي، لكننا سنجد فيه بشاعة الإنسان، ووحشية الحضارة، وسقوط اللغة.

لقد قرأ الشاعر دلالة الحرب المجنونة من فوق، وترك الشعارات والصرخات وسيارات الإسعاف لشعراء الشعار، أو شعراء سيارات الإسعاف كما سماهم هنري مللر ذات نقد لرواية إيطالية نسيت اسمها.

ولد الكتاب من خيمة وخرج إلى العالم ليحكي قصة سقوط الإنسان.

جدير بالذكر أن للشاعر مجموعة شعرية سابقة بعنوان «هل تتأخر البداية» عن دار الكلمة بغزة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا شعر

إقرأ أيضاً:

تحولات الروح الشاعرة في بيت الشعر بالشارقة

الشارقة (الاتحاد)

في إطار «منتدى الثلاثاء» الذي يقدم في كل مرة تجارب إبداعية مميزة، نظم بيت الشعر في الشارقة أمسية شعرية يوم الثلاثاء الموافق 29 يوليو 2025، شارك فيها كل من الشعراء: متوكل زروق، وهبة شريقي، ويوسف الحمود، وذلك بحضور الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير البيت، وعدد كبير من الشعراء والنقاد.
قدم الأمسية فواز الشعار، وألقى - بدايةً - الشاعر متوكل زروق نصوصاً تفيض بتجليات الوطن والشجن، وبتحولات الروح الشاعرة، وفي نصوصه الأخرى، ظهرت عاطفة الحب والشوق التي تزينت بلمسات من الصور الشعرية الرقيقة. بعد ذلك، قدمت الشاعرة هبة شريقي قصائدها، ومنها نص عنوانه «هروب حر»، الذي تطرقت فيه إلى الحياة وما في طريقها من خيبات وتجارب إنسانية، كما قرأت قصيدة أخرى حملت عنوان «خلف أبواب القصيدة»، كان موضوعها يدور حول الشعر وتداعياته في دواخل الشعراء.
واختتم الأمسية الشاعر يوسف الحمود، الذي قرأ قصيدة تحمل عنوان «براري الأمس»، والتي تناول فيها أيضاً علاقة الشاعر بالعالم حوله، وفي نفس السياق، قرأ نصاً آخر عنوانه «أوج القصيدة»، عبر فيه عن تساؤلات الشاعر وأحزانه وأحلامه. وفي الختام كرّم الشاعر محمد البريكي الشعراء المشاركين ومقدم الأمسية.

أخبار ذات صلة عزة القبيسي وسقاف الهاشمي.. من الإمارات إلى العالم «جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية» تنظم ورشة تدريبية في أساسيات الشعر العربي

مقالات مشابهة

  • التخلص من تساقط الشعر بـ 10 طرق طبيعية
  • أسباب زيادة تساقط الشعر في الصيف
  • أولمرت يصف حرب غزة بـغير المشروعة ويتهم نتنياهو بارتكاب جرائم حرب
  • تفسير رؤيا قص شعر الرأس في المنام لـ ابن سيرين.. تغييرات داخلية أو خارجية
  • مواعيد قص الشعر في شهر أغسطس/ آب 2025
  • تحولات الروح الشاعرة في بيت الشعر بالشارقة
  • عشان تعالجه صح.. اعرف أنواع تساقط الشعر
  • هل الخيار المتطرف الذي تبحثه إسرائيل في غزة قابل للتنفيذ؟
  • المقصورات... إلياذات الشعر العماني
  • 7 علامات تدل على نقص معدن مهم في الجسم.. تعرف عليها