قائد طلابي لـعربي21: هناك تشابه بين مُسبّبات الربيع العربي واحتجاجات بنغلادش (شاهد)
تاريخ النشر: 23rd, August 2024 GMT
قال الأمين العام للاتحاد الطلابي الإسلامي ببنغلادش "شيبير"، جاهد الإسلام، في حوار خاص مع "عربي21" إن: "الاحتجاجات الطلابية انطلقت رفضا لنظام الحصص في الوظائف الحكومية".
ولفت جاهد إلى أن "هذه الاحتجاجات تحوّلت فيما بعد إلى مظاهرات مطالبة بإصلاح النّظام ككل، ومطالبة أيضا بحكم ديمقراطي يشارك فيه الجميع، وليس فقط رابطة عوامي التي تنتمي لها رئيسة الوزراء السابقة، الشيخة حسينة".
وبخصوص ما إذا كان الطّلاب في بنغلاديش قد تأثروا بالربيع العربي، أكّد القائد الطلابي أن: "الوضع في بنغلادش مشابه للوضع في الدول العربية قبل الربيع العربي، من ارتفاع نسبة الفقر والبطالة، وانتخابات مزورة وقمع شديد واعتقالات، وغيرها من الانتهاكات المشابهة".
وتاليا نص الحوار:
ما الذي دفع الطلاب للقيام بهذه الاحتجاجات؟ ولماذا الآن؟
على الرّغم من أن الحركة الاحتجاجية بدأت بمطلب إصلاح نظام الحصص في الوظائف الحكومية، إلا أننا نجد أنها تحوّلت في النهاية إلى حركة احتجاجية لإصلاح الدولة والنظام السياسي ككل.
كما تعلم وصلت رابطة عوامي بقيادة الشيخة حسينة إلى السلطة في عام 2008، واستمروا في حكمهم لمدة تقارب 16 عاما، وللحفاظ على سلطتهم، قاموا مرارا وتكرارا بإجراء انتخابات برلمانية صورية وانتخابات ليلية، وهي انتخابات تعرضت لانتقادات واسعة في الداخل والخارج.
حيث كان من المقرر أن تبدأ انتخابات البرلمان الوطني لعام 2018، في تاريخ 29 كانون أول/ ديسمبر، في الساعة 8.00 صباحًا، وذكرت العديد من وسائل الإعلام أنه تحت الحماية الإدارية، قام قادة رابطة عوامي بإغلاق 40-70 في المئة من أوراق الاقتراع، في معظم الدوائر الانتخابية، قبل شروق الشمس.
وفي العديد من المراكز، قاموا بختم جميع أوراق الاقتراع، وتبين صحة ذلك عندما ذهبنا إلى مراكز التصويت، وقال الضباط إن التصويت قد اكتمل بالفعل، ولهذا السبب يطلق عليها الشعب البنغالي اسم "الانتخابات الليلية".
للأسف، لقد دمّروا حقوقنا الديمقراطية ونظامنا الديمقراطي وحقوق الإنسان، كذلك أجنحة الطلاب التابعة للحكومة الفاشية، كم عددهم؟ أعني، هل لا يزال هناك نشاطات في بنغلادش؟! لقد اضطهدت رابطة الطلاب "تشاترا" التابعة لرابطة عوامي، الطلاب الآخرين والشعب بشكل عام واقتحمت الحرم الجامعي.
احتجّ الطلاب أيضا على نظام الحصص في الوظائف الحكومية حيث يتم حرمان الطلاب من 56 في المئة من الوظائف الحكومية، وهذا يؤدي إلى حرمان الطلاب المتميزين والبارعين من حقهم بالوظيفة، ولهذا السّبب خرجوا إلى الشوارع.
لكن الحكومة حاولت إيقافهم باستخدام القوة عبر الأجهزة الأمنية، واستخدام قادة وموظفي حزبهم بشكل غير قانوني، لقد قتلوا أكثر من 500 طالب ومدني خلال هذه الاحتجاجات، وأصيب أكثر من 2000 شخص بإصابات خطيرة جدا، كما تم اعتقال حوالي 12 ألف شخص، أخيرا، ماذا سيحدث؟ نجد أن حسينة استقالت وهربت من البلاد.
ما هي مطالبكم الإضافية؟
حسناً، الآن يجب تحسين النظام، ونحن نعمل على ذلك، ومن الضّروري تغيير الهيكل الاجتماعي والسياسي الحالي، أيضا يجب تغيير الثقافة السياسية، أعتقد أن بنغلادش بلد ذو اقتصاد ذي إمكانيات كبيرة، وهناك العديد من الفرص لتطبيق القوة الفكرية لجيلنا الشاب.
إذا حصل شبابنا على فرصة كبيرة للانخراط في قطاع العمل وفقا لمؤهلاتهم، بغض النظر عن المحسوبية والقضايا الأخرى، سوف يكون بلدنا مزدهرا، إن شاء الله، ولهذا مطلبنا هو تحسين النظام السياسي بالكامل.
والقضية الأهم هي الاقتصاد القوي، ونظام التعليم الأفضل، والأمان الاجتماعي، وأيضا السياسة الخارجية الجيدة جدا، هذه هي الأمور التي من الضروري تحسينها في نظامنا الحالي حالا.
إلى أي مدى تأثّر الطلاب في بنغلادش بالحركات الطلابية والشعبية العربية خلال الربيع العربي؟
لو لاحظتم فإن الوضع في بنغلادش تحت دكتاتورية الشيخة حسينة، أعتقد أنه مشابه للوضع قبل الربيع العربي، حيث كان هناك ارتفاع مُفرط في الأسعار، كذلك ارتفاع نسبة البطالة، والاختفاء القسري، والقتل خارج نطاق القانون، أيضا لا وجود لحرية التعبير.
بالتالي جميع هذه الانتهاكات موجودة هنا في بنغلادش، ونتيجة لذلك، عندما قتلوا أبو سعيد، وكان هو الشهيد الأول، في تلك اللحظة شعر جميع الناس وكأنه أخوهم أو أبنهم، كما شعروا أنهم هم أنفسهم أبو سعيد.
ولذك انفعل الناس وأصبحت أدمغتهم وكأنّها بارود متفجر، وفي النهاية، تدفق الملايين من الناس من جميع أنحاء البلاد نحو مقر رئيسة الوزراء، لذا أعتقد أن الربيع العربي مُحفز كبير للمتظاهرين ومنظمي هذه الاحتجاجات.
تم اتّهامكم بأنكم تُنفذون أجندة خارجية، ما ردّكم؟
تقول إن أنصار الحكومة يتّهموننا، بتنفيذ أجندة أجنبية، حقاً؟! إنه خطاب سخيف جدا، حسناً، من الذي طالب بذلك "التدخل الخارجي"؟ إنهم هم الذين لم يمتلكوا الشجاعة الكافية للظهور في انتخابات نزيهة خلال الفترات الانتخابية الثلاث الماضية، وسارعوا إلى بلدان مختلفة من قبل، ووافقوا على إجراء انتخاباتهم ليلاً، إنهم هم الذين دفعوا بنغلادش إلى الخلافات الجيوسياسية.
وقائدتهم لعبت بالبلاد، وتعيش الآن في بلد أجنبي، والآن يلقون اللوم علينا! هم لو كانوا يشعرون بالخجل لما كانوا أظهروا وجوههم للناس لأن شعب بنغلادش منزعج من مواجهتهم، إن الشعب لن ينسى "مجزرة يوليو" في لحظة قصيرة، لكن نحن نحاول تهدئة الناس، وتركيز الهجوم على تلك العمليات المثيرة للجدل.
هل تعتقد أن استقالة الشيخة حسينة كافية بالنسبة لكم؟ وما رأي الطلاب في تعيين السيد محمد يونس رئيسا للوزراء؟
لا، لا أعتقد أن استقالة حسينة كافية لنا، كما أنها ليست كافية لبلدنا، في الواقع، لقد أنشأت نظاما فاشيا في الهيكل الكلي للحكومة، وأفرادها لا يزالون في الحكومة، الاستقالة هي المحاولة الأولى أو الخطوة الأولى.
نحن بحاجة إلى تغيير هذه المؤسسات الدستورية الفوضوية والفاسدة، علاوة على ذلك، من الضروري تجميل وتحسين المؤسسات بالهيكل الاجتماعي والسياسي وإصلاح المناهج التعليمية المتحيزة وإصلاح الدستور أيضا، الآن، مهمّتنا هي القضاء على جميع الآليات والعقليات الفاشية من النظام الكلي في بنغلادش.
أمّا فيما يخص الدكتور محمد يونس، فهو الوحيد الحائز على جائزة نوبل في بنغلادش، وهو مقبول لدى جميع الأحزاب السياسية والأطراف الأخرى المعنية، والأهم من ذلك، أن الطلاب والذين هم الأبطال الحقيقيون لهذا التنظيم الجماعي سعداء، لذا، فقد اعتبرنا تعيينه فرصة إيجابية لتحقيق آمال الجماهير.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الوضع الحالي في بلدنا، كما تعلمون، بائس للغاية، سواء من ناحية فساد الشرطة والاضطرابات في أوضاع أجهزة إنفاذ القانون، ومن ناحية أخرى، هناك مشاكل البطالة، وارتفاع الأسعار وعلى رأسها أسعار المنتجات الضرورية، وإفلاس الاقتصاد.
نحن نعتقد أن الدكتور محمد يونس سيكون قادرا على التعامل مع هذا الوضع الفوضوي بشكل مثالي، وللعلم فإن اتحادنا "شيبر" مستعد لمساعدة الحكومة في أي مجال تراه ضروريا، وأيضا طاقمنا يقوم بذلك بالفعل حاليا.
برأيكم بعد استقالة الشيخة حسينة وتعيين محمد يونس رئيسا للوزراء، إلى أين ستذهب البلاد؟
في الواقع، الوضع الحالي الذي نواجهه يتضمّن بعض الأزمات، والتي تعتبر طبيعية بعد أي تغيير في نظام استبدادي استمرّ طويلا في الحكم، وعندما أدركوا أن حكومة الجيش هي التي سوف تحكمهم، أدركوا أن تنحيهم أمر لا مفر منه.
لكنهم حاولوا تدمير ممتلكات الدولة وإحداث الفوضى من خلال مهاجمة الناس وإبقائهم تحت الخوف باستخدام وكالات مختلفة، لكن إذا عملنا، نحن الطلاب وشعب بنغلادش معا من أجل تحسين البلاد، أعتقد أن الوضع سيتحسن قريبا، إن شاء الله.
لقد رأينا أن الجيش يتولى حاليا مسؤولية العملية السياسية، لكن هل تعتقد أنّ بقاء جميع قادة الجيش في مناصبهم أمرا يمكن الوثوق به؛ خاصة أنهم كانوا تحت قيادة الشيخة حسينة؟
في الواقع، جيش بنغلادش هو قوّة ماهرة ووطنية في بلادنا، ومن المعروف أن جميع أفراد الجيش يستلهمون روح الأمل من الشعب، ولقد كرّسوا حياتهم لحماية استقلالنا وحريات بلدنا.
لذلك أستطيع أن أقول بثقة، إن الأمل والإلهام وسرعة تلبية مطالب الجماهير في بنغلادش ستسود في أعمال الجيش، إن شاء الله، وأنا أؤمن بشدة أننا سنعمل مع الجيش لجعل بلدنا خاليا من التمييز ومتطورًا بشكل جيد أيضًا.
حدثت ثورة في مصر منذ حوالي 13 عاما وانقلب عليها الجيش، ممّا أدى إلى بقاء نفس الرئيس في السلطة لمدة 11 عاما، هل درستم مثل هذه الحالة وهل يمكن حدوث ذلك في بنغلادش؟
في الواقع، كان ذلك انقلابا عسكريا في مصر، لكن في بنغلادش الأمر مختلف تماما، فما حدث في بلدنا هو تنظيم جماهيري، كما تم تشكيل حكومة مؤقتة وفقا لمطالب الشعب، وجيشنا الوطني هو الذي نسّق هذا الإجراء، لذلك أعتقد أن هناك اختلاف كبير بين هاتين الحالتين.
أخيرا، هل أنتم مستعدون للمستقبل، وماذا تتوقعون أن يحدث في قادم الأيام؟
في المستقبل، بلا شك، الأيام القادمة ستكون مليئة بالتحدّيات، لكن هناك أسباب لنكون متفائلين أيضا، لأننا نرى العديد من الاحتمالات الممكنة في بنغلادش، إذا استطعنا التغلب على التحديات، فقد تتمكن بلادنا من لعب دور مهم في الجغرافيا السياسية.
ستزداد أهمية بنغلادش في السّياسة العالمية بالتأكيد، لدينا قوة عاملة كبيرة وماهرة، وإذا استطعنا استغلال هذه القوة العاملة بشكل صحيح، فسوف يرتفع اقتصاد البلاد بلا شك، كما سيساعدنا ذلك في بناء بنغلادش كدولة ذات ناتج محلي إجمالي عالي وجودة حياة جيدة أيضا.
ما علينا فعله هو القضاء على التمييز والفساد من كل نظام وضمان سيادة القانون، سيؤدي ذلك إلى توزيع عادل للثروات وتعزيز صورة الأمة، مما سيؤدي إلى تدفق المزيد من الاستثمارات من الخارج وكذلك من الداخل، لذا، أخيرا، آمل أن الأيام القادمة ستجلب التنمية والازدهار لبلادنا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية مقابلات الاحتجاجات الطلابية بنغلادش الربيع العربي الربيع العربي بنغلادش الاحتجاجات الطلابية المزيد في سياسة مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الوظائف الحکومیة هذه الاحتجاجات الربیع العربی الشیخة حسینة رابطة عوامی فی بنغلادش العدید من محمد یونس فی الواقع أعتقد أن
إقرأ أيضاً:
شرط الحرية وجماهير مصر الثائرة.. والصامتة أيضا
وصل المناضل اللبناني جورج عبد الله إلى مطار رفيق الحريري في بيروت، يوم 25 تموز/ يوليو، وبينما كان يحدّث ويحمّس الجماهير حول استمرارية المقاومة ضد إسرائيل، ذكر مصر، فلم يتكلم عن النظام المصري، فهو ربما لا يعرف عنه الكثير بسبب سجنه، بل تكلم إلى من يرى نفسه جزءا منهم، عن الجماهير، الجماهير المصرية التي ربط شرط الحرية لنا جميعا بتحرّكها ونزولها إلى الشوارع.
الجماهير المصرية تحديدا لها تأثير بالغ وعميق في وجدان الشعوب العربية كافة، ولا سيما أهل غزة، إذ لا يمضي يوم إلا وأرى فيه منشورا كتبه ابن لمدينة غزة المُدمّرة، وهو يتحدث بأن خذلان العرب، بالنسبة له، كلّه في كفّة وخذلان المصريين وحده في أُخرى. إن أهل غزة والمصريين بينهم ترابط تاريخي، نسبَي وثقافي، ومهما حاولت سرديات ما بعد كامب ديفيد فصلها أو محوها لن تنجح كلية، ربما نجحت نسبيا، لكن سرعان ما يأتي حدث عنيف، مثل الإبادة، ليذكّرنا نحن المصريين بأن غزة وشعبها جزء منَّا، ونحن منه أيضا.
لكن، لماذا تخلّينا عن هذا الجزء؟ ليس صحيحا أن الشعب المصري تخلّى عن أهل غزة، كذلك ليس صحيحا أنه تحرك بشكل كاف من أجلها، إذ وقف في المنتصف، ثار ولم يثُر، حاول ولم يحاول بشكل كاف، لأن محاولاته كانت ضعيفة مقارنة بحجم الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة، وكذلك بحجم القمع الذي فرضه النظام المصري بقيادة السيسي.
ليس صحيحا أن الشعب المصري تخلّى عن أهل غزة، كذلك ليس صحيحا أنه تحرك بشكل كاف من أجلها، إذ وقف في المنتصف، ثار ولم يثُر، حاول ولم يحاول بشكل كاف، لأن محاولاته كانت ضعيفة مقارنة بحجم الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة، وكذلك بحجم القمع الذي فرضه النظام المصري بقيادة السيسي
هذه المحاولات كانت من خلال مظاهرات جماعية بالآلاف كما حدث يوم 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أي بعد أقل من أسبوعين من بدء الإبادة، فانتفض الآلاف من المصريين واقتحموا ميدان التحرير رغما عن القوى الأمنية، واستمر الهتاف لساعات. لكن سرعان ما تجمّعت قوات الأمن وفُضت المظاهرة بالقوة، واعتُقل العشرات. من بعد هذا اليوم، بدأت حملة مسعورة لاعتقال المئات من المصريين بسبب دعمهم لفلسطين بشكل حركي لا كلامي على منصات التواصل فحسب، وهم سجناء إلى الآن. اعتقل الطلاب من الجامعات، والرجال والنساء من البيوت بسبب جمعهم تبرعات لأهل غزة، وأيضا من الشوارع بسبب صرخاتهم فرادى من أجل غزة، وكذلك من قاموا بعمليات مسلحة ضد إسرائيليين في مصر طاردتهم قوات الأمن، كما اعتقلت كل من يشتبه بمعرفتهم.
كل هذه المحاولات لم تكن كافية للضغط على النظام -الذي يملك قوة أمنية كبيرة- لوقف تواطئه وتنسيقه مع إسرائيل والضغط عليها لوقف الإبادة وإدخال المساعدات، وأخذ مواقف سياسية ودبلوماسية أكثر صلابة. لكن من المهم معرفة ما هو التشخيص الموضوعي الذي جعل هذه المحاولات ضعيفة وغير كافية!
بإيجاز، توجد أسباب متباينة ومتداخلة للإجابة، أولها، أن الشعب المصري منذ عام 2011 حتى 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قد مورس عليه عنف لم يشهده من قبل في تاريخه الحديث. آلاف القتلى في الشوارع بدءا من ثورة يناير مرورا بأحداث ثورية عنيفة جدا مثل أحداث محمد محمود (تشرين الثاني/ نوفمبر 2011) واستاد بورسعيد (شباط/ فبراير 2012) وفض اعتصامي رابعة والنهضة (آب/ أغسطس 2013)، هذا بجانب التصفيات الجسدية والقتل تحت التعذيب في مقرات الاحتجاز والسجون، فالمصريون منذ كانون الثاني/ يناير 2011 وصولا إلى عام 2016، لم يتركوا الشوارع، وكانوا في ثورة وقمع دائمين.
نتج عن هذا العنف آلاف القتلى ومئات المختفين قسريا، فضلا عن مئات الآلاف من المعتقلين، إذ منذ تموز/ يوليو 2013، دخل وخرج مئات الآلاف من المواطنين السجون بتهم سياسية، واستقر منهم بشكل كبير قرابة 40 ألف سجين سياسي، وعشرات الآلاف من "المنفيين"، فمصر تحتل المراتب الأولى في مؤشرات القمع العالمي، هذا فضلا عن تمثلات أُخرى من القمع عبر المراقبة والمتابعة الدائمة لأجساد المواطنين.
هذا العنف، بجانب الإفقار المعيشي، تسبب في إنهاك المصريين بشكل كبير، جعلهم في حالة موات مشاعري تجاه أنفسهم، وتجاه أي حدث، فضلا عن غياب أي تنظيمات سياسية أو اجتماعية، ما تسببَّ في نفي أي تحرك جماعي كبير سواء من أجل مطالبات داخلية أو خارجية مثل وقف الحرب على غزة. ومع هذا، دائما ما وُجدت صرخات ثورية فردية، في دلالة على تغيير الحالة الثورية المصرية من الجماعية إلى الفردية، فتجد شابا أو امرأة تصرخ وحدها في الشارع من أجل فلسطين، والناس يرونها، لكنهم لا ينضمون إليها، مع حاجتهم الشديدة للصراخ مثلها، لكنهم لا يستطيعون بعد كل هذا الإنهاك أن يصرخوا، لمعرفتهم اليقينية بأن أجسادهم ستُقتل بشكل مباشر أو حتى ستقتل ببطء، حين تدخل في ظلامات السجون لسنوات طويلة، وسينساها الناس، ويدفع الإنسان وحده الثمن والذي لا يستطيع تحمل تكلفته.
أيضا، تغيرت كثير من المفاهيم والتمثلات لدى المجتمع المصري، لا سيما عند الأجيال الجديدة، فلم تعد الثورة هي حدث يشغل بال المصريين، بكل أجيالهِم، فلا تأتي الثورة كل يوم، الثورة تحتاج إلى عمل ورؤى وأفكار، تبنى لسنوات كثيرة، كما أن المفاهيم الحياتية الحالية، والناعمة، باتت أيديولوجيا عند فئات كثيرة من الشعب، من الفردانية والإنجاز والنجاة الفردية والاستهلاك بكل تمظهراتِه. هذه هي الممارسات اليومية للمصريين؛ لا ممارسات تخص الفكر السياسي والعمل للتغيير، وهذه حالة عمّت المنطقة كلها وليست حصرا في مصر.
الضغط على النظام بالاحتجاجات أمام مقرات السفارات المصرية يسبب له مزيدا من الضغط، وربما يدفعه للتمرّد على الصمت تجاه الإبادة في غزة، مع الالتزام بأولوية الضغط على من يقومون بالإبادة ذاتها، إسرائيل ومن ورائها الولايات المُتحدة
أيضا، يتملّك المصريون الخوف من الفوضى. نعم، وصل جزء كبير من الشعب المصري، بشكل لا واع، إلى تبني فكرة العيش المُذلّ تحت الاستبداد أفضل من العيش المذل تحت الفوضى. يرى المصريون كل البلاد من حولهم وقد تحولت إلى ساحات اقتتال داخلي، مثل سوريا وليبيا واليمن والسودان، أو خارجي متمثل في حروب الاحتلال على غزة ولبنان. لذا، يخاف المصريون من الفوضى، والنزوح، واللجوء، والحروب الأهلية، وتفشي جماعات التطرف. وقد لعب النظام المصري الحالي على أوتار هذه السردية منذ توليه الحكم، ففي كلماته الشهيرة والمُكررة، يقول السيسي دائما "مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق". وقد تأثر الشعب وخاف كثيرا من تلك السردية.
إن النظام المصري خذل غزة، واستطاعت أمريكا وإسرائيل توظيفه، بإرادته، كمنسق وشاهد صامت على حرب الإبادة، بل وقامع لأي تحرك يضغط لوقف الحرب وكسر الحصار. لذا، الضغط على النظام بالاحتجاجات أمام مقرات السفارات المصرية يسبب له مزيدا من الضغط، وربما يدفعه للتمرّد على الصمت تجاه الإبادة في غزة، مع الالتزام بأولوية الضغط على من يقومون بالإبادة ذاتها، إسرائيل ومن ورائها الولايات المُتحدة، فلا يُصبُّ كل الضغط والحشد تجاه النظام المصري الذي لا يملك قرار وقف الحرب، ولا يملك إدخال المساعدات من الجانب الإسرائيلي، لكنه يملك إدخالها أو على الأقل حشدها، مع مؤسسات دولية، أمام معبر رفح من الجهة المصرية، وهذا ما يفترض أن يفعله.
الشعب المصري -لا النظام- لا يرضى بحرب الإبادة وكل تمثلاتها المأساوية التي نراها يوميا بحق أهلنا، لكنه شعب أُنهك وخُوّفَ وأُفقرَ وقُمع، بطريقة لن يدركها سوى من اختبر تمثلات القمع نفسها، وبات لا يحمل أي أيديولوجيا أو تنظيم يتحرك من خلاله لمنع أحداث مأساوية. إن التقاط الأنفاس للشعوب بعد سنوات من التدمير شيء طبيعي، ويأخذ سنوات وسنوات، كما الوصول إلى الإصلاح والثورة يأخذ سنوات من العمل والتنظيم وتراكم الاحتجاج، وقد وقع من أجل قضايا الحرية والتحرر، ومنها قضية فلسطين، خلال السنوات الماضية، عشرات الآلاف من الشهداء؛ لا شخص واحد! فكانت فلسطين حاضرة في كل المنعطفات الثورية المصرية.
ختاما، هذا التشخيص ليس دعوة أو تبريرا للصمت على الاستبداد بحجة التقاط الأنفاس، أو التيه والخوف والاستسلام، بل -عن نفسي- أتمنى أن يُكسر هذا الصمت، اليوم قبل الغد، لكنه تشخيص نفهم من خلاله ما وصلنا إليه، وأسبابه، ونحاول معالجته. فهكذا المُجتمعات تصمت أو تثور، بنسب متبانية، بسبب دوافع وشروط، تحيا وتموت وتختفي عبر العقود.