في ظل بيئة الصراع.. ما فرص نجاح التحول الرقمي في سوريا؟
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
يتعرض مشروع التحول الرقمي للخدمات الحكومية في سوريا لهزة عنيفة، بعد أن فشلت منظومة الدفع الإلكتروني في أداء وظيفتها على مستوى البلاد، لعوامل يقول خبراء إن من بينها ضعف البنية التحتية، وانقطاع الكهرباء والاتصالات والربط الإلكتروني، وغياب الخدمة المصرفية المتكاملة.
ومنذ مطلع يناير/ كانون الثاني المنصرم، أعلن مركز خدمة المواطن الإلكتروني، الذي أحدثته وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات للانتقال بالخدمات الحكومية من الشكل التقليدي إلى الصيغة الإلكترونية، توقف شبكته بقنواتها الثلاث (أنجز، المكتب القنصلي، بوابة العرب والأجانب) عن العمل مرات عديدة، نتيجة "أعمال صيانة وتأهيل"، مما أدى إلى توقف 65 خدمة إلكترونية يزعم المركز أنه كان يقدمها عبر بوابته.
كما خرجت تطبيقات بعض المصارف هي الأخرى عن الخدمة بسبب انقطاع شبكة الإنترنت، وتوقف نظام الدفع الإلكتروني، ليقع الأشخاص الذين لديهم التزامات مالية لجهات حكومية تحتاج إلى تسديد في موعدها بمشكلات عديدة.
مأزق ما قبل التحولمن جهته اشتكى محمد المكتتب في مشروع السكن الشبابي بدمشق، من توقف خدمة التسديد الإلكتروني في المصرف العقاري (حكومي) والشركة السورية للمدفوعات، لفترات متقطعة، وبررت الجهة المسؤولة توقفها بسبب انقطاع خطوط الاتصال بينه وبين مزودي الخدمة.
وأوضح للجزيرة نت أن الخدمة عادت لاحقا، لكنها لم تلبث أن انقطعت من جديد، واستمر الأمر بين العودة والانقطاع. وأشار إلى أن المؤسسة العامة للإسكان، الجهة المعنية بمشروع السكن، رفضت تمديد تسوية أوضاع المكتتبين المتخلفين عن سداد الأقساط المترتبة عليهم، وتجري المحاولات لإيجاد مخرج من هذا المأزق.
وفي السياق ذاته، اشتكى منير من عدم فاعلية تطبيق آخر يعود لأحد المصارف الحكومية، وحاول تفعيله أكثر من مرة، دون جدوى. فاضطر لمراجعة أحد فروع المصرف لتفعيله، وعندما عاد إلى المنزل وجده لا يعمل.
كما حاول وائل استصدار جواز سفر مستعجل، عبر المنصة الإلكترونية لـ"دائرة الهجرة والجوازات"، للالتحاق بإحدى الجامعات "خارج البلاد" أبلغته قبول انضمامه، لكنه وجد أن المنصة لا تعمل، فاضطر للتوجه إلى مكتبة قريبة من مقر إدارة الهجرة وأتم معاملته مقابل مبلغ من المال.
وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، تعرضت منظومة الدفع الإلكتروني لحملة انتقادات واسعة، شنتها وسائل إعلام -حكومية وخاصة- ومنصات إلكترونية -موالية ومعارضة- اتهمت الحكومة بفرض المنظومة على المواطنين، في وقت يعاني فيه القطاع المالي من ترهل، وضعف في الشمول، وقطاع الاتصالات والإنترنت من ضعف في بنيته التحتية، ومن المفترض قبل الزاميتها، توفير الوصول السلس للخدمات التي تقدمها هذه القطاعات، وتمكين المواطنين منها.
في السياق نفسه، انتقد أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور شفيق عربش، أداء المنظومة. وقال إن الخدمات التي نفذتها الحكومة إلكترونيا بشكل إلزامي خلقت حالات اختناق وازدحام وإرباك للمواطن وللجهات المقدمة للخدمة.
وأضاف في تصريحات لصحيفة الوطن المحلية: "إننا غير جاهزين لهذا الانتقال بالطريقة التي تريدها الحكومة، لأننا لا نملك بنيته التحتية، والمشكلة الأساسية تتمثل في أن الحكومة تعتقد منذ تسلمها عملها أن الحل الأساس لكل المشكلات وخاصة الاقتصادية، هو تثبيت سعر الصرف، وترى أنها من خلال الدفع الإلكتروني تستطيع الاطلاع وإدارة المعروض النقدي، بما يخدم سعر الصرف، ومع كل الإجراءات غير الاقتصادية وغير الشعبية التي نفذتها، لم تنجح بذلك".
وبين أن سعر صرف الدولار كان مع بداية تسلم الحكومة الحالية أعمالها بحدود 900 ليرة، في حين وصل حاليا في السوق الموازية لنحو 15 ألف ليرة، بينما تضاعفت الأسعار إلى ما يعادل 600%.
وتساءل عربش: "إذا كانت الحكومة غير قادرة على تقديم خدمة الصرافات البسيطة بشكل جيد، كيف يمكن أن تتجه لتنفيذ وإلزام الناس بمشروع دفع إلكتروني، لا تتوفر له البنى التقنية اللازمة؟".
إستراتيجية بـ 12 برنامجا و49 مشروعاوتبنت حكومة نظام الرئيس بشار الأسد في أغسطس/ آب 2021 إستراتيجية للتحول الرقمي، تتألف من 3 محاور:
الخدمات الحكومية الإلكترونية. تحسين كفاءة الأداء الحكومي. البيئة التمكينية للتحول الرقمي.تهدف -بحسب مصدر رسمي- في مجملها إلى إشراك قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالناتج المحلي الإجمالي، وتفعيل الشفافية، وعملية مكافحة الفساد، واستبدال آلية تقديم الخدمات العامة بآلية رقمية مؤتمتة، شفافة وشاملة.
في المقابل، يرى محللون أن الهدف الحقيقي من هذا التحول، هو تحسين صورة الاقتصاد الذي أنهكته الحرب الدائرة بين نظام الأسد ومعارضيه منذ 13 عاما، بعد أن شهدت العلاقات السورية العربية انفتاحا، تأمل دمشق أن يترجم إلى دعم ينتشل اقتصادها المتهالك من الحضيض.
إذ من المتوقع أن يصل حجم خسائره، خلال السنوات العشر القادمة، بحسب تقديرات منظمة الرؤية العالمية وشركة فرونتير إيكونيكمس بأحدث تقرير لهما، إلى تريليون و200 مليار دولار، وقد تزيد خسائره التراكمية لتصل إلى تريليون و400 مليار دولار بحلول عام 2035.
وكان رئيس النظام السوري قد أصدر القانون رقم 21 لعام 2023، القاضي بإلزام اعتماد الحسابات المصرفية، لاستيفاء المطالبات المالية لأصحاب المهن والنشاطات.
في حين استبقت الحكومة السورية القانون الرئاسي، وأعلنت في عام 2020 أنها ستعتمد استخدام نظام الدفع الإلكتروني، وستلزم المواطنين بإجراء كل المعاملات المالية تقريبا عبر الإنترنت، بما في ذلك دفع فواتير الخدمات العامة، وفواتير الهاتف، ومخالفات المرور، والرسوم المالية.
من المستفيد؟يرى أستاذ الاقتصاد والمدير الأسبق للبنك المركزي السوري الدكتور دريد درغام أن الدفع الإلكتروني يلبي احتياجات الحكومة وليس احتياجات المواطن، إذ إن احتياجات الإقراض والادخار والتأمين لا يتم تلبيتها عبر الدفع الإلكتروني، وإنما يتم عبره تلبية احتياجات الدفع فقط، وبشكل نسبي.
وأوضح في دراسة له وجود نقص في عدد المنافذ التقليدية المتاحة (فروع، مكاتب، معتمدين) للسحب والإيداع والتحويل، خصوصا في القرى الكبيرة وبعض الأحياء في المدن، منتقدا عدم إمكانية تتبع الأداء، وذلك لنقص في المعطيات والبيانات.
وأرجع درغام السبب وراء عدم نجاح الدفع الإلكتروني في سوريا إلى نقص القدرة الشرائية، فلا يمكن إقناع شخص ما بأن يتعامل بالدفع الإلكتروني، إذا كان أجره الشهري لا يكفيه أكثر من أسبوعين فقط، مبينا وجود نفور من قبل ذوي الدخل المحدود من هذه المنظومة، ورفضهم حتى الادخار بالمصارف، بسبب التضخم وقيود السحب التي تختلف حسب القرارات بين حين وآخر.
ويودع المواطن في الحالة الاعتيادية كل أمواله في المصرف، ويسدد منها حسب الحاجة. أما ما يحصل في سوريا برأي درغام فهو أن المواطن يغذي حسابه عندما يتوجب عليه دفع الفاتورة، فتترتب عليه تكاليف إضافية من أجور نقل للوصول إلى مراكز تغذية الحسابات، وهذا يعني الانتظار بالطوابير، فضلا عن أن إجبار المواطنين على الدفع الإلكتروني يعني أيضا وجود عمولات على عمليات الإيداع والسحب والدفع، وهنا تسير الأمور بالعكس، لأن المنطق يقول إن المصرف يجب أن يقوم بدوره، والعمولات هي استثناء.
تؤكد تقارير رسمية حكومية أن الجهات المعنية بمشروع التحول الإلكتروني لم تتمكن إلى الآن من إنجاز المرحلة الأولى من الإستراتيجية المعلنة (بناء بنية تحتية تدعم هذا التحول) التي كان من المقرر الانتهاء منها في 2023.
ومع ذلك تم العمل بالخدمات التفاعلية، كمنظومة الدفع الإلكتروني وغيرها، رغم فشل الربط الشبكي الموحد بين المؤسسات المالية والمصرفية من جهة والشركة السورية للمدفوعات الإلكترونية وشركات الدفع الخاصة من جهة أخرى، وغياب الأدوات التكنولوجية والدعم اللوجستي المطلوب.
ويرى الخبير السوري المختص بتكنولوجيا المعلومات رشيد البني، أنه كان من المفترض أن تتوفر 5 أسس قبل الانتقال لهذا التحول، هي:
البنية التحية التشريعات والسياسات المهارات الرقمية التمويل الحوكمةوقال في حديثه للجزيرة نت: "إن توفر هذه الأسس يحتاج إلى برامج عمل قابلة للتنفيذ بأطر زمنية، ومؤشرات أداء لقياس مدى تقدم وإنجاز كل مرحلة".
وركز البني على وجود تباين جلي بين ما تقرره الحكومة السورية على هذا الصعيد، وبين الإمكانات المتوفرة لتنفيذ ما تقرره، مبينا أن الصراع الذي تشهده البلاد جفف منابع الاقتصاد، وحول سوريا إلى دولة هشة غير قادرة على تأمين سبل الحياة لشعبها، نظرا لوجود تراجع كبير في أداء القطاعات المنتجة، وانهيار قيمة العملة المحلية، وارتفاع التضخم لمستويات عالية جدا، علاوة إلى افتقار المؤسسات الحكومية لثقة المواطن، ومنها المصارف، التي تعتمد عليها منظومة الدفع الإلكتروني بشكل أساسي.
وقال البني إن من مؤشرات فشل إستراتيجية التحول الرقمي في سوريا في الوقت الراهن عدم وجود استقرار سياسي، وغياب الأمن والأمان، وانتشار الفساد، وتأرجح سلطة الدولة، والزبائنية في الاقتصاد مع انعدام الشفافية والحوكمة ونفاذ القانون.
رهان على الحصان الخاسرويعتبر مشروع الدفع الإلكتروني أحد المشاريع الأساسية التي تراهن الحكومة على نجاحه ضمن إستراتيجية التحول الرقمي للخدمات الحكومية، والوصول إلى مجتمع رقمي يواكب التقدم التكنولوجي والمعرفي في المنطقة والعالم.
وأقرت معاونة وزير الاتصالات والتقانة في حكومة الأسد فادية سليمان خلال افتتاح ورشة عمل تمحورت حول التحول الرقمي في القطاع المالي والمصرفي، بصعوبات جمة تواجه مشروع التحول الرقمي في سوريا، ومنها موضوع الموارد البشرية.
وأشارت في تصريح لها إلى أن المشروع يعاني من موضوع التمويل، حيث يتطلب الانطلاق بمثل هذه المشاريع وجود استثمارات ضخمة، وبالتالي فإن الوزارة من الممكن أن تضطر للتوجه إلى إيجاد مصادر تمويل مختلفة.
وسجلت سوريا خلال الأعوام الأخيرة أداء ضعيفا في قدرات ومقومات اقتصادها الرقمي، وأحرزت رقمنة قطاعاتها الاقتصادية على مستوى الاقتصاد الكلي، وفقا لتقرير التحولات الرقمية في الدول العربية الصادر عن صندوق النقد العربي عام 2020 درجة متدنية، لم تتجاوز 1 من 5 في 3 قطاعات (الزراعة والصناعات التحويلية وغير التحويلية) في حين نالت درجة 1.71 في قطاع الخدمات ضمن ترتيب الدول العربية من حيث قيمة المؤشر (1 ضعيف، 5 مرتفع).
كما بلغت قيمة مؤشر اقتصادها الرقمي تبعا للبنية التحتية والسياسات واللوائح والمهارات الرقمية والتمويل والحوكمة، وفق المصدر، 26.06، وهي قيمة سلبية تعكس الأداء الضعيف على مستوى التحول.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الدفع الإلکترونی التحول الرقمی فی فی سوریا
إقرأ أيضاً:
ما تأثير وجود حكومتين على الصراع العسكري في السودان؟
أعلن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، عن رفضه للحكومة الموازية التي شكلتها قوات الدعم السريع، وقرّر عدم الاعتراف بها. وأكد على التزام الاتحاد بسيادة ووحدة وسلامة أراضي جمهورية السودان.
وقال المجلس، في بيان له، إنه "يطالب دول الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي برفض تقسيم السودان وعدم الاعتراف بما يسمى الحكومة الموازية، التي تشكل تهديداً بالغاً لجهود السلام ومستقبل البلاد".
مجلس رئاسي وحكومة موازية
كانت قوات الدعم السريع وحلفاء لها قد أعلنوا في 26 تموز/ يوليو عن أسماء أعضاء حكومة موازية، وهي الخطوة التي رفضها الجيش، الذي دخل في صراع عسكري مع الحركة منذ 27 شهرا.
ووفق الإعلان، فإن قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، سيرأس المجلس الرئاسي في الحكومة الموازية، وعبد العزيز الحلو، قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان– شمال سيكون نائبا له، في المجلس المكون من 15 عضوا.
كما تم الإعلان في مؤتمر صحفي في نيالا، كبرى مدن إقليم دارفور، الذي تسيطر الدعم السريع على معظمه، عن تعيين محمد حسن التعايشي، رئيسا للوزراء، إلى جانب الإعلان عن حكام للأقاليم.
حكومة تتشكل تدريجيا
بالمقابل كان مجلس السيادة برئاسة عبد الفتاح البرهان، قد قام قبل نحو شهرين بتعيين كامل إدريس، رئيسا للوزراء، إلا أن تشكيله للحكومة تم عبر عدة مراحل، حيث تم الإعلان عن أسماء الوزراء بشكل تدريجي، وليس دفعة واحدة.
حيث قام إدريس خلال شهرين بداية من مطلع حزيران/ يونيو الماضي بتعيين 20 وزيرا وهم الذي سيشكلون عماد هذه الحكومة التي تعترف بها القوى الدولية والإقليمية.
وأدّى وزراء حكومة إدريس، اليمين الدستورية، وغاب عن هذه المراسم 6 وزراء، مع وجود غموض حول احتمالية مشاركة وزير الزراعة والثروة الحيوانية، أحمد التجاني المنصوري، خاصة أنه كان هناك أنباء عن اعتذاره عن تسلم المنصب لكنه نفى هذا الأمر.
تعويض الفشل السياسي
في ظل تزامن وجود حكومتين في البلاد التي تنهشها الحرب الطاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أكثر من عامين، تبرز تساؤلات عن أسباب تشكيل حميدتي لحكومة موازية.
أجمع خبراء بالشأن السوداني تحدّثت معهم "عربي21" على أنّ تشكيل قوات الدعم السريع لحكومة موازية هدفه إيجاد شرعية سياسية لوجودها في الحكم، سواء في مناطق سيطرتها، أو في السودان بشكل عام، في حال كانت هناك مفاوضات مستقبلية بين طرفي الصراع العسكري.
كما أكد الخبراء أن هناك بعض الخلافات الاستراتيجية في داخل بعض الحركات السياسية الداعمة للدعم السريع، والتي بعضها أعلنت صراحة هذا الدعم، وبعضها حاولت الإبقاء على مسافة بينها وقوات الدعم السريع.
رئيس تحرير صحيفة "التيار السوداني"، عثمان ميرغني، يرى أن "الحكومة الموازية هي محاولة من قوات الدعم السريع لتعويض فشل المشروع السياسي الذي بدأت على أساسه الحرب قبل عامين، وكانت تأمل أن تتولى الحكم عن طريق الانقلاب العسكري، ولكنها فشلت في ذلك".
وقال ميرغني لـ"عربي21"، "لكن تطور الانقلاب العسكري إلى حرب طاحنة قد شملت كثيرًا من الولايات السودانية، وتأثر بموجبها أكثر من نصف الشعب السوداني الذين شُرّدوا من ديارهم، وأدّت الانتهاكات الواسعة التي مارستها قوات الدعم السريع إلى عدّة عقوبات دولية، ووصلت مرحلة أن تطال العقوبات قائد الدعم السريع بصورة مباشرة".
وأوضح أن "كل ذلك أدى إلى انهيار مشروعها السياسي، والآن تحاول باستخدام لافتات سياسية لبعض الأحزاب والقوى الأخرى التي تشترك معها في محاولة للتحالف من أجل إرساء مشروع سياسي جديد في شكل حكومة موازية قابلة للتطور أن تكون دولة أخرى تنشق عن السودان، إذا لم تستطع الحصول على استجابة دولية واعتراف من المجتمع الدولي".
محاولة الحصول على شرعية سياسية
مدير المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، محمد صالح، قال إن "إعلان هذه الحكومة هو محاولة لإيجاد هياكل شرعية للمجموعات السياسية التي تقف خلف الدعم السريع، ومنها التي كانت تنكر صلتها بها، بالتالي هي محاولة لشرعنة وجود هذا الاتجاه الذي يقوده قوات الدعم السريع".
وأوضح صالح لـ"عربي21"، أنه: "ربما هناك خلافات تكتيكية ربما ليست استراتيجية جعلت مجموعة تؤيد الدعم السريع تأييد مباشر وتصبح جزءًا منها وتنسق معها، ومجموعة أبقت نفسها على مسافة منها تحت اسم جماعة الصمود".
وتابع: "الآن كل هذه المجموعات أصبحت جزءًا من هذا التشكيل في محاولة لإيجاد شرعية في ظل تقدم الجيش على مساحات كبيرة ليس عسكريًا فقط، بل حتى دبلوماسيًا".
ولفت إلى أنّ: "الحكومة السودانية التي يقودها المجلس السيادي حققت تقدمًا دبلوماسيًا بتعيين حكومة مدنية، باختصار هو سباق لإيجاد شرعية، للبحث عن مدخل للمساومة والتفاوض مع حكومة السيادي".
إعلان دعائي
بالمقابل يرى مدير المركز السوداني لحقوق الإنسان وحرية الإعلام، أمية يوسف أبو فداية، أن هذه الحكومة موجودة نظريا فقط وليس عملياً على الارض.
وقال أبو فداية، إن "هذه الحكومة تم إعلانها "إسفيريًا"، أي أنه لا وجود لها على أرض الواقع، باعتبار أن الجيش يسيطر على معظم الأراضي السودانية الآن عسكريًا، الأمر الثاني، هو سيكون مُهدد حقيقي لأي تجمع للقوات أو لحكومة تكون في هذه الأراضي".
وتابع أبو فداية في حديثه لـ"عربي21"، "بالتالي أعتقد أن الغرض من هذه الحكومة هو الأمر السياسي والدعائي والإعلاني، أي أن هناك حكومة يمكن التعامل معها من أجل الضغط، بمعنى كما أن هناك ضغوط عسكرية، هناك ضغوط دبلوماسية مع دول الجوار، خاصة كينيا والدول التي لديها علاقات مع الدعم السريع".
وأوضح أنها "أيضًا ضغوط سياسية حتى يستطيعون التحدث مع العالم، باعتبار أن الحكومة السودانية حققت الآن اختراقات كبيرة جدًا، خاصة في الجانب الدبلوماسي، فهي معترف بها دوليا، فبالتالي هي الحكومة المعترف بها من كل المؤسسات الرسمية الدولية، والمقصود هو البحث عن اختراق سياسي تستطيع من خلاله الدعم السريع ممارسة الضغوط على الحكومة السودانية".
لا تأثير عسكري
جاء تشكيل حكومتي الجيش والدعم السريع بعد أربعة أشهر تقريبا على سيطرة الجيش السوداني على العاصمة الخرطوم، والذي كانت حكومته تجتمع في مدينة بورتسودان.
وخسرت قوات الدعم السريع مناطق واسعة سيطر عليها الجيش، على رأسها العاصمة الخرطوم وولاية النيل الأبيض في الجنوب، وفي الولايات المتبقية لم تعد قوات "الدعم السريع" تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي غرب وشمال كردفان، وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، إضافة إلى أربع من ولايات إقليم دارفور الخمس.
وعلى الرغم من هذه الخسائر العسكرية على الأرض، إلا أن الدعم السريع شكلت هذه الحكومة الموازية والتي أعلنت عنها من مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، وهي من أهم معاقلها.
هذا الإعلان المفاجئ للحكومة الموازية من قبل الدعم السريع بعد خسارتها الخرطوم وأراضي غيرها يطرح تساؤلاً حول تأثير وجود حكومتين على مسار الصراع العسكري، كذلك هل له تأثير مباشر على المواطن السوداني وما هو موقف ودور الدول الإقليمية.
أبو فداية يرى أنه "لا يوجد تأثير عسكري، باعتبار أن الإمدادات العسكرية التي تأتي للدعم السريع لا تحتاج إلى تشكيل حكومة مُعترف بها أو غير مُعترف بها من دول الجوار".
وقال إن "كل الذي يحدث أن بعض الدول التي تظن أنه يمكن لديها حرج في دعم التمرد صراحة في الفترة الماضية يمكن أن تدعمه الآن باعتبار أن هناك حكومة، لكن لا أظن أن كثيرًا من الدول ستعمد إلى الاعتراف بهذه الحكومة مهما كانت علاقاتها سيئة مع الحكومة السودانية".
المختص بالشأن الأفريقي، محمد صالح، "يعتقد أن الصراع العسكري لن يتوقف، لكن الجهات الداعمة للدعم السريع تحاول أن تنقل الصراع من الميدان العسكري إلى الميدان السياسي، لأن لديها نماذج إقليمية قد تستنسخها، منها مثلا الوضع الذي في ليبيا يجد تأييدًا إقليميًا وبالتالي يحقق لبعض القوى الدولية مصالح، وبالتالي يجد نوعًا من التأييد".
واستدرك صالح بالقول: "لكن أنا أعتقد أن كل المؤشرات تدل على أن الصراع العسكري لن يتوقف بأي حال من الأحوال، ما لم تكن هناك مستجدات كثيرة تغير المعادلات على الأرض، خاصّةً أن الدعم السريع يعاني عسكريًا وميدانيًا".
وأوضح أن "الدعم السريع صحيح يقاتل في حاضنته الاجتماعية، ولكنه في الحقيقة يعاني تشظيات أثنية وعرقية داخليًا ظهرت في الإعلام بشكل واضح وصريح ولم تعد سرًا، فلذلك هذه محاولة للخروج من هذا المأزق".
أما بخصوص الدور الإقليمي، قال صالح، "قوات الدعم السريع والقوى السياسية التي أيدتها بتأسيس الحكومة الموازية لديها ظهير إقليمي بلا شك، استضيفت في نيروبي بدعم من قوى إقليمية معروفة، فلذلك ستظل هذه القوى تقدم الدعم إلى أن تتحقق لكل هذه الأطراف أهدافها ولن تتخلى عنها".
وتابع، "أنا أعتقد أنه بالعكس، الآن عندما تتحول المسألة من الصراع العسكري إلى الجانب السياسي، ستكون أكثر دعمًا لهذا المسار أو لهذا الاتجاه بشكل عام، وأعتقد أنه سيكون هناك دعم أكثر خاصّة من الإمارات التي تمتلك حضور قوي ولديها لوبي في الولايات المتحدة الأمريكية".
وختم حديثه بالقول، "كذلك يُفهم الذي جرى في سياق أن هناك اجتماع متوقع للرباعية التي كانت تبحث الأزمة السودانية في الولايات المتحدة الأمريكية، هناك تصريحات لمسؤوليها في وزارة الخارجية، أنه سنحسم ملف السودان، وهناك دعوة لعدد من الدول".
استمرار الحرب والأزمة الإنسانية
عثمان ميرغني، يعتقد "أن تشكيل حكومة موازية له تأثير كبير على الواقع السوداني، حيث سيزيد تعقيد الأزمة السياسية السودانية وتُصعّب أكثر من مجهودات المجتمع الدولي المتمثل بالرباعية والتي كانت من المفترض أن تجتمع في واشنطن خلال الفترة الحالية، الذي أُضيف إليه قطر وبريطانيا، في محاولة للوصول إلى آفاق يمكن أن تشكل نهاية الحرب السودانية بتوافق سياسي وتسوية سياسية".
وأكد ميرغني أن "هذه الخطوة بالتأكيد لها تأثير على الحكومة السودانية التي يرأسها السيد كامل إدريس، ليس من زاوية أن هذا الإعلان عن الحكومة الموازية سينال شرعية، لا، بل هي لن تنال شرعية، لكنها ستُشوّش على المشهد السياسي في ظل تباطؤ تشكيل حكومة كامل إدريس".
وحول تأثيرها على المواطن السوداني، قال ميرغني، "لا يوجد تأثير مباشر لها سوى تأثير استمرار الحرب، المواطن السوداني الآن يعاني كثيرًا في أحواله المادية والمعيشية والخدمات الرئيسية: التعليم، الصحة، وغير ذلك".
ولفت إلى أنّ: "هناك ملايين لا يزالون مشرّدين خارج المدن والبيوت التي كانوا فيها، وهناك دمار واسع طال البُنى التحتية ومنازل المواطنين، والمدارس، والمستشفيات، وغيرها، وكل ذلك مرتبط بالحرب، وليس بتكوين هذه الحكومة الذي لن يزيد الوضع أكثر بؤسًا بقدر ما هو يُعقّد الحلول، لكن أحوال المواطن السوداني أساسًا هي تعاني الكثير، الذي لا يحتاج إلى إضافة من تكوين هذه الحكومة".