بوابة الوفد:
2025-07-05@13:31:28 GMT

انهزامية أم وقوعية!

تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT

تمتلئ سماء إعلامنا العربى بالكثير من الفضائيات التى تقدم مادة تثير التساؤلات بشأن طبيعة موقفها من قضايانا المصيرية، وفى القلب منها القضية الفلسطينية، ومن هذه القنوات قناة المشهد التى يطل علينا من خلالها المذيع اللبنانى طونى خليفة فى برنامجه ستوديو العرب عارضًا بعض الرؤى المثيرة للجدل من متابعة رؤى طونى وتوجهاته يمكن القول أنه يمثل ذلك التيار الذى يرى أن عملية طوفان الأقصى لم تأت بالنتائج المرجوة وهو ما يبدو فى تعليقه على خطاب أحد السياسيين من رموز المقاومة يشير خلاله إلى تحقيق انتصارات الأمر الذى يتحفظ عليه طونى باعتباره ليس هناك انتصار طالما لم نحقق أى تقدم على العدو، وأنه لا مجال لمثل هذا الادعاء فى ظل الثمن الغالى ومئات الآلاف من الضحايا وتسوية مدن بأكملها، يقصد ما يحدث فى غزة الآن.

 

هذه وجهة نظر يقدمها طونى من المؤكد أنها تحمل رؤيته الخاصة وربما تحمل توجه القناة التى يطل منها على المشاهد وهى قناة المشهد. وللأمانة فإن قطاعًا غير محدود من العرب دولًا وأفرادًا يميلون إلى هذا الرأى فى ضوء ما يرونه حقائق ومعطيات القوة بين إسرائيل والمقاومة سواء فى فلسطين أو غيرها.

لكن هذه الرؤية ذاتها يجب مناقشتها فى ضوء ما تفرضه من تساؤلات أبسطها هى: أنه إذا أقررنا بأن خيار المقاومة لم يعد مناسبًا فما هو البديل؟ وهل يمكن لهذا البديل أن يحقق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطينى أو الحد الأدنى منها؟ هذه نقاط مهمة وإلا فإنه قد يفهم من سياق طرح خليفة أو غيره أنه يدعو للتنازل عن الحقوق الفلسطينية والتسليم لإسرائيل رغم أنه فى سياق حديثه أشار إلى أن هذا ليس قصده. 

نلمس ذلك مثلًا من رد أحد المشاهدين فى تعليق له على طونى بتساؤله أنه طالما أنك ترى أن كل ما يحدث انتصارات وهمية فقل لنا ما هو الحل فإما أن تقول نستسلم ونتنازل عن حقوقنا وعزتنا وشرفنا ونعيش فى العبودية، وإما أن تقول نقاوم ولا تستسلم أبدًا؟ مضيفًا ليس عندنا حل ثالث اما أنك تنتقد وتلوم من يرى أنه لا بد من زوال الاحتلال عاجلًا أم آجلاً هذه مشكلتك ومشكلة الكثيرين مثلك الذين لا يملكون إرادة ولا عزيمة.

وعلى المنوال ذاته راح مشاهد لبنانى يضع طونى خليفة أمام تحدى استرجاع أراضى بلاده بالسلام أو بأى طريقة غير الحرب وحسب هذا المشاهد فإن أهل جنوب لبنان يريدون استرجاع أراضيهم المحتلة. وهنا يقول: إذا قادر أستاذ طونى تسترجع مزارع شبعا دبلوماسيًا فافعلها ونحطك فوق راسنا. أما بالحكى فاترك المقاومة تقوم بدورها. أولادهم هم من يستشهدون وليس أبناؤك. ويفند آخرون طرح طونى مشيرين إلى أن الواقع يؤكد حقيقة ضرورة التضحيات من أجل نيل الحقوق وكانت التجربة الجزائرية هى المثل الأبرز فى الاستشهاد بها.

ويحاول البعض توصيف منطق طونى فيراه نوعا من الإنهزامية قائلا إن الانهزامية فى مفهوم الحروب هى رفع الراية البيضاء وترك المحتل يفعل اى شئ لكن يوجد فئة قليلة ما زالت تدافع عن شرف الامة ولم تستسلم، مضيفا إننا نعلم أن عقلية الانهزامية التى أصبحت سائدة فى وسائل الاعلام العربية تحظى بدعم صهيوأمريكى.

هذا هو مضمون ما دار بين طونى ومعارضيه من المشاهدين، ولعل طبيعة الردود تجعلنا نتساءل أيهما يمثل الواقعية العربية وأيهما يمثل الوقوعية العربية أو بمعنى أحرى الإنهزامية؟ الإجابة متروكة للقارئ الكريم.

‏[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: تأملات د مصطفى عبدالرازق

إقرأ أيضاً:

غزة.. وجهٌ آخر للنصر

 

منذ اندلاع «طوفان الأقصى»، والعالم يشهد أعظم اختبارات المعنى والصبر في غزة، تلك البقعة الصغيرة التي فرضت على الاحتلال تحديات لم يعرفها من قبل. في محرقة لا مثيل لها، انهارت الجدران، لكن الإنسان لم ينكسر. سقط الجسد، لكن الروح ظلّت تقاتل. والآن، وفي لحظة فارقة، يُطرح السؤال الجوهري: من ينتصر حقًا؟ ومن ينهزم فعلاً؟ تشير التقديرات إلى أن محرقة غزة تقترب من نهايتها بصفقة تبادل أسرى وهدنة طويلة، تمهيدًا لتحولات سياسية إقليمية، أبرزها تفكك حكومة نتنياهو وإنضاج «طبخة أمريكية» تعيد تموضع الاحتلال. لكن الحقيقة الأعمق تكمن في أن وقف الحرب لا يعني نهاية المعركة، وأن النصر لا يُقاس بإحصاءات القتلى أو تغيّر الخرائط.

في حروب التحرر- كما يوضح كل من كلاوزفيتز وغرامشي وماو تسي تونغ- لا يُقاس النصر بامتلاك الأرض، بل بامتلاك الوعي. الهزيمة في نظرهم ليست خسارة عسكرية، بل انكسار في الإرادة، بينما النصر يتجلى في بقاء الشعلة مشتعلة، في استمرار المقاومة رغم الفقد. هذا ما فشلت فيه عصابات الاحتلال رغم الإبادة والدمار. من الزاوية القرآنية، نستحضر صلح الحديبية، الذي رآه الصحابة «دنية»، لكن الله وصفه بأنه «فتحٌ مبين»، فالنصر ليس دومًا في الظاهر، بل في تمهيد الطريق، وفي صبر يقود إلى التمكين.

وغزة، بما قدّمت، لا تمهد لوقف إطلاق النار فقط، بل لفتح جديد في وعي الأمة وسرديتها. الاحتلال لم يُسقط غزة، لم يُنه المقاومة، ولم يستعد توازن الردع. بالمقابل، فإن المجتمع الصهيوني يتفكك؛ الثقة بالجيش والقيادة تتآكل، والانقسامات السياسية والأخلاقية تتعمق. الجنرال يتسحاق بريك اعترف بأن حرب غزة كشفت انهيار الجيش البري، وفضحت نخبة «القرود الثلاثة» التي لا ترى ولا تسمع ولا تقول الحقيقة، محذرًا من أن تكرار أخطاء الماضي يُنذر بسقوط داخلي يتجاوز كل حسابات الحرب. ورغم المجازر، فإن المقاومة تواصل عملياتها النوعية، وفي الأسبوع الأخير فقط، سقط أكثر من عشرين جنديًا من عصابات الإبادة. إنها رسالة حية: «حجارة داوود» لم تتوقف، والميدان لا يزال يحكم. أما الشعب، فقد تجاوز حدود الاحتمال البشري، ليصنع من الرماد بارودًا، ومن الجراح شعلة لا تنطفئ. الصمود هنا ليس رواية عاطفية، بل معجزة متكررة. والأهم، أن الالتفاف الشعبي حول رجال المقاومة لم يتزحزح؛ أهل الشهداء، العشائر، العائلات، وقفوا سدًا منيعًا ضد الخيانة، ولفظوا المتعاونين. لم تتشقق الجبهة الداخلية رغم الجوع والدمار. بل رسّخت غزة مبدأ: لا حياد في زمن الوضوح الأخلاقي. غزة اليوم تُعيد تعريف النصر: ليس من ينتصر عسكريًا، بل من يبقى واقفًا على الحق، مرفوع الرأس، ملتفًا حول مشروعه، متمسكًا بكرامته. الانتصار هنا في سقوط رواية الاحتلال، في انكشاف زيف دعايته، في تحوّل غزة إلى ضمير عالمي، وفي ولادة وعي مقاوم يصعب كسره. فمن ينتصر في غزة؟ من لا يُهزم، حتى وهو تحت الركام. من لا يبدّل، حتى وهو جائع. من لا ينهزم، حتى وهو يدفن أطفاله بيديه.. «وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ» [الحج: 40].

 

* رئيس مركز غزة للدراسات والاستراتيجيات

مقالات مشابهة

  • أحداث المعجرة التى وقعت يوم عاشوراء.. الأزهر يوضحها
  • غزة.. وجهٌ آخر للنصر
  • تاكنبرج: استخدام إسرائيل للطعام والماء كسلاح في الحرب يمثل جريمة ممنهجة
  • بعد تسببه فى وفاة 18 فتاة وسائق.. تعرف على العقوبة التى يواجهها سائق الطريق الإقليمى
  • تحرير 145 مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق
  • د.حماد عبدالله يكتب: مصر التى فى خاطري !!
  • سفير مصر في بلجيكا يبحث مع رئيس مجلس الشيوخ البلجيكي سبل تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون البرلماني
  • سفير مصر ببروكسل : القاهرة تقدر مواقف بلجيكا الداعمة للحقوق الفلسطينية
  • الشيخ قاسم: العدو الإسرائيلي يمثل خطرًا استراتيجيًا على المنطقة والعالم
  • إعلام الفيوم يستضيف الكاتب الصحفى "محمود مسلم" فى الأحتفال بثورة ٣٠ يونية