عائض الأحمد
نتجاوز أخطاءنا دائمًا وننظر لها على أنها جزء من إنسانيتنا؛ إذ ليس لنا القدرة على إيقاف أقدارنا، فنحن في نهاية الأمر بشر لا نملك أكبر مما أعطينا، وعلى الجانب الآخر الأكثر استفزازًا نترصد الآخرين ونتصيد كل همسة ولمسة وقبل أن ينبس ببنت شفة، حتى الأنفاس نعدها عدًا، ثم نكيل له كُلّما علمنا وما لم نعلم من فرضيات واحتمالات، وشكوك، ونضعها على طاولته وهو المتهم الأول والمحكوم عليه قطعًا.
وإن خرج من بين أيدينا سالمًا فتلك أحجية يصعب حلها، ولن تجد لها تفسيرًا؛ فقاضي قضاتنا أصدر حكمه، وبلغ به عنان السماء، وكل هذا يدور في مجالسنا الفقيرة حد الشحاذة، ترمي الناس جزافًا، وكأنهم يعيشون في منازلهم، ينامون ويصحون على سجاد منازلهم، أو يقاسمونهم واجباتهم اليومية، فيصدرون القرار ويعلمون الجواب.
الملفت أن أغلب هؤلاء يُخطئ في ذكر الاسم والمنصب، ويتصبب خجلًا إن سألته ومن أنت لتحكم وتفصل في شأن عام لا تملك منه غير تلك الأكاذيب التى تَنسِب للناس ما جهلوه، فكيف بك تؤكد ما ينفيه عقلك وضميرك قبل غيرك؟!
لو خرج الشيطان من تحت كمك لحلف بالله وأقسم أن لا يعود إلى هذا الجسد الخاوي الذي أفقده معنى الكذب والافتراء، وجعل منه أضحوكة في حبكة درامية غير متوقعة، عبر قصاصات صحفه الصفراء البائدة التى طواها الزمن، وأبلغ متاحف الصحف الورقية بأن النسخة الأخيرة إهداء خاص لحفظ تاريخ آخر يوم صدور، وليس لحفظها؛ فالله حافظ عبيده منها.
من غرائب وعجائب بعض المنظرين الدخول إلى "مهاجع" الناس والمطالبات بقياس قدراتهم "الذكورية" والجسدية، وإلا سيحرِم عليهم بناء أسرة، لمجرد علو صوت هذا "المتفيقه" ومن سار على خطاه. هل ننتظر من أمثالهم نشر التوعية أم فرض المعتقدات "الساذجة" وحرمان الإنسان من انسانيته إلى جعله متهمًا وغير قادر لأسباب خلقها كاتب أو مُدّعي ثقافة مُفلِس، وتسويقها على أن يأخذ نصيبه من هذا الفضاء المزدحم.
أو لم أقل لكم إن العجائب لم تعد سبع أو ثماني، لقد تضاعفت ونحن ننتظر المزيد، موسوعه"جينيس" تعمل ليل نهار من كم الغرائب المرسلة ونحن مع حفظ الحقوق، والمبادرون كثر في عالم يحفه ويحتضنه المال وهدر كرامة البشر.
من السهولة حشد "القطيع" وليس مهما أن تكون خلفهم أو أمامهم، المهم أن يسيروا في ذات الطريق.
ختاما: ازرع ما شئت، وكلمني عن الحصاد.
شيء من ذاته: الغربة ليست في بُعد الأجساد، فقد تكون قائمًا كالشجر، وجذورك ينخرها السوس.
نقد: لن تملك الأرض والسماء وتشعر بنشوة الانتصار، وأنت تعلم بأن النهاية كلمة لن يقرأها إلّا بعض المقربين.. فهل هذه تكفى؟!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
د.محمد عسكر يكتب: الذكاء الاصطناعي في التعليم.. ضرورة وطنية وليس خيارا تقنيا
في عالم يتغيّر بوتيرة متسارعة بفعل الثورة التكنولوجية، لم يعد الذكاء الإصطناعي (AI) مجرد رفاهية أو مجالاً خاصاً بالمبرمجين والمهندسين فقط، بل أصبح جزءاً لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية: من الهواتف الذكية، إلى محركات البحث، إلى أنظمة الرعاية الصحية والمرور والسيارات ذاتية القيادة، ومن تطبيقات الترفيه إلى أنظمة الصحة والتعليم، الذكاء الإصطناعي موجود في كل مكان. وفي الوقت نفسه، ما تزال غالبية أنظمتنا التعليمية تعتمد على أساليب تقليدية في التدريس، تفتقر إلى مواكبة هذه الطفرات التكنولوجية. وهنا يطرح السؤال نفسه بقوة: هل يجب تدريس الذكاء الإصطناعي كمادة أساسية في جميع المراحل التعليمية؟
لقد بات من الضروري تهيئة الأجيال القادمة لفهم هذه التكنولوجيا والتعامل معها بوعي وفعالية.
ويبدأ ذلك قطعاً من المدرسة. إن دمج الذكاء الإصطناعي في التعليم لم يعد ترفاً تقنياً، بل ضرورة إستراتيجية تفتح آفاقاً واسعة لتطوير العملية التعليمية وتحقيق العدالة في الوصول إلى المعرفة.
إدخال الذكاء الإصطناعي إلى المناهج الدراسية لا يعني إستبدال المعلمين بالروبوتات، بل يعني تحويل التعليم إلى بيئة ذكية، تفاعلية وشخصية، تعزز قدرات الطالب وتعدّه لمستقبل تتغير فيه المهارات المطلوبة بشكل دائم، والدول التي ستبدأ اليوم في تأهيل أجيالها للتعامل مع هذه التقنية، هي التي ستحجز موقعها في خريطة المستقبل الإقتصادي والمعرفي.
لقد أصبح الذكاء الإصطناعي هو حجر الزاوية في تشكيل إقتصاد المستقبل، وهو القوة المحركة وراء تطور المجتمعات وإبتكار أساليب التعليم الحديثة، ليعزز بذلك التقدم في جميع المجالات ويعيد تعريف طريقة تعلمنا وعملنا في المستقبل. واليوم، لم يعد السؤال هو هل يجب أن ندمج الذكاء الإصطناعي في التعليم؟، بل متى نبدأ؟ وكيف نضمن أن يتم ذلك بفعالية وشمولية؟
تدريس الذكاء الإصطناعي لا يعني بالضرورة تدريب الأطفال على البرمجة المعقدة أو تعليمهم تصميم الروبوتات منذ الصغر. الفكرة الأساسية تكمن في تمكين الطلاب من فهم كيف تعمل الأنظمة الذكية التي يتعاملون معها يومياً، وتعزيز وعيهم الرقمي والتكنولوجى. فعلى سبيل المثال، عندما يتعلم الطالب كيف تحدد منصات مثل "تيك توك" أو "يوتيوب" الفيديوهات المقترحة، يصبح أكثر وعياً بكيفية تشكيل الرأي العام والتأثير على القرارات الفردية. وعندما يناقش كيفية إتخاذ الذكاء الإصطناعي للقرارات في المجال الطبي أو الأمني، يبدأ في تطوير حس نقدي أخلاقي ضروري في هذا العصر.
الأمر لا يتطلب أن يصبح جميع الطلاب مبرمجين، بل أن يمتلكوا فهماً أساسياً لكيفية عمل الأنظمة الذكية، وقدرة على التفكير النقدي، والتفاعل الواعي مع التكنولوجيا. وهو ما يفتح الباب لتنشئة جيل مسؤول، قادر على إتخاذ قرارات مستنيرة في بيئة مشبعة بالخوارزميات والمعلومات. ينبغي أن يبدأ تعليم مفاهيم الذكاء الإصطناعي من المرحلة الابتدائية، بأساليب مبسطة تعتمد على الأنشطة التفاعلية والألعاب التعليمية. ويتدرج هذا التعليم ليشمل في المراحل الإعدادية والثانوية مفاهيم أكثر تعقيداً، مثل تحليل البيانات، وتعلّم الآلة، وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي. وفي المرحلة الجامعية، يمكن التخصص بعمق في هذا المجال الحيوي، الذي بات يشكل العمود الفقري للثورة الصناعية الرابعة.
في كثير من الدول المتقدمة، بدأت وزارات التعليم بدمج مفاهيم الذكاء الإصطناعي في المناهج المدرسية، ليس فقط كمادة مستقلة، بل كأداة تعليمية تساعد في تطوير مهارات التفكير النقدي، وحل المشكلات، وفهم العالم الرقمي المحيط بالطالب. وتشير التقارير إلى أن دولاً مثل الصين وسنغافورة وألمانيا بدأت بتطبيق برامج تعليمية مرتبطة بالذكاء الإصطناعي بدءاً من المرحلة الإبتدائية، عبر مفاهيم مبسطة تعتمد على اللعب والملاحظة، وتتدرج تدريجياً لتصل في المرحلة الثانوية إلى مشاريع تطبيقية في التعلم الآلي ومعالجة البيانات.
الوظائف المستقبلية تتطلب مهارات جديدة، والذكاء الإصطناعي يتربع على رأسها. تقرير المنتدى الإقتصادي العالمي لعام 2023 أشار إلى أن الذكاء الإصطناعي سيكون من أكثر المهارات طلباً في سوق العمل خلال العقد القادم. ما يعني أن تأخير دمجة في التعليم قد يؤدي إلى فجوة معرفية ومهارية يصعب سدّها لاحقاً.
صحيح أن هناك تحديات حقيقية: من نقص فى المعلمين المؤهلين والمتخصصين، إلى ضعف البنية التحتية التكنولوجية في بعض المدارس ، إلى جانب الحاجة لتطوير مناهج متكاملة ومحتوى تعليمى يناسب مختلف المراحل العمرية، لكنها ليست مستحيلة الحل. هذه التحديات لا تعني أبداً التراجع، بل تُحث على ضرورة بناء رؤية وطنية شاملة لتعليم الذكاء الإصطناعي، تبدأ من تدريب المعلمين، وتطوير المناهج، وتوفير الأدوات التقنية اللازمة، وصولاً إلى شراكات فاعلة بين قطاع التعليم والقطاعين الخاص والتقني. فالتجارب الدولية الناجحة أثبتت أن التعاون بين القطاع الحكومي، والخاص، والمؤسسات الأكاديمية، قادره على تجاوز هذه العقبات بسرعة وكفاءة. كما أن تأجيل هذا التحديث يعني ببساطة تأخير دخولنا إلى المستقبل، وترك أجيالنا القادمة بلا معرفه تمكنها من التفاعل مع عالمها ودون الأدوات اللازمة للتفاعل الفعال مع عالم سريع التغير يتطلب مهارات وتقنيات متقدمة.
إن مستقبل التعليم لا يُنتظر، بل يُصنع اليوم. ودمج الذكاء الإصطناعي في المناهج ليس رفاهية ولا خياراً تقنياً، بل قراراً وطنياً إستراتيجياً يجب أن يُؤخذ بجرأة وإرادة، لأنه يتعلق بمستقبل أبنائنا، وقدرتهم على الإبداع، والتأثير، والقيادة في عالم يحكمه الذكاء الإصطناعي. فإذا أردنا لأبنائنا أن يكونوا منتجين في المستقبل لا مجرد مستهلكين، علينا أن نزرع فيهم اليوم فهماً عميقاً للتكنولوجيا التي سترسم ملامح عالمهم غداً. تدريس الذكاء الاصطناعي لم يعد خياراً، بل ضرورة تربوية وإقتصادية وثقافية.
فهل نحن مستعدون لصناعة هذا التحول؟ أم سنكتفي بمشاهدة قطار التقدم يمر من أمام مدارسنا دون أن نصعد إليه؟