عربي21:
2025-06-13@12:33:16 GMT

انتخابات الجزائر: أرقام وصدمات

تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT

يُروى في الأوساط السياسية الجزائرية أن الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، أثناء مفاوضاته مع قادة المؤسسة الأمنية على قبول الترشح للانتخابات الرئاسية سنة 1999، وضع شروطا من بينها أن يُمنح نسبة من الأصوات تعلو على النسبة التي مُنحت لسلفه اليمين زروال في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) 1995 (وفق الأرقام الرسمية حصل زروال في تلك الانتخابات على 61.

29٪).

كان بوتفليقة واثقا من أن السلطة الفعلية في حاجة إليه لأسباب منها أن المرشحين الآخرين (أحمد طالب الإبراهيمي وحسين آيت أحمد ومولود حمروش) كانوا خارج سيطرتها.

وقد شوَّش وجود المرشحين الآخرين وحقيقة أن بوتفليقة هو مرشح السلطة، شوَّش ثقة بوتفليقة في فوز حقيقي كاسح، خصوصا وأن الانتخابات كانت على وشك أن تكون نزيهة وشفافة. عندما أُعلنت وزارة الداخلية النتائج قالت إن بوتفليقة حاز على 74٪ من الأصوات من مجموع 20.5 مليون ناخب (انسحب المرشحون الآخرون احتجاجا على انحياز السلطة بأجهزتها لبوتفليقة).

ليس معلوما هل نسبة 74٪ هي التي طلبها بوتفليقة، أم هي ما اتفق عليه الطرفان. لكنها كانت رقما متواضعا قياسا بجموح بوتفليقة واعتداده بنفسه وانتمائه إلى مدرسة الـ99.99٪ التي كانت سائدة إقليميا ودوليا. إلا أن الرقم كان واقعيا في ذلك السياق، وكان مأمولا أن من فوائده حماية الجزائر من العودة مستقبلا إلى الأرقام القريبة من الـ100٪.

لكن بوتفليقة صاحب مقولة «أرفض أن أكون ثلاثة أرباع رئيس» تمرد بسرعة على نفسه وعلى الأرقام المتواضعة، إذ «فاز» في انتخابات 2004 بنسبة 85٪ من الأصوات وبـ90٪ في انتخابات 2009، ثم نزولا إلى 82٪ سنة 2014.

بعد كل هذه السنين والتجارب، عادت الجزائر إلى النسب المئوية القريبة من الـ100٪ في انتخابات السبت الماضي. وعادت أيضا إلى سحق المرشحين اللذين «نافسا» تبون، وهما عبد العالي حساني الشريف مرشح حركة مجتمع السلم، ويوسف أوشيش مرشح جبهة القوى الاشتراكية.

بغض النظر عن هل تفاوض تبون على النسبة المئوية التي يستحقها، أم لم يتفاوض، لم تكن هناك حاجة لكل الضالعين في الانتخابات إلى 95٪ لإثبات أنها حرة مثلا أو أن الذي أخذها يستحقها.

لكن من الواضح أن هناك رسائل في تلك النسبة العالية جدا. رسائل للداخل تطمئن الحلفاء وتحذر الخصوم من أن تبون، مثل بوتفليقة، يرفض أن يكون ثلاثة أرباع رئيس، ومن أن وراءه نتيجة انتخابية قوية تمسح الـ58٪ التي حصل عليها في 2019 وتمنحه شرعية شعبية لم يسبقه إليها أحد.

ورسائل للخارج تطمئن الحلفاء وتحذر الخصوم كذلك، من أن تبون هو صاحب الحل والربط في منطقة مضطربة ومرشحة لمزيد من التأزم والتوتر، وعالم مقبل على المجهول اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا.
معروف عن النظام الجزائري أنه لا يتورع عن سحق الذين يترشحون للانتخابات الرئاسية،
معروف عن النظام الجزائري أنه لا يتورع عن سحق الذين يترشحون للانتخابات الرئاسية، وأنه لا يرحم حتى الذين تحالفوا معه وشاركوا في لعبته. ففي انتخابات 1995 مُنح الراحل محفوظ نحناح 26٪ من الأصوات، ورغم التقارير عن أنه حقق نتيجة أعلى بكثير وربما فاز بالانتخابات، إلا أن ما مُنح له اعتُبر سخاء وتنازلا من النظام. بينما مُنح سعيد سعدي، مرشح حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية العلماني، أقل من 9٪ من الأصوات. وفي انتخابات 2004 مُنح علي بن فليس الذي صدَّق في لحظة ما أن الانتخابات حرة وأنه سيهزم بوتفليقة فيها، 6٪ فقط من الأصوات علما أنه على الأرجح حصل على رقم أكبر من ذلك.

لكن لماذا منح حساني وأوشيش تلك الأرقام المسيئة؟ من المعروف أن حركة مجتمع السلم تنتشر في الأوساط الطلابية والنقابية والاجتماعية عبر التراب الوطني. وهذا جعلها تمتلك خزانا بشريا هائلا من الناخبين المنضبطين وجهازا يتمتع بالخبرة والقدرة على التنظيم والتحكم في مناسبات كبرى مثل الانتخابات. وإلى حد ما يشبه حزب جبهة القوى الاشتراكية حركة «حمس» ولكن على نطاق أضيق. فلو صوّت المنتسبون رسميا للحزبين ونسبة من المتعاطفين معهما، كان حساني وأوشيش سيحصلان على أرقام أفضل.

صحيح أن «حمس» فقدت من الزخم الذي راكمته خلال العقود الماضية وصولا إلى فترة تولي عبد الرزاق مقري قيادتها. وصحيح أن جبهة القوى الاشتراكية تحوَّلت إلى ظل لنفسها مقارنة بما كانت عليه في عهد حسين آيت أحمد وبعده أحمد جداعي وكريم طابو.

ورغم هذا من الصعب تصديق أن حساني نال فقط 3.17٪ من أصوات الناخبين وأن أوشيش حصل على 2.16٪. (الـ120 ألف صوت التي مُنحت لأوشيش وطنيا يجمعها حسين آيت أحمد في تجمع واحد بملعب كرة. والـ170 ألفا التي مُنحت لحساني على المستوى الوطني كان نحناح يستطيع جمع مثلها في خطبة جمعة بأحد مساجد العاصمة). ستصبح أرقام حساني وأوشيش صحيحة إلى حد ما لو يتأكد مثلا أنهما وجّها أنصارهما بالامتناع عن التصويت أو التصويت لتبون.

الجواب هو أن النظام يرفض أن يتعلم، وأن هذه الانتخابات درس آخر غير أخير. لا مصداقية لاحتجاج حساني وأوشيش على الأرقام أو ادعاء أنها لا تليق بهما وبالانتخابات وبصورة الجزائر. لقد اختارا المشاركة في لعبة مكررة حفظها الجزائريون عن ظهر قلب، وكان واضحا منذ الوهلة الأولى أنها ستنتهي هذه النهاية.

وليزيد ملحا على الجرح، كما يقال، لم يبث التلفزيون الحكومي أي صورة أو كلمة من مقرات أوشيش وحساني عقب إعلان النتائج. كان ذلك بمثابة إعلان من الحَكَـم عن نهاية اللعبة وعن أن الموعد المقبل بعد خمس سنوات.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الجزائرية الجزائر الانتخابات الرئاسية عبد المجيد تبون فوز تبون صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی انتخابات من الأصوات

إقرأ أيضاً:

المغرب يدين تعنت الجزائر التي ترهن العملية السياسية على حساب الاستقرار الإقليمي

أدان المغرب، الثلاثاء أمام لجنة الـ24 التابعة للأمم المتحدة، تعنت الجزائر التي ترهن العملية السياسية الخاصة بالصحراء المغربية، على حساب الاستقرار الإقليمي.

وخلال الدورة العادية للجنة الـ24، المنعقدة ما بين 9 و20 يونيو الجاري، أكدت نائبة السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، ماجدة موتشو، أن “العملية السياسية الجارية تحت إشراف الأمين العام والتي ييسرها مبعوثه الخاص، بدعم من مجموع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لا يمكن أن تظل رهينة تعنت وعناد بلد وحيد، على حساب الاستقرار الإقليمي”.

وشددت على أن المجتمع الدولي وغالبية الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن خلصوا إلى هذا الاستنتاج، معربة عن الأسف لكون بعض الأطراف تواصل الاستغلال السياسي لقضية الصحراء المغربية لخدمة مصالح لا تمت بصلة لمبادئ حق تقرير المصير.

وقالت إن “بلدا جارا، يعد طرفا رئيسيا في هذا النزاع الإقليمي، ويدعي الدفاع عن حق تقرير المصير، يعرقل منذ عقود أي حل واقعي وبناء من خلال استغلال مبادئ ميثاق الأمم المتحدة لأهداف سياسية وسعيا للهيمنة”.

وأضافت أن البلد ذاته، السباق إلى التحدث بشأن الصحراء المغربية وتعبئة قنوات دبلوماسية ومالية هامة من أجل تغذية الانقسام والانفصال، يلوذ بالصمت المطبق بشأن باقي القضايا المدرجة في جدول أعمال هذه اللجنة.

واعتبرت موتشو أن “هذا الموقف الانتقائي يشي بالكثير عن دوافعه الحقيقية ويظهر إرادة صريحة لتحويل العملية السياسية الأممية عن هدفها، خدمة لاستراتيجية تروم زعزعة الاستقرار الإقليمي”.

من جانب آخر، تطرقت نائبة السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة إلى الدينامية الدولية الإيجابية الداعمة لحل سياسي وواقعي وبراغماتي ومستدام، يقوم على التوافق، لتسوية هذا النزاع الإقليمي بشأن الصحراء المغربية، مسجلة أن هذه الدينامية ما فتئت تتعزز حول المبادرة المغربية للحكم الذاتي.

وقالت إن هذه المبادرة، التي حظيت بترحيب مجلس الأمن الدولي منذ تقديمها إلى الأمين العام في 2007، تعتبر اليوم استجابة ملموسة لانتظارات المنتظم الدولي، إذ تنسجم بشكل كامل مع روح القرارات الأممية ذات الصلة، مذكرة بأن هذا المبادرة تحظى اليوم بدعم أزيد من 118 بلدا في كافة مناطق العالم، من بينها القوة الاستعمارية السابقة في المنطقة، إلى جانب ثلاثة أعضاء دائمين في مجلس الأمن.

وسجلت، من جانب آخر، التناقض الجوهري في المناقشات داخل لجنة الـ24 التي تواصل، بشكل مجانب للصواب، إدراج قضية الصحراء، ضمن مسألة تصفية الاستعمار، مؤكدة أن هذا الوضع “لا يعكس لا الحقائق التاريخية والواقع الميداني، ولا تطور الملف داخل مجلس الأمن، ولا، أيضا، رأي أغلبية المجتمع الدولي، بما في ذلك العديد من البلدان التي عبرت عن رأيها أمام هذه اللجنة بشأن هذه القضية”.

وحرصت على التذكير بأن لجنة الـ24، التي تضطلع بتنفيذ القرار رقم 1514 الذي اعتمدته الجمعية العامة الأممية في 14 دجنبر 1960، مدعوة إلى أن تأخذ بعين الاعتبار تطور مفاهيم وآليات القانون الدولي، مضيفة أنه لا يمكن لهذه اللجنة الاضطلاع بدورها بشكل فاعل مع التغاضي عن آليات تنفيذ القرار المذكور، التي حددتها ووافقت عليها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لاسيما في القرار 1541 الذي اعتمدته الجمعية ذاتها في 15 دجنبر 1960.

وقالت الدبلوماسية المغربية إنه “من الضروري التذكير بأن القرار 1541، الذي غالبا ما يتم عمدا إغفاله في هذا النقاش، يوضح أن الحكم الذاتي يعد صيغة لإعمال حق تقرير المصير”، مسجلة أنه خلافا للخطابات الإيديولوجية الضيقة التي تروج لها حفنة من الدول، فإن هذا الحق لا يقتصر على الاستقلال. بل يمكن ممارسته، وفقا للقانون الدولي نفسه، من خلال نظام حكم ذاتي داخلي ضمن إطار مؤسساتي أوسع للدولة.

وأوضحت الدبلوماسية أن هذه المقاربة الواقعية هي ذاتها التي تقترحها المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي توفر إطارا للحكم الذاتي المتقدم، في إطار احترام سيادة المملكة المغربية ووحدتها الترابية.

وأكدت السيدة موتشو أن هذه المقاربة تحظى بدعم صريح من ساكنة الصحراء المغربية، من خلال مشاركتها الواسعة في جميع الانتخابات الوطنية والجهوية والمحلية، وكذلك من خلال انخراطها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمنطقتها، مبرزة أن هذه المشاركة تعد تعبيرا مباشرا عن انخراط الساكنة في الإطار المؤسساتي المغربي، وهو ما يتعين على هذه الهيئة الاقرار به.

ودعت، في هذا الإطار، اللجنة إلى اتباع المسار الذي حدده أعضاء مجلس الأمن، من خلال الاعتراف بالتوجه الواضح والقائم على التوافق الذي تبنته المجموعة الدولية، ودعم مقاربة واقعية ترتكز على الحكم الذاتي.

وخلصت الدبلوماسية المغربية إلى أن “الوقت قد حان بالنسبة للجنة الـ24 من أجل تبني موقف شجاع إزاء المبادرة المغربية للحكم الذاتي، يتوافق مع مبادئ الأمم المتحدة. فلا يمكن إيجاد حل سياسي لهذا النزاع إلا في هذا الإطار، وليس من خلال قراءة مغلوطة ومغرضة لحق تقرير المصير”.

مقالات مشابهة

  • القانون يحدد من يحق له التصويت في الانتخابات والاستفتاءات
  • نتائج انتخابات بوروندي تثير جدلا وتحذيرات من تقويض الديمقراطية
  • مزيان يُحذر من حملة السطو الممنهجة التي تقودها أطراف معينة للمساس بكينونة الجزائر
  • المغرب يدين تعنت الجزائر التي ترهن العملية السياسية على حساب الاستقرار الإقليمي
  • تعرف على قانون حل الكنيست.. هل سبق تأخير الانتخابات بسبب الحرب؟
  • عبد الناصر قنديل لـصدى البلد: مصر لن تذهب مرة أخرى إلى تجربة حزب الأغلبية في البرلمان القادم.. والتجمع يدعو لإجراء الانتخابات بقائمة وطنية
  • رئيس حزب الجيل: سندفع بـ84 مرشحا على المقاعد الفردية في انتخابات النواب و22 للشيوخ
  • عبد الناصر قنديل لـ«صدى البلد»: عدم إصدار قوانين الانتخابات كان يعني وجود طعون بعدم الدستورية
  • الجزائر من الدول الإفريقية القليلة التي لا تعاني من ضغوط المديونية الخارجية
  • حسام الفقي يكتب: معالي الناخب