يحمل روبيان السرعوف لقب صاحب "أسرع لكمة في مملكة الحيوان"، فرغم أنه بحجم إصبع صغير، فإن ضربات مفصله قوية تكفي لكسر الأصداف البحرية وزجاج الأحواض المائية، لكن ذلك ليس الرقم القياسي الوحيد الذي يحمله هذا الكائن، بل هناك ما هو أغرب، إذ يمتلك أكثر العيون تعقيدا واستثنائية في العالم الحي كله، بحسب علماء في هذا النطاق.

وللمقارنة، تحتوي عيون الإنسان على 3 أنواع من الخلايا التي تستقبل الضوء، يمكننا ذلك من استقبال 3 ألوان رئيسية من طيف الضوء المرئي، وهي الأحمر والأزرق والأخضر، لكن التداخل بين هذه الألوان الثلاثة يمكننا من التفريق بين ملايين الألوان.

لفهم الأمر تخيل أنك ترى أمامك الآن قميصا أصفر، هذا القميص يتسبب في تنشيط المستقبلات الخاصة باللونين الأحمر والأخضر بشكل أكبر مقارنة بمستقبلات اللون الأزرق، ويفسر عقلك هذه الإشارات المتباينة على أنها اللون الأصفر، بشكل يشبه أن تقوم بمزج اللونين الأخضر والأحمر لتحصل على الأصفر، كما كنا نفعل في المدارس صغارا.

نظام بصري مذهل

الآن نرجع إلى روبيان أو جمبري السرعوف، ولديه 4 أضعاف المستقبلات الضوئية التي يمتلكها البشر، 12 نوعا من المستقبلات، مما يسمح له باستشعار خصائص للضوء غير مرئية للبشر وللحيوانات الأخرى.

ويعني ذلك أن هذا الكائن الحي يمكنه التفريق بين وإدراك درجات من الألوان لا يمكن للبشر رؤيتها أصلا، أضف لذلك أن قدرات الإدراك البصري عند روبيان السرعوف تتخطى حاجز الضوء المرئي، حيث يتمكن من إدراك الضوء في نطاقات بين 300 إلى 720 نانومتر، في حين يتمكن البشر من إدراك نطاقات 400 إلى 700 نانومتر فقط.

ويبدأ نطاق قدرة روبيان السرعوف على إدراك الإشعاع الكهرومغناطيسي من الأشعة تحت الحمراء، ويمتد عبر الطيف المرئي بالكامل، ويدخل في الأشعة فوق البنفسجية، وهو أمر يمكنه من تمييز تفاصيل ورؤية دقائق لا يمكن لنا نحن البشر إدراكها.

الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية هي نطاقات من الطيف الكهرومغناطيسي لا يمكن للبشر إدراكها، لأن خلايا استقبال الضوء العصبية في أدمغتنا لم تصمم لاستقبال إشاراتها، بينما يمكن لروبيان السرعوف رصدها بعينيه.

ومن جانب آخر، يمكن لروبيان السرعوف إدراك الضوء المستقطب، وهو نوع من الضوء الذي تتذبذب فيه الموجات الكهرومغناطيسية في اتجاه واحد بدلا من التذبذب في جميع الاتجاهات كما في الضوء العادي.

وأحد الأمثلة على هذه الحالة هي النظارات الشمسية تحتوي على مرشحات تنتج ضوءا مستقطبا فتقلل من الوهج الناتج عن انعكاس الضوء من الأسطح العاكسة مثل الماء أو الزجاج، وبذلك يرى الكائن بوضوح أكبر حتى مع كون الضوء قويا أو كثيفا.

روبيان السرعوف (كريستيان جلور) بيولوجيا معقدة

ويعد روبيان السرعوف كائنا عدوانيا وهو آكل للحوم يعيش بشكل أساسي في البحار الاستوائية في المحيط الهادي، ويعيش في جحور الرمل.

في المجموع، هناك أكثر من 450 نوعا من الكائنات الحية في رتبة السرعوف، والتي تعد أقرب إلى السرطانات والكركند، وتتراوح في الحجم من حوالي 10 سنتيمترات إلى أكثر من 30 سنتيمترا، والشيء المشترك بينهم جميعا هو نظام بصري هو الأعقد على الإطلاق.

ولا يعرف العلماء السبب الدقيق وراء امتلاك روبيان السرعوف لهذه القدرات البصرية المتميزة، ويقترح الباحثون أن الأمر ربما يتعلق بتسهيل التعرف على الشريك أو حتى مشاركة رسائل سرية لا تستطيع الأنواع الأخرى التقاطها، يرجح العلماء ذلك لأن هذا الكائن يعيش في الشعاب المرجانية التي تعج بالألوان الزاهية، وبالتالي فإن القدرات البصرية الفائقة تساعده على تمييز الإناث في بيئة كتلك.

وإلى جانب ذلك، يتعلق الأمر بكون هذا الكائن صياد ماهر ونشط للغاية، حيث يقضي وقتا كبيرا من اليوم في مسح محيطه بحثا عن أضعف الحركات، والاستجابة على الفور.

وقد وجدت دراسة صدرت في دورية "جورنال أوف كومباريتف نيورولوجي" في عام 2019 علاقة بين هذا التعقيد البصري وجسم كلوي الشكل عثر عليه لأول مرة في خلفية العيون باللافقاريات منذ أكثر من قرن من الزمان، وكان وجود هذا الجسم ووظيفته في أنواع مختلفة محل اهتمام منذ ذلك الحين.

وقد تتبع الباحثون مسارات الأعصاب التي تربط تلك الأجسام الكلوية في روبيان السرعوف بأجزاء أخرى من الدماغ، مما أدى إلى إنشاء خريطة وظيفية لنظام هذه الكائنات البصري، وتبين أن أحد تلك المسارات يصل إلى وحدة عصبية تسمى "الفصيص"، تأخذ مجموع المعلومات البصرية التي تعالجها أقسام أخرى وتحولها إلى شيء ذي معنى، مثل شكل محدد بوضوح.

وكشفت الدراسة أن هذا التركيب التشريحي في روبيان السرعوف مسؤول عن تخزين معلومات بصرية عالية المستوى، تتم معالجتها وتحويلها إلى صور بواسطة الفصيص، ثم مشاركتها مع جزء من الدماغ يتعامل مع الذكريات والتعلم.

الجسم كلوي الشكل ضمن النظام البصري لروبيان السرعوف (جامعة كاليفورنيا باركلي) عالم الحيوان العجيب

ولا يقف الأمر عند روبيان السرعوف، فهناك كائنات أخرى تمتلك القدرة على رؤية أجزاء من الطيف الكهرومغناطيسي خارج نطاق الضوء المرئي الذي يمثل حدود العينين البشريتين.

وعلى سبيل المثال، تمتلك أفاعي الحفر، مثل الأفاعي الجرسية، أعضاء متخصصة يمكنهما إدراك الأشعة تحت الحمراء، وبالتالي تتمكن من استشعار الحرارة المنبعثة من جسم الفريسة، وبالتالي يمكنها تتبع فرائسها في الظلام الدامس، بشكل يشبه ما يفعله مقراب الرؤية الليلية.

إلى جانب ذلك يمكن للعديد من أنواع الطيور والنحل والفراشات إدراك الأشعة فوق البنفسجية، تساعدها هذه القدرة على اكتشاف أنماط أكثر تفصيلا في ريش الفرائس مثلا، أو في الفواكه، والتي غالبا ما تعكس الأشعة فوق البنفسجية، وبالتالي يمكن لهذه الكائنات رؤية تفاصيل لا يراها البشر أصلا.

وبشكل خاص، تتمتع أنواع من النسور والصقور برؤية رباعية الألوان، أي أن لديها أربعة أنواع من الخلايا المخروطية في شبكية أعينها، وهذا يسمح لها برؤية مجموعة أوسع من الألوان، ما يسهل عليها ايجاد الفرائس من مسافات بعيدة.

وتمتلك بعض أنواع الفراشات، مثل "فراشة ذيل السنونو الصفراء" اليابانية، ما يصل إلى ستة أنواع من المستقبلات الضوئية، مما يسمح لها برؤية مجموعة أوسع بكثير من الألوان، بما في ذلك الأشعة فوق البنفسجية، وهذا يساعدها على تحديد الأزواج والزهور بشكل أكثر فعالية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الأشعة فوق البنفسجیة هذا الکائن أنواع من

إقرأ أيضاً:

عندما يستخدم العلم أداةً لتدمير البشرية !

عجبًا لأمور البشر كلما توسعوا في العلم وزادت إنجازاتهم العلمية التي بإمكانها إسعاد البشر وتسهيل أمور حياتهم في شتى المجالات وإيجاد الرفاهية والرقي زادت أنانيتهم وزادت رغبتهم في الهيمنة على الناس والإضرار بالبشر في كل مكان وإذلالهم وتمكين الفقر والأمراض والأخطار البيئية، وكذلك استعباد البشر بتكريس مخرجات العلم ونتائجه في إنشاء الطبقية والتمييز العنصري.

الأبحاث والدراسات والاختراعات والابتكارات العلمية يؤخذ منها ما يهدد السلام والاستقرار والحياة الكريمة والصحة.

ولعل الدافع الإنساني لا يوجد لدى المستفيدين من الاختراعات وأسرار العلم والعلوم فيجعلهم يرضخون لتسلط أهل السلطة والمال عليهم لصنع ما يفتك بالبشر.

وفيما يخص الأدوية، فإن توفيرها لمقاومة ومكافحة الأمراض بشتى أنواعها يدخل في بعضها الناحية التجارية الربحية وسهولة التصنيع وتوفيرها بكميات كثيرة لإغراق السوق بغض النظر عن آثارها الجانبية الضارة، وبناءً على الأبحاث التي تجريها شركات الأدوية والتي تعتمدها منظمات عالمية معروفة، فإن هذه الأدوية تجد طريقها للأسواق بسهولة.

وبسبب الإثباتات العلمية التي يقابلها تقبّل لدى المستهلكين عن عدم علم وإدراك لخطورة الأدوية على المدى البعيد، فإن ذلك لاستغلال العلم في الإضرار بالبشر في كل أنحاء المعمورة.

وحول الأوبئة المنتشرة في العالم، فإن للبشر دورًا فيها بسبب جهل عامة الناس بالطرق المثلى للحياة الوقائية الصحية والغذائية المثلى من جهة، وتعمد بعض اللوبيات التي لها أهداف واستراتيجيات ونوايا لنشر الأوبئة المصنّعة والمحضّرة في المختبرات.

ونتساءل لماذا يفكر المهيمنون على التصنيع العسكري والحربي ويتسابقون في اختراع أسلحة أشد فعالية وفتكًا؟ هل العنصرية والتمييز بين البشر والسعي للسيطرة على الدول الضعيفة من أجل الاستيلاء على كنوزها الطبيعية الاقتصادية وتطبيق شريعة الغابة بفعل اختراع الأسلحة المدمرة والفتاكة والأكثر فاعلية من مثيلاتها عند الدول الأخرى؟ وفي عالم الإنترنت ظهرت أنواع شتى من الاعتداءات بسبب السبق العلمي في هذا المجال مثل ما يسمى بالهاكرز الذي تم من خلاله التدخل في خصوصيات الناس وسحب بياناتهم الشخصية والمعلومات المهمة والتقارير والملفات الصحفية والمالية وسحب الأموال من البنوك ومن حسابات الناس الشخصية. وتم تدمير تطبيقات وبرامج، وكل ذلك بسبب العلم.

وكذلك أجهزة التنصت التي تم تطويرها إلى أدوات تجسسية أدت إلى جرائم قتل وانتهاك الحرمات وإلى انكشاف أسرار الأفراد والدول.

قنوات التواصل الاجتماعي التي يستخدمها الناس حول العالم تم تصميمها وتطويرها للاطلاع على تفاصيل حياتهم الشخصية وتتبع الناس الذين يرغبون في النيل منهم، وتم استخدام قنوات التواصل لنفث سموم أعداء البشرية والإنسانية بإغراء الناس بالمحرمات.

والتحديثات المستمرة لوسائل التواصل الاجتماعي تصب دائمًا في مصلحة منشئيها وفي مصلحة من يشترون هذه المعلومات لأغراضهم وأهدافهم الشريرة.

ولا يقل خطر الأغذية المصنعة والمهجنة والمهرمنة والمكثرة اصطناعيًا بل باتت أمرًا يؤرق المستهلكين وتدخلهم في أمراض وسرطانات وضعف ووهن وتأثير على النمو الجسدي والعقلي لدى الأجيال وتعمل على تدهور الصحة العامة وبذلك تؤثر على عطاء الأفراد في عملهم وإنتاجيتهم وإنجازاتهم.

الواقع الذي نعيشه الآن يكشف كل يوم خطر هؤلاء الذين استخدموا العلم في الجوانب المضرة والمدمرة، فبقيت فئتان الأولى من يملكه ويطوره حسب مبتغاه، والثانية مستهلكة ومتضررة من مخرجات العلم المهينة لهم.

وفي المقابل يجب أن تظهر فئات من أهل العلم تقاوم التيار المهيمن وتصنع مسارًا يضمن للبشرية الاستفادة من العلم، وهؤلاء المصلحون من أهل العلم ممن يملكون القيم والأخلاق الإنسانية وتكون فطرتهم سليمة كي تسعد البشرية باختراعاتهم، ويكون هؤلاء العلماء والباحثون والمكتشفون هو السلام لا الحرب، والخير لا الشر، والصحة لا المرض، والرفاهية لا الفقر والجوع، والرقي لا التخلف، والمساواة لا العنصرية البغيضة.

وتعزيز دواعي الخير لدى طلبة العلم بشتى أنواعه يضمن للبشرية الاستقرار والطمأنينة والسعادة الحقيقية. ولابد من إيقاف نوايا الشر من خلال الاختراعات الجديدة.

والتاريخ الحديث الذي أعقب الثورة الصناعية والاختراعات بازدهار العلم يحكي قصة معاناة البشر من أنانية وعدوانية من يمتلكون العلم، ومن يغرون العلماء بالمال في سبيل تدمير الحضارة الإنسانية والرجوع بالناس لعصور الظلام والاستبداد، ولكن بثوب آخر، ويكون العلم الذي حصل عليه هؤلاء الناس نذير شؤم وقهر لبقية البشر. والشواهد التاريخية تؤكد استخدام العلم في تدمير الناس والبيئة، منها اختراع القنبلة الذرية التي أظهرت وحشية أصحاب هذا السلاح الفتاك المدمر لمدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان.

لماذا فكر هؤلاء المخترعون في التمادي والتسابق في اختراع أسلحة فتاكة ومدمرة مثل الأسلحة الكيميائية والأسلحة البيولوجية والجرثومية والقائمة تطول؟ هل وصل الجهل لدى العلماء بالعواقب الوخيمة؟،هل هذه الحياة حكرٌ عليهم وليس للآخرين الحق في الحياة الآمنة المطمئنة؟ الذي سيوقف خطر العلم هو عدم استهلاك مخرجات ومنتجات العلم الضارة حتى لو بدت أهميتها لأغراض الدفاع أو الحماية، ولابد أن تظهر جهات عالمية إنسانية حرة للتصدي لوحشية مستخدمي العلم والتكنولوجيا.

المصيبة الكبرى هو مستوى الجهل لدى الناس حيال مخاطر مخرجات العلم التي أضرت بهم وتجعلهم في حالة تخلف دائم، ويجب مد يد العون لكل البشر للتخلص من تحكم أصحاب العلم المتقدم بمصائرنا.

والعلم يتقدم بشكل سريع ومذهل، والذكاء الاصطناعي يلعب دورًا مهمًا في بسط هيمنة الأطراف التي تتقدم فيه بالتجسس وتحديد الأماكن الحساسة في الدول والحصول على أهم وأخطر المعلومات وتعرية كثير من الجهات والحصول على منافع كثيرة في مقابل خسائر مختلفة لغيرهم ممن لم يصلوا لمستواهم حتى الآن.

والحراك الذي يحدث في العالم حيال الذكاء الاصطناعي هو كيفية الحصول على حصص في السوق العالمي بطرق مشروعة وغير مشروعة. فالذي لا يواكب التقدم العلمي الذي يحدث في العالم وينافس فيه، فسيكون مستهلكًا ومغلوبًا على أمره في المستقبل القريب والبعيد.

مقالات مشابهة

  • عندما يستخدم العلم أداةً لتدمير البشرية !
  • بعد سحب 5 أنواع من الصيدليات.. هيئة الدواء تصدر القائمة الكاملة للأدوية المغشوشة
  • باحثون صينيون يحذرون من متحور جديد لإنفلونزا D
  • كيف تساعد جينات السكر في تحديد مسار السرطان وتوقع تطور المرض؟
  • بعد إيران.. العراق تعلن عن تفشي فيروس شديد العدوى والصحة العالمية تحذر
  • دبي تستضيف اجتماع «تصوير الثدي» 25 أكتوبر
  • القشرة التى تغلف البشر!
  • افتتاح وحدة الأشعة المقطعية بمستشفى كفرصقر بالشرقية
  • الذئبة الحمراء تهدد النساء أكثر.. اعرفي الأعراض المبكرة وطرق الوقاية
  • عتاب صديق!