المهندس البرتغالي "فرناندو فاراندا": تنشأ العمارة من الفضاء الطبيعي في انسجام مع الموقع والمواد وتعكس شخصية الناس الذين يسكنونه
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
سلط الباحث والمهندس المعماري البرتغالي فرناندو فاراندا، الضوء على التطور الحضري والعمارة التقليدية في اليمن،
تحدث المهندس فرناندو -الذي زار اليمن في سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي مع مؤسسة "كالوست كولبنكيان" وترجمها للعربية "الموقع بوست"- عن تجربته المهنية الرائعة في اليمن في سبعينيات وتسعينيات القرن العشرين، ودراسته للعمران الحضري والعمارة التقليدية في ذلك البلد والتي قام بها بدعم من المؤسسة نفسها.
تقول المؤسسة إن المهندس المعماري يأخذنا في رحلة عبر تلك المنطقة، فيظهر لنا الناس والمساحات التي يسكنونها، مؤكداً على أصالة وتنوع التعبيرات المعمارية في البلاد ويلفت انتباهنا إلى الانسجام الخاص الذي تحقق هناك بين الإنسان والعمارة والطبيعة.
يقول فرناندو "تنشأ العمارة من الفضاء الطبيعي في انسجام مع الموقع والمواد وتعكس شخصية الناس الذين يسكنونه.
يعتقد الباحث أن كل شيء "يأتي من المكان ويذهب إلى المكان"، وأن "ما نأخذه هو ما نعيده"، ويساعدنا في تفسير الصور التي تشكل جزءًا من المسح الفوتوغرافي الشامل الذي أجراه في البلاد. تنتمي هذه الصور إلى مجموعة الصور الفوتوغرافية "عمارة اليمن"، وهو مشروع تسجيل وثائقي ومسح طوره فرناندو فاراندا في عام 1975 بدعم من مؤسسة كالوست كولبنكيان.
تضيف المؤسسة "في 26 يوليو 1975، تقدم فرناندو خوسيه دي سا مارتينز فاراندا، المهندس المعماري ومخطط المدن والمعلم والباحث، بطلب للحصول على منحة من المؤسسة. وكان الطلب الذي قدمه إلى قسم الفنون الجميلة يندرج تحت تخصص العمارة الشعبية والتخطيط الحضري وكان الغرض منه اختتام مشروع بحثي حول عمارة اليمن وبنياتها الحضرية، والذي بدأه أثناء إقامته في صنعاء، عاصمة ذلك البلد، في عامي 1973 و1974، كمتطوع في الأمم المتحدة (منظمة الأمم المتحدة) يعمل كمستشار فني لإدارة التخطيط الحضري بوزارة البلديات".
وتابعت "في استمارة الطلب، كتب فرناندو فاراندا: "إن هذا العمل مبرر بالأصالة النموذجية للهندسة المعمارية والنسيج الحضري في اليمن، والذي يبدو، بسبب العزلة الكاملة التي عاشتها هذه البلاد حتى الحرب الأهلية في الفترة 1962-1968، بمثابة التعبير الأكثر اكتمالاً عن علاقة الإنسان بالبيئة الطبيعية".
وأكدت أن رأي قسم الفنون الجميلة يعترف بأهمية البرنامج المقدم والمنهج الدراسي الممتاز للمرشح ويذكر: "يجب فهم خطة البحث، نظرًا لأهميتها المنهجية، في منطقة يصعب الوصول إليها، والتي لم ترد أنباء حتى الآن عن اختبارها، مما يضمن لها على الفور صدى ثقافيًا لا يمكننا أن نتجاهله".
ويضيف التقرير أيضًا أنه "من خلال الأمثلة التي تم جمعها، هناك حوادث بالغة الأهمية، من حيث الهندسة المعمارية وحتى التخطيط الحضري، في المناطق الريفية في البرتغال تجعل هذا البحث مفيدًا بلا شك لعلماء الهندسة المعمارية البرتغالية".
وأشارت إلى أنه تم منح المنحة من قبل المؤسسة في 19 نوفمبر 1975.
ولفتت إلى أنه تم تنفيذ المشروع على مرحلتين على مدى 12 شهرًا: تم جمع المعلومات في شمال اليمن - في الوقت الذي تم فيه تقسيم البلاد إلى شمال وجنوب - من مايو إلى سبتمبر 1976؛ وتمت معالجة البيانات والإعداد النهائي للبحث في لشبونة، في المكتب السمعي البصري التابع لـ AR.CO - مركز الفن والاتصال البصري.
وفي إطار متابعة هذا العمل، أفادت أن المهندس المعماري قدم عرضًا تقديميًا في المؤسسة في 22 يونيو 1979 بعنوان الفضاء وفن البناء في اليمن - وهو مسح للهندسة المعمارية والأشكال الحضرية التي أجريت في الجمهورية العربية اليمنية بين عامي 1973 و1976، مع التركيز على الحياة وتنوع الوجود المعماري، وكشف المسارات والبيئات في جميع أنحاء البلاد، وهو العمل الذي تم تقديمه أيضًا في الشهر التالي في AR.CO.
وأردفت "عاد الباحث إلى اليمن في أعوام 1983 و1986 و1990 كجزء من أطروحته للدكتوراه، ومرة أخرى في عام 2006 لزيارة المنطقة الجنوبية والشرقية من حضرموت، مما سمح له بتوسيع المجموعة لتشمل كامل المنطقة القارية للبلاد.
وذكرت أن المؤلف نشر كتاب فن البناء في اليمن عام 1981 في لندن، وهو العمل الذي يعتبر أساسياً لمعرفة العالم بالبلاد والذي نُشر للمرة الثانية في لشبونة عام 2009.
وقالت إنه تم التبرع بمجموعة الصور الفوتوغرافية عمارة اليمن لمكتبة الفن من قبل فرناندو فاراندا في عام 2002 وهي الآن جزء من مجموعاتها الخاصة. إنها مجموعة من الوثائق التي تعد نتاج مشروع بحثي مولته المؤسسة في عام 1975، وأعمال بحثية قام بها المهندس المعماري في البلاد بين عامي 1973 و1990.
ولفتت أن المجموعة تتكون من 1148 شريحة ملونة وهي اليوم مسح قيم للإنشاءات المعمارية والتنظيم الحضري في اليمن، مؤطرة بجغرافية المناطق الطبيعية في مناطق مختلفة في جميع أنحاء شمال البلاد، من الشريط الساحلي إلى الصحراء، مما يمنحنا نظرة ثاقبة على التاريخ والمناظر الطبيعية والتراث الثقافي.
وقالت منذ عام 2019، تم رقمنة هذه المجموعة بالكامل وإتاحتها للاطلاع عليها في الكتالوج. من جانبها، تحتفظ أرشيفات جولبنكيان بكل الوثائق المتعلقة بالمنح.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن مهندس معماري العمارة المهندس المعماری فی الیمن فی عام
إقرأ أيضاً:
في فيلم عبر الجدران.. الفقراء الذين لا يستحقون الستر
تعكس السينما الكورية الجنوبية التناقضات الطبقية، والعزلة الاجتماعية، مستخدمةً الرمزية السردية والبصرية لنقد الظلم المتجذر في بنية المجتمع. وتكشف أفلام مثل "طفيلي" 2019 (Parasite)، و"احتراق" 2018 (Burning) عن خرافة الترقي الاجتماعي، كما ترصد الأثر النفسي للضغوط الاقتصادية، وذلك من خلال سرد يمزج بين الميلودراما والكوميديا والأكشن. وتصور الأفلام القادمة من جنوب الجزيرة الكورية الحياة اليومية بعد أن تحولت إلى ساحة معركة تحدد الرأسمالية ملامحها وقواعدها، وتنهار خلالها الأحلام بين جدران خرسانية وآمال ضائعة.
ويأتي فيلم "عبر الجدران" (Wall to Wall)، الذي يعرض حاليا على شاشة منصة نتفليكس، لينضم إلى قائمة أفلام تشبه الصرخات المتوالية، وتتشابه في قضاياها، لكنها تختلف في حكاياتها، إذ تلتقط سكان الهامش غير المرئيين، لتقدمهم بعدسة إنسانية.
تدور أحداث "عبر الجدران" حول الشاب الكوري ذي الأصول الريفية ووسونغ، والذي يحقق أخيرا ما يعتقد أنه علامة فارقة في نجاح الطبقة المتوسطة، حين يتمكن من امتلاك شقة بمساحة 84 مترا مربعا في مجمع سكني حديث الإنشاء في سيول، لكنه يلجأ -في سبيل ذلك- إلى قروض ضخمة، ويبيع مزرعة الثوم التي تملكها والدته، ويستنفذ مدخراته.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"عالم الديناصورات: إحياء"… حين تصبح العودة إلى الماضي موتًا لسلسلة سينمائيةlist 2 of 2"الشيطان يرتدي برادا 2" عودة الثلاثي الذهبي بقصة تعكس تحولات الموضة والإعلامend of listيفرح وو سونغ بحياته الجديدة، لكن سرعان ما يبدأ ضجيج متواصل غير محدد المصدر في إزعاجه، ويلجأ للشكوى، فينكر الجيران الضجيج ويعاملونه بشك. ومع تدهور حالته النفسية، تتدهور حالته المالية أيضا، وتنهار قيمة الشقة، وكذلك استثماراته في العملات المشفرة، ويصبح عاطلا عن العمل ويائسا. يلتقي جين-هو، جاره الصحفي ويُحققان فيما قد يكون مخطط احتيال عقاري أكبر يشمل مسؤولين حكوميين ومستثمري بناء.
إعلانيكتشف المشاهد أن أون-هوا، رئيسة جمعية السكان والمدعية العامة السابقة، تشتري الشقق تحسبا لمشروع سكة حديد حكومي من شأنه أن يرفع قيمة شقق العقار. وتُمثّل أون-هوا النخبة التي تستغل أزمة المبنى لتحقيق الربح. أما وو سونغ، العالق بين جنون العظمة والحقيقة، فيزداد اضطرابا. مع تصاعد التوتر، تندلع مواجهة عنيفة. ينهار فهم وو-سونغ الهش للواقع، ويصبح الضجيج رمزا لنظام مُصمّم لسحقه. وفي ذروة الفيلم المتفجرة، يعكس الدمار المادي الانهيار الداخلي للبطل، ومجازيا، الحلم الذي آمن به يوما ما.
طفيلي آخريشبه فيلم "عبر الجدران" في تناوله لتلك التناقضات الفيلم الأيقوني "الطفيلي"، الذي يمثل قمة النجاح للسينما الكورية عالميا بحصوله على أوسكار أفضل فيلم عام 2020. كلا العملين ينتقد وهم الحراك الاجتماعي في ظل الرأسمالية، باستخدام المساحات الضيقة لتعكس الانقسامات الطبقية والضغط النفسي. ويقدم "الطفيلي" التراتب الطبقي الرأسي من خلال التباين المعماري بين قصر ثري وقبو تحت الأرض يستخدم كمأوى سكني، في حين يحاصر فيلم "عبر الجدران" بطله داخل الجدران الأربعة في شقة مساحتها 84 مترا مربعا، يعتبرها المجتمع رمزا مفترضا للنجاح لكنها تتحول إلى قفص خانق. وفي الفيلمين، يصبح المنزل ساحة معركة تغطيها الدماء، ويصبح المكان سجنا حقيقيا ويبلى الحلم تحت وطأة الديون المتزايدة والضوضاء.
وتدور كلتا القصتين حول عائلات أو أفراد في أدنى درجات المجتمع، يطمحون بشدة إلى الاستقرار، ليجدوا أن النظام يستغل جهودهم ويلتهمهم في النهاية. ويمزج كل فيلم الواقعية بالرعب والسخرية، مستخدما التشويق ورهاب الأماكن المغلقة والتصميم البصري الغني بالاستعارات لتعميق التأثير العاطفي والسياسي. وفي حين يتناول فيلم "الطفيلي" الاعتماد الكامل لطبقة على أخرى في عيشها، فإن "عبر الجدران" يبين كيف تنهار أوهام الطبقة المتوسطة من الداخل، ويُقدم الفيلمان صورة واضحة للظلم المعاصر، تتداخل فيها آلة الطموح مع عوامل اليأس.
فوضى المشاعر وانضباط الأداءيكشف النصف الأول من "عبر الجدران" باعتباره فيلم إثارة نفسية بامتياز، إذ تُضخّم كل إشارة بصرية وسمعية العزلة والتوتر الطبقي، لكن في منتصفه، يتحوّل السرد إلى مؤامرة أوسع نطاقا من العنف السياسي والمالي، تُتوّج بانفجار. وقد يبدو هذا التحول مزعجا، لكنه يعكس حقيقة أعمق تكمن في الأنظمة الرأسمالية.
ويعكس مسار الفيلم الانقسام الطبقي في المجتمع الكوري الحديث، إذ تسيطر نخبة صغيرة على معظم الممتلكات، بينما يظل الكثيرون "فقراء المساكن"، وتستنزف تكاليف السكن دخلهم. ويُظهر فشل وو سونغ النهائي كيف تبيع الرأسمالية سبل الهروب من الديون بديون أخرى.
ولا يصور فيلم "عبر الجدران" الصراع الطبقي الخارجي فحسب، بل يُسلّط الضوء على الآثار الداخلية للخداع الرأسمالي. وتتحول الشقة، التي كانت محط رغبة ومكانة اجتماعية، إلى "كابوس" مع اجتماع كارثتي الضجيج مجهول المصدر والخراب المالي.
ورغم أن "الضجيج" الذي يشكو منه البطل حقيقي، لكنه مجازي في الوقت ذاته، وهي فكرة مبدعة تحسب للمخرج والسيناريست كيم تاي جون الذي يشير إلى فشل الوعود الرأسمالية.
Just finished watching #WallToWall in Netflix and woah, that movie feels so weird but at the same time, you can relate to woo sung. I really hoped tho that he was able to sell those crypto coin in the right time ????pic.twitter.com/oBrqliZrto
— airenwizdive ???? (@lsg_airen13) July 25, 2025
إعلانواستطاع المخرج أيضا أن يحول شقة سكنية إلى نظام بيئي خانق للبطل والمشاهد معا، عبر تعزيز الإضاءة الباردة والظلال المُزخرفة بأنماط البارات والطابع المعماري القمعي للمبنى. وقد لعبت هذه العناصر البصرية مع "الضوضاء" دورا حاسما كما لو كانت جميعها أسلحة في حرب وحشية ضد الشاب المسكين بعد تورطه في منظومة تضم في بنيتها أسلحة صممت لتدميره واستنزافه حتى آخر قطرة دم.
وينبثق رعب الفيلم من ضبط النفس. لا مؤثرات خاصة مبهرة، وإنما مجرد تأطير دقيق، وإضاءة إبداعية، وفترات صمت ممتدة بما يكفي لإثارة الرعب. ممرات الشقة الخافتة، ومصابيحها المتذبذبة، وقضبانها المظللة تُعزز الانهيار النفسي للبطل.
ولعل الأداء الذي قدمه فريق الممثلين هو العنصر الأقوى في العمل، والأكثر جذبا للمشاهد، وقد يتميز الأبطال بالتحولات العنيفة التي تمكنهم من استعراض قدراتهم، لكن مستوى الأداء لدى الجميع يكاد يكون متساويا، وقد استطاع الممثل الكوري الجنوبي كانغ هانيول أن يقدم أداء قويا جسديا وعاطفيا في دور وو سونغ، وبلغ ذروة الأداء في تحوله من مالك منزل متفائل إلى عامل توصيل قلق من خلال التعرق والارتعاش والتحقق القهري من مخططات العملات المشفرة، بينما تعكس كل إيماءة جسدا منهكا من التوتر. وتقدم الممثلة يوم هي ران في دور أون هوا انعكاسا مرعبا لتواطؤ الطبقة تحت مظهرها الهادئ الذي يخفي طموحا لا يرحم؛ إنها "المدعية العامة السابقة" التي تحولت لامتلاك الأصول، فبدأت بجمع الشقق للاستفادة من مشروع خط سكة حديد، ورأت المستأجرين مجرد "حثالة".
ويؤدي الممثل سيو هيون في دور جين هو، شخصية الجار الموشوم في الطابق العلوي والمتنكر في زي حليف، دور صحفي شبه مهووس، ورغم أنه يبحث عن الحقيقة إلا أن قصصه الملفقة تُوقع وو سونغ في فخ العنف والخيانة، ليُصبح الصحفي رمزا لاستغلال "المُبلغين عن المخالفات"، ويتحول إلى ممثل آخر لطبقة حاكمة تستغل المظلومين لتحقيق انتقامها الخاص.
يقدم العمل رعبا وجوديا، إذ يصبح النجاح بلا معنى عندما تُفرض ضريبة على الفرح وتدفع بعملة اسمها الضوضاء والديون والاغتراب الاجتماعي، وتُجسّد ضحكة وو سونغ الأخيرة في شقته الفارغة، ردا على ضجيج لا ينبغي أن يوجد، اليأس المطلق، لنتأكد أن الفساد ينتصر بالانهيار الصامت للمقاومين.