خلال التحدث مع مجموعة من المدراء وقادة الأعمال، استوقفتني قصة أثارت تساؤلات حول كيفية إدارتنا لفرقنا.

روى أحد المدراء تجربته مع موظف متميز في تحقيق النتائج، لكنه اضطر إلى فصله. والسبب أن هذا الموظف يفضل العمل في ساعات متأخرة من الليل، ويجد صعوبة في الاستيقاظ مبكرًا. أصرّ المدير على ضرورة الالتزام بساعات العمل الرسمية، معتبراً ذلك قدوة حسنة في الالتزام والانضباط.

ولكن هل كان هذا القرار فعلاً في مصلحة الشركة؟

هذه القصة تكشف عن قصور شائع في أساليب الإدارة التقليدية: تجاهل الإمكانات الفريدة لـ “الموظف الليلي” وعدم استثمارها، فهؤلاء أشخاص تتوهّج طاقاتهم الإبداعية، وتبلغ إنتاجيتهم ذروتها، في الساعات المتأخرة من اليوم أو الليل، على عكس “محبي الصباح الباكر” ممّن يفضلون العمل في الصباح.

إن إنتاجية من يسهر الليل وهو يعمل ليست أقل، بل هي مختلفة، وتتطلب بيئة عمل مرنة تستوعب طبيعتهم.
للأسف، غالبًا ما يُساء فهم “الموظف الليلي”، ويوصم ظلماً بالكسل، أو عدم الاحترافية لمجرد أنه لا يتوافق مع نظام العمل التقليدي، الذي يبدأ الساعة التاسعة صباحا وينتهي الخامسة مساء. هذا التصور الخاطئ قد يحرم الشركات من الاستفادة من طاقات وقدرات موظفين موهوبين، يمكنهم تحقيق إنجازات استثنائية، لو أتيحت لهم الفرصة، للعمل وفقًا لساعاتهم المفضلة. لقد حان الوقت لتغيير هذه النظرة الضيقة، والاعتراف بأن مواءمة جداول العمل مع الأنماط الزمنية الفردية للموظفين، يمكن أن يطلق العنان لإمكانات كامنة ويسهم في تحقيق نجاحات باهرة.

يؤكد دانيال بينك، مؤلف كتاب “متى: الأسرار العلمية للتوقيت المثالي”، على أهمية فهم “الأنماط الزمنية” المختلفة – تلك الساعات البيولوجية الفطرية التي تتحكم في مستويات طاقتنا وتركيزنا. ويشير إلى أن نسبة كبيرة من القوى العاملة تتكون من “محبي السهر”، الذين يقدمون أفضل أداء عندما يتزامن عملهم مع أوقات ذروتهم الطبيعية. بالنسبة للأعمال التي تتطلب مرونة في ساعات العمل أو تتضمن نوبات ليلية، يمكن أن يكونوا بمثابة أصول لا تقدر بثمن.

إن توفير جداول عمل مرنة، أو ساعات بديلة لهؤلاء الموظفين، يمكن أن يعزز بشكل كبير من رضاهم الوظيفي، ويستثمر في نقاط قوتهم الفريدة، ويحسن أداء الفريق ككل.

حان الوقت لكسر قيود الجداول الزمنية الجامدة، فـ “الموظف الليلي”، ليس أقل كفاءة من “محبي العمل الباكر”، بل إنهم يمتلكون طاقة إبداعية كامنة تنتظر اللحظة المناسبة للتوهُّج. في عالم الأعمال الحديث، المرونة هي المفتاح، وتبنيها يعني الاستفادة القصوى من مواهب وقدرات جميع الموظفين، بغضّ النظر عن أنماطهم الزمنية الفريدة. فبينما يفضل البعض العمل في الصباح الباكر، يجد “الموظف الليلي” نفسه في ذروة تركيزه، وإبداعه، في الساعات المتأخرة من اليوم، أو حتى في الليل. إنهم يتألقون في المهام التي تتطلب تفكيرًا عميقًا، وتحليلًا دقيقًا، ويقدمون حلولًا مبتكرة وغير تقليدية. تخيلوا قوة العمل التي يمكن أن تتحقق، عندما نسمح لـ “الموظف الليلي” بالعمل في أوقاتهم الذهبية، بدلاً من التضييق عليهم بساعات الدوام التقليدية وقتل إبداعهم.
من منظور إداري، فإن محاولة كبح جماح “الموظف الليلي”، وإجباره على العمل في أوقات لا تناسبه، ليست مجرد خطوة غير مثمرة، بل قد تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث تراجع الإنتاجية وزيادة الإرهاق الوظيفي.
الحل الأمثل يكمن في تبنّي المرونة، واحتضان التنوع في أنماط العمل، بما يعزِّز من الإنتاجية، ويخلق بيئة عمل ديناميكية تناسب الجميع. هذا يعني الاعتراف بقيمة هؤلاء الموظفين المبدعين، وتوفير فرص حقيقية لهم للتألق، سواء من خلال جداول عمل مرنة، أو خيارات للعمل عن بعد، أو تحديد مواعيد نهائية للمشاريع تراعي أوقات ذروة إنتاجيتهم.

في عالم الأعمال الحديث، حيث التركيز على النتائج هو الأساس، يجب أن نتجاوز قيود الجداول الزمنية الصارمة، ونركز على تحقيق الأهداف بأفضل طريقة ممكنة. يتطلب ذلك من المديرين، فهم، واحترام تنوع تفضيلات العمل داخل فرقهم، وتقديم التسهيلات اللازمة لمن يعملون بشكل أفضل، خارج الإطار التقليدي لساعات العمل، فمن خلال تبني هذا النهج، يمكن للشركات الإستفادة من كامل طاقاتها البشرية، وتعزيز رفاهية موظفيها، وفي النهاية تحقيق أداء أفضل، وأكثر استدامة.
إحتضان “الموظف الليلي”، ليس مجرد لفتة إنسانية، بل هو استراتيجية ذكية، تضمن النجاح، والتميُّز في عالم الأعمال المتغير.

jebadr@

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: العمل فی یمکن أن

إقرأ أيضاً:

الخواطر … بوابة إلى الوعي القرآني وسمو الروح

بين يدي القارئ الكريم ..  كتاب الخواطر، أحد أهم المراجع التي تهدف إلى وصل القارئ بمصادر الهداية الأصيلة، مقتبسة من كلمات ومحاضرات الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، والسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، ويأتي هذا الكتاب ليجسّد حاجة ملحّة في واقعنا المعاصر، حاجة إلى خطابٍ يحيي الروح، ويعيد بوصلة الإنسان إلى الاتجاه الصحيح، ويقدّم الهداية القرآنية بلغةٍ عملية قريبة من القلب والعقل، وتم فيه اختيار أهم الموجهات القرآنية التي تدفع القارئ للاستزادة والتعمق 

يمانيون /  خاص

 

الكتاب شمل ستة عشر فصلاً تناولت الموضوعات التالية  :

1: معرفة الله.
2: كيف نتعامل مع هدى الله.
3: فضل القرآن الكريم.
4: كيف نستقبل شهر رمضان
5: مواصفات المؤمنين.
6: تذكر الجزاء والحساب وأثره في الاستقامة.
7: الطريق إلى الجنة.
8: الإخلاص.
9: الإحسان ودوره في حياة الفرد والمجتمع.
10: بر الوالدين.
11: الاستقامة والأساس الذي تقوم عليه.
12: عوامل وأسباب تؤدي إلى الفرقة.
13: التعاون على البر والتقوى.
14: البطاقة التعريفية الصحيحة للعدوان.
15: معنى الجهاد.
16: أسباب النصر.

هذا التوزيع يمثل منهجًا متدرّجًا لبناء الوعي الإيماني،  فهو يبدأ بمعرفة الله، ويمضي في رسم صورة متكاملة للإنسان المؤمن، كيف يبني علاقته بالقرآن؟ وكيف يتعامل مع الأحداث من حوله بوعي وبصيرة؟

وفي كل باب من أبوابه الستة عشر، نجد صياغة تجعل الهدى القرآني أكثر حضورًا في حياة الإنسان، وأكثر قدرة على التأثير في سلوكه ومواقفه.

 

من أهم ما يميّز هذا الكتاب أنه يبرز جوهر المنهج العملي للقرآن الكريم ومركزيته التي قدمها الشهيد القائد والسيد القائد بتسلسل يدخل مباشرة إلى مركز الوعي في عقل الانسان بما يحقق ترسيخها في حياة كل مؤمن، كمنهج يُعاش، وكمنبع للثبات والقوّة والسلوك المستقيم.
ولذلك يبرز الكتاب فضل القرآن، وكيفية التعامل مع الهدى القرآني، وكيف يسهم هذا الارتباط في صناعة شخصية قويمة، ثابتة، وواعية.

 

كما أن الكتاب يتناول جوانب عملية من حياة المؤمن، وفي مقدمتها الإخلاص، الإحسان، الاستقامة، البر بالوالدين، تذكّر الحساب، التعاون على البر والتقوى، وكلها قيم تُسهم في ترقية النفس وبناء مجتمع متماسك يقوم على المحبة، والمسؤولية، وتحمّل الأمانة، وبهذا الأسلوب، يتحوّل الهدى القرآني من معانٍ ذهنية إلى سلوك يومي يصنع إنسانًا أقرب إلى الله، وأقرب إلى بقية الناس.

كما أن محتوى الكتاب له صلة مباشرة بالواقع، واختار موضوعات مثلت رؤية تساعد على فهم طبيعة الصراعات والتحديات التي يواجهها الإنسان والمجتمع.
فيعرض البطاقة التعريفية للعدوان، ومعنى الجهاد، وأسباب النصر، ليوضّح أن الوعي الإيماني لا يكتمل بدون وعيٍ بمسؤولية المؤمن في الدفاع عن الحق، وبناء المجتمع، ومواجهة الظلم.

 

ما يجعل ’’الخواطر’’ كتاباً متميزًا هو أنه، يجمع بين الروح والمعرفة، ويقرّب القرآن إلى حياة الناس اليومية، ويقدم المعالجات للقضايا الفردية والاجتماعية في إطار قرآني، كما أنه يضع الإنسان أمام مسؤولياته الدينية والأخلاقية بوعيٍ هادئ وعميق

 

كتاب الخواطر يمثل رحلة قصيرة لكنها عميقة داخل الهدى القرآني، تعيد صياغة علاقة الإنسان بالله، وبالقرآن، وبذاته، وبمجتمعه، وبحياته كلها.
إنه خطوة نحو بناء إنسانٍ أقوى إيمانًا، أوسع وعيًا، وأقدر على مواجهة تحديات العصر بروحٍ قرآنية ثابتة.

 

كتيب خواطر

مقالات مشابهة

  • ياسمين عبدالعزيز تكشف عن المهنة التي تمنت العمل بها
  • صناعة وطنية …مستقبل واعد
  • الخواطر … بوابة إلى الوعي القرآني وسمو الروح
  • الأرقام تثبت …ترامب يُعدّ الأكثر شفافية
  • الفيل … وضل الفيل
  • محكمة مستأنف شمال القاهرة تلغي قرار نقل موظف وتلزم وزارة البترول بإعادته لوظيفته الأصلية
  • «مستأنف شمال القاهرة» تلغي قرار نقل موظف وتلزم وزارة البترول بإعادته لوظيفته الأصلية
  • وقف ترقية الموظفين في قانون الخدمة المدنية لتلك الحالات
  • مناشدة لوزير التربية والتعليم من موظف بمديرية الجيزة التعليمية للمطالبة بالعودة إلى العمل
  • افتتاحية.. تكنولوجيا العمل التي لا تنتظر أحدا