آلاف الأردنيين يشيعون جثمان الشهيد ماهر الجازي في جنازة مهيبة
تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT
معان- بمشاركة جماهيرية حاشدة شيع آلاف الأردنيين الشهيد ماهر الجازي الحويطات منفذ عملية معبر اللنبي (جسر الملك حسين كما يسمى في الأردن) من مسجد الحسينية في محافظة معان جنوبي الأردن إلى مقبرة العوادات بالمدينة، وسط حضور شعبي كبير من الشخصيات الوطنية والحزبية والعشائرية من كافة محافظات المملكة.
وحمل المشيعون جثمان الشهيد الجازي على الأكتاف وساروا به في أرجاء المحافظة التي ولد وترعرع فيها، وذلك بعد أن أدوا صلاة الجنازة على الشهيد مرددين هتافات وشعارات تبارك الهجوم المسلح الذي نفذه وأدى إلى مقتل 3 إسرائيليين الأسبوع الماضي.
ورغم محاولات عرقلة الجانب الإسرائيلي تسليم جثمان الشهيد للسلطات الأردنية طوال الفترة الماضية بتعليمات من الجانب السياسي فإنهم قاموا بتسليمه صباح اليوم الثلاثاء نتيجة الضغوطات الكبيرة التي مارسها الجانب الأردني، في حين لا تزال السلطات الإسرائيلية تحتجز المواطنيْن الأردنييْن مصلح العودات وحسين النعيمات منذ حادثة إطلاق النار إلى اليوم، وترفض الإفراج عنهما.
بدوره، شكر الشيخ يسري الجازي -وهو أحد شيوخ عشيرة الحويطات- السلطات الأردنية على جهودها بإعادة جثمان الشهيد الجازي، ليصار إلى دفنه في مسقط رأسه بمحافظة معان.
وأكد الشيخ الجازي في حديثه للجزيرة نت أن عشيرته وكافة العشائر الأردنية تفتخر بما قام به ابنها الشهيد.
وأشار إلى أن الشهيد ماهر الجازي "انتقم للنساء والأطفال والشيوخ في قطاع غزة جراء حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال في لحظة ظن فيها الصهاينة أن بمقدورهم الاستفراد بأبناء الشعب الفلسطيني وقتلهم دون عقاب".
كما شدد الشيخ حابس الجازي -وهو ابن عم الشهيد- في حديثه للجزيرة نت على أن عائلة الشهيد ماهر تشعر اليوم بالارتياح بعد تسلمها جثمانه ودفنه بعد جنازة مهيبة شارك فيها آلاف الأردنيين من أقصى شمالي الأردن إلى جنوبه.
وأضاف "هذا يؤكد على أن الأردن بمجموعه يقف إلى جانب ما قام به الشهيد ماهر الجازي من عمل بطولي تفتخر به كل عشيرة أردنية وكل مواطن أردني".
وأعرب الأردنيون عن اعتزازهم بعشيرة الحويطات وعائلة الشهيد ماهر الجازي لما قدمته من مئات الشهداء على ثرى الأردن وفلسطين، وعبروا عن ذلك بمشاركة الآلاف منهم في جنازة مهيبة للشهيد.
من جهته، أكد الدكتور سالم العمرو -وهو أحد وجهاء العشائر الأردنية- في حديثه للجزيرة نت أن "الأردن لطالما وقف إلى جانب الشعب الفلسطيني".
وأضاف العمرو أن عملية الشهيد ماهر الجازي ما هي إلا "دليل جديد على طبيعة العلاقة الفريدة التي تجمع الشعبين الأردني والفلسطيني حين اختلط دم الشعبين على ثرى فلسطين".
وشهد الأردن فعاليات عدة للمطالبة بجثمان الشهيد ماهر الجازي الذي قتلته قوات الاحتلال الإسرائيلي على جسر الملك حسين الحدودي بعد تنفيذه عملية إطلاق نار، منها مشاركة آلاف الأردنيين في مسيرة حاشدة انطلقت من أمام المسجد الحسيني وسط العاصمة عمّان مساء يوم الجمعة الماضي.
وكانت وزارة الخارجية الأردنية قد أكدت أنها وبالتنسيق مع الجهات المعنية في المملكة تواصل جهودها للإفراج عن المواطنيْن الأردنييْن مصلح العودات وحسين النعيمات المحتجزين جراء حادثة إطلاق النار التي وقعت في الجانب الفلسطيني من جسر الملك حسين الذي تسيطر عليه إسرائيل، وذلك بعد نجاحها في استرداد جثمان الشهيد ماهر الجازي.
ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية أن قرار إعادة الجثمان إلى المملكة جاء بعد ضغوط كبيرة من الأردنيين ومن أجل "الحفاظ على جودة العلاقات الأمنية" بين الجانبين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الشهید ماهر الجازی آلاف الأردنیین الشهید الجازی جثمان الشهید
إقرأ أيضاً:
بين السياسة والدهاء.. أسرار علي ماهر باشا في إدارة مصر
علي ماهر باشا، ذلك الاسم الذي يرن صداه في صفحات التاريخ المصري، ليس مجرد سياسي عابر أو موظف حكومي، بل رجل عصامي وفذ، جمع بين الحنكة السياسية والدهاء الاستثنائي، حتى صار يعرف بين معاصريه بلقب "رجل الأزمات" و"رجل الساعة".
علي ماهر، ابن أسرة الشراكسة، ووريث إرث أبيه محمد ماهر باشا، الذي كان مثالا للشخصية القوية والمثابرة، تعلم من نشأته الأولى معنى الانضباط والمسؤولية، وكيفية الاعتماد على الذات منذ الصغر.
فقد كان والده، رغم انشغاله الواسع بالمناصب الحكومية والعسكرية، يحرص على تربية أبنائه تربية واعية، يغرس فيهم الأخلاق الفاضلة، ويشجعهم على الاجتهاد الفكري والعملي، بل ويمنحهم فرصة إدارة شؤون المنزل كتمرين على القيادة والمسؤولية.
ومن هذه البيئة المميزة خرج علي ماهر رجلا قادرا على مواجهة التحديات، ورئيسا وزراء مصر لأربع مرات، كان أولها في عام 1936 وآخرها في أعقاب ثورة يوليو 1952، حين كلف بتشكيل أول وزارة مصرية بعد الثورة.
نشأ علي باشا في القاهرة، متلقى تعليمه في المدارس الابتدائية فالتجهيزية، ثم الحربية التي كانت تعتمد النظام الفرنسي، ما أكسبه أساسا متينا من الانضباط والمنهجية.
وكان والده دائما يختبر ذكاءه ودقة ملاحظاته، حتى وصل الأمر إلى برقية بسيطة عن حالة ابنته المريضة، فأجاب علي بكلمات مختصرة لكنها دقيقة، ما أثار إعجاب والده وأكسبه مكافأة رمزية، لكنه أثبت بلا شك أنه فتى ذو وعي ورؤية ناضجة، كل هذه التفاصيل الصغيرة في نشأته شكلت شخصية سياسية محنكة، قادرة على إدارة الأزمات بحكمة وبصيرة ثاقبة.
مسيرته المهنية بدأت من القضاء، حين شغل منصب قاض بمحكمة مصر الأهليه، ثم تدرج في مناصب النيابة العامة، فكانت له تجربة واسعة في مجال العدالة والقانون، قبل أن يتحول إلى الحياة السياسية بشكل كامل، مشاركا في ثورة 1919، ثم شاغلا منصب وكيلا لوزارة المعارف، وأخيرا رئيسا لمجلس الوزراء.
لم تكن طريقه سهلة، فقد واجه محنا وتحديات جسام، منها توقيفه خلال الحرب العالمية الثانية بتهمة موالاته لقوى المحور، لكنه برهن دائما على صلابته وصلابة قناعاته، متمسكا بمبادئه الوطنية.
علي ماهر لم يكن مجرد سياسي متسلق للمناصب، بل كان رجل دولة بمعنى الكلمة، شغل منصب رئيس الديوان الملكي في عهد الملك فؤاد، وحصل على نيشان فؤاد الأول، وكان حاضرا في كل اللحظات الحرجة التي مرت بها مصر، يدير ملفات دقيقة بحكمة وذكاء.
عرف عنه قدرة غير عادية على معالجة المشكلات الصعبة، فتراه دائما في قلب الأحداث، مهيئا لحلول عملية وسريعة، ومراعيا لتوازن القوى ومصالح الوطن، لقد كان مثالا للقائد الذي يزن الأمور بعين سياسية، ويوازن بين الشجاعة والحكمة، بين الوطنية والدهاء، بين المبدأ والمرونة.
وعندما نتحدث عن علي ماهر باشا، يجب أن نتذكر أنه كان الأخ الشقيق لرئيس الوزراء أحمد ماهر باشا، وأن الأسرة كلها كانت مثالا للتفاني في خدمة الوطن.
فقد عاش علي باشا حياة مليئة بالتحديات، وترك بصمة لا تمحى في تاريخ مصر الحديث، فقد تولى قيادة الحكومة في فترات حرجة، وشهد على الأحداث الكبرى التي شكلت مسار الأمة، من ثورة 1919 إلى ثورة 1952، مرورا بمختلف المحطات السياسية والاجتماعية التي صاغت هوية مصر الحديثة.
وقد رحل عن عالمنا في 25 أغسطس 1960 في جنيف، لكنه ترك إرثا خالدا في القلوب قبل السجلات الرسمية، إرثا من الحكمة، الوطنية، والالتزام العميق بمصلحة مصر.
إن الحديث عن علي ماهر باشا هو الحديث عن روح مصرية صادقة، عن رجل تجسد فيه معنى الخدمة العامة والوفاء للوطن، عن شخصية توازن بين العاطفة والمنطق، بين العقل والوجدان، وتجعل من التاريخ شاهدا حيا على دورها العظيم في صياغة مصر الحديثة.
فكم نحن بحاجة اليوم، ونحن نعيد قراءة التاريخ، إلى مثل هذه الشخصيات التي لا تهاب الصعاب، وتضع الوطن فوق كل اعتبار، التي تعلمنا أن القيادة الحقيقية ليست مجرد منصب أو سلطة، بل رؤية، وضمير، وإصرار على العطاء المستمر، مهما عصفت بنا التحديات.