علي ماهر باشا، ذلك الاسم الذي يرن صداه في صفحات التاريخ المصري، ليس مجرد سياسي عابر أو موظف حكومي، بل رجل عصامي وفذ، جمع بين الحنكة السياسية والدهاء الاستثنائي، حتى صار يعرف بين معاصريه بلقب "رجل الأزمات" و"رجل الساعة".

علي ماهر، ابن أسرة الشراكسة، ووريث إرث أبيه محمد ماهر باشا، الذي كان مثالا للشخصية القوية والمثابرة، تعلم من نشأته الأولى معنى الانضباط والمسؤولية، وكيفية الاعتماد على الذات منذ الصغر.

 

فقد كان والده، رغم انشغاله الواسع بالمناصب الحكومية والعسكرية، يحرص على تربية أبنائه تربية واعية، يغرس فيهم الأخلاق الفاضلة، ويشجعهم على الاجتهاد الفكري والعملي، بل ويمنحهم فرصة إدارة شؤون المنزل كتمرين على القيادة والمسؤولية. 

ومن هذه البيئة المميزة خرج علي ماهر رجلا قادرا على مواجهة التحديات، ورئيسا وزراء مصر لأربع مرات، كان أولها في عام 1936 وآخرها في أعقاب ثورة يوليو 1952، حين كلف بتشكيل أول وزارة مصرية بعد الثورة.

نشأ علي باشا في القاهرة، متلقى تعليمه في المدارس الابتدائية فالتجهيزية، ثم الحربية التي كانت تعتمد النظام الفرنسي، ما أكسبه أساسا متينا من الانضباط والمنهجية. 

وكان والده دائما يختبر ذكاءه ودقة ملاحظاته، حتى وصل الأمر إلى برقية بسيطة عن حالة ابنته المريضة، فأجاب علي بكلمات مختصرة لكنها دقيقة، ما أثار إعجاب والده وأكسبه مكافأة رمزية، لكنه أثبت بلا شك أنه فتى ذو وعي ورؤية ناضجة، كل هذه التفاصيل الصغيرة في نشأته شكلت شخصية سياسية محنكة، قادرة على إدارة الأزمات بحكمة وبصيرة ثاقبة.

مسيرته المهنية بدأت من القضاء، حين شغل منصب قاض بمحكمة مصر الأهليه، ثم تدرج في مناصب النيابة العامة، فكانت له تجربة واسعة في مجال العدالة والقانون، قبل أن يتحول إلى الحياة السياسية بشكل كامل، مشاركا في ثورة 1919، ثم شاغلا منصب وكيلا لوزارة المعارف، وأخيرا رئيسا لمجلس الوزراء. 

لم تكن طريقه سهلة، فقد واجه محنا وتحديات جسام، منها توقيفه خلال الحرب العالمية الثانية بتهمة موالاته لقوى المحور، لكنه برهن دائما على صلابته وصلابة قناعاته، متمسكا بمبادئه الوطنية.

علي ماهر لم يكن مجرد سياسي متسلق للمناصب، بل كان رجل دولة بمعنى الكلمة، شغل منصب رئيس الديوان الملكي في عهد الملك فؤاد، وحصل على نيشان فؤاد الأول، وكان حاضرا في كل اللحظات الحرجة التي مرت بها مصر، يدير ملفات دقيقة بحكمة وذكاء.

عرف عنه قدرة غير عادية على معالجة المشكلات الصعبة، فتراه دائما في قلب الأحداث، مهيئا لحلول عملية وسريعة، ومراعيا لتوازن القوى ومصالح الوطن، لقد كان مثالا للقائد الذي يزن الأمور بعين سياسية، ويوازن بين الشجاعة والحكمة، بين الوطنية والدهاء، بين المبدأ والمرونة.

وعندما نتحدث عن علي ماهر باشا، يجب أن نتذكر أنه كان الأخ الشقيق لرئيس الوزراء أحمد ماهر باشا، وأن الأسرة كلها كانت مثالا للتفاني في خدمة الوطن. 

فقد عاش علي باشا حياة مليئة بالتحديات، وترك بصمة لا تمحى في تاريخ مصر الحديث، فقد تولى قيادة الحكومة في فترات حرجة، وشهد على الأحداث الكبرى التي شكلت مسار الأمة، من ثورة 1919 إلى ثورة 1952، مرورا بمختلف المحطات السياسية والاجتماعية التي صاغت هوية مصر الحديثة. 

وقد رحل عن عالمنا في 25 أغسطس 1960 في جنيف، لكنه ترك إرثا خالدا في القلوب قبل السجلات الرسمية، إرثا من الحكمة، الوطنية، والالتزام العميق بمصلحة مصر.

إن الحديث عن علي ماهر باشا هو الحديث عن روح مصرية صادقة، عن رجل تجسد فيه معنى الخدمة العامة والوفاء للوطن، عن شخصية توازن بين العاطفة والمنطق، بين العقل والوجدان، وتجعل من التاريخ شاهدا حيا على دورها العظيم في صياغة مصر الحديثة.

فكم نحن بحاجة اليوم، ونحن نعيد قراءة التاريخ، إلى مثل هذه الشخصيات التي لا تهاب الصعاب، وتضع الوطن فوق كل اعتبار، التي تعلمنا أن القيادة الحقيقية ليست مجرد منصب أو سلطة، بل رؤية، وضمير، وإصرار على العطاء المستمر، مهما عصفت بنا التحديات.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: السياسة القيادة الوطنية التاريخ المصري رجل الأزمات

إقرأ أيضاً:

مسرح المواجهة والتجوال يصل كفر الشيخ

قال أحمد ماهر، المخرج المنفذ لمشروع "مسرح المواجهة والتجوال"، إن المشروع يهدف إلى نشر الثقافة والفن في مختلف محافظات مصر، وتوسيع دائرة الوصول إلى القرى الأكثر احتياجًا، موضحا أن المشروع بدأ منذ نحو عشر سنوات، وهو يركز على تقديم عروض مسرحية متنوعة تشمل مسرح الطفل، مسرح العرائس، والمسرح الطرقي، إلى جانب فعاليات مصاحبة مثل عروض الفنون الشعبية والمعارض التشكيلية، بهدف إيصال الثقافة والفن لجميع الفئات العمرية.

عرض مسرحية "كافيتريا عبدالقادر".. الأربعاء 17 ديسمبر بالصحفيينبسبب التهاب حاد .. يسرا اللوزي تعتذر عن مسرحية" المورستان"

وأضاف ماهر، خلال مداخلة هاتفية في برنامج "هذا الصباح"، الذي يعرض على شاشة "إكسترا نيوز"،  أن الجولة الحالية بدأت في سبتمبر الماضي، وزار المشروع خلالها محافظات الشرقية، الفيوم، والمنيا قبل الوصول إلى كفر الشيخ، حيث يتم تقديم عروض مستمرة داخل الجامعات ودور الأيتام، لضمان مشاركة أكبر عدد من المستهدفين، مع التركيز على التفاعل المباشر مع الجمهور.

وزارة الثقافة 

وأكد أن اختيار المحافظات التي يزورها المشروع يتم وفق توجيهات وزارة الثقافة، ويركز على تحقيق العدالة الثقافية من خلال الوصول إلى الكُرى والمناطق الأكثر احتياجًا. 

وأوضح أن كل عام يشهد المشروع توسعًا أكبر، من حيث عدد المحافظات والعروض والكُرى التي يتم الوصول إليها، ما يعكس نجاح الفكرة واستمرار الإقبال على المشروع، وهو ما يشجع القائمين عليه على توسيع نطاق الوصول ليشمل محافظات جديدة وقرى بعيدة.

وأضاف أن الهدف هو منح الفرصة للجميع للاستفادة من الفنون والثقافة، مع مراعاة التنوع في العروض لتناسب الأطفال والشباب والكبار على حد سواء.

وأكد ماهر أن الجولة القادمة بعد كفر الشيخ ستشمل محافظة الغربية ثم محافظات الصعيد مثل أسيوط، مع استمرار تقديم عروض متنوعة من إنتاج البيت الفني للمسرح. وأوضح أن المشروع يسعى إلى تعزيز الوعي الثقافي والفني بين المواطنين، ويحرص على دمج الأنشطة الفنية المختلفة لتحقيق تجربة متكاملة، تشمل المسرح والفنون الشعبية والمعارض التشكيلية.

وأشار إلى أن مشروع "مسرح المواجهة والتجوال" يهدف إلى إيصال الفن إلى كل مكان يحتاج إليه، وضمان تفاعل الجمهور مع العروض بشكل مباشر، بما يسهم في نشر الثقافة والفن كحق للجميع.

طباعة شارك مسرح المواجهة والتجوال مسرحية كفر الشيخ

مقالات مشابهة

  • مؤسسة النفط تستعرض الشراكات التي تقيمها مع الشركات الأوروبية وسبل تطويرها
  • مسرح المواجهة والتجوال يصل كفر الشيخ
  • عبدالفتاح باشا يحيى إبراهيم.. بين السياسة والوفاء لمصر
  • أحمد زيور باشا.. الحاكم الذي جمع القوة والعقل والإنسانية
  • حسين فخري باشا.. القائد الذي دمج التعليم والبنية تحتية بروح مصرية
  • فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة
  • بعد عقد من التأجيل..فيتو السياسة والطائفة يهدد ملف تفرغ الجامعة اللبنانية!
  • ليلة اغتيال السير لي ستاك القائد العام للجيش المصري
  • قصة الثعلب والديك في السياسة!