بلينكن: واشنطن وباريس تدعوان إلى الردع وخفض التصعيد في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
أكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أن الولايات المتحدة وفرنسا تعملان معًا على تعزيز الردع وخفض التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، مع التركيز على الوضع في لبنان. جاء ذلك خلال تصريحات بلينكن التي أشار فيها إلى وجود "مشكلة حقيقية" على الحدود الشمالية لإسرائيل منذ 7 أكتوبر، مما أدى إلى تصاعد التوترات في المنطقة.
وأوضح بلينكن أن العمليات العسكرية المتبادلة بين حزب الله وإسرائيل على الحدود اللبنانية قد تسببت في نزوح العديد من السكان على كلا الجانبين، مما يعمق الأزمة الإنسانية في المنطقة. وقال: "نحن نعمل على ضمان عودة آمنة للسكان على جانبي الحدود".
كما شدد وزير الخارجية الأمريكي على ضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية لوقف التصعيد العسكري وتحقيق الاستقرار في المنطقة، مشيرًا إلى أهمية الحفاظ على الأمن وضمان الحماية للسكان المتضررين من جراء عمليات القصف المتبادلة.
إسرائيل تشن غارات وتبادل للقصف جنوب لبنان ردآ على خطاب نصر الله
شنت القوات الإسرائيلية، مساء الخميس، سلسلة غارات جوية على مناطق متعددة في لبنان، بالتزامن مع خطاب الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله. في المقابل، استهدفت قوات حزب الله عددًا من المواقع العسكرية الإسرائيلية على الحدود الجنوبية.
وأفادت وكالة الأنباء اللبنانية بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية نفذت غارات وهمية فوق أجواء بيروت، الضاحية الجنوبية، جبل لبنان، كسروان، والمتن. وأطلقت الطائرات بالونات حرارية كما خرقت جدار الصوت ثلاث مرات، ما تسبب في حالة من التوتر والذعر في المناطق المستهدفة.
تأتي هذه التطورات في ظل تصاعد التوتر بين إسرائيل وحزب الله، حيث تتبادل القوات الطرفين الهجمات، مما يزيد المخاوف من اتساع رقعة المواجهة العسكرية في المنطقة.
أمريكا تؤكد دعمها الثابت لإسرائيل في مواجهة تهديدات إيران وحزب الله
أكد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن خلال اتصال هاتفي مع نظيره الإسرائيلي يوآف جالانت، أن الولايات المتحدة مستمرة في دعمها لإسرائيل في مواجهة التهديدات التي تشكلها إيران و"حزب الله" اللبناني، إضافة إلى شركاء إيران الإقليميين. وجاء ذلك ضمن إطار الجهود الأمريكية لتعزيز الاستقرار في المنطقة.
وأوضح أوستن في بيان صادر عن البنتاغون أن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة يمثل أولوية للولايات المتحدة، مشددًا على أهمية إيجاد حل دبلوماسي طويل الأمد للصراع على الحدود الإسرائيلية اللبنانية.
وأشار الوزير الأمريكي إلى أن الولايات المتحدة ملتزمة بجهودها لتهدئة التوترات الإقليمية، كما تسعى إلى ردع أي خصوم قد يهددون أمن المنطقة، مؤكداً على موقف بلاده الثابت تجاه أمن إسرائيل.
وفي سياق آخر، شهدت الأمم المتحدة يوم الأربعاء تصويتًا في الجمعية العامة، حيث اعتمدت مشروع قرار بأغلبية ساحقة يدعو إسرائيل إلى إنهاء "وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة" خلال 12 شهرًا، بناءً على فتوى طلبتها الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية. وحصل القرار على 124 صوتًا مؤيدًا، بينما امتنعت 43 دولة عن التصويت، وعارضته 14 دولة، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، الأرجنتين، والمجر، إلى جانب إسرائيل.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الولايات المتحدة وفرنسا تعزيز الردع وخفض التصعيد منطقة الشرق الأوسط الولایات المتحدة على الحدود فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
هل قُتل شيمون بيريز في غزة؟
في مقالين سابقين يتمحوران حول «فلسطين: الدولة الضرورة»، طرحتُ رؤية ترى أن الدولة الفلسطينية لم تعد ترفاً سياسياً، بل ضرورة استراتيجية لبناء أمن إقليمي حقيقي. اليوم، أعود، من منظور آخر، لأسأل: هل قُتل شيمون بيريز، رمز التطبيع الاقتصادي والسلام التكنولوجي، تحت ركام الحرب والمجاعة في غزة؟
بصيغة أخرى: هل ماتت الأفكار الفلسفية التي شكّلت الأساس لرؤية بيريز في كتابه الشهير «الشرق الأوسط الجديد» (1993)؟ تلك الرؤية التي تخيّلت الإقليم مساحة تَعبر فيها المصالح فوق الجدران، وتقود فيه التكنولوجيا الإسرائيلية التنمية المشتركة.
فلسطين، في نظر بيريز، لم تكن عبئاً أمنياً، بل عنصراً أساسياً في نجاح التكامل. رؤيته لم تُولَد من فراغ؛ فقد استندت إلى جذور فلسفية واضحة: صهيونية غير قومية، كما في أفكار ناحوم غولدمان، وبراغماتية جون ديوي التي تمزج النظرية بالتطبيق، وفلسفة مارتن بوبر عن الحوار والتعددية.
بيريز أراد محاكاة النموذج الأوروبي: استبدال المصلحة بالقومية، والمشروعات بالحرب، لكنَّه لم يكن نزيهاً بالكامل؛ فرؤيته تجاهلت الاحتلال، وتغاضت عن أنَّ إسرائيل تمارس شكلاً من الفصل العنصري لا يقل فداحة عن نظام جنوب أفريقيا قبل مانديلا. مشروعه كان سلاماً بلا عدالة، لكنه، ورغم كل هذا، مهّد الطريق لاحقاً للاتفاقات.
في قلب تلك الرؤية كان الافتراض بأنَّ إسرائيل قادرة على «إدارة» التهديدات القريبة، لا إنهاء أسبابها. وقد تبنّت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية هذا المنطق في التسعينات، معتبرة أن غزة والضفة يمكن ضبطهما أمنياً دون الحاجة لحل جذري.
بعد ثلاثة عقود، ورث بنيامين نتنياهو الدولة، لكن دون أن يرث رؤية بيريز. على العكس، بنى مشروعاً نقيضاً: مشروع «إسرائيل الكبرى»، مستخدماً السابع من أكتوبر ذريعة لتصفية القضية الفلسطينية عبر الإبادة والتطهير والمجاعة، لا عبر الاندماج.
نتنياهو أخذ عنوان «الشرق الأوسط الجديد» وجرّده من مضمونه. شعاره كان «السلام مقابل السلام»، بلا دولة فلسطينية، بل خريطة لإسرائيل الكبرى. وتزامَن ذلك مع صعود أصوات في واشنطن تعلن صهيونيتها علناً، دون خجل. بعد السابع من أكتوبر، لم تعد غزة مشكلة أمنية، بل «تهديداً يجب اقتلاعه»، وانهارت معها فكرة الاندماج الإقليمي. إسرائيل لم تعد تفكر في الربط عبر سكك الحديد أو مشاريع المياه، بل عبر الجدران الإلكترونية والطائرات المسيّرة وغرف المراقبة. تحوّل «غلاف غزة» إلى مبدأ إقليمي: جنوب لبنان منطقة عازلة، غور الأردن شريط أمني، وإيران خريطة ردع تمتد إلى نطنز وفوردو.
تطبيع دون تعايش. اندماج في الأسواق دون انفتاح على الشعوب. مشاريع تنمية بلا التزامات سياسية أو أخلاقية.
في هذا السياق، نعم: شيمون بيريز قُتل رمزياً في غزة. لم يُقصف جسده، لكن جرى اغتيال رؤيته برُمّتها. ورغم افتقاد رؤيته للعدالة لكننا نتحسر عليها في زمن الإبادة والمجاعة. سقطت فكرة بيريز التي كانت ترى إسرائيل جسراً اقتصادياً، عند أول صاروخ ضرب منزلاً في رفح، وعند أول غرفة عمليات حلّت محل غرفة التجارة. تحولت التنمية من شراكة إلى أداة سيطرة. وتحوّل الحلم إلى كابوس الإبادة.
نتنياهو لا يريد شرق أوسط جديداً كما تصوّره بيريز، بل شرق أوسط تحت السيطرة الأمنية الكاملة. تطبيع دون تعايش. اندماج في الأسواق دون انفتاح على الشعوب. مشاريع تنمية بلا التزامات سياسية أو أخلاقية. وهذا نموذج لا يمكن أن يستقر.
المفارقة أن إسرائيل التي تطمح إلى الاندماج التجاري، تُواصل بناء الأسوار والحواجز الأمنية. كأنَّها تريد أن تكون جزءاً من المنطقة اقتصادياً، ومعزولة عنها أمنياً. لكن في علم السياسة، هذا التناقض لا يصمد طويلاً، فلا يمكن لدولة أن تهيمن بالسلاح، وتُعامَل كشريك استثماري في الوقت نفسه.
مشروع بيريز كان ناقصاً، لم يعترف بالاحتلال، ولم يضع فلسطين شرطاً بل وسيلة، لكنَّه أدرك أنَّ العزلة خطر استراتيجي. أمَّا مشروع نتنياهو فيجعل من العزلة قيمة، ويَعدّ أن التفوق العسكري هو مفتاح الاستقرار.
ما نشهده، اليوم، ليس غلافاً أمنياً لإسرائيل، بل طوق خانق يلف المنطقة كلها.
«غلاف غزة» تمدَّد ليشمل دول الجوار. وهذه ليست وصفة لأمن مشترك، بل لتفجُّر دائم. ليس سلاماً، بل إملاء أمني.
من هنا، علينا نحن العرب أن نتمسك بالمسلَّمة الأساسية: لا شرق أوسط جديداً دون فلسطين. لا أمن دون عدالة. ولا استقرار دون دولة فلسطينية ذات سيادة. وها هي فرنسا تقترب من هذه الرؤية العربية التي تحتاج إلى مزيد من الزخم.
شيمون بيريز مات رمزياً في غزة، لكن رؤيته قابلة للإنقاذ، إذا أُعيد تعريف الشرق الأوسط الجديد كحاجة عربية، لا كتصوّر إسرائيلي مفروض. وإن حجر الأساس لهذا الشرق الأوسط الجديد هو الدولة الفلسطينية.
الشرق الأوسط