تمر هذه الأيام الذكرى الـ64 لتأسيس منظمة أوبك، التي جاء تأسيسها على خلفية إشكالية تاريخية كبيرة واجهتها الدول الأجنبية وشركاتها، مع إدراكها أهمية النفط، الذي ينتشر في أماكن كثيرة حول العالم.

ويقول مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن الدول أدركت أن النفط موجود في أماكن عدة، وأدركت الدول المستعمرة أن الدول التي لم تر الحضارة منذ زمن بعيد، وينخفض فيها مستوى التعليم، قد يكون لديها النفط.

ومن ثم، وفق الحجي، حاولت هذه الدول الحصول على امتيازات في هذه الدول، سواء من قلب قارة أفريقيا، أو قلب دول أميركا اللاتينية، وكذلك في قارة آسيا، وصولًا إلى دول منطقة الشرق الأوسط.

جاء ذلك خلال تقديم الدكتور أنس الحجي حلقة جديدة من برنامجه “أنسيّات الطاقة“، الذي يقدّمه أسبوعيًا عبر مساحات منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، إذ جاءت حلقة هذا الأسبوع بعنوان “أوبك في عامها الـ64.. التحول إلى أوبك+ وتحديات سياسات التغير المناخي”.

التاريخ ما قبل تأسيس أوبك

قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) الدكتور أنس الحجي، إن اكتشاف الدول المستعمرة إمكانات النفط في الشرق الأوسط جاء متأخرًا، إذ اكتشفت فنزويلا النفط قبل ذلك بكثير.

ولفت إلى أن الإشكالية أنه عندما وقّعت هذه الدول الامتيازات مع الدول التي تمتلك النفط في أراضيها، كانت هذه الاتفاقيات مجحفة جدًا، إذ كانت تقضي بأنها اكتشفت النفط، فتعطي أصحاب الأرض أموالًا قليلة.

وأوضح الدكتور أنس الحجي، أن السعودية في البدايات كانت تحصل على ما يعادل 4 سنتات مقابل كل دولار تحصل عليه الشركات، إذ كانت الشركات تستعمل الجنيهات الذهبية وفي بعض الأماكن كانت تستعمل الروبية الهندية.

وأضاف: “كانوا يحصلون على مبالغ قليلة، وهم أصحاب الأرض وأصحاب النفط وأصحاب المورد، لذلك عندما بدأت الناس تعي المشكلة مع الزمن، ويدركون مدى إجحاف هذه الامتيازات، بدأوا يطالبون الشركات بالحصول على حصة أكبر، وهو حقهم”.

والمشكلة، وفق الحجي، أن هذه الشركات كانت مدعومة من حكوماتها، سواء بالجيوش أو القوات البحرية، لذلك كان هناك دائمًا نوع من التخوف من أنه إذا شددت هذه الدول على الشركات يمكن أن تحدث تطورات أخرى، لكن حاول الجميع في مختلف أنحاء العالم الضغط على الشركات للحصول على المزيد.

وتابع: “الإشكالية في دول الخليج تحديدًا كانت أن الشركات -سواء البريطانية سابقًا أو الأميركية لاحقًا- كانت تنظر إلى أهل الخليج باستخفاف، وكأن طلباتهم تأتي من أشخاص لا يعرفون عما يتحدثون، لكن عرفنا فيما بعد أنهم لم يفهموا ما يحدث بهذه البلاد إلا بعد فوات الأوان”.

وفي النهاية، كان الناس على وعي وأصبحت لديهم معلومات، وبالطبع كان الجندي المجهول في صناعة النفط السعودية هو الوزير ابن سليمان، ثم جاء بعده عبدالله الطريقي، ولكن ابن سليمان كانت له جهود ضخمة في التأسيس ووجود أرامكو، وتدريب شباب السعودية وغيرها.

الطريق إلى تأسيس أوبك

قال خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إنه بالنسبة إلى تأسيس منظمة أوبك، كان هناك شخص لا يمكن وصفه إلا بـ”فيلسوف”، وهو شخص متعلم حاصل على الدكتوراه، وفنزويلي الجنسية، وهو ألفونسو بيريز بابلو.

وأضاف: “بيريز بابلو كان من الشباب المتعلمين، إذ أسس أو أسهم في تأسيس أول حزب ديمقراطي في فنزويلا، كما أنه تولى منصبًا وزاريًا في أول حكومة ديمقراطية بعد الانتخابات في عام 1947، وهو عام مهم؛ لأنه يسبق عام تأسيس إسرائيل في 1948”.

مؤسس أوبك ألفونسو بابلو بيريز في أثناء عودته إلى فنزويلا

وأوضح الدكتور أنس الحجي أنه ما إن بدأت الحياة السياسية الديمقراطية في فنزويلا حتى حدث انقلاب، وطُردت الحكومة، وهرب ألفونسو بيريز إلى أميركا، وفي تلك المدة بالذات كانت هناك مشكلة كبيرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على خلفية التصويت على تقسيم فلسطين.

وتابع: “حينها جرى رفض المشروع الإسرائيلي، وعندها لجأ اليهود إلى شخص، أصبح لاحقًا رئيس شركة (يونايتد فروت) وهي أكبر شركة زراعية في العالم، وهو روسي يهودي اسمه زيموراي، وقالوا له: خسرنا في التصويت في الجمعية العامة، ولكنك تسيطر على جمهوريات الموز، ومن هنا جاءت فكرة جمهوريات الموز”.

وأشار إلى أن “اليهود طلبوا من هذا الشخص إجبار الحكومات على التصويت لصالح فكرة تقسيم فلسطين، وبالفعل ضغط هذا الرجل على الدول في أميركا الوسطى وأميركا اللاتينية، وحصل هذا الانقلاب في فنزويلا، التي صوّتت لصالح إسرائيل”.

ولفت الدكتور أنس الحجي إلى أن هذا التصويت لصالح إسرائيل من جانب فنزويلا مهم جدًا، لأن الفنزويليين حاولوا تعليم العرب أصول التعامل مع الشركات، وأرسلوا وفدًا إلى الوطن العربي للتعامل معهم، ولكن رفضت الدول العربية استقباله بسبب تصويت فنزويلا لإسرائيل.

ألفونسو بيريز في تكساس

قال مستشار تحرير منصة الطاقة الدكتور أنس الحجي، إنه مع وصول ألفونسو بيريز إلى ولاية تكساس الأميركية بعد الانقلاب، اكتشف أنها أكبر ولاية منتجة للنفط في الولايات المتحدة، وأن سكك حديد تكساس تدير الإنتاج.

ولفت إلى أن سكك حديد تكساس هي مؤسسة حكومية تابعه للولاية تدير الإنتاج، إذ إنه -تاريخيًا- كان الإنتاج حرًا، ما أدى إلى مشكلات كبيرة منها انخفاض أسعار النفط إلى 10 سنتات، حتى إن الناس كانوا يستخرجون النفط ويصنعون منه بحيرات بدلًا من بحيرات الماء.

وأضاف: “أدى هذا إلى تلوث كبير، مع عدم القدرة على تقنين الإنتاج، فمُنحت كل الصلاحيات لسكك حديد تكساس، واستعمل حاكم الولاية الحرس الوطني المدجج بالسلاح، الذي ذهب إلى الحقول وطرد أصحابها، وسيطروا عليها”.

وأوضح الدكتور أنس الحجي أن هذه الفكرة مهمة جدًا عند الحديث عن أوبك ومدى نجاحها وإنجازاتها، إذ إن سيطرة سكك حديد تكساس وإدارة الإنتاج جاءت بسبب إرسال الحرس الوطني المدجج بالسلاح إلى الحقول، وأوقفوا الإنتاج بالكامل، وعندها عاد أصحاب الحقول والمنتجون والمهندسون، وأجبروهم على خفض الإنتاج، مع تعيين حارس لحصر عدد البراميل المنتجة.

وتابع: “هذه أيضًا فكرة مهمة بالنسبة إلى أوبك لاحقًا، إذ جاء ألفونسو بيريز إلى تكساس ورأى كيف تجري إدارة الإنتاج فجاءته فكرة أوبك، وهي أنه مع سحب الامتيازات من الشركات، يدير أسواق النفط مثل سكك حديد تكساس”.

ومن هنا بدأت الفكرة، خاصة بعد انتهاء الانقلاب العسكري وتغيير الحكومة ونجاح رئيس جديد في الانتخابات، وهو بوتون كراك الذي طلب من ألفونسو بيريز العودة إلى فنزويلا وعينه وزيرًا للتنمية والموارد الطبيعية، ثم وزيرًا للمناجم والهيدروكربون.

وأشار إلى أنه من ضمن الأشياء التي فعلها، هو أنه أدرك أن سحب البساط من تحت أقدام الشركات وطرد الخبراء الأجانب، يتطلّب بناء موارد بشرية محلية، فأرسل طلابًا للدراسة في الولايات المتحدة، وعلى الأغلب في ولاية تكساس.

وأردف: “مع حصول الطلاب على الماجستير والدكتوراه بدأوا يعودون إلى فنزويلا، ليخبروه بأن هناك طالبًا سعوديًا اسمه عبدالله الطريقي، وكانت هذه بداية معرفته به، رغم أن الوثائق لا تشير إلى طريقة لقائهما، إذ تقول إحدى الروايات إن التواصل جرى عبر الطلاب، ورواية أخرى تقول عن طريق صحفية أميركية كانت تعرفهما”.

كلمة الدكتور عبدالله الطريقي خلال إعلان تأسيس منظمة أوبك

وبعد لقاء الطريقي وألفونسو بيريز، أعجب الأخير بأفكاره، وتوافقا بشأن أمور كثيرة رغم فارق السن بينهما، إذ إن عملية تأسيس أوبك والتفكير فيها والوصول إلى ما وصلت إليه استغرقت نحو 12 عامًا.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
Source link مرتبط

المصدر: الميدان اليمني

كلمات دلالية: هذه الدول إلى أن

إقرأ أيضاً:

مؤتمر “100 يوم” يكشف ملامح النسخة السادسة من دورة ألعاب التضامن الإسلامي “الرياض 2025”

هاني البشر (الرياض)
نظّمت اللجنة العليا المنظمة لدورة ألعاب التضامن الإسلامي- الرياض 2025، اليوم الخميس، مؤتمرًا صحفيًا بمناسبة تبقّي 100 يوم على انطلاق النسخة السادسة من الدورة، والتي تُعدّ أكبر حدث رياضي يجمع الدول الإسلامية، والمقرّر إقامتها خلال الفترة من 7 إلى 21 نوفمبر المقبل في العاصمة السعودية الرياض، بمشاركة أكثر من 3000 رياضي يمثلون 57 دولة.

وخلال المؤتمر، ألقى السيد إيان ريد، الرئيس التنفيذي للجنة المنظمة، كلمة افتتاحية قدّم فيها خالص الشكر والامتنان لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، رئيس اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية، ورئيس الاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي، ولسمو الأمير فهد بن جلوي، نائب رئيس اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية، ورئيس اللجنة العليا المنظمة للدورة، على دعمهما المستمر ورؤيتهما الطموحة التي جعلت من القطاع الرياضي محورًا رئيسيًا في التنمية المجتمعية.

وكشف مروان البازعي، نائب الرئيس التنفيذي للجنة المنظمة، عن اعتماد منافسات الدورة في 21 رياضة بالإضافة إلى رياضتين بارالمبيتين، تقام جميعها في أربع مناطق رياضية مختلفة بمدينة الرياض، وهي: منطقة البوليفارد، مجمع الأمير فيصل بن فهد الأولمبي، ميدان الجنادرية، مدينة الأمير فيصل بن فهد الرياضية بالملز.

وشملت قائمة الألعاب: ألعاب القوى، كرة السلة 3×3، سباق الهجن، الفروسية، الرياضات الإلكترونية، المبارزة، كرة قدم الصالات، كرة اليد، الجودو، الجوجيتسو، الكاراتيه، السباحة، المواي تاي، التايكوندو، كرة الطاولة، الكرة الطائرة، رفع الأثقال، المصارعة، الووشو، الملاكمة، الدواثلون، بالإضافة إلى رياضتين بارالمبيتين: ألعاب القوى – القوة البدنية.
كما شهد المؤتمر الكشف عن تميمة الدورة “فنجـال”، والتي تجسّد معاني الكرم والجود، المستمدة من القيم الأصيلة التي يتحلّى بها أبناء المملكة العربية السعودية.

وتُعد هذه النسخة هي السادسة في تاريخ دورة ألعاب التضامن الإسلامي، التي تُنظّم تحت مظلة الاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي، ومن المنتظر أن تكون النسخة الأكبر والأكثر تأثيرًا منذ انطلاقها، من حيث عدد الدول المشاركة، وتنوّع الألعاب، والمستوى التنظيمي، والحضور الإعلامي. وتُجدر الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية كانت قد استضافت النسخة الأولى من الدورة عام 2005 في أربع مدن: مكة المكرمة، المدينة المنورة، جدة، والطائف.

 

 

 

مقالات مشابهة

  • خطوة في الظل.. حكومة “تأسيس” تكشف عن توجهاتها رغم “الرفض الدولي”
  • “نور الدائم محمد أحمد طه”.. السودان يترأس إجتماعات وزراء المعادن بمنطقة البحيرات الكبرى
  • مؤتمر “100 يوم” يكشف ملامح النسخة السادسة من دورة ألعاب التضامن الإسلامي “الرياض 2025”
  • أمين حسن عمر يكشف مشروع “سايكس بيكو” الجديد في السودان
  • النفط العراقي في مرمى العقوبات: عندما تتحول الشركات السيادية إلى أهداف جيوسياسية
  • النفط النيابية:الحكومة والبرلمان “يجهلان” كميات النفط المنتجة في الإقليم
  • “حماس” في الذكرى الأولى لاغتيال هنية: استشهاد القادة يزيدنا تمسكًا بالحقوق والثوابت
  • عراقجي: إيران لن تقبل بأن تمضي الأمور كما كانت عليه قبل حرب الـ12 يوم مع “إسرائيل”
  • وزير الخارجية النرويجي يدين الغرب بازدواجية المعايير في تعامله مع “إسرائيل”
  • الكويت تجدد التزامها بـ«أوبك+» وتراهن على استقرار أسعار النفط العالمية