ما دلالة اعتراف البنتاغون بإسقاط طائرتين في اليمن بعد يومين من الإعلان الحوثي؟
تاريخ النشر: 20th, September 2024 GMT
عقب قراءة ما صدر عن السكرتير الصحافي لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، أمس الأربعاء، بشأن الاعتراف بإسقاط الحوثيين طائرتين بدون طيار من نوع “أم كيو – 9″، خلال أقل من أسبوع، لا بد من السؤال: ما دلالة هذا الاعتراف الذي يأتي بعد يومين من الإعلان الحوثي؟
وكانت وكالة أسوشيتد برس قد قالت، الإثنين، إن الجيش الأمريكي لم يستجب على الفور لطلب التعليق على إسقاط الحوثيين طائرة بدون طيار فوق محافظة ذمار.
لكن بعد نشر الحوثيين مقطع فيديو لإسقاط الطائرة كان لا بد للبنتاغون بعد يومين، أن تعلق، لا سيما وقد توالت حوادث إسقاط ثلاث طائرات خلال أسبوع، وهو ما تناولته وسائل الإعلام الأمريكية باهتمام، وعلى الرغم من كل ذلك جاء تصريح السكرتير الصحافي للبنتاغون دبلوماسيًا نوعًا ما، ففيما يقرّ فيه بالإسقاطين الأخيرين، تجاهل الإسقاط الذي قبلهما بأيام قليلة، لكنه يقول إن تصريح الحوثيين بخصوص إسقاط عشر طائرات من النوع ذاته، منذ بدء حملة إسنادهم لغزة، “غير دقيق”. واستخدام كلمتي “غير دقيق” يوحي بأن ثمة اختلافًا فقط في العدد، ومع ذلك لم تذكر البنتاغون العدد الدقيق لما أسقطه الحوثيون من طائراتهم.
واعترف الجيش الأمريكي، أمس الأربعاء، بإسقاط الحوثيين في اليمن طائرتين بدون طيار من طراز “إم كيو-9” خلال أقل من أسبوع.
وقالت وكالة اسوشيتد برس، إن ذلك يسلط الضوء بشكل أكبر على التمدد الإقليمي للحرب في قطاع غزة.
وذكرت البنتاغون أن الحوثيين أسقطوا الطائرة الأولى في 10 سبتمبر/ أيلول، والثانية يوم الإثنين. وأظهر مقطع فيديو على الإنترنت عملية الإسقاط والحطام المشتعل على الأرض بعد ذلك في محافظة ذمار في اليمن.
وقال اللواء بات رايدر، السكرتير الصحافي للبنتاغون، إن السلطات تواصل التحقيق في إسقاط، يوم الإثنين، لكنه رفض الخوض في التفاصيل.
واعتبر أن تصريح الحوثيين بإسقاط 10 طائرات من هذا الطراز منذ بدء حملتهم في نوفمبر/ تشرين الثاني، “غير دقيق”.
واعتراف البنتاغون بإسقاط الحوثيين مسيرتين من نوع “إم كيو- 9” خلال أقل من أسبوع يأتي تأكيدًا لما ورد في بيان الحوثيين، الذين قالوا فيه إن الطائرة التي تم إسقاطها في أجواء محافظة ذمار، الإثنين، هي الثالثة خلال أسبوع، بينما قال البنتاغون إنها الثانية خلال أقل من أسبوع، فالفارق الزمني بين تاريخ إسقاط الأخيرة وما قبلها يأتي أسبوعًا، وهو بين تاريخي 10-16 سبتمبر/ أيلول، وربما هو أقل من أسبوع بفارق ساعات وفق التوقيت في القارة الأمريكية.
يأتي اعتراف البنتاغون عقب نشر الحوثيين ما يثبت إسقاط الطائرة الأخيرة مما يجعل من تكرار الاعتراف الأمريكي دليلاً آخر على امتلاك الحوثيين التقنية الصاروخية الموازية لمواجهة هذا النوع من الطائرات، لا سيما وأن هناك اعترافًا أمريكيًا، أيضًا، أن الحوثيين سبق وأسقطوا طائرات من هذا النوع خلال الأعوام 2017، و2019، و2023، و2024.
يمكن لهذا الطراز من الطائرات والتي تكلف حوالي 30 مليون دولار لكل منها، أن تطير على ارتفاعات تصل إلى 50000 قدم (15240 مترًا) ولديها قدرة تحمل تصل إلى 24 ساعة قبل الحاجة إلى الهبوط. وقد حلقت الطائرات من قبل الجيش الأمريكي ووكالة المخابرات المركزية فوق اليمن لسنوات، وفق “اسوشيتد برس”.
وكان المتحدث العسكري باسم “أنصار الله” (الحوثيون) قد أعلن، الإثنين، إسقاط قواتهم مسيّرة أمريكية من طراز (إم كيو- 9)، وهي الثالثة خلال أسبوع، والعاشرة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، منذ بدء جبهة إسنادهم لغزة وفق البيان.
وأعلن الحوثيون إسقاط طائرة في 7 سبتمبر/ أيلول في أجواء محافظة مأرب، وأخرى في 10 سبتمبر/ أيلول في أجواء محافظة صعدة، والأخيرة في 16 سبتمبر في أجواء محافظة ذمار.
في سياقٍ موازٍ، التقى رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، رشاد العليمي، أمس الأربعاء، السفير الأمريكي لدى اليمن، سيتفن فاغن.
وقالت وكالة الأنباء الحكومية إن العليمي اطلع من السفير على نتائج الاتصالات الدبلوماسية لخفض التصعيد في اليمن والمنطقة.
وجدد العليمي “تأكيد التزام المجلس والحكومة بنهج السلام العادل وفقًا للمرجعيات المتفق عليها وطنيًا وإقليميًا ودوليًا وعلى وجه الخصوص القرار 2216، وأهمية تكامل كافة الجهود على هذا الصعيد مع مساعي الأشقاء في المملكة العربية السعودية لإطلاق عملية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة”.
في غضون ذلك، شدد المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، على الحاجة الملحة لاستئناف مسار المفاوضات البناءة، مؤكدًا أن الحوار هو السبيل الوحيد المستدام لتحقيق السلام والاستقرار في اليمن. كما شدد على أهمية الجهود الإقليمية والدولية المنسقة لدفع اليمن نحو حل شامل ودائم للنزاع.
واختتم المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، زيارته إلى طهران، حيث أجرى محادثات مع وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، وكبار المسؤولين الإيرانيين وعدد من الدبلوماسيين.
وذكر بيان لمكتب غروندبرغ، أمس الأربعاء، أن الاجتماعات سلطت الضوء على عدد من القضايا الملحة بما في ذلك التطورات الإقليمية التي تقوض جهود الوساطة.
وقال: “لقد أجريتْ مناقشات صريحة وبناءة مع المسؤولين في طهران. الجهود المشتركة ضرورية لتجاوز التحديات التي يفرضها النزاع ولضمان تحقيق تسوية سلمية تلبي تطلعات الشعب اليمني”.
وأضاف: “خلال جميع اللقاءات، حرصت على أن يكون دعم النداء العاجل للأمين العام لإفراج عن جميع الزملاء المحتجزين من أولوياتي الأساسية. يجب أن يتم الإفراج عنهم دون تأخير لتعزيز الأمل والثقة اللازمين للمضي قدمًا”.
وأشار البيان إلى أن المحادثات تناولت التصعيد في البحر الأحمر، مشيرًا إلى المخاوف الأمنية الأوسع، وما قد ينجم عن ذلك من تداعيات تزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن امريكا الحوثي طائرات درون حرب خلال أقل من أسبوع فی أجواء محافظة إسقاط الحوثیین أمس الأربعاء محافظة ذمار طائرات من فی الیمن
إقرأ أيضاً:
مهمة مستحيلة.. لماذا لا يمكن هزيمة الحوثيين في اليمن؟ (ترجمة خاصة)
منذ ظهورهم كقوة سياسية داخل اليمن في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تحول المتمردون الحوثيون، إلى قوة إقليمية رئيسية تحمل أفعالها عواقب عالمية.
سواءً أكان ذلك بإسقاط النظام القديم في اليمن، أو مقاومة التحالف العربي بقيادة السعودية، أو محاربة الولايات المتحدة حتى الجمود، فقد أظهر الحوثيون صمودًا يُثير الصدمة بقدر ما يثير الإعجاب، بالنظر إلى تفاوت القوة الظاهري بينهم وبين خصومهم.
ورغم وصفهم خطأً بالوكلاء لإيران، فقد أظهر الحوثيون استقلالية في أفعالهم الداخلية والخارجية، مما جعل إيجاد حل لمقاومتهم المستمرة في مواجهة صعوبات تبدو ساحقة مهمة مستحيلة.
تستمد حركة الحوثيين في اليمن اسمها من قبيلة الحوثي التي تهيمن على صفوفها التنظيمية والحكومية، بما في ذلك أعلى المناصب. يتجذر الحوثيون في هوية دينية زيدية شيعية تتجاوز البعد الروحي إلى جوهر قضيتهم - واجب مقاومة الظلم.
هذا يكمن في صميم المذهب الزيدي، الذي تأسس على ثورة القرن الثامن التي قادها زيد بن علي ضد الخلافة الأموية، والتي تنص على أن أي سليل عالم من سلالة علي يمكن أن يصبح إمامًا بإثبات حقه والدفاع عنه.
وهذا يتعارض مع المعتقد الشيعي التقليدي القائل بأن الأئمة يجب أن يكونوا معينين من الله. هذا الاختلاف العقائدي هو أحد الأسباب الرئيسية لعدم خضوع الحوثيين لإيران: فمبدأ ولاية الفقيه، المفهوم الذي يقوم عليه الحكم الديني الأعلى في إيران، يُبغضه الحوثيون.
أطلق الحوثيون على حركتهم اسم "أنصار الله". هذا ليس مجرد لقب، بل إشارة إلى أهل المدينة الذين رحّبوا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه ودعموه وحموه في السنوات الأولى للإسلام. يحمل مصطلح "أنصار الله" في طياته التزامًا قويًا بالإيمان واستعدادًا للدفاع عن الحق. في حين يُستهزأ بالحماسة الدينية في الغرب أو يُقلل من شأنها، فإن صدق إيمان الحوثيين، ومدى تحديده لوجودهم، يكمن في أساس ثبات قناعاتهم ومرونتهم في نضالهم.
تاريخ من النضال
بدأت المظاهر المعاصرة لإحياء الحوثيين بدافع المقاومة في تسعينيات القرن الماضي كصحوة ثقافية ودينية زيدية تُسمى "الشباب المؤمن"، تطورت إلى انتفاضة مسلحة بحلول عام 2004 بعد مقتل زعيم الشباب المؤمن على يد قوات الأمن أثناء اعتقاله. يكمن جوهر مقاومة الحوثيين في الدين وفي المفهوم الأكثر علمانية للاستقلال عن التدخل الخارجي (ولا سيما تأثير كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على شؤون اليمن).
تقوم حركة الحوثيين اليوم على ثلاثة مبادئ أساسية: الهوية الطائفية (الزيدية)، والحكم الذاتي المحلي، ورفض التدخل الأجنبي. ثار الحوثيون ضد الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في عام 2014. وبعد السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، تحولت الجماعة من تمرد كلاسيكي إلى كيان سياسي شرعي أثبت قدرته على تولي مهام تحديد وبناء هياكل الدولة بما يتجاوز مجرد الجيش.
في عام 2015، أطلقت المملكة العربية السعودية، بالتعاون مع تحالف من الدول العربية وبدعم كامل من الولايات المتحدة، عملية "عاصفة الحزم"، وهي هجوم جوي ضخم ضد الحوثيين، بهدف سحقهم كحركة عسكرية وسياسية، وتنصيب حكومة موالية لهم مكانهم. أدى فشل العملية في تحقيق النتائج المرجوة إلى تصعيد السعوديين لحربهم من خلال شنّ توغل بري في اليمن الخاضع لسيطرة الحوثيين.
وعلى الفور تقريبًا، واجه السعوديون حقيقة أن الحوثيين لا يُرهبون بسهولة. توسعت مقاومة الحوثيين من إحباط التوغلات التي تقودها السعودية إلى نقل المعركة إلى المملكة العربية السعودية، وضرب البنية التحتية الحيوية للطاقة بالصواريخ والطائرات المسيرة، بينما شنّوا هجماتهم البرية على الأراضي السعودية. وبحلول عام 2023، كان السعوديون يتطلعون إلى إنهاء حربهم مع الحوثيين. في الواقع، كان إنهاء الصراع مع الحوثيين عاملاً دافعاً وراء التقارب الذي توسطت فيه الصين بين المملكة العربية السعودية وإيران في ربيع عام 2023.
انسحاب الولايات المتحدة
شكّل هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 مبرراً للحوثيين لبدء عمليات عسكرية ضد السفن الإسرائيلية بهدف فرض حصار بحري فعلي على ميناء إيلات جنوب إسرائيل. ربط الحوثيون أفعالهم بمطلب إسرائيل قبول وقف إطلاق النار ضد حماس والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة. من نوفمبر/تشرين الثاني 2023 إلى يناير/كانون الثاني 2025، هاجم الحوثيون أكثر من 100 سفينة تجارية كانت تعبر مضيق باب المندب الاستراتيجي الرابط بين البحر الأحمر وخليج عدن.
أدى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني 2025، إلى تهدئة مؤقتة لهجمات الحوثيين على السفن، لكنها استؤنفت في مارس/آذار 2025 عندما انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار. بالإضافة إلى مهاجمة السفن، أطلق الحوثيون طائرات مسيرة وصواريخ باليستية على إسرائيل، مهددين بفرض حصار جوي عبر منع الرحلات التجارية من وإلى مطار بن غوريون الإسرائيلي.
بدأت الولايات المتحدة، بدعم من المملكة المتحدة وانضمت إليها إسرائيل، حملة جوية واسعة النطاق تهدف إلى معاقبة الحوثيين وردعهم عن تنفيذ هذه الهجمات. كان الضرر الذي ألحقته هذه الضربات بالبنية التحتية المدنية في اليمن الخاضع لسيطرة الحوثيين كبيرًا، مما أسفر عن سقوط مئات الضحايا المدنيين. إلا أن التأثير العسكري لغارات القصف التي قادتها الولايات المتحدة كان أقل إثارة للإعجاب، حيث هدد الحوثيون سفن البحرية الأمريكية العاملة في البحر الأحمر، بينما استمروا في ضرب إسرائيل بالصواريخ الباليستية.
في حين أن العديد من المراقبين يصورون الحوثيين على أنهم ذراع تابعة لـ"محور المقاومة" الموجه من إيران، ومهمته مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة ودول الخليج العربية، فإن مستوى استقلالية الحوثيين في العمل مرتفع للغاية. في الواقع، اتُخذ قرار البدء في اعتراض الشحن الإسرائيلي بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 دون موافقة إيران.
علاوة على ذلك، فإن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في أوائل مايو بين الولايات المتحدة والحوثيين، والذي وافقت فيه إدارة ترامب على وقف الغارات الجوية مقابل موافقة الحوثيين على وقف مهاجمة السفن الأمريكية، قد تم التوصل إليه إلى حد كبير لأن الصراع الحوثي الأمريكي كان يقوض جهود الولايات المتحدة للتفاوض على اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني.
لكن المثير في الاتفاق الأمريكي الحوثي هو أنه لم يُلزم الحوثيين بوقف هجماتهم الصاروخية ضد إسرائيل. إن حقيقة أن إدارة ترامب نفذت هذا الاتفاق بشكل مستقل عن إسرائيل تؤكد حقيقة أن مقاومة الحوثيين لا يمكن كسرها بقوة النيران الأمريكية، وأن استمرار العمل العسكري ضدهم سيضر بمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.
لقد خرج الحوثيون من صراعهم مع الولايات المتحدة أقوى من أي وقت مضى، سواء من حيث الشرعية المحلية أو من منظور دولي، حيث قاتلوا أقوى جيش في العالم حتى جمدوا شوكتهم، بينما فرضوا إرادتهم على الواقع الجيوسياسي العالمي. لقد ثبت أن روح الحوثيين الصلبة تُشكل مشكلةً مستعصية على الحل بالنسبة للدول التي وقعت في مرمى نيران شعورهم بمقاومة الظلم.
*يمكن الرجوع للمادة الأصل: هنا
*ترجمة خاصة بالموقع بوست