عصب الشارع
صفاء الفحل
قلق على القلق
لم يصدق قائد الحركة الإنقلابية الجنرال البرهان أن الرئيس الأمريكي بايدن تحدث عن الأوضاع المأساوية بالسودان حتى خرج ببيان طويل يعبر فيه عن قلقه لقلق الرئيس الأمريكي، ويبدأ بعد ذلك في إعادة (اسطوانته المشروخة) التي حفظها الشعب السوداني عن ظهر قلب وهو يحاول إثبات شرعية مجموعة بورتكوز ك(حكومة) رضي أو أبى الشعب السوداني أو المجتمع الدولي ذلك، وأن العطا وجابر وكباشي وشيخ جبريل ومناوي هم صفوة هذا المجتمع والمختارين من العناية الإلهية لإنقاذه وفتح آفاق المستقبل الزاهر لهذا الوطن الجريح، أما هو فالمنقذ الذي أرسله المولى عز وجل لإنقاذ البلاد من انتهاكات الجنجويد وإستبداد قيادات تقدم وإيقاف الغزو الدولي وعلى جميع دول العالم الوقوف خلفه لتحقيق طموحات الشعب السوداني في العيش بسلام.
ولم يجف حبر بيانه العصامي الذي حاول ألتأكيد فيه إنه الحمل الوديع الذي تسعى كل دول العالم لإفتراسه، وإنه حمامة السلام التي تفرد أجنحتها على الوطن حتى نعت البلاد دامعة بص سياحي كامل قضى فيه على أكثر من سبعون مواطنا بريئا إحتراقاً بقصف أحدى مسيراته لهذا البص الذي لا علاقة لركابه القادمين من ربك إلى ديارهم بالخرطوم التي أعلن بأنها صارت آمنه، وقدم الدعوات لهم للعودة وهو ما يزال يختبئ في بورتكوز وأسرته بتركيا لتقديمهم قرابين للتدليل على فزاعة ودموية هذه الحرب، بينما يواصل رفض الأيادي الممدودة له لإيقافها والتمادي في قلب الوقائع الماثلة أمام الجميع إلى زيف بأن بإمكانه القضاء على الدعم السريع حتى آخر جندي ووقوفه في وجه المجتمع الدولي كله وتشتيت شمل القوى الوطنية وإنقاذ الوطن من الضياع.
وهناك حقائق أصبحت ثابتة حتى لا يستمر الجنرال البرهان في تكرارها كل مرة، فالجميع صار يعلم بوحشية الدعم السريع، وأيضاً بضعف وهوان قواتنا المسلحة وقلة حيلتها ولكن عليه أن يدرك أو إنه يعلم ولكنه يستمر في الإصرار والعناد بأنه لا مجال لعودة الحكم العسكري أو عودة بقايا الحركة اللا إسلامية، وأن البلاد بعد كل هذه التضحيات لن تُحكم إلا من خلال حكومة مدنية ديمقراطية، وأنه لا مكان له في قلوب الشعب السوداني وعليه أن ينطلق من هذه الحقائق والثوابت لمخاطبة العالم، فيقر بإعادة الحكم المدني الديمقراطي وتسليم المطلوبين للعدالة وضرورة العمل على بناء جيش سوداني واحد قوي غير مؤدلج وأن يخاطب العالم الذي صار يعلم كل صغيرة وكبيرة عن السودان من هذا المنطلق حتى يعيد إحترام العالم والشعب السوداني بدلاً من التقوقع في مربع الإصرار على حكم يعلم بأنه لن يكون مفروشاً بالورود ونهاية يعلم بأنها ستكون قاسية.
على الجنرال وهو يستعد لمخاطبة العالم من خلال منبر الأمم المتحدة أن يراجع وضعه قبل مراجعة وضع الوطن، فتلك المراجعة هي ما ينتظرها الشعب السوداني والعالم كله، وهي المنطلق لإيقاف محاق بالوطن وأن يضحي بأحلام والده التي لن تتحقق أبداً، ليكتب في التاريخ بعد كل ما صنعه من دمار بأنه قدم خيراً (واحداً) للوطن ولهذا الشعب الذي تكفيه المزلة التي عاشها.
وثورتنا ستظل مستمرة..
والقصاص آت لامحالة..
والرحمة والخلود للشهداء..
الجريدة
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الشعب السودانی
إقرأ أيضاً:
أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي
لم يعرف التاريخ الإنساني، وأعتقد لن يعرف حتى قيام الساعة، دولة تكذب وتتحرى الكذب في كل أقوالها وأفعالها مثل دولة الكيان الصهيوني الغاصب التي تكذب كما تتنفس، وتعيش على الكذب الذي قامت على أساسه وتحيا عليه.
الدولة التي قامت على كذبة في العام 1948، لا يمكن أن تستمر وتبقى سوى بمزيد من الأكاذيب التي تنتجها آلة الدعاية الصهيونية المدعومة بوسائل الإعلام العالمية، بشكل يومي لكي تستدر عطف العالم الغربي وتبرر احتلالها البغيض للأراضي الفلسطينية وعدوانها الدائم والهمجي على أصحاب الأرض، وعلى كل من يحاول الوقوف في وجهها وكل من يكشف أكاذيبها ويقاوم غطرستها، وجرائمها التي لا تتوقف ضد الإنسانية.
بدأت الأكاذيب الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر مع نشأة الحركة الصهيونية، بالترويج لأكذوبة أن «فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد الله اليهود بالعودة لها بعد قرون من الشتات في الأرض». وكانت هذه الأكذوبة، التي تحولت إلى أسطورة لا دليل على صحتها تاريخيا، المبرر الأول الذي دفع القوى الاستعمارية القديمة، بريطانيا تحديدا، الى إصدار الوعد المشؤوم «وعد بلفور» قبل عام من نهاية الحرب العالمية الأولى بانشاء وطن لليهود في فلسطين. وكان هذا الوعد، كما يقول المؤرخون، الذي صدر عن وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور حجر الأساس لأكبر عملية سرقة في التاريخ، سرقة وطن كامل من أصحابه، ومنحه لمجموعة من العصابات اليهودية دون وجه حق. الوعد الذي لم يعره العالم انتباها وقت صدوره تحول إلى حق مطلق للصهاينة في السنوات التالية، ومن أكذوبة «أرض الميعاد» ووعد الوطن القومي أنتجت الصهيونية العالمية سلسلة لا تنتهي من الأكاذيب التي ما زالت مستمرة حتى اليوم، والمسؤولة، في تقديري، عما يعيشه الفلسطينيون الآن من جحيم تحت الاحتلال الصهيوني.
الكذبة الأولى الخاصة بأرض الميعاد، والتي صدقها العالم نتيجة تكرارها وبفعل التأثير التراكمي طويل المدى لوسائل الاعلام التي سيطر عليها اليهود طوال القرن العشرين، لم تكن سوى أكذوبة سياسية ذات غطاء ديني غير صحيح. إذ تم تفسير النص التوراتي بطريقة ملتوية لتخدم المشروع الصهيوني. ولم تُثبت الحفريات التي يقوم بها الصهاينة أسفل المسجد الأقصى وجود هيكل سليمان أو وجود مملكة داود وسليمان في فلسطين كما تزعم الرواية التوراتية المحرفة، بل أن بعض المؤرخين الإسرائيليين شككوا في وجود اليهود في فلسطين كأمة قبل إنشاء إسرائيل.
دعونا في هذا المقال نتتبع أبرز الأكاذيب الصهيونية التي روجت لها إسرائيل لاستمرار سياساتها العنصرية والتي لم تكن مجرد دعاية عابرة، بل جزءًا من استراتيجية تم وضعها وتهدف في النهاية الى تحقيق الحلم الصهيوني بدولة تمتد «من النيل إلى الفرات»، والترويج للسردية الصهيونية في الاعلام العالمي وحصار السردية الفلسطينية والعربية.
الأكذوبة الثانية التي تمثل امتدادا للأكذوبة الأولى والمرتبطة بها ارتباطا وثيقا، هي أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب، وبالتالي يمكن الاستيلاء عليها واحتلالها وتهجير أهلها منها، وجعلها وطنا للشعب اليهودي الذي كان بلا أرض»، وبذلك يتم نفي الوجود العربي الفلسطيني فيها. وتم الترويج لهذه الأكذوبة في الغرب المسيحي المحافظ من خلال خطاب إعلامي يربط إقامة إسرائيل بقرب ظهور المسيح (عليه السلام). وقد نجح الإعلام الصهيوني والمتصهين في تصوير اليهود باعتبارهم عائدين إلى أرضهم، فيما تمت شيطنة الفلسطينيين والتعامل معهم باعتبارهم إرهابيين يعارضون الوعد الإلهي. وكانت هذه الأكذوبة من أخطر الأكاذيب الصهيونية لتبرير احتلال فلسطين بدعوى أنها خالية من السكان، في حين كان يعيش فيها قبل إعلان قيام إسرائيل نحو مليون وثلاثمائة ألف عربي فلسطيني من المسلمين والمسيحيين.
وتزعم الأكذوبة الصهيونية الثالثة أن الفلسطينيين غادروا أرضهم طواعية بعد هزيمة الجيوش العربية وإعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948. وتم استخدام هذه المزاعم للتغطية على مجازر التطهير العرقي الذي قامت به عصابات الصهاينة، وأبرزها مجازر دير ياسين، واللد، والرملة، لطرد الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم.
لقد ثبت للعالم كله كذب إسرائيل في كل ما روجت له من مزاعم تخالف الحقيقة في الإعلام العالمي المتواطئ معها والمساند لها على الدوام. ومن هذه المزاعم القول بإنها «واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» الذي لا يعرف الديمقراطية. ولم ينتبه العالم إلى أن الديمقراطية الإسرائيلية ترى بعين واحدة، ومخصصة لليهود فقط، ولا تشمل سكانها من الفلسطينيين الذين يعانون من تمييز وفصل عنصري في كل مجالات الحياة. وتستخدم هذه الديمقراطية الأسلحة المحرمة والإبادة الجماعية وسياسات الاغتيال والاعتقال والتعذيب كوسيلة للتعامل مع الفلسطينيين المحرومين من حقوقهم السياسية.
وشبيه بهذا الزعم القول إن «الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم». ومع الأسف ما زالت هذه المقولة تتردد على ألسنة العسكريين والسياسيين الصهاينة وفي بعض وسائل الاعلام الغربية، رغم الجرائم الموثقة من جانب منظمات حقوقية عالمية، والتي ارتكبها ويرتكبها هذا الجيش «عديم الأخلاق» في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا وإيران، واستهدافه المدنيين من النساء والأطفال، والصحفيين والأطباء وغيرهم، واستخدامه لسلاح التجويع في غزة ومنع الإمدادات الإنسانية من الدخول الى القطاع وإتلافها عمدا، وقتل الجوعى.
ولا تتوقف آلة الكذب الصهيونية عند هذا الحد وتضيف لها الجديد من الأكاذيب كل يوم، مثل الأكذوبة المضحكة التي أصبحت مثار سخرية العالم، وهي إن «إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا من جيرانها العرب» المحيطين بها، في الوقت الذي يعلم فيه القاصي والداني أن الكيان الغاصب هو الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تمتلك ترسانة نووية قادرة على محو جميع الدول العربية، وتتمتع بتفوق عسكري يضمنه ويحافظ عليه ويعززه الشريك الأمريكي ودول غرب أوروبا، وتمنع بالقوة أي دولة في المنطقة من امتلاك الطاقة النووية حتى وإن كان للأغراض السلمية، كما فعلت مع العراق وايران. وينسي من يردد هذه الأكذوبة إن إسرائيل فرضت من خلال الولايات المتحدة التطبيع معها على العديد من الدول العربية، ليس فقط دول الجوار التي كان يمكن ان تهددها، وإنما على دول أخرى بعيدة جغرافيا عنها، وفي طريقها لفرضه على المزيد من الدول.
ويكفي أن نعلم أن غالبية الحروب التي دخلتها إسرائيل كانت حروبا استباقية، وكانت فيها المبادرة بالعدوان، وآخرها الحرب على إيران. والحقيقة أن حربها المستمرة منذ نحو عامين على غزة والتي تزعم أنها، أي الحرب، «دفاع عن النفس» ما هي إلا أكذوبة أخرى تأتي في إطار سعيها لتفريغ القطاع من سكانه وتهجيرهم خارجه بعد تدميره وحصاره المستمر منذ العام 2007 وحتى اليوم، وهو ما ينفي الأكذوبة الأكثر وقاحة التي ترددها الآن بأن «حركة حماس هي المسؤولة عن معاناة أهل غزة، وهي من تجوعهم»، مع أن العالم كله يشاهد كيف حولت القطاع إلى أطلال وإلى أكبر سجن مفتوح في العالم بشهادة الأمم المتحدة.