نزوح غير مسبوق من جنوب لبنان بعد غارات إسرائيلية دامية
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
بيروت– أجبرت الغارات الإسرائيلية الكثيفة والواسعة التي طالت مناطق للمرة الأولى آلاف اللبنانيين في جنوب البلاد على النزوح من قراهم وبلداتهم، بعد استهداف المنازل السكنية الآمنة وبعض الطرقات، وسقوط 274 شهيدا وأكثر من 1024 جريحا، حسب وزارة الصحة اللبنانية، ناهيك عن الأضرار المادية في الممتلكات والمنازل والسيارات.
وتعتبر هذه الموجة من النزوح الأكبر، إذ شملت مناطق بعيدة عن خطوط المواجهة الأمامية على طول الشريط الحدودي الذي نزح عنه المواطنون بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وإعلان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله جبهة الجنوب كإسناد لغزة منذ اليوم التالي.
هذه الموجة غير المسبوقة من النزوح شملت قرى وبلدات في الخطوط الثانية أو الخلفية للمواجهة، ومنها أقضية بنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا، والنبطية وصور والزهراني، وصولا إلى البلدات المحيطة بمدينة صيدا التي تعتبر بوابة العبور إلى الجنوب.
وتهدف إسرائيل من هذه الغارات، بحسب محللين، إلى جعل الجنوب أرضا محروقة وإجبار المواطنين على النزوح للضغط على حزب الله للقبول بوقف إطلاق النار على جبهة الجنوب وفك الارتباط مع غزة، وفقا لما قرره مجلس الوزراء الإسرائيلي بجعل عودة المستوطنين من مستعمرات الشمال إلى منازلهم واحدا من أهداف الحرب على غزة.
كما تهدف من خلال التسبب بموجة النزوح إلى الضغط على الحكومة اللبنانية وإرباكها في استيعاب هذه الأعداد الكبيرة، بالإضافة إلى تأليب الرأي العام، بما فيه الشعبي، للضغط على حزب الله، الذي يؤكد أن المواجهة مفتوحة مع إسرائيل، ولن تنجح في إعادة المستوطنين إلى الشمال أو فك الارتباط مع غزة.
بالمقابل، فعّلت الحكومة اللبنانية خطة الطوارئ التي أعدتها لمواجهة أي تصعيد عسكري محتمل أو اندلاع حرب، وبدأت في استيعاب التداعيات السلبية من خلال فتح مراكز إيواء ومدارس، بعد نجاح القطاع الصحي في احتواء تداعيات تفجيرات أجهزة الاتصالات "البيجر" واللاسلكي، وسقوط عشرات الشهداء وآلاف الجرحى.
أكد رئيس لجنة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات ساحل الزهراني سلام بدر الدين، للجزيرة نت، أن إسرائيل مهدت للغارات الكثيفة ببث حالة من الذعر في صفوف المواطنين، حيث أرسلت رسائل نصية واتصالات هاتفية تطالبهم بمغادرة منازلهم وقراهم في مناطق الجنوب، إلا أن الأهالي رفضوا المغادرة حتى بدأت الغارات التي استهدفت منازلهم.
وأوضح بدر الدين أن الغارات العنيفة التي شنها الجيش الإسرائيلي أجبرت العديد من الأهالي على النزوح، وأكد استعداد منطقة الزهراني لاستقبال النازحين وفق خطة الطوارئ، مشيرا إلى أن حالة الإرباك ما زالت سائدة بين المواطنين، حيث لم يقرر الكثير منهم وجهتهم النهائية، سواء إلى الزهراني أو صيدا أو جبل لبنان أو بيروت.
وفي السياق ذاته، اعتبر الخبير العسكري الدكتور علي حمية، في حديث للجزيرة نت، أن النزوح الجماعي للعائلات من الجنوب والمناطق المستهدفة هو نتيجة طبيعية لتوسع دائرة العدوان الإسرائيلي والغارات الكثيفة التي استهدفت القرى والبلدات، إلا أن عددا كبيرا من المواطنين اختاروا البقاء والصمود، مؤكدا أنه أحد هؤلاء الذين قرروا عدم مغادرة منازلهم.
وأضاف أن إسرائيل لجأت إلى بث الرعب بين الأهالي عبر غاراتها الجوية المتواصلة باستخدام الطائرات الحربية والمسيرات.
فشل أمني
وأشار حمية إلى أن إسرائيل انتقلت إلى مرحلة جديدة في عدوانها، حيث ارتكبت مجازر مماثلة لتفجير أجهزة الاتصالات مثل "البيجر" واللاسلكية. واتهم الولايات المتحدة الأميركية بدعم إسرائيل في عدوانها ومجازرها، معتبرا أن المواقف السياسية الأميركية المناقضة لهذا الدعم لا تتعدى التصريحات الإعلامية.
وأكد أن إسرائيل تسعى من خلال هذا التصعيد إلى الضغط على المقاومة لفك ارتباطها بجبهة غزة، وإعادة سكان المستوطنات الشمالية إلى منازلهم.
ورأى حمية أن تكثيف الغارات الإسرائيلية جاء نتيجة فشلها في تحقيق أهدافها السابقة، وأبرزها محاولة اغتيال 4 آلاف عنصر من حزب الله بضربة واحدة، وبالتالي إفراغ المنطقة من القيادة الميدانية، ومع ذلك، شدد على أن إسرائيل فشلت في عدوانها الأمني، وانتقلت إلى التصعيد العسكري، على أمل تحقيق ما عجزت عنه في السابق.
وأضاف أن معظم الضربات الإسرائيلية عشوائية، تستهدف المباني السكنية تحت ذريعة استهداف حزب الله، إلا أن البنية العسكرية للحزب ما زالت قوية، والدليل على ذلك هو قدرته على إطلاق الصواريخ واستهداف العمق الإسرائيلي، واستبعد حمية حدوث أي اقتحام بري إسرائيلي، معتبرا أن مثل هذه الخطوة ستكون نهايتها كارثية على إسرائيل.
يرى الأستاذ في العلاقات الدولية والمحلل السياسي علي مطر في حديثه للجزيرة نت، أن الرد الأنسب الذي يمكن أن يتبعه حزب الله، إلى جانب الردود العسكرية، هو التأكيد على عدم تركه غزة وعدم التخلي عن جبهة فلسطين، مهما كانت النتائج والتكاليف.
ويضيف مطر أنه لا شك في أن إسرائيل بدأت الآن بالضغط على حزب الله من خلال الضغط على لبنان واللبنانيين، وبشكل خاص على بيئة حزب الله في الجنوب والبقاع، في محاولة منها لتحقيق أهدافها بالقوة، حيث لم تستطع إسرائيل إيقاف هذه الجبهة أو دفع حزب الله إلى المفاوضات.
ويؤكد مطر أن إسرائيل معروفة بجرائمها، وما يحدث اليوم يأتي في سياق الجرائم المرتكبة من غزة إلى لبنان، كما أن مشروعها واضح، وهو تهجير بيئة المقاومة، لكن هذه البيئة لا تزال صامدة وتدعم المقاومة.
ويوضح أن ما تقوم به إسرائيل هو سيناريو واضح بدأته بعرض مشاهد وفيديوهات تدعي أن حزب الله يملك صواريخ بين المدنيين، وهو أمر كاذب، لأن هذه الصواريخ كبيرة وثقيلة، ولا يمكن إطلاقها من بين المدنيين دون تدمير المباني، ويعتبر أن هذا السيناريو الكاذب يأتي كوسيلة لزيادة الضغط على الحزب وقصف المدنيين، مشيرا إلى المجزرة التي حدثت اليوم.
واعتبر مطر أن المرحلة الحالية هي مرحلة تصعيد كبرى، متوقعا أن حزب الله لن يوقف الجبهة، بل بالعكس، ستكون هناك ردود أكبر وحساب مفتوح بين حزب الله وإسرائيل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أن إسرائیل على النزوح الضغط على حزب الله من خلال
إقرأ أيضاً:
واشنطن تدرس وقف دعم يونيفيل.. وتوترات الجنوب اللبناني تزداد حدة
نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن مصادر أمريكية مطلعة، أن الولايات المتحدة تدرس خيار إنهاء دعمها المالي والسياسي لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (يونيفيل)، في ظل تصاعد التوترات الحدودية واستمرار النزاع المسلح مع حزب الله.
وذكرت الصحيفة أن واشنطن لم تحسم قرارها بعد، لكنها تشترط إدخال "إصلاحات كبرى" في عمل البعثة، ما يعني أن إنهاء الدعم يبقى مطروحًا بقوة في حال فشل تحقيق تلك الإصلاحات.
ويُجدد تفويض "يونيفيل" سنويًا عبر قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي، وقد تستخدم الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" ضد القرار المقبل المتوقع في أغسطس.
وفي تطور لافت، أفادت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن واشنطن اتخذت قرارًا فعليًا بالتصويت ضد تمديد مهمة "يونيفيل"، في توافق واضح مع الموقف الإسرائيلي الذي يرى أن البعثة لم تعد فاعلة في ضبط أنشطة حزب الله، ولم تُحقق الأهداف الأمنية المرجوة منذ صدور القرار 1701 عقب حرب يوليو 2006.
تل أبيب وواشنطن في موقف موحد ضد "يونيفيل"وتضيف الصحيفة العبرية أن هناك "توافقًا كاملًا" بين إسرائيل والولايات المتحدة حول ضرورة إنهاء عمل "يونيفيل"، بزعم أن البعثة "تفشل في رصد ومنع تعزيز حزب الله لقوته العسكرية جنوب نهر الليطاني"، فيما تعتبر تل أبيب أن استمرار وجود القوة الدولية بات "غير مجدٍ من الناحية الأمنية".
ويأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه الضربات الإسرائيلية على مناطق في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت، ما يعزز القلق من دخول البلاد في دوامة تصعيد واسعة النطاق، خصوصًا في ظل عدم وجود آلية ردع فاعلة.
وفي هذا السياق، اعتبر الناطق باسم "يونيفيل" في جنوب لبنان، أندريا تيننتي، أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة على الضاحية الجنوبية تشكل "تطورًا خطيرًا"، مؤكدًا أنها تمثل "انتهاكًا واضحًا لسيادة لبنان وللقرار 1701"، وتهدد الاستقرار الهش في المنطقة الحدودية التي عانت من نزاع مستمر على مدار أكثر من عام.
وحذّر تيننتي من أن التصعيد لا يؤدي فقط إلى ارتفاع منسوب التوتر، بل قد يؤدي إلى "خلق وضع خطير جدًا"، خاصة في ظل غياب أي أفق لحل سياسي أو