تجربة العملاء وأهميتها في مؤسساتنا
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
رقية اللواتية
في ظل التطور السريع الذي تشهده القطاعات الخدمية في سلطنة عُمان والعالم، أصبحت تجربة العملاء واحدة من الركائز الأساسية التي تميز المؤسسات الناجحة عن غيرها.
وتؤدي تجربة العملاء دورًا محوريًا في تعزيز رضا العملاء، وزيادة ولائهم، وبالتالي تحسين الأداء المالي للمؤسسات على المدى القريب والبعيد.
وهناك العديد من الأدوات الأساسية لتحسين تجربة العملاء يأتي في مقدمتها تصميم رحلة العميل، حيث يعتبر تصميم رحلة العميل أداة أساسية لفهم نقاط الاتصال المختلفة التي يمر بها العميل مع المؤسسة. من خلال خريطة رحلة العميل، يمكن للمؤسسة تحديد النقاط القوية والضعيفة في التجربة، والعمل على تحسينها بشكل استراتيجي لضمان تجربة متكاملة وسلسة.
إضافة إلى ذلك استبيانات العملاء؛ حيث تمثل استبيانات العملاء وسيلة فعّالة لجمع آراء العملاء حول تجاربهم مع المؤسسة. توفر هذه الاستبيانات بيانات قيمة يمكن استخدامها لتحليل مستوى رضا العملاء وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين.
وأخيرًا "التسوق الخفي"؛ إذ يُعد التسوق الخفي من أهم الأدوات لتقييم تجربة العملاء بشكل موضوعي. ويتمثل دور المتسوق الخفي في التفاعل مع المؤسسة كعميل عادي، وتقييم الخدمة من منظور العميل، مما يساعد على كشف جوانب القصور التي قد لا تكون ظاهرة للمؤسسة.
ومن أجل تقييم وتحسين تجربة العملاء بشكل مستمر، فإن من الضروري تطوير مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) التي تتيح متابعة وتحليل تجربة العملاء. من أبرز هذه المؤشرات معدل رضا العملاء (Customer Satisfaction Score - CSAT): يقيس مدى رضا العملاء عن المنتجات أو الخدمات التي تقدمها المؤسسة. يعتبر CSAT أداة فعالة لمعرفة مدى تحقيق توقعات العملاء. وكذلك مؤشر صافي الترويج (Net Promoter Score - NPS): يقيس احتمال أن يوصي العملاء بالمؤسسة للآخرين. يعتبر NPS مقياسًا هامًا لولاء العملاء وقدرتهم على الترويج للمؤسسة.
ومعدل الاحتفاظ بالعملاء (Customer Retention Rate)، الذي يقيس نسبة العملاء الذين يستمرون في التعامل مع المؤسسة على مدار فترة زمنية معينة. يساعد هذا المؤشر على تحديد مدى فعالية استراتيجيات الاحتفاظ بالعملاء.
ومعدل التخلي عن العملاء (Customer Churn Rate)، الذي يقيس نسبة العملاء الذين يتركون التعامل مع المؤسسة. يعد هذا المؤشر أساسيًا لفهم الأسباب التي تدفع العملاء للابتعاد عن المؤسسة والعمل على تحسينها.
ومع التوجه نحو التحول الرقمي لتحقيق رؤية "عُمان 2040"، يصبح تصميم تجربة المستخدم أمرًا بالغ الأهمية. من الضروري أن تأخذ المؤسسات في الاعتبار كيف يؤثر التحول الرقمي على تجربة العملاء، خاصة عند أتمتة الخدمات الحكومية. يجب أن تكون العمليات الإلكترونية مصممة بطريقة تسهّل على المواطنين استخدام الخدمات، مع التأكد من تبسيط العمليات وتقليل التعقيدات.
إن تصميم تجربة مستخدم فعالة لا يقتصر فقط على الجانب التقني، بل يتطلب فهمًا عميقًا لاحتياجات العملاء وتوقعاتهم. كلما كانت التجربة الرقمية سلسة وسهلة، زادت نسبة رضا العملاء وولائهم للمؤسسة. المؤسسات التي تعطي الأولوية لتجربة العملاء خلال مراحل التحول المؤسسي تتسم بالمرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات السريعة في السوق و التكنولوجيا، مما يعزز من قدرتها على البقاء والتطور.فاما عن المؤسسات التي تهمل تجربة العملاء تجد نفسها في مواجهة تحديات كبيرة، بما في ذلك تراجع ولاء العملاء، وزيادة معدلات الشكاوى، وتراجع الأداء المالي على المدى الطويل.
في الختام.. إنَّ تجربة العملاء ليست مجرد قسم أو مهمة إضافية، بل هي الركيزة الأساسية التي يجب أن تبني عليها المؤسسات استراتيجياتها لتحقيق النجاح في مرحلة التحول المؤسسي. المؤسسات التي تدرك هذه الحقيقة ستكون قادرة على تحقيق نتائج إيجابية على المدى القريب والبعيد، وتكون في طليعة المؤسسات المساهمة في تحقيق رؤية "عُمان 2040".
** رئيسة التغيير ببنك الإسكان العُماني
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تهميش النخب في الأردن: إقصاء العقول وتعطيل المستقبل
#تهميش_النخب في #الأردن: #إقصاء_العقول و #تعطيل_المستقبل
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
يمر الأردن اليوم بلحظة حرجة في تاريخه السياسي، تتقاطع فيها التحديات الاقتصادية والاجتماعية مع أزمة صامتة، لكنها عميقة وفاعلة: أزمة تهميش النخب وإقصائها من المشهد العام. هذه الأزمة، التي تتجذّر بصمت منذ سنوات، باتت تعرقل إمكانية الإصلاح الحقيقي، وتغلق نوافذ التحديث، وتعمّق الفجوة بين الدولة والمجتمع، وبين السلطة والمواطن، وبين الخطاب والواقع.
لقد أدت السياسات المتراكمة إلى تغييب النخب السياسية والفكرية التي تمتلك رؤية وطنية نقدية ومسؤولة، نخب كان بإمكانها أن تقود المجتمع في لحظات التحول، وأن تسهم في تشكيل وعي جمعي ناضج، يعيد الثقة بالعملية السياسية. إلا أن تلك النخب وجدت نفسها، عبر آليات مقصودة، خارج دائرة الفعل، تُستبعد من مواقع القرار، وتُقصى من الحضور الإعلامي، وتُهمّش في التشريع والتنفيذ، حتى غدت بلا دور، أو أُجبرت على الصمت أو الانسحاب.
مقالات ذات صلةفي المقابل، جرى تمكين نخب بديلة لا تحمل بالضرورة كفاءة سياسية أو فكرية، وإنما تمتلك مواصفات الولاء، وتُجيد البقاء في الظل دون مساءلة أو طموح في التغيير. وهذا التحول البنيوي لم يكن عبثيًا أو عرضيًا، بل جاء نتيجة لتراكمات قانونية وإدارية، أبرزها النظام الانتخابي الذي صُمّم بشكل لا يتيح للتيارات الوطنية المنظمة أن تصل إلى البرلمان، ولا يسمح للقيادات الحقيقية أن تعبّر عن قواعدها الاجتماعية بصورة حرة وفاعلة. فبدلًا من أن يكون البرلمان منبرًا للنقاش السياسي وإنتاج السياسات العامة، تحوّل إلى ساحة للمصالح الفردية والمناطقية، وغابت عنه روح المصلحة الوطنية.
إن تهميش النخب لا يعني فقط إبعاد أشخاص عن مواقعهم، بل يعني قبل كل شيء تعطيل العقل السياسي الوطني، وتفريغ الدولة من طاقتها النقدية، وكفاءتها المؤسسية. الدولة الحديثة لا تُبنى بالمجاملات ولا تدار بالشعارات، بل تحتاج إلى رجال دولة حقيقيين، وإلى مفكرين يحملون مشروعًا، لا مجرد موقع. النخبة ليست فئة متعالية أو معزولة عن المجتمع، بل هي الطبقة الواعية التي تُعبّر عن وجدان الناس، وتملك أدوات التفكير الاستراتيجي، وتُحسن صياغة المستقبل بعيدًا عن التكتيك اللحظي وضغوط اللحظة.
غياب هذه النخب عن مواقع التأثير أدى إلى حالة من الشلل السياسي، حيث تتكرر الأزمات دون حلول، وتتفاقم المشاكل دون مساءلة، ويُعاد إنتاج الفشل بصيغ مختلفة. المواطن فقد الثقة، ليس فقط في العملية السياسية، بل في جدوى المشاركة برمتها، لأن الخيارات المتاحة لا تُمثله، ولا تُشبهه، ولا تعبر عن طموحه في العدالة والكرامة والتنمية. نحن لا نعاني من نقص في الكفاءات، بل من تغييب مُمنهج لها، ومن إقصاء كل من يمتلك الجرأة على التفكير المستقل، أو الطموح في بناء وطن مختلف.
إن استمرار هذه السياسات لا يؤدي إلا إلى مزيد من التكلس، ومزيد من العزلة، ومزيد من الاحتقان الصامت الذي لا يلبث أن يتحول إلى سخط عام. لا يمكن أن نبني دولة قانون ومؤسسات، أو نُنجز إصلاحًا حقيقيًا، دون أن نعيد الاعتبار للنخب الوطنية، ودون أن نمنحها المساحة الآمنة والعادلة للمشاركة والتأثير. التغيير يبدأ بإعادة الاعتراف بقدرة العقول لا العناوين، وبجدارة الفكر لا المجاملات، وبأن الاستقرار الحقيقي لا يأتي من إسكات الأصوات، بل من إشراكها في صياغة المستقبل.
اللحظة الراهنة تستدعي وقفة جادة مع الذات، ومراجعة شجاعة لخياراتنا السياسية، فالدول لا تُقاس فقط بعدد الطرق والمشاريع، بل بنوع النخب التي تديرها، وبمدى احترام العقل والكفاءة والاختلاف. ولعل أول الطريق يبدأ من الاعتراف بأن النخب التي أُقصيت عن المشهد لم تكن عبئًا، بل كانت فرصًا ضُيّعت في لحظة كان الوطن أحوج ما يكون إليها.
???? عن الكاتب:
أ.د. محمد تركي بني سلامة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك، وباحث متخصص في شؤون الإصلاح السياسي والحوكمة في الأردن. له العديد من المؤلفات والأبحاث المحكمة التي تناولت التحول الديمقراطي، المشاركة السياسية، ومأزق النخب في السياق الأردني، ويُعد من أبرز الأصوات الأكاديمية الناقدة للسياسات العامة في المملكة.