هل بدأت الحرب المفتوحة بين إسرائيل و"حزب الله"؟
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
د. هيثم مزاحم **
يتعرض لبنان منذ أسبوع لعدوان صهيوني وحشي واسع؛ إذ استهدفت مئات الغارات الإجرامية التي نفذتها المقاتلات الإسرائيلية معظم مدن وقرى الجنوب والبقاعين الغربي والشمالي، وتعمدت إسرئيل في مجازرها استهداف المدنيين في منازلهم ومتاجرهم وأسواقهم وسياراتهم؛ ما أدى إلى استشهاد نحو 500 مدني معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، ونحو 1700 جريح، ونزوح مئات آلاف اللبنانيين من جنوب لبنان والبقاع إلى بيروت وشمال لبنان وسوريا.
وقد أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي على عدوانه الجديد على لبنان تسمية "سهام الشمال"، بعدما أضافت حكومة نتنياهو الأسبوع الماضي هدفًا جديدًا لأهداف عدوانها الإبادي على قطاع غزة، وهو إعادة سكان شمال الكيان المحتل إلى بلداتهم ومنازلهم، بعدما نزحوا إثر فتح حزب الله جبهة الإسناد للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في الثامن من أكتوبر 2023 واستهداف عدد كبير من القواعد والتجمعات العسكرية في المستوطنات الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة.
ويسعى جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى ضرب قدرات حزب الله العسكرية والبشرية قدر المستطاع، بدأ ذلك بضربات أمنية وعسكرية موجعة للمقاومة بعدما استطاع اختراق شبكة التوريد لحزب الله وتفخيخ شحنات كبيرة تضم الآلاف من أجهزة البيجر واللاسلكي، وقام بتفجيرها بنحو خمسة آلاف من حامليها من مسؤولي وعناصر حزب الله، وهو ما أسفر عن استشهاد أكثر من 45 عنصرًا وجرح نحو 4 آلاف آخرين، إصابة المئات منهم حرجة، فيما فقد المئات أبصارهم أو أطرافهم. وقد أقر أمين عام حزب الله حسن نصرالله بأن هذه ضربة أمنية موجهة لم يشهد حزبه مثيلًا لها منذ تأسيسه عام 1982، إذ لم يشهد التاريخ استهدافًا لخمسة آلاف شخص خلال دقيقتين بتفجير أجهزة اتصالاتهم.
مجزرتا أجهزة البيجر والووكي توكي يوم الثلاثاء والأربعاء الماضيين، لم تكونا الضربتين الوحيدتين لحزب الله وبنيته التنظيمية والعسكرية، إذ فاجأ العدو الإسرائيلي المقاومة باستهداف اجتماع لقيادة فرقة الرضوان بغارة بمقاتلات إف-35 استهدفت مبنى في الضاحية الجنوبية لبيروت؛ حيث دمرت مبنيين سكنيين يسكنهما مدنيون، من أجل الوصول إلى ملجأ أحد المبنيين في الطابق الثاني تحت الأرض حيث اجتمعت لجنة فرقة الرضوان، فرقة النخبة لحزب الله، برئاسة قائد العمليات في الحزب إبراهيم عقيل ونائبه أحمد وهبي، مع مسؤولين وعناصر آخرين، إذ سقط عقيل ووهبي و14 آخرين شهداء، بينما استشهد نحو 50 مدنيًا من سكان المبنيين أو من المارين قربهما، في منطقة مكتظة بالسكان والمتاجر وفي وقت الذروة ظهيرة يوم الخميس الماضي.
ويقال إن إبراهيم عقيل، وهو مطلوب للأمريكيين بتهمة التخطيط والإعداد لتفجير مقر قوات المارينز في بيروت عام 1983، قد تسلم القيادة العسكرية في حزب الله بعد اغتيال فؤاد شكر، القائد العسكري السابق، في غارة على المبنى الذي كان يقيم فيه في الضاحية أواخر يوليو الماضي.
ولا شك أن هذين الاغتيالين لكل من شكر وعقيل هما ضربتان مؤلمتان لحزب الله ونصرالله، إضافة إلى مقتل قائد قوة الرضوان أحمد وهبي مع عدد من رفاقه في القوة في الغارة الأخيرة. وكان الحزب قد فقد قادة آخرين على مراحل منذ فتح جبهة الإسناد في 8 أكتوبر 2023، أبرزهم أبو طالب وأبو نعمة ووسام الطويل، وعشرات الكوادر والمقاومين وصل عددهم إلى أكثر من 500 شهيد.
وتثير عمليات الاغتيال هذه للقادة الكبار وخاصة لكل من شكر وعقيل، وأخيرًا محاولة اغتيال القائد العسكري الثالث، علي كركي، الذي يتولى قيادة جبهة الجنوب، في غارة في الضاحية أمس، تثير تساؤلات وشكوكًا حول احتمال اختراق أمني إسرائيلي على مستوى عالٍ، خاصة أن كلًا من شكر وعقيل غير معروفين إلا بين عدد قليل من القيادات والمسؤولين في الحزب، وهما مطاردان من الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، وليس لهما صور حديثة. كما يفترض أنهما يتجنبان استخدام أجهزة الاتصالات الخلوية والإنترنت، وأنهما كان يحيطان تحركاتهما وأماكن إقامتهما وسكنهما بسرية كبيرة.
ولعل استخدامهما أجهزة البيجر قد كشفت موقعيهما وأماكن عملهما وسكنهما وتحركاتهما، مع غيرهم من المسؤولين والكوادر التي كانت تستخدم هذه الأجهزة. لكن استهداف عقيل واجتماع فرقة الرضوان قد حصل بعد يومين من تفجير أجهزة البيجر، مما يفترض أن القادة قد تخلوا عن استخدامها وابتعدوا عن كل أنواع أجهزة الاتصالات إلى حين تأمين البديل الآمن. وهنا يبرز السؤال الذي ستحقق فيه الأجهزة الأمنية في الحزب، هل كان مكان اجتماع فرقة الرضوان مكشوفًا في وقت سابق للاستخبارات الإسرائيلية، وخاصة أن المقالتلات الإسرائيلية كانت تعرف أن الاجتماع يعقد في الطابق الثاني تحت الأرض، وهي قامت بتدمير المبنى وتسويته على الأرض أولًا ثم قامت باستهداف الملجأ بصواريخ لضمان وصولها إلى مكان الاجتماع تحت الأرض. وعلى افتراض كان المكان مكشوفًا مسبقًا، كيف علمت الاستخبارات الصهيونية بخبر انعقاد الاجتماع وتوقيته، إذ زعمت مصادر إسرائيلية أنه اجتماع نادر وعلمت به قبل نصف ساعة من تنفيذ الغارة لاستهداف قيادة الرضوان.
وثمة اعتقاد لدى قادة جيش الاحتلال أن حزب الله يواجه صعوبة في تثبيت التسلسل الهرمي في قيادته العليا وملء الرتب المتوسطة، بعد استهداف قادة رئيسيين في الحزب، بدءًا بفؤاد شُكر، وانتهاءً بقادة الفرق والألوية الذين شغلوا مراكز مهمة. كما اعتقدوا واهمين أن ضربات البيجر واللاسلكي قد أربكت التحكم والسيطرة في المقاومة وأعاقت التواصل الفعال بين القيادة والمقاومين، وأن الغارات الاستباقية الكثيفة على ما تعتقد إسرائيل أنه منصات لإطلاق الصواريخ قد دمّرت نصف مخزونها من الصواريخ. لكن غزارة صيلات الصواريخ خلال الأيام الثلاثة الماضية وصولًا إلى حيفا وما بعد حيفا، ودك مطارات وقواعد ومصانع عسكرية، تؤكد كذب هذه المزاعم ووهم قادة العدو.
على أي حال، جاءت هذه الضربات الإسرائيلية تمهيدًا للعدوان الواسع الذي بدأ أمس الاثنين، ضمن خطة إسرائيلية للضغط بالدماء على حزب الله. خطة نتنياهو هي تدفيع الشعب اللبناني والبيئة الحاضنة للحزب ثمن مواقفه التي تربط وقف إطلاق النار في الجنوب بوقف إطلاق النار قي قطاع غزة. تظن إسرائيل أن السكان سيضغطون على الحزب لوقف الحرب مما يعيد مستوطني شمال الكيان إلى منازلهم.
إذن، معركة عض الأصابع بين جيش الاحتلال وحزب الله قد بدأت ولا يبدو أنها ستنتهي في وقت قريب. فالمجرم نتنياهو يبدو أنه نسي عزيمة وعقيدة قيادة المقاومة ومجاهديها من جهة، واستعداد بيئته لتقديم تضحيات في سبيل القضية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الصهيوني من جهة أخرى. فلبنان يدفع ثمن قيام الكيان الصهيوني في فلسطين منذ عام 1948 وخاض حروبًا كثيرة منذ معركة المالكية عام 1948 وصولًا إلى اجتياح جزء من جنوب لبنان عام 1978، والغزو الشامل للبنان عام 1982 وعدواني 1993 و1996 وصولًا إلى عدوان 2006، وأخيرًا إلى الاعتداءات اليومية المستمرة خلال نحو سنة منذ الثامن من أكتوبر 2023. لكن مشكلة العدو الإسرائيلي أنه لا يتعلم من دروس التاريخ بل يكرر الأخطاء نفسها، إذ يعتقد أن بتفوقه التكنولوجي والعسكري والدعم الأميركي المطلق له سيكسر إرادة المقاومة، لكن قادة الاحتلال مخطئون ومتعنتون تعميهم العقيدة الصهيونية والتلمودية والتمسك بالسلطة والأرض كلها، ورفضهم لجميع مبادرات التسوية السلمية وقيام دولة فلسطينية.
المقاومة في لبنان أعدت خلال 14 عامًا لهذا اليوم، يوم الدخول في مواجهة مفتوحة مع الكيان الغاضب. وعلى الرغم من الضربات الموجعة الأسبوع الماضي والمجازر أمس، لن تتنازل المقاومة عن شروطها لوقف الحرب، وأبرزها وقف العدوان على قطاع غزة. فلم ترهبهم "عناقيد الغضب" أو ولن ترهبهم "سهام الشمال"، فسوف ترتد سهامهم إليهم مجبولة بغضب ودماء ودموع اللبنانيين، بمواكبة صواريخ بركان وفادي وفجر وزلزال ورعد ومسيّرات الهدهد.
** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية- لبنان
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
يديعوت أحرونوت: الإمارات متمسكة بالتطبيع مع إسرائيل رغم الحرب على غزة
قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية إن الأسبوع المقبل يصادف مرور خمس سنوات على إعلان إقامة العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة والاحتلال الإسرائيلي، في إطار اتفاقيات أبراهام، لتصبح منذ ذلك الحين أقرب حليف لإسرائيل في العالم العربي.
ورغم تصاعد الضغوط عليها بسبب الحرب الدائرة في غزة، أكدت الصحيفة أن الإمارات واصلت التمسك بالتزاماتها بموجب الاتفاقيات، بل عملت على رعايتها وتعزيزها، حيث بقي السفير الإسرائيلي في أبوظبي في حين عاد نظرائه من دول عربية أخرى إلى بلادهم، كما استمرت اللقاءات العلنية بين وزراء خارجية البلدين، وازدهرت حركة التجارة، وتوطدت الشراكة الأمنية، خاصة في مجال صفقات السلاح.
وأضافت الصحيفة أن أبوظبي لا تزال منخرطة بعمق في الملف الإنساني لقطاع غزة، حتى أكثر من مصر المجاورة، مشيرة إلى أن الإمارات قدمت نفسها كداعم رئيسي للشعب الفلسطيني من خلال مساعدات إنسانية، مع الحفاظ على علاقات "سلام دافئ" مع تل أبيب، وهو ما لم تقدمه دول عربية أخرى مثل الأردن ومصر.
صورة الإمارات والانتقادات
وبحسب التقرير، تواجه الإمارات انتقادات عربية ودولية متزايدة بسبب استمرار علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب، إذ أصبحت سفاراتها حول العالم هدفًا للاحتجاجات، كما يتعرض مواطنوها أحيانًا لمضايقات في الدول العربية.
وأشارت الصحيفة إلى أن استطلاعات الرأي أظهرت تراجع صورة الإمارات في الشارع العربي نتيجة هذه السياسة، بل إن بعض الانتقادات تصدر من داخل الدولة نفسها.
ورغم ذلك، يرد المسؤولون الإماراتيون على هذه الانتقادات بالتأكيد أن علاقاتهم مع الاحتلال الإسرائيلي تمكنهم من تحقيق إنجازات للفلسطينيين لم تكن ممكنة لولا هذا الانفتاح، موضحين أن التعاون مع تل أبيب يمنحهم القدرة على التأثير في ملفات مثل إعادة إعمار غزة، مع السعي لتعزيز نفوذهم في القطاع بعد الحرب، على حساب أطراف إقليمية منافسة مثل قطر.
وترى الصحيفة أن الإمارات تعتبر "حصريتها" في العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي ورقة استراتيجية، خاصة بعد المساعدة العسكرية التي تلقتها من تل أبيب في أعقاب الهجوم الصاروخي الحوثي على أبوظبي عام 2022، حين أرسلت إسرائيل بطاريات دفاع صاروخي للمساهمة في حمايتها.
مؤشرات التغيير واحتمالات التراجع
لكن يديعوت أحرونوت لفتت إلى أن موقف الإمارات من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي شهد تعديلاً ملحوظًا خلال العام والنصف الماضيين، إذ تبنت أبوظبي خطابا أكثر انتقادا لإسرائيل في اتصالاتها الدبلوماسية، ورفعت من دعمها السياسي للفلسطينيين، خاصة عبر التأكيد على مطلب إقامة دولة فلسطينية كشرط لمشاركتها في إعادة إعمار غزة.
وترى الصحيفة أن احتمال إقدام الإمارات على إلغاء اتفاقيات أبراهام يظل ضعيفًا، لكون هذه الخطوة ستضر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، وقد تُفسر على أنها اعتراف بفشل سياسة التطبيع.
ومع ذلك، ترجح أن تلجأ أبوظبي إلى خطوات تدريجية لتقليص مستوى العلاقة، مثل تجميد مشاريع مشتركة وتقليص التنسيق الثنائي، وصولًا إلى ما يشبه "السلام البارد" الذي يميز علاقات مصر والأردن مع الاحتلال الإسرائيلي.
وتؤكد الصحيفة أن هذا السيناريو قد يتسارع إذا تراجعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن دعمها القوي لإسرائيل، أو إذا مضت الحكومة الإسرائيلية في قرارات مثيرة للجدل، وهو ما قد يمنح الإمارات غطاءً سياسيًا للابتعاد عن تل أبيب.
وأشارت يديعوت أحرونوت إلى أن استمرار الحرب في غزة يهدد الرؤية الإقليمية التي تسعى الإمارات لترسيخها، باعتبارها مركزًا عالميًا للتجارة والنقل والطاقة والابتكار، وهي مكانة تتطلب بيئة إقليمية مستقرة.
وأضاف التقرير أن الضرر الذي لحق بعلاقات الاحتلال الإسرائيلي مع الإمارات ودول أخرى من اتفاقيات أبراهام قد يكون قابلاً للإصلاح بعد الحرب، بل وربما يشهد مسار التطبيع توسعًا يشمل السعودية، لكن ذلك مرتبط بتوقيت انتهاء الحرب وكيفيته، إلى جانب قدرة إسرائيل على إضعاف حركة حماس، وهو الهدف الذي تقول الصحيفة إن تل أبيب فشلت في تحقيقه حتى الآن.
وحذرت الصحيفة من أن بقاء حماس أو عودة نشاطها بعد الحرب قد يمنح دفعة قوية للحركات الإسلامية السياسية المعادية للأنظمة العربية، وهو ما يشكل مصدر قلق استراتيجي للإمارات التي تعتبر جماعة الإخوان المسلمين تهديدًا مباشرًا.
"معجزة" بقاء الاتفاقيات
ورغم كل التحديات، تصف يديعوت أحرونوت بقاء اتفاقيات أبراهام على حالها بأنه "أشبه بالمعجزة"، في ظل تصاعد الأحداث في غزة وتغير اتجاهات الرأي العام العربي.
وترى أن المعادلة الإماراتية القائمة على الجمع بين الحفاظ على العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي ودعم الفلسطينيين تواجه اختبارًا صعبًا، إذ يضيق هامش المناورة أمام أبوظبي، وقد تجد نفسها مضطرة لاتخاذ موقف حاسم في المستقبل القريب، حتى وإن لم يكن ذلك من رغبتها.
واختتمت الصحيفة العبرية تقريرها بالتأكيد على أن القيادة الإماراتية، سواء في تصريحاتها العلنية أو في النقاشات المغلقة، ما زالت تؤيد خيار التطبيع مع إسرائيل رغم الضغوط، معتبرة أن مكاسب هذه العلاقة لا تزال تفوق خسائرها، مع إيمانها بقدرتها على التحكم في الخطاب الداخلي والخارجي واحتواء الانتقادات.