يحتلُّ القِطاع الخيري والتطوُّعي حيِّزًا مُهمًّا من الثروة الوطنيَّة في العالَّم، فهو يُقدِّم خدمات اجتماعيَّة نوعيَّة كثيرة في مجالات حيويَّة عديدة كالصحَّة والتعليم ورعاية الفئات الضعيفة، والتدريب المهني، ورعاية الجاليَّات، ودعم المرأة، وسدِّ احتياجات الأُسرة وغيرها, ويتمُّ ذلك من خلال شريحة واسعة من المنظَّمات الأهليَّة غير الحكوميَّة وغير الربحيَّة مِثل: المؤسَّسات والهيئات والأندية، والجمعيَّات، والاتِّحادات وغيرها والتي تُشكِّل في مجموعها البناء المؤسَّسي للمُجتمع المَدَني.


وتُصنَّف منظَّمات المُجتمع المَدَني إلى تصنيفات مختلفة: فمِنها مناطقي جغرافي حيث تُوزَّع على أرجاء الوطن توزيعًا جغرافيًّا مِثل: منظَّمات محليَّة، منظَّمات أجنبيَّة ودوليَّة، منظَّمات عربيَّة، ومنظَّمات إقليميَّة، ومنظَّمات وطنيَّة. والمنظَّمات الوطنيَّة بِدَوْرها تُقسَّم حسب مناطق الوطن الواحد، فتُوزَّع بحسب المحافظات، أو الولايات، أو المُدُن والقرى. فهناك طبيعة خاصَّة لأنشطة المنظَّمات التي تدعم المناطق القرويَّة أو حتى الصحراويَّة. وبعبارة أخرى، المناطق التي لا تحظى بدعم كافٍ في توفير الخدمات، ودعم البنية التحتيَّة، وهذه المنظَّمات ـ بطبيعة الحال ـ تُقدِّم خدمات اجتماعيَّة لأهالي المناطق.
ومن هذه التصنيفات ما يكُونُ معيارها وظيفيًّا مِثل: جمعيَّات المزارعين والفلَّاحين، وجمعيَّات المحامين، وجمعيَّات رجال الأعمال، وجمعيَّات الأطباء، وغيرها وهي إمَّا تكُونُ جمعيَّات مُجتمع مَدَني يقتصر دَوْرها على تدريب العاملين في قِطاع المهنة، واتِّخاذ ما يلزم لدعم الأعضاء مهنيًّا، وتنسيق التعاون بَيْنَهم في مجال المهنة، وتطوير قِطاع المهنة، أو تكُونُ في صورة نقابات مهنيَّة تطالب بحقوق وامتيازات العاملين في قِطاع المهنة. ومن هذه التصنيفات المعيار الجندري، مِثل الجمعيَّات النسائيَّة، جمعيَّات رجال الأعمال.
ولعلَّ من أهم معايير تصنيف المنظَّمات الأهليَّة، يكُونُ وفق أهداف المنظَّمة الأهليَّة الواردة في أنظمتها الأساسيَّة، حيث يتمُّ تحديد الدَّور الذي تقوم به المنظَّمة الأهليَّة في المُجتمع ونَوْع الخدمات الاجتماعيَّة مِثل المنظَّمات الأهليَّة التي تخدم المعوقين، والمنظَّمات التي تخدم المُسنِّين، والأندية التي تجمع أعضاء جالية معيَّنة يكونون مغتربين فيكُونُ مظلَّة لتجمُّع أفراد الجالية للاحتفال في مناسباتهم كالأعياد الوطنيَّة، والمناسبات الدينيَّة والاجتماعيَّة، كما يُعزِّزون التواصل بَيْنَ أفراد الجالية الواحدة لمساندة بعضهم البعض خلال فترة اغترابهم. ومن هذه الجمعيَّات الخيريَّة التي تُعنى بتحسين الوضع المعيشي للأُسرة، والجمعيَّات التي تُعنى بتنمية الطفولة، وتنمية الشَّباب، فهي تهتمُّ باكتشاف مواهبهم وتُعنى بتشجيعهم وتطوير قدراتهم وتمكينهم في المُجتمع.
من هنا تأتي أهمِّية الدقَّة والوضوح في إعداد أهداف المنظَّمة الأهليَّة أثناء مرحلة تأسيس المنظَّمة الأهليَّة، وإعداد النظام الأساسي لها. فالمؤسِّسون قَدْ يتغيَّرون، وقَدْ يتغيَّر الأعضاء، أمَّا النظام الأساسي الذي يرسم طبيعة نشاط الجمعيَّة فلَنْ يتغيَّرَ إلَّا بتغيُّر النظام بعد توافق أغلبيَّة ثلثَي أعضاء الجمعيَّة العموميَّة على تغيُّر الأهداف. فلصياغة أهداف الجمعيَّة في نظامها الأساسي أهمِّية كبيرة، فهي ستحدِّد تصنيف الجمعيَّة، والمجال الذي ستنشط فيه، ونَوْع الخدمات الاجتماعيَّة التي ستُقدِّمها المنظَّمة الأهليَّة.
وكلما كانت الأهداف محدَّدة ودقيقة، كان هناك وضوح وسهولة في إعداد الخطط الاستراتيجيَّة، والتنفيذيَّة للمنظَّمة الأهليَّة. فمثلًا شاع الاتِّجاه في المُجتمع المَدَني سابقًا بتأسيس جمعيَّات للمعوقين تخدم جميع أنواع الإعاقات الذهنيَّة والجسديَّة، ولكن مع تطوُّر التخصُّص في هذا المجال حيث ظهر تخصُّص رعاية المعوقين، وأصبح مصنَّفًا حسب نَوْع الإعاقة، انعكس ذلك على تصنيف المنظَّمات الأهليَّة المعنيَّة بالمعوقين، حيث ظهرت جمعيَّات تُعنى بالتوحُّديين، ومتلازمة داون، والشَّلل الدماغي، وغيرها من الإعاقات. ويُمكِننا القول إنَّ التغيُّر في احتياجات المُجتمع ينعكس على أهداف المنظَّمات الأهليَّة، وبالتَّالي سينعكس على تصنيفاتها، من هنا تأتي أهمِّية الدراسات المتعلقة بتحديد احتياجات المُجتمع، ومتغيِّراته، ومواكبة المستجدَّات الاجتماعيَّة. فعلى الجهات المعنيَّة، سواء كانت حكوميَّة أو قِطاعًا خاصًّا أو قِطاعًا أهليًّا التركيز على مِثل هذا النَّوع من البحوث، فيتمُّ التركيز على البحوث التي تُحدِّد أولويَّات احتياجات المرأة، والبحوث المتعلِّقة بتحدِّيات الشَّباب، والبحوث المتعلِّقة بانتشار أنواع معيَّنة من الإعاقات، والصعوبات التي تُواجِه المُسنِّين كالمعاناة من الفراغ، والحاجة لإعادة تأهيل المنازل والأماكن العامَّة لتتفق مع احتياجاتهم مِثل توفير المقابض التي يتكئ عليها المُسنُّ، وتوفير المنحدرات، وتكبير حجم الحروف في الإعلانات للمساعدة على القراءة، وتوفير الأندية النهاريَّة، ودراسة مدى الاستفادة من طاقاتهم وخبراتهم. وهنا نؤكِّد أنَّ أهداف المنظَّمات الأهليَّة، وتصنيفاتها لا بُدَّ أن تتَّسمَ بالديناميكيَّة وسهلة تطويرها لِتواكبَ المستجدَّات في احتياجات المُجتمع، وبالتَّالي لا بُدَّ من وضع آليَّة منظَّمة لإعادة دراسة أهداف المنظَّمات الأهليَّة بشكلٍ دوري مستمر، والتحقُّق من مدى مواكبتها لاحتياجات المُجتمع، كما يُفضَّل تسهيل تعديل أنظمتها الأساسيَّة، خصوصًا ما إذا بُني هذا التعديل على دراسة اجتماعيَّة للمستجدَّات في احتياجات المُجتمع… ودُمْتُم أبناء قومي سالمين.

نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري
najanahi@gmail.com
Najwa.janahi@

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ات التی ت ق طاع ا الم د ن ة التی

إقرأ أيضاً:

مختصون يؤكدون ضرورة تحديث تصنيف المؤسسات الصغيرة لتعزيز التنافسية

 

 

الرؤية- ريم الحامدية

أكد مختصون في منصة "قيمة" أن تصنيف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بحاجة إلى تحديث شامل يُراعي الواقع الاقتصادي الجديد، وذلك بعد التعديلات التشريعية التي سمحت بتملك الأجانب الكامل للسجلات التجارية، مشيرين إلى أنَّ التمييز بين المؤسسات ذات الطابع المحلي الحقيقي وتلك ذات الطابع الاستثماري أصبح أكثر تعقيدًا مما يستدعي تطوير آليات دقيقة وعادلة في تطبيق سياسات التفضيل وإسناد العقود.

جاء ذلك خلال نقاش موسع نظمته المنصة، أمس، وركز على إشكالية تصنيف المؤسسات وتحديات تطبيق التفضيل في المناقصات، بمشاركة مجموعة من المهنيين والمهتمين بالشأن الاقتصادي والمحتوى المحلي.

واتفق المشاركون على أن نسبة التملك لا يُمكن أن تكون المعيار الوحيد في تحديد محلية المؤسسة، بل لا بد من تبني تصنيف متعدد المعايير يشمل نسبة التعمين، حجم الإنفاق المحلي، مدى استخدام المنتجات والخدمات العُمانية، والسجل التعاقدي السابق، مؤكدين أن الأداء الفعلي هو ما يجب أن يحظى بالأولوية في تقييم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

وأشار عدد من المختصين إلى أهمية ربط قواعد البيانات الحكومية بين وزارة التجارة وهيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ووزارة العمل وقطاع الضرائب، لضمان دقة البيانات المتعلقة بالتشغيل والتملك الحقيقي.

وفيما يتعلق بالشركات الخدمية غير المشمولة بشهادة "هوية المنتج العُماني"، طُرحت عدة مقترحات أبرزها إنشاء بطاقة تصنيف محلية مكملة لبطاقة "ريادة"، تتضمن مؤشرات أداء أكثر شمولاً مثل الابتكار والأثر المحلي، كما تمت دعوة الحضور إلى إطلاق برنامج تقييم متكامل يسبق قرارات الإسناد، يشمل الجاهزية الإدارية والفنية والمالية، مع اقتراح بتوسيع نطاق شهادة "هوية المنتج" لتشمل أيضًا قطاع الخدمات.

وعلى صعيد التوازن بين حماية المحتوى المحلي وتشجيع الاستثمار الأجنبي، شدد النقاش على ضرورة التركيز على نوعية الاستثمار لا على مجرد التملك، عبر استقطاب شركات تخلق سلاسل قيمة حقيقية داخل السلطنة، سواء في المجالات الطبية أو السياحية أو التقنية. كما طُرحت فكرة تعزيز الشراكات بين المؤسسات المحلية والمستثمرين لنقل المعرفة والتكنولوجيا.

وحول جدوى القوائم الإلزامية في إسناد المناقصات، رأى المشاركون أنها قد تكون مفيدة لبعض القطاعات لكنها ليست حلاً شاملاً، مؤكدين الحاجة إلى برامج تطوير موازية مثل برنامج "تطوير الموردين المحليين (VDP)" لضمان جاهزية المؤسسات الصغيرة فعليًا، بدلًا من الاعتماد فقط على الإسناد المباشر الذي قد يخلق هشاشة مؤسسية.

وأوصى المشاركون بضرورة تطوير بطاقة تصنيف موحدة تأخذ في الاعتبار معايير التعمين والإنفاق المحلي والأداء التعاقدي، وتوسيع نطاق شهادة "هوية المنتج" لتشمل قطاع الخدمات أو استحداث شهادة بديلة مخصصة له، بالإضافة إلى إطلاق برامج تأهيل وتطوير للمؤسسات الخدمية المشمولة بالمناقصات، وتعزيز دور المؤسسات الكبيرة في نقل المعرفة للمؤسسات الصغيرة ضمن سلاسل الإسناد، وإنشاء منصات سنوية لربط المشاريع الوطنية بالمؤسسات المحلية، إلى جانب مراجعة التشريعات القائمة بما يوازن بين التنافسية وجذب الاستثمار الأجنبي من جهة، وحماية وتعزيز المحتوى المحلي من جهة أخرى.

 

مقالات مشابهة

  • ستاندرد آند بورز تستبعد رفع تصنيف إسرائيل خلال حرب غزة
  • مختصون يؤكدون ضرورة تحديث تصنيف المؤسسات الصغيرة لتعزيز التنافسية
  • مناقشة معايير تصنيف مدينة المضيبي الصحية
  • يايسله: فخور بتدريب الأهلي ونعلم احتياجات الفريق للموسم المقبل
  • الاتحاد الإقليمي للجمعيات والمؤسسات الأهلية ببورسعيد يبحث مع التضامن سبل دعم العمل الأهلي
  • تصنيف: مراكش أفضل مدينة للإسترخاء في العالم
  • صفقة الموسم تجتاز الكشف الطبي.. ريفيرو جهز خطة كأس العالم ويحدد احتياجات الأهلي
  • شباب الأهلي بطلاً لدوري تحت 13 سنة «ب»
  • تخطيط إسرائيل لتقليص دور المنظمات الإنسانية الدولية في غزة
  • تصنيف أفضل دول العالم للنساء في العام 2025 (إنفوغراف)