أصبحت حوكمة البيانات في مؤسسات القطاع العام ضرورة مُلِحّة في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، وخاصة في ظل تزايد الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين الأداء واتخاذ القرارات، وتعتبر الحوكمة الجيدة للبيانات داعمًا رئيسًا لضمان استدامة وكفاءة استخدام الذكاء الاصطناعي في المؤسسات، وتوفر إطارًا واضحًا لجمع البيانات وتحليلها واستخدامها بشكل مسؤول وفعّال.
وتعرف حوكمة البينات Data Governance وفقًا لمنظمة DAMA International، بأنها الإطار التنظيمي لوضع الاستراتيجية والأهداف والسياسات لإدارة البيانات بشكل فعّال وتتألف من العمليات والسياسات والتنظيم والتقنيات اللازمة لإدارة وضمان توافر البيانات وإمكانية استخدامها وسلامتها واتساقها وقابليتها للتدقيق، كما توفر حوكمة البيانات الإطار الشامل لفرض السياسات وضمان جودة البيانات وتحديد الأدوار والمسؤوليات. وبدون هذه الحوكمة، قد تواجه المؤسسات تحديات عديدة تتعلق بجودة البيانات وسلامتها، ما قد يعرقل تحقيق الأهداف والاستراتيجيات من تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، ويتمثل دور حوكمة البيانات في مؤسسات القطاع العام في توفير البنية الأساسية التنظيمية التي تضمن أن تكون البيانات متاحة وموثوقة وآمنة، فالحوكمة لا تعني فقط تنظيم البيانات، بل تشمل أيضًا ضمان الامتثال للمعايير القانونية والأخلاقية المتعلقة باستخدام البيانات. كما تساعد على تحسين جودة البيانات من خلال إنشاء عمليات موحدة لجمعها ومعالجتها، ما يُسهم في تحسين فعالية وكفاءة أدوات الذكاء الاصطناعي. وتعتبر مؤسسات القطاع العام، الأكثر حاجة إلى حوكمة البيانات نظرًا للكم الهائل من المعلومات التي تتعامل معها يوميًا، حيث تعتمد هذه المؤسسات على البيانات للتخطيط ولاتخاذ القرارات، مثل تحسين الخدمات العامة أو تطوير السياسات. من هنا، تبرز أهمية وجود إطار لحوكمة البيانات يضمن أن هذه البيانات دقيقة وحديثة وقابلة للاستخدام.واستنادًا لتقرير نشرته منظمة Open North في عام 2023م، فإن مؤسسات القطاع العام تواجه تحديات تتعلق بجمع البيانات وتحليلها بشكل فعّال. مما يتطلب من هذه المؤسسات تحسين نضجها الرقمي وتفكيك العوائق التي تحول دون تدفق البيانات بشكل سلس بين المؤسسات الحكومية المختلفة. ويشير التقرير إلى أهمية وجود سياسات حوكمة تُساعد في بناء الثقة والاستفادة من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال التأكيد على الشفافية والمسؤولية في إدارة البيانات. ومن الأهمية بمكان وجود مرجعية لكل مؤسسة فيما يتعلق بحوكمة البيانات. ففي مؤسسات القطاع العام، قد يكون هناك مسؤول عن إدارة البيانات يتولى وضع السياسات المتعلقة بجمع وتحليل البيانات داخل المؤسسة. ويتعين على هذه السياسات أن تتوافق مع القوانين الوطنية النافذة والدولية المتعلقة بالخصوصية والأمن. ولا تقتصر حوكمة البيانات على مؤسسة واحدة فقط، بل يجب أن تتكامل مع مختلف مؤسسات القطاع العام لتحقيق أقصى استفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، قد تتطلب بعض المشروعات الضخمة، مثل مشروعات البنى الأساسية أو المشروعات الصحية، تعاونًا بين المؤسسات المختلفة لتجنب الهدر في الموارد والجهد. ولضمان نجاح هذا التعاون، يجب أن تكون البيانات مشتركة بين هذه المؤسسات بطريقة تضمن سلامتها وموثوقيتها.ولضمان تدفق سلس للبيانات تبرز أهمية تفكيك الحواجز بين مؤسسات القطاع العام لضمان تدفق سلس للبيانات فيما بينها، وهذا بدوره يعزز من قدرة الذكاء الاصطناعي على تقديم نتائج دقيقة وفعالة. ومن أهم الفوائد التي من الممكن أن تقدمها حوكمة البيانات هو تمكين الذكاء الاصطناعي من تقديم حلول فعالة للمشاكل المعقدة التي تواجه المنظمات. فالذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل كامل على البيانات التي يُغذى بها، وبالتالي فإن تحسين جودة هذه البيانات يعني تحسين دقة الأدوات التي تستخدمها المنظمات في تحليل البيانات واتخاذ القرارات. ولتأكيد ما ورد فإنه لا يمكن الاستفادة الكاملة من الذكاء الاصطناعي دون وجود حوكمة شاملة للبيانات المنظمات. إنّ حوكمة البيانات ليست مجرد إجراء تنظيمي، بل هي استراتيجية شاملة تهدف إلى تحسين جودة البيانات، وضمان توافقها مع المعايير الأخلاقية والقانونية، وتعزيز التكامل بين مؤسسات القطاع العام لتحقيق الأهداف المشتركة. وبذلك، تمثل حوكمة البيانات حجر الأساس الذي يدعم نجاح تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مؤسسات القطاع العام، ما يسهم في تحسين الخدمات والاستفادة من الطفرات التقنية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وتقديم حلول مبتكرة للخدمات والأعمال والمشروعات. لذلك، ينبغي إعطاء أولوية قصوى لحوكمة البيانات لضمان الاستثمار الأمثل للبيانات، والتي أصبحت من أهم المكونات الأساسية في توظيف التقنيات الحديثة والاستفادة منها، خاصة أدوات الذكاء الاصطناعي، التي تمثل بدورها ركيزة أساسية للتحول إلى الاقتصاد القائم على المعرفة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية:
أدوات الذکاء الاصطناعی
حوکمة البیانات
جودة البیانات
إقرأ أيضاً:
ورقة بحثية: الذكاء الاصطناعي قد يدمر البشرية بحلول 2027
أثارت ورقة بحثية موجة جدل واسعة في الأوساط العلمية والتقنية، بعدما توقعت أن الذكاء الاصطناعي قد يخرج عن السيطرة بحلول عام 2027، مما قد يؤدي إلى انقراض البشرية خلال عشر سنوات فقط
السيناريو المثير للقلق نشر تحت عنوان "إيه آي 2027" من قبل مجموعة من خبراء الذكاء الاصطناعي البارزين، ولاقى صدى واسعا بين خبراء في المجال.
وتتخيل الورقة أن شركة أمريكية خيالية تدعى "أوبن براين" تطوّر في عام 2027 نظاما يصل إلى مستوى "الذكاء العام الاصطناعي"، أي أنه يتمتع بقدرات عقلية تضاهي أو تتفوق على البشر. ووفقا للتصور، يلاحظ فريق السلامة الداخلي مؤشرات مقلقة على ابتعاد النظام عن الأخلاقيات التي برمج عليها، لكن الشركة تتجاهل التحذيرات
في المقابل، تتأخر شركة "دييب سينت" الصينية عن الركب بفارق بسيط، مما يشعل سباقا دوليا محموما بين الولايات المتحدة والصين. وتدفع المنافسة الشركات والحكومات إلى تسريع التطوير دون وضع قيود كافية، متجاهلين مخاطر ما يسمى بـ"عدم التوافق"، أي أن تصبح أهداف الذكاء الاصطناعي غير منسجمة مع مصلحة البشر
بحلول عام 2029، تتصاعد التوترات بين البلدين، مع تسخير أنظمة الذكاء الاصطناعي لتطوير أسلحة متقدمة. وعلى الرغم من توقيع اتفاق سلام بمساعدة الذكاء الاصطناعي نفسه، يتوقع السيناريو أن يتحول هذا الذكاء لاحقا إلى تهديد وجودي للبشر، ويقضي عليهم عبر أسلحة بيولوجية غير مرئية خلال ثلاثينيات القرن الحالي.
السيناريو الذي اعتبره البعض ضربا من الخيال العلمي، نسب إلى مجموعة تحظى بالاحترام، من بينها دانيال كوكوتاجلو، المعروف بتوقعاته الدقيقة في تطور الذكاء الاصطناعي. إلا أن نقادا بارزين مثل غاري ماركوس حذروا من أخذ التنبؤات على محمل الجد الكامل، مؤكدا أن التحديات الحقيقية حاليا تتعلق بالوظائف والرقابة، وليس بنهاية العالم.
وفي الصين، لم تحظَ الورقة باهتمام واسع. وذكرت الباحثة يوندان غونغ من كلية كينغز كوليدج أن النقاش حولها بقي محصورا في المنتديات والمدونات، دون إثارة جدل سياسي أو إعلامي كما هو الحال في الغرب
وفي حين تواصل شركات التكنولوجيا الكبرى تجاهل السيناريو أو التقليل من جديته، يواصل رواد القطاع سباقهم المحموم نحو تطوير نماذج أكثر تقدما.
وصرّح سام ألتمان، رئيس شركة "أوبن إيه آي"، أن العالم على أعتاب "ثورة هادئة" تقودها عقول رقمية خارقة، معترفا في الوقت نفسه بوجود مشكلة "توافق" لا بد من حلّها لضمان بقاء هذه الأنظمة في خدمة الإنسان
وبينما لا يزال سيناريو "إيه آي 2027" في خانة التوقعات النظرية، إلا أنه يكشف عن قلق متزايد في الأوساط العلمية من سرعة تطور الذكاء الاصطناعي، والهوة المتنامية بين قدراته المتسارعة وآليات السيطرة عليه