جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-19@03:37:21 GMT

إشعال الحرائق في الوعي العربي

تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT

إشعال الحرائق في الوعي العربي

 

د. عبدالله باحجاج

حاول الصهاينة جاهدين أن يمحو من ذاكرتنا يوم السابع من أكتوبر 2023، وهو يوم طوفان الأقصى المجيد، وذلك على ألا يأتي هذا اليوم إلّا وقد حققوا انتصارات من وزنه، تمحو انتصاراته ولا يخلد يومه، لكنهم فشلوا؛ فالذكرى المُباركة تطل علينا بفشل صهيوني جديد.

صحيحٌ أنهم لجأوا إلى العنف المفرط والخيانات واستخدام أحدث تقنيات الاختراق، وتمكنوا من خلالها من اغتيال قادة حزب الله وتدمير أجزاء من الضاحية الجنوبية، لكنهم تفاجأوا بعدها بوابل من الصواريخ البالستية من إيران حطمت معنوياتهم مُجددًا، ولم يتمكن الصهاينة من مجرد المساس بالمعنويات التاريخية ليوم السابع من أكتوبر 2023.

ومن المؤكد أن الصهاينة الآن في هذه الذكرى هم أتعس البشر، وبنفسيات محطمة طاردة للعيش في الأرض المحتلة، بدليل ما ذكره استطلاع للرأي نشر في يوم الذكرى وأظهر أنَّ 61% من الإسرائيليين لا يشعرون بالأمان في الكيان الصهيوني.

مثل هذه الانتصارات التاريخية والحفاظ على قدسيتها ومركزيتها للأسف لا يتماهى معها الوعي العربي/ الإسلامي، وقد ظهر أن هذا الوعي هو الطرف الأضعف في معادلة المقاومة الشاملة المعاصرة، ولم يرتقِ إلى مستوى التحديات، وذلك عندما غرق في جدلية السنة والشيعة في وقت محنة الرد الصهيوني على انتصارات المُقاومة، مما يفقده هنا خاصية الوعي نفسه؛ لأنه وقع بسهولة تحت منهجية حملة تضليل إعلامية ضخمة استخدم فيها حتى الذكاء الاصطناعي، أشعلت حرائق هائلة في هذا الوعي لا تزال قائمة حتى الآن استغلالًا للجدلية سالفة الذكر.

ونرى جازمين أنَّ هذا الاستغلال كان من بين الاستهدافات الأساسية للحرب على حزب الله، وقد نجحوا فيه، واللافت هنا أن الخلافات طالت الآن الوجدانيات. وعندما تصل خلافات الجدلية السنية الشيعية إلى هذا العمق يكون الكيان الصهيوني قد حقق ثنائية نجاحه؛ وهما: اغتيال قيادات حماس، وإشعال وعينا بمعركة أفكار تشطر الشعب الواحد، وتجعل التشطير عابرًا للحدود على مستوى الشعوب لكي تنشغل بأحداث هامشية تؤثر على قضاياها الاستراتيجية. وفعلًا، فقد تمَّ تصعيد جدلية السنة والشيعة، والدخول على خطِّها في صناعة عدو بديل عن الكيان الصهيوني، أو على الأقل جعل مفهوم "العدو الأول" مُلتبسًا. وكل متتبع للمنصات الإلكترونية منذ اغتيال قادة حزب الله وحتى الآن سيرى حجم العداء "الإلكتروني" ضد إيران، عوضًا عن أن تتجه البوصلة للعدو الاستراتيجي/ الكيان المحتل، وحتى لمّا ردت طهران بعمليات قصف غير مسبوقة هزَّت الكيان المحتل، فلم يزد الحرائق إلا اشتعالًا في الجدلية.

ويُمكن تقسيم الوعي إلى 3 اتجاهات؛ الأول: يرى أن إيران تخلت عن حزب الله بـ"برجماتية ميكافيلية"، ولما دَكَّت طهران مواقع للصهاينة في الأرض المحتلة اعتبرها هذا الرأي مسرحية!! وأن تأثيرها لم يتعدَ سوى إضاءة سماء الأرض المُحتلة ببالونات في شكل صواريخ باليستية، وأن ذلك تم التنسيق بشأنه بين طهران وواشنطن مباشرة، ومع الصهاينة بصورة غير مباشرة. أما الاتجاه الثاني، فقد جنَّ جنونه رافضًا بشدة هذا السيناريو. في حين أنَّ الاتجاه الثالث، لزم الصمت، واعتبرها فتنة العصر. واللافت أنَّ كل رأي حاول تقديم استدلالات لتدعيم موقفه بمنشورات ومقاطع فيديوهات دون التحري عن صحتها من عدمها.

والمتعمق في الخلفيات سيرى بسهولة أنَّ هذا الوعي واقعٌ تحت منهجية إشعال الحرائق في الجدلية السُنية الشيعية، سلاحه في ذلك وسائل الاتصال المختلفة ينتج من أجلها مواد مزيفة جديدة أو التلاعب بمواد قديمة باستخدام الذكاء الاصطناعي، ويتم نشرها، ويتبناها الوعي العربي ويعتبرها من استدلالات حُجَجه، لكنها لم تكن سوى مواد تشعل الحرائق في الوعي، وهنا نسجل نجاحًا للذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري الذي سمح بإغراقه في الجدلية السنية الشيعية في وقت كبرى الأزمات العربية والإسلامية المُجمَع عليها، وكان ينبغي ألا ينطوي عليه أن ما يُنشر في الفضاءات الآن فما هي إلّا جزء من الحرب الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الرقمي عمومًا.

هذا يعني أنَّ الاختراق قد وصل إلى وجدانيات هذه الجدلية التي تُعمي البصر والبصيرة، وتعني أن هذه الجدلية قد أصبحت مشروعًا صهيونيًا لترقيتها؛ باعتبار الشيعة العدو الأول أو المُلتبَس مع الكيان الصهيوني، وبالذات داخل المنطقة الخليجية التي يُراد لها أن تدخل في أتون صراعات مذهبية خالصة لا نهاية لها؛ أي دون صبغة سياسية، وذلك لدواعي التفرُّغ لتأسيس ما يُسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد"، ولا يُمكن ضمانة إقصاء بروز التيارات السياسية الدينية في هذه الحقبة؛ بل إنَّ هذه الحقبة حاملةٌ لكل مُعطيات ظهورها فوق السطح، وهناك شواهد كثيرة برز بعضها بشكل لافت فوق السطح، وأخرى في إطار التشكُّل والتحوُّل والبروز.

وتراهن الصهيونية في استهدافاتها الجديدة على الأفكار الصلبة في الجدلية السنية الشيعية، وهي التي تشتعل فيها الحرائق الآن، وتتمدد منها للآخرين، ولا يمكننا في هذا المقال إقناعها على الأقل بالتزام الصمت، لكننا سنحاول أن نجعل الوعي الجدلي يُسلِّم بوجود معركة فكرية يُنفق عليها الأموال الطائلة ويُجنَّد لها مثقفون وإعلاميون وسياسيون ومراكز دراسات تعمل ليلَ نهار على اختراق مناطق الوعي الآن لتحقيق النتائج التالية:

-     إغراق المنطقة بجدلية السنة والشيعة.

-     اقتياد الذهنيات العربية إلى الانهزامية.

-     هدم المنطق الأخلاقي والقِيَمِي.

-     صناعة عداء ضد المقاومة في غزة وبيروت وصنعاء وبغداد.

-     ترقية الجار الإيراني المُختَلَف معه مذهبيًا وعقديًا وسياسيًا إلى مرتبة العدو الأول، حتى تنشغل به الحقبة الزمنية الجديدة، عوضًا عن عدوها الأول، وهو الكيان الصهيوني.

وتعد وسائل الاتصال/ الإعلام سلاحَ الصهاينة الأساسي ضمن ترسانته العسكرية التقليدية والاستثنائية، وهنا كبرى المخاطر التي ينبغي أن تلتفت إليها الدول وشعوبها، وبالذات الآمنة داخل أسرابها، لأننا كما قلنا- في مقالنا السابق "اغتيال نصر الله.. إجراء يحقق العدالة؟!"- إن الحروب الجديدة لن تُطلق فيها رصاصة واحدة، وإنما النصر سيكون من خلال الشائعات والأكاذيب واستغلال الثغرات داخل كل دولة أو منطقة، وما أكثر هذه الثغرات الداخلية والجماعية. والصهاينة كان اهتمامهم بتضليل الرأي العام وبث الشكوك وتبرير جرائمهم مُبكرًا منذ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، عندما تأسست لجنة سميت "دائرة الدعاية" وجعلها تابعة لرئيس المنظمة الصهيونية بعد الحرب العالمية الأولى، واعتبارها أحد أسلحة الصراع العربي الصهيوني، ولها موازنة سنوية، تُدفع لشراء ذمم ولصناعة مضامين، وترسيخ وتسويق سرديات مُنافية للحقيقة.

أيها الوعي العربي ينبغي العلم يقينًا أنك في حقبة تضليل وتزييف واسعة، يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي، وتخيَّل قدرات هذا الذكاء الذي لم يقتصر على توليد المحتوى فحسب؛ بل يمتد إلى ترويجه على مواقع التواصل الاجتماعي، أي إنه قادر على إنتاج القصص المكتوبة مع صور ومقاطع مزيفة، لكنه أكثر احترافية لتعزيز الثقة في القصص! وتنشر على نطاق واسع، وتنطوي على ذكائنا هذه الخلفيات عندما يتم إعادة نشرها؛ إذ تسهم هذه القصص المزيفة ليس فقط في الإضرار بديمومة الأفكار الصلبة وإنما في تشكيل ذهنيات الجيل الجديد، وهنا الكارثة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مصرع 17 شخصا بينهم أطفال في حريق مروع بمدينة حيدر أباد الهندية

لقي ما لا يقل عن 17 شخصا مصرعهم، بينهم ستة أطفال دون سن الخامسة، يوم الأحد، إثر اندلاع حريق ناجم عن ماس كهربائي في مبنى سكني وتجاري بالقرب من نصب "تشارمينار" التاريخي في مدينة حيدر أباد، جنوب الهند. اعلان

وأفادت إدارة مكافحة الحرائق والطوارئ والدفاع المدني في ولاية تيلانجانا، في بيان، أن الحريق اندلع في الطابق الأرضي من المبنى، وامتد بسرعة إلى الطوابق العليا. وشاركت نحو 12 مركبة إطفاء في عمليات السيطرة على الحريق.

وقال وزير المناجم، جي كيشان ريدي، عقب زيارته لموقع الحادث، إن "التحقيقات الأولية تشير إلى أن السبب كان ماسا كهربائيا، وقد أسفر الحادث عن سقوط عدد كبير من الضحايا".

وبحسب وسائل إعلام محلية، فقد عثر على عدد من الأشخاص فاقدين للوعي داخل المبنى، وتم نقلهم إلى مستشفيات مختلفة في المدينة. 

وأوضحت أن المبنى يضم متجرا للمجوهرات في الطابق الأرضي، بينما تستخدم الطوابق العليا للسكن.

Relatedالهند وباكستان تعلنان حصيلة ضحايا المواجهات العسكرية الأخيرةشهباز شريف يحذّر نظيره الهندي: يا سيد مودي إذا سلكت هذا الطريق مجددا ستعاقبجبهة جديدة في المواجهة بين الهند وباكستان: خطوات تصعيدية من نيودلهي حول مياه نهر السند

وأعرب رئيس الوزراء ناريندرا مودي عن حزنه العميق لفقدان الأرواح، معلنا تقديم تعويضات مالية لأسر الضحايا.

وتعد حوادث الحرائق شائعة في الهند، في ظل تكرار انتهاك قوانين البناء وتجاهل معايير السلامة في كثير من المنشآت السكنية والتجارية.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • بعد إنقاذ الأصابعة من الحرائق.. وداع رسمي وتكريم لفريق السلامة الوطنية بمطار الزنتان
  • مصرع 17 شخصا بينهم أطفال في حريق مروع بمدينة حيدر أباد الهندية
  • اليمن يستهدف عمق الكيان وبيان مهم بعد قليل
  •  عندما يهز صاروخ أسس الكيان…
  • السيد الخامنئي: الكيان الصهيوني “ورم سرطاني” في المنطقة ويجب استئصاله
  • التدريب لا يصنع المعجزات.. بل يبني الوعي
  • وزير الخارجية السوري: نتصدى لأطراف انفصالية تحاول إشعال الفوضى والنزاعات الطائفية
  • خامنئي يهاجم ترامب: سنزيد من قوتنا وسيُستأصل الكيان
  • الجبهة الشعبية: العدوان الصهيوني على اليمن يعبر عن إفلاس الكيان
  • الحرائق تلتهم إسرائيل.. دولة الاحتلال تدفع بفرق الإطفاء وطائرات لمواجهة النيران