المخاوف الأوروبية والهواجس الروسية
تاريخ النشر: 13th, December 2025 GMT
قبل فبراير (شباط) 2022، الموعد الذي بدأت فيه روسيا عمليتها العسكرية في أوكرانيا، بدا كأن الحلم الأوراسي قاب قوسين أو أدنى، بمعنى المزيد من التلاحم الجغرافي والديموغرافي بين القارة الأوروبية وروسيا الاتحادية.
مثّلت ألمانيا القلب النابض للحلم عينه، ولا سيما بعد أن انسحب الجيش الأحمر من ألمانيا الشرقية.
هل حلّت الـ«روسفوبيا» محل الـ«أوروآسيا»؟
ربما الوضع بات أسوأ بكثير إذا أخذنا في الاعتبار الوثيقة التي نشرتها مؤخراً مجلة «نيوزويك» الأميركية، وتحمل عنوان «OPLAN DEU»، أو «أوبلان دوي»، وهي خلاصة عمل بحثيّ استشرافي عسكري ألماني قام به مجموعة من كبار ضباط الجيش، استعداداً للحظات الصدام العسكري المقبلة مع موسكو، من وجهة نظرهم.
الوثيقة/الخطة تقع في نحو 1200 صفحة، ومن أهم ملامحها نشر قرابة مليون جندي من قوات حلف شمال الأطلسي إلى الشرق في حالة الحرب مع روسيا، عطفاً على تفاصيل الطرق عبر المواني والأنهار والسكك الحديدية والطرق السريعة، فضلاً عن نظام لتزويد وحماية القوافل العسكرية.
يؤكد نفر بالغ من مسؤولي ألمانيا، عسكريين ومدنيين، أن روسيا- بوتين، حتماً ستكون مستعدة في وقت مبكر من 2029 لمهاجمة دول حلف الناتو، كما أن سلسلة من حوادث التجسس، والتخريب، وانتهاك المجال الجوي، قد تقوم بدفع موسكو للتحرك في وقت أقرب من ذلك.
المثير في خطة «أوبلان دوي» هو شِقها الآخر، حيث لا تشمل الجيش فحسب، بل تمتد كذلك إلى القطاع الخاص والمستشفيات والشرطة والخدمات المدنية، وهذا يمثل عودة إلى مفهوم «عسكرة المجتمع ككل» بهدف الدفاع، والذي ظل سائراً مهيمناً طوال أربعة عقود تقريباً من مواجهات حلفيْ «وارسو» و«الناتو».
هل يمكن بالفعل لروسيا التي أضعفتها الحرب مع أوكرانيا، أن تخطط لعمليات عسكرية في أوروبا، في المدى الزمني المنظور؟
في السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) المنصرم، وخلال المؤتمر السنوي للجيش الألماني في برلين، قال الفريق ألكسندر سولفرانك، قائد القيادة العملياتية للقوات المسلّحة الألمانية: «إنه رغم الحرب في أوكرانيا، لا تزال روسيا تمتلك إمكانات عسكرية هائلة. هذا يعني أن موسكو قادرة، اليوم، بالفعل على شن هجوم إقليمي محدود على أراضي حلف شمال الأطلسي».
والشاهد أنه ليست ألمانيا فحسب التي تنتابها حالة الـ«روسفوبيا»، ففرنسا وبولندا تؤمنان أيضاً بأن الكرملين يعيد بناء قواته البرية والمدفعية والجوية، ناهيك بجحافل الدرونز، كما يخطط لتوسيع قواته العسكرية النشطة إلى 1.5 مليون جندي، وخاصة في ضوء العروض السخية للعمل في الخطوط الأولى للجبهة، وتعهدات بتخفيف أعباء الديون، وتوفير رعاية للأطفال، ومقاعد في الجامعات للأبناء، وحتى دون النظر للسجلات الجنائية.
يشارك الجنرال المتقدم، دافيد بتريوس، مدير الاستخبارات المركزية الأميركية السابق، الأوروبيين، القلق نفسه، وعنده أنه إذا افترضنا أن بوتين قادر على الاستمرار في تمويل مكافآت التجنيد الضخمة والعثور على القوى العاملة المدعوة حالياً للخدمة، فإن روسيا يمكنها أن تستمر في هذا النوع من الحملة المكثفة والمُرهقة التي ميزت أعمال القتال.
يتكشف لنا، الآن، السبب في التصريحات المثيرة، وربما المخيفة، التي أطلقها سيد الكرملين، أوائل ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وقبل لقائه المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، للتباحث حول الخطة الأميركية لإنهاء الحرب مع أوكرانيا.
وصرح بوتين بالقول: «لا نخطط للحرب مع أوروبا، لكن إذا أرادت أوروبا فنحن مستعدون لها».
لم تكن إذاً تصريحات بوتين عشوائية، فرجل الـ«كي جي بي» لا يضيع، مهما مرّ من الزمن، وهواجس ألمانيا الآرية، في ثوبها القومي الشوفيني المتصاعد، لا تغيب عن أعين صقر المخابرات الروسية السابق ورئيسها الحالي.
لكن على الجانب الآخر، هناك من يرى أن ألمانيا تستفز روسيا، التي لا تزال قواتها في الجانب الشرقي من أوكرانيا وفي القرم، وبعيداً عن أي تهديد فعلي. أضفْ إلى ذلك أنه لو رغب القيصر الروسي في قصف أوروبا جواً وبراً وبحراً، فلن يثنيه شيء.
وبالنظر إلى رؤية الرئيس ترمب لأوروبا، كما وردت في استراتيجية الأمن القومي الجديدة، يمكن القطع بأن واشنطن لا تسعى لأي صدام مع موسكو.
هنا السؤال: هل الخوف من روسيا يمكن أن يُدخلها في خانة غير المتوقع الذي يحدث عادة؟
تبدو ليالي 2026 حُبلى بالمفاجآت.
الشرق الأوسط
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه روسيا المانيا فرنسا روسيا الاتحاد الأوروبي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
وسط ضغوط الحرب الأوكرانية.. موسكو تنفي تجنيد إيرانيين وتهاجم أوروبا
البلاد (موسكو)
في خضم التعقيدات المتصاعدة للحرب في أوكرانيا، تحولت موسكو خلال الساعات الماضية إلى واجهة الحدث عبر جبهتين متوازيتين (نفي رسمي لإعلان مزيف انتشر في إيران حول تجنيد مقاتلين للقتال في أوكرانيا، وتصعيد سياسي حاد ضد الاتحاد الأوروبي على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف)، حيث نفت السفارة الروسية في طهران بشكل قاطع صحة إعلان متداول على وسائل التواصل الاجتماعي، يزعم أن موسكو تدعو مواطنين إيرانيين بين 18 و45 عاماً للالتحاق بالقوات المسلحة الروسية مقابل مبالغ مالية كبيرة.
وأوضحت السفارة، عبر بيان على قناتها الرسمية في “تليغرام”، أن الإعلان الذي تضمن وعوداً بدفع 20 ألف دولار كمكافأة أولية و2000 دولار شهرياً، ما هو إلا رسالة مزيفة، أعدّها أفراد “يسعون للربح” عبر عمليات احتيال رقمية تستغل الوضع الدولي.
وأكد البيان أن “الرسالة وأي وثيقة مشابهة لها مزيفة بالكامل ولها طابع إجرامي”، مشدداً على أن السفارة وأي جهة روسية رسمية لا علاقة لها بالإعلان المتداول. كما دعت السفارة المواطنين الإيرانيين إلى التواصل مع الأجهزة الأمنية فور تلقي أي إشعار مشابه، والتحقق من أي تعامل رسمي عبر القنوات الموثوقة فقط.
ورغم النفي الرسمي، أشارت إذاعة “أوروبا الحرة” إلى أن عمليات تجنيد مقاتلين أجانب ـ إن حدثت ـ غالباً ما تتم عبر قنوات غير رسمية، أو شركات أمنية خاصة، وليست بالضرورة مرتبطة مباشرة بالحكومة الروسية، في إشارة إلى تعقيدات هذا النوع من الملفات خلال الحرب.
وبالتزامن مع الضجة المثارة حول الإعلان المزيف، وجّه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف انتقادات حادة إلى الاتحاد الأوروبي، معتبراً أن التكتل “يوهم نفسه بإمكانية هزيمة روسيا”، ومتهماً إياه بالمعاناة من “عمى سياسي ميؤوس منه”.
وفي كلمة أمام الجلسة العامة لمجلس الاتحاد الروسي، قال لافروف إن موسكو “لا تنوي شن حرب ضد الدول الأوروبية ولا تفكر في ذلك مطلقاً”، لكنه أكد أن روسيا سترد “بقوة” إذا قررت أي دولة أوروبية نشر قوات في أوكرانيا. كما اتهم الأوروبيين بتحريض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وإطالة أمد الحرب.
وفي سياق متصل، ثمّن لافروف ما سماه جهود الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لإيجاد حل سياسي للحرب، مؤكداً توافق موسكو وواشنطن على مواصلة العمل لإبرام تسوية.
الموقف نفسه عبّر عنه المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الذي شدد على أن روسيا تسعى لـ “سلام مستدام وطويل الأمد” وليس مجرد وقف لإطلاق النار، مشيراً إلى أن تصريحات ترامب بشأن عضوية أوكرانيا في “الناتو” تتوافق مع الرؤية الروسية.