صحيفة البلاد:
2025-05-21@00:42:37 GMT

في خانة الذكريات

تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT

في خانة الذكريات

في كل مرّة أمرّ فيها من ذلك الشارع، في ذاك الحي، تعبرعلى شفاهي ابتسامة خجلة، لا تعرف أي رداء ترتدي: أهي ابتسامة حنين وسعادة، أم ابتسامة فقد وحسرة؟ أراقب المباني من نافذة السيارة، وألاحظ الفروق السبعة التي حلّت بالمكان، فأردِّد بيني وبين نفسي قائلة: هنا كان محلاً لبيع الفواكه، فأصبح متجراً للإلكترونيات، وهنا صاحب البقالة اللطيف، تركها لأبنائه،  فحولوها إلى (سوبر ماركت)، بعد أن اتسعت مساحتها، بمساحة جارهم الذي ترك المكان، وانتقل إلى الحي المجاور، وهنا كان  المسجد، الذي كان يصدح بالآذان، واسمعه داخل منزلي،  فيعلو صوتي بالنداء على أبنائي حتى لا تفوتهم الصلاة، هنا كنت أسير معهم للبحث عن المتعة، متجهين نحو حديقة الحي على الرغم من انها ليست قريبة،  لكننا كنّا نعبر الطرقات سعداء، خاصة عندما تكون الأجواء جميلة،  أو تحمل قطرات من المطر.

وكلما اقتربت من بيتي، أو المكان الذي كان بيتي، يبدأ شريط الذكريات لكل فرد من عائلتي شاركني تلك الحقبة: كيف وُلد؟ وكيف نما وكبر ولعب حول تلك البناية؟ مصاحباً لمن جاوره فيها أو حولها، يعتريني الفضول، ويدفعني لرغبة مجنونة، أن أقفز من مكاني، أتوجه نحو تلك البناية، وأطرق الأبواب أبحث عن ساكنيها، هل ستذكرني الأبواب والحيطان على الرغم من يقيني أن كل من كانوا فيها، منهم من رحل لمكان آخر، ومنهم من رحل من الوجود، إلا أن تلك الرغبة، تبقى مسيّطرة، يمنعني منها فقط الخوف من ردّة الفعل التي قد تعتريني إذا ما أنكرني من هم خلف الأبواب، فأتراجع عن ذلك الدافع حتى لا أحدث شرخاً في خانة الذكريات. هي نفسها تلك الذكريات التي أحدثت غصّة، وأنا أراقب الدخان الكثيف يملئ سماء عروس البحر الأحمر، بعد أن أشعلت النيران في جنبات السوق التجاري القديم، السوق الذي حوى صيحات الفرح والسعادة، ونحن نتجول بين بحيراته العديدة، واحدة تحمل عائلات من السلاحف نزورها كلما اشتقنا إليها، وأخرى تحمل مجموعة من الأسماك، حتى تلك الأسماك لم تقو على البقاء، وفي نهاية الطريق أثناء مرورنا بين المحلات التجارية،  تظهر غابة خضراء، يسكنها حيوانات، تصدر أصواتاً تشعرنا وكأننا في غابات حقيقية، ذكريات أورثنا ما تبقى منها لأبنائنا، وانتابهم الحزن معنا ونحن نتابع أحداث النهاية  لبقايا الحريق، لا أعلم هل ستبقى ذكريات السوق، أم ستختفي مع آخر نفس للدخان؟ ستبقى الذكرى مهما اختفت الأماكن، أو اكتست رداء جديداً، فهي في وجداننا نستدعيها بين طيات حديثنا، ونحن نسرد لمن حولنا قصص الأمس، وسيبقى سوق جدة الدولي في شارع التحلية الفاخر في ذاك الزمان، أول سوق تجاري ضمَّتنا أرجاؤه في مدينتي القديمة/ الحديثة جدة.

المصدر: صحيفة البلاد

إقرأ أيضاً:

عاجل. روسيا تحظر منظمة العفو الدولية وتصفها بـ" المنظمة غير المرغوب فيها"

روسيا تحظر منظمة العفو الدولية وتصفها بـ" المنظمة غير المرغوب فيها" اعلان

روسيا تحظر منظمة العفو الدولية وتصفها بـ" المنظمة غير المرغوب فيها"

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • هل فكرة التضخم المكون من خانة واحدة هي مجرد حلم في تركيا؟
  • في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر
  • رئيس سوميتومو أوروبا: نتوسع في مصر ونحن اليوم أكبر مُصدر بالمنطقة الحرة
  • بعد 12 يوماً.. الصيف يدق على الأبواب
  • عاجل. روسيا تحظر منظمة العفو الدولية وتصفها بـ" المنظمة غير المرغوب فيها"
  • سيزار معلوف: زحلة قالت كلمتها ونحن نحترم خيارها
  • الحشد غاضب من فيسبوك: المهندس قائد ونحن قوة رسمية
  • "أندرو مور" و"جوش أرمسترونج" يمثلان عُمان في نهائيات كأس "أودي كواترو" للجولف
  • مؤسسة كأس العالم للرياضات الإلكترونية تفتح الأبواب أمام المواهب الموسيقية
  • الميقات في العمرة.. علي جمعة يكشف عن 4 أيام لا تجوز فيها