ماذا يعني انسحاب جنوب السودان من اتفاقيات مياه النيل التاريخية مع مصر؟
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
بانسحاب جنوب السودان من اتفاقيات مياه النيل التاريخية مع مصر، تكون طعنة جديدة قد وجهت إلى قلب القاهرة، فماذا وراء قرار جنوب السودان؟ ومن يقف وراءه؟ وماذا سيكون الرد المصري؟
خبير المياه العالمي د.ضياء الدين القوصي يوضح أن اتفاقية 59 ليست استعمارية، مشيرا إلى أن ما يهم مصر هو اتفاقية 1929.
ويضيف لـ “رأي اليوم” أن انفصال جنوب السودان لا يتيح لها أن تنسحب من الاتفاقيات، لافتا إلى أن الاتفاقيات تورّث.
وقال القوصي إن القانون الدولي لا يسمح لجنوب السودان بالانسحاب من اتفاقيتي 29 و59، مؤكدا أن هذا الزمان باتت القوة هي الغالبة.وقال إنه بانسحاب جنوب السودان لم يعد مع مصر سوى الكونغو، وهو الأمر الذي سيجعل مصر في موقف أكثر صعوبة.
واختتم خبير المياه العالمي داعيا مصر للتفكير في معالجة أزمة المياه الوجودية التي ازدادت صعوبةً بانسحاب جنوب السودان.
في ذات السياق قال د. محمد نصر علام وزير الري المصري الأسبق إن جنوب السودان انسحب من اتفاقيتى النيل لعام ١٩٥٩ والتى شاركت فيها كجزء من السودان واتفافية ١٩٢٩ كجزء من السودان أيضا مع دول الهضبة الاستوائية ومصر.
وأضاف علام أن جنوب السودان حاز بدعم مصري هائل في التعليم ومياه الشرب والكهرباء ومحاربة الحشائش في المجارى المائية وانشاء الموانئ وغيرها من صور الدعم الفنى والمالى المستمرين، مشيرا إلى أن
جنوب السودان ليس بها عجز مائيا أو أى احتياج لمياه الرى أو لأغراض أخرى، بل تعانى بشدة من مناطق مستنقعات تزيد مساحاتها على مساحة بلدان كاملة.
وتساءل علام: لماذا اذن الانسحاب من الاتفاقات التاريخية ومحاولة اللحاق بمؤامرة اتفاقية عنتيبي الفاشلة؟
وخلص إلى أن التآمر ضد مصر مستمر، وسيزيد خاصة مع ما نعايشه من صراع وعدم استقرار في السودان الشقيق، متوقعا إنشاء المزيد من السدود والمشاريع التى تهدف الى النيل من حصة مصر ومن مكانتها وسيادتها، في ظل عدم توفر الوعى الكافي للمخاطر التى تحاك لنا وبنا اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.
من جهته قال جمال طه المحلل السياسي والباحث في شئون الأمن القومي إن انسحاب جنوب السودان من اتفاقيات مياه النيل مع مصر،والسعى للانضمام لاتفاق عنتيبى تهديد جسيم لحصة مصر.
وتساءل طه: متى يتم إسناد ملف مياه النيل الحيوى لعمرو موسي؟ لافتا إلى أنه ليس هناك أكفأ منه لإدارته.
يذكر أن حصة مصر من مياه النيل أثناء فترة الملء القصيرة، وهى الحصة المنصوص عليها فى اتفاقية سنة 1959 بين مصر والسودان التى سبق إبرامها الشروع فى بناء السد العالى.
وهذه الاتفاقية خصّت مصر بحصة من مياه النيل تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، والسودان بحصة تبلغ 18.5 مليار متر مكعب، وهما حصتان زادتا الحصتين البالغتين 48 مليارا و4 مليارات متر مكعب اللتين نصت عليهما الاتفاقية المبرمة فى سنة 1929 بين مصر، من جانب، وبريطانيا، الممثلة للسودان الإنجليزى المصرى، من جانب آخر.
إثيوبيا لا تعتبر أن أيا من الاتفاقيتين ملزمة لها لأنها ليست طرفا فيهما ، و لا تعترف كذلك باتفاقية ثالثة مبرمة فى سنة 1902 بين بريطانيا وإمبراطور إثيوبيا جوهرها هو التزام هذه الأخيرة بعدم عرقلة تدفق مياه النيل إلى السودان ومصر، وتعتبر أن هذه اتفاقية استعمارية غير متكافئة، مثلها مثل اتفاقيات أخرى كانت أطرافها قوى استعمارية هى بريطانيا وإيطاليا وفرنسا، متناسية أن ثمة اتفاقية تجمع مصر وإثيوبيا مبرمة فى القاهرة فى سنة 1993 تنص على مبادئ التعاون فيما بينهما بشأن استخدام مياه نهر النيل بما يحقق مصالحهما الاقتصادية والسياسية واستقرار المنطقة التى يقعان فيها، وفي هذه الاتفاقية الإطارية- حسبما يرى د .إبراهيم عوض- ما يدعم الموقف المصرى، فهى تسكت عن إثارة مسألة حصة مصر من مياه النيل وهو ما عني سابقا قبول إثيوبيا ضمنا بها.
القاهرة – “رأي اليوم”- محمود القيعي
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: جنوب السودان میاه النیل إلى أن مع مصر
إقرأ أيضاً:
ضرورة الحل الشامل للأزمة في السودان
ضرورة الحل الشامل للأزمة في السودان
تاج السر عثمان بابو
1
بعد انقلاب 30 يونيو 1989 الذي نفذه الإسلاميون، ازدادت نيران الحرب اشتعالا.. بعد أن توصلت الحركة السياسية السودانية إلى اتفاقية السلام أو اتفاق الميرغني – قرنق، وتم التوجه للسلام في إطار وحدة البلاد، والاتفاق على عقد المؤتمر الدستوري، اتسع نطاق الحرب ليشمل دارفور وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبا، وحدثت الابادة الجماعية في دارفور بعد أن كون نظام الانقاذ الجنجويد، حتى اصبح البشير ومن معه مطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية ويجب تسليمهم بعد محاكمة علي كوشيب. حتى تم توقيع اتفاقية نيفاشا، التي تم بعدها انفصال الجنوب.
2
بعد انفصال جنوب السودان ازدادت الأزمة الوطنية في البلاد عمقا، واشتدت حدة الضائقة المعيشية والمجاعة في اطراف البلاد، والارتفاع الجنوني في الأسعار بعد تخفيض قيمة الجنية السوداني. ومصادرة حرية الصحافة والتعبير، وتجددت الحرب في المناطق الثلاث: جنوب كردفان والنيل الأزرق وابيي اضافة للحرب التي كانت مشتعلة في دارفور، وارتفاع صوت الخطاب العنصري الذي فتح الباب لحروب الابادة في تلك المناطق. وتوتر العلاقة بين دولتي الشمال والجنوب والتي وصلت ذروتها بعد أزمة احتلال هجليج. وتطورت الأحداث حتى انفجار ثورة ديسمبر التي أطاحت بالبشير لكن انقلاب اللجنة الأمنية قطع الطريق أمامها، وتمت مجزرة فض اعتصام القيادة العامة وبعدها تم التراجع عن ميثاق قوى الحرية والتغيير الذي تم التوقيع عليه في يناير 2019، وتم استبداله بالتوقيع على الوثيقة الدستورية التي قننت الشراكة مع العسكر والدعم السريع دستوريا، وتم التوقيع على اتفاق جوبا الذي تحول إلى مناصب ومحاصصات في السلطة، وحتى الوثيقة الدستورية تم خرقها إلى أن تم الانقضاض عليها بانقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي اعاد التمكين للإسلاميين وقاد للحرب اللعينة الجارية حاليا التي تهدد بتقسيم البلاد مرة أخرى.
3
ولا شك أن انفصال الجنوب كان له تداعيات خطيرة داخليا واقليميا، وهو يعبر عن فشل المؤتمر الوطني في حل المشكلة والتي زادها تعقيدا بعد انقلاب 30 يونيو 1989م، والحرب الجهادية والدينية التي كان لها نتائج ضارة عمقّت جراحات الوطن. وبعد أن فشل النظام في الحل العسكري، وقّع تحت الضغوط المحلية والعالمية اتفاقية نيفاشا التي اوقفت الحرب التي دارت لمدة 21 عاما. استندت الاتفاقية علي قاعدة سودان واحد بنظامين، وكانت الاتفاقية ثنائية وتحمل في طياتها جرثومة الانفصال كما يتضح من التقسيم الشمولي للسلطة بين الشريكين في الشمال والجنوب، فضلا عن أن المؤتمر الوطني لا يمثل الشمال والحركة الشعبية لاتمثل الجنوب، وقسمة عائدات البترول التي ازكت النزعة الانفصالية، ونظام مصرفي بنافذتين، وتقسيم البلاد علي أساس ديني. وجاءت حصيلة ممارسة الست سنوات الماضية لتكرس الصراع بين الشريكين، بعد الفشل في انجاز التحول الديمقراطي، وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللون أو العرق، وتحقيق التنمية وتحسين الاوضاع المعيشية في الشمال والجنوب، وتكريس الفوارق الطبقية والفساد، اضافة الي عدم توفير مقومات الاستفتاء والتي تتلخص في قيام انتخابات حرة نزيهة تشرف عليها لجنة انتخابات مستقلة ومحايدة، تنتج عنها حكومة ذات قاعدة واسعة هي التي تشرف علي الاستفتاء علي تقرير المصير مما يجعل الوحدة في النهاية هي الراجحة في النهاية، ولكن ذلك لم يتم ، وكان تزوير الانتخابات، والتي رفضت نتائجها القوي السياسية في الشمال والجنوب، اضافة الي تأخير ترسيم الحدود وعدم تكوين لجنة استفتاء ابيي ، وعدم تطبيق الاتفاقية فيما يختص بمنطقتي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق مما ادي لعودة الحرب فيهما.
4
لقد اكدت تجربة اتفاقية نيفاشا فشل الحل الثنائي المفروض من الخارج والذي استبعد القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني، ويبقي ضرورة الاستفادة من تلك التجربة ومنع حدوثها
حتى لا تتكرر تجربة انفصال جنوب السودان وتمرير مخطط تمزيق السودان الي دويلات وخاصة بعد احتلال الدعم السريع الفاشر وبابنوسة وهجليج التي لها النفط مما يعزز خطوات الانفصال.
وهذا يتطلب الاتفاق على موقف وطني موحد يجنب البلاد شر ذلك المصير. ولشعب السودان تجربة كبيرة في الوصول لحلول لمشاكله الداخلية كما حدث في تجربة الاستقلال عام 1956م عندما ثواثقت القوي السياسية والنقابية علي دستور السودان الانتقالي الذي كفل الحقوق والحريات الأساسية وكان استقلال السودان بعيدا عن الاحلاف العسكرية والارتباط بالخارج. وكذلك عندما اشتدت الأزمة الوطنية العامة في أخر سنوات ديكتاتورية عبود بعد أن اشتد اوار حرب الجنوب والضائقة المعيشية وأزمة الحريات الديمقراطية، توحد شعب السودان خلف جبهة الهيئات التي قادت الاضراب السياسي العام والعصيان المدني ضد النظام حتي تمت الاطاحة به في ثورة اكتوبر 1964م واستعادة الديمقراطية ودستور السودان الانتقالي المعدل لعام 1964م. وتوحد شعب السودان مرة ثالثة ضد نظام مايو الديكتاتوري في التجمع الوطني لانقاذ الوطن الذي قاد انتفاضة مارس- ابريل 1985م التي اطاحت بحكم الديكتاتور نميري واستعادة الديمقراطية. وشعب السودان قادر علي استلهام تلك التجارب مع أخذ الظروف الجديدة لاسقاط الحكومتين غير الشرعيتين في بورتسودان ونيالا. وقطع الطريق أمام حل ثنائي آخر مفروض من الخارج والذي قد يكرّس تفتيت ماتبقي من الوطن.
5
وبالتالي من المهم قيام أوسع جبهة جماهيرية من أجل وقف الحرب واسترداد الثورة وقيام الحكم المدني الديمقراطي، وخروج العسكر والدعم السريع والمليشيات من السياسة والاقتصاد، وعدم الإفلات من العقاب. وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والتعليمية والأمنية، والترتيبات الأمنية لحل كل المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية، وقيام دولة المواطنة التي تحترم التعدد الديني والثقافي والعرقي واحترام حقوق الانسان وسيادة حكم القانون ولضمان وحدة ما تبقى من الوطن، وقيام المؤتمر الدستوري الشامل الذي يرسم خريطة الطريق للمخرج من النفق المظلم الذي دخلت فيه البلاد، وتحقيق التنمية المتوازنة، والتوزيع العادل للثروة والسلطة.
الوسوماتفاق الميرغني- قرنق الإبادة الجماعية الإسلاميون السودان انقلاب 25 اكتوبر 2021 انقلاب 30 يونيو 1989 تاج السر عثمان بابو جبال النوبة جنوب السودان حرب 15 ابريل 2023م دارفور نيفاشا