مع تسلل الذكاء الاصطناعي إلى المزيد والمزيد من المجالات الإبداعية، فإنه يثير تساؤلات حول كيفية تعريفنا للفن، ويتم اليوم استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء لوحات وصور وحتى منحوتات، حيث يتم بيع بعضها بآلاف الدولارات.

وتساءل الكاتبة كلوديا باكستر، في "بي بي سي"،  هل نحتاج إلى إعادة صياغة تعريفنا للفن؟.

وتقول: "في غرفة الرسم في منزل فخم في ريف أوكسفوردشاير، أشاهد فنانة ترتدي سروالًا طويلاً وهي تضع القلم ببطء وبعناية على الورق، تتحرك ذراعها عبر القماش، وتندمج العلامات تدريجيًا في صورة تجريدية لنفسها، و يبدو الأمر وكأنه لحظة تعبير إبداعي، لكن هذه ليست فنانة عادية ، إنها أول فنانة روبوتية بشرية في العالم، "أيدا"، و من خلال التصميم، يثير وجودها تساؤلات حول كيفية تعريفنا للفن، ومن، أو في هذه الحالة، ما، الذي يمكنه خلقه، هل ستؤدي خوارزميات الذكاء الاصطناعي والروبوتات مثل Ai-Da إلى نهاية الإبداع البشري والفن، أم يمكن تسخيرها لزيادة إمكاناتنا الإبداعية؟ ".


وتضيف: "الفن مر في حالة تغير عندما اقترح مارسيل دوشامب اعتبار المرحاض الخزفي فنًا وقدمه للعرض في نيويورك في أوائل القرن العشرين، وحينها قلب عالم الفن رأسًا على عقب،  لقد زعم أن أي شيء يمكن اعتباره فنًا، إذا اختاره الفنان ووُسم بهذا الاسم، و كانت فكرة ثورية عميقة تحدت المفاهيم السابقة للفن باعتباره جميلًا وماهرًا تقنيًا وعاطفيًا".


الذكاء الاصطناعي ضد العقل


هذه المقالة جزء من سلسلة الذكاء الاصطناعي ضد العقل، وهي سلسلة تهدف إلى استكشاف حدود الذكاء الاصطناعي المتطور، ومعرفة القليل عن كيفية عمل أدمغتنا على طول الطريق، وفق الكاتبة، و ستضع كل مقالة خبيرًا بشريًا في مواجهة أداة الذكاء الاصطناعي لاستكشاف جانب مختلف من القدرة المعرفية، فهل تستطيع الآلة أن تكتب نكتة أفضل من الكوميدي المحترف، أو أن تحل لغزًا أخلاقيًا بشكل أكثر أناقة من الفيلسوف؟.
وتقول الكاتبة: "وبنفس الطريقة تقريبًا، تعمل الأعمال الفنية التي أنشأتها الذكاء الاصطناعي على تعطيل المعايير المقبولة في عالم الفن، وكما تزعم الفيلسوفة أليس هيليويل من جامعة نورث إيسترن لندن، إذا كان بوسعنا أن نعتبر أعمالًا جذرية ومتباينة مثل مبولة دوشامب وسرير تريسي إمين فنًا حقيقيًا، فكيف يمكن رفض شيء تم إنشاؤه بواسطة خوارزمية توليدية؟ بعد كل شيء، كان كلاهما مثيرًا للجدل في ذلك الوقت ويحتويان على أشياء لم يتم إنشاؤها تقنيًا بواسطة يد فنان".
و تقول هيليويل: "تاريخيًا، تغيرت الطريقة التي نفهم بها تعريف الفن، من الصعب أن نرى لماذا يمكن أن تكون المبولة فنًا، ولكن الفن المصنوع بواسطة خوارزمية توليدية لا يمكن أن يكون كذلك، وعلى مر التاريخ، كانت كل حركة فنية جذرية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بروح العصر الثقافي في ذلك الوقت، وهي انعكاس لانشغالات المجتمع واهتماماته، مثل تيرنر ومناظره الصناعية وهوس دافنشي بالعلم والرياضيات، والذكاء الاصطناعي ليس مختلفًا". ويستشهد مبتكرو آيدا، صاحب المعرض الفني إيدان ميلر والباحثة لوسي سيل، بهذا باعتباره سببًا محوريًا لوجود فنانة بشرية مثل آيدا، حيث " إنها تجسيد لأحد مخاوف المجتمع المعاصر الحالية، صعود خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تخطف الوظائف وهيمنة الروبوتات المحتملة، لكن الثورات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي لا تعني بالضرورة "نهاية الفن" كما يخشى الكثيرون، بدلاً من ذلك، يمكن أن تساعد في بدء التحول الفني وتحريكنا نحو طرق مختلفة تمامًا للرؤية والإبداع".
وهو ما يزعمه ماركوس دو سوتوي، عالم الرياضيات في جامعة أكسفورد ومؤلف كتاب "شفرة الإبداع: الفن والابتكار في عصر الذكاء الاصطناعي"، حيث يقول إن البشر معرضون أيضًا للتصرف مثل الآلات، وتكرار السلوكيات القديمة والانغماس في القواعد، مثل الرسام أو الموسيقي المحبوس في أسلوب معين.
ويقول دو سوتوي: "قد يساعدنا الذكاء الاصطناعي على التوقف عن التصرف مثل الآلات، ودفعنا إلى الإبداع مرة أخرى كبشر".
ويضيف: "هناك سابقة تاريخية للتكنولوجيا الجديدة التي تحررنا من قيودنا الإبداعية، خذ اختراع التصوير الفوتوغرافي في القرن التاسع عشر على سبيل المثال، رأى بعض الفنانين الكاميرا على أنها نقيض للفنان، والصور الفوتوغرافية باعتبارها العدو اللدود للمؤسسة الفنية، ولكن بدلاً من استبدال الرسم، أصبح التصوير الفوتوغرافي حافزًا في تطوير حركة الفن الحديث التجريبي في القرن العشرين، حيث ابتعد الفنانون عن الواقعية نحو التجريد، وهو التحول الذي مهد الطريق للفن المعاصر اليوم".


من هي الفنانة؟


وأثناء التجول حول كومة أيدا الريفية في أوكسفوردشاير، تقول الكاتبة باكستر: "تمكنت من تقدير مدى اتساع نطاق أعمالها الفنية حتى الآن، تماثيل نصفية مقلقة لها بعينيها المغلقتين، وخنافس مندمجة في وجهها، وتصوير جزئي وخيالي لعالم الكمبيوتر آلان تورينج، وصور ملونة مستوحاة من فن البوب".
وعلى عكس العديد من مولدات النصوص إلى الصور مثل Dall-E و Midjourney التي تتمتع بالقدرة على إنشاء أغلفة مجلات معقولة بشكل مثير للقلق والفوز بمسابقات فنية مرغوبة، لا تعتمد العملية الفنية لـ Ai-Da فقط على البيانات التي تم تدريبها عليها، و تستخدم Ai-Da أيضًا الكاميرات الموجودة في عينيها، والتي تغذي صورًا جديدة في خوارزميتها، وبالتالي تخلق أعمالًا جديدة وفريدة من نوعها بعيدة كل البعد عن مجموعات البيانات التي يولدها الإنسان، و هذه هي الطريقة التي تتمكن بها من إنشاء صور ذاتية.
لكن، هل يجعلها هذا مبدعة في حد ذاتها؟ وهل يمكننا أن ننسب إليها الفضل في التأليف، أم أن هذا يرجع إلى الفنانين الذين تم تدريبها على أعمالهم ومع منشئي خوارزميتها، الذين كتبوا في النهاية شفرتها؟، هناك أيضًا فنانون يرون الذكاء الاصطناعي كمنفذ جديد لإبداعهم الخاص - وسيلة جديدة يمكنهم استخدامها مثل الفرشاة أو سكين اللوحة.
و طورت مارغريت بودن، الباحثة في العلوم المعرفية بجامعة ساسكس في المملكة المتحدة، أحد أكثر التعريفات المقبولة على نطاق واسع للإبداع حتى الآن، وهي ترى أنه القدرة على توليد أفكار جديدة وقيمة ومفاجئة، وباستخدام هذا التعريف، يمكن اعتبار الأعمال التي تنتجها آلات مثل Ai-Da إبداعية، كما يزعم مبدعوها.
 وسواء كان من الممكن وصف الخوارزمية أو الروبوت نفسه بأنه كيان إبداعي أم لا، فإن "الفنان" في حد ذاته، مثل الإنسان، يظل محل نقاش، ويرجع هذا جزئيًا إلى التأليف.
ويقوم بعض الفنانين الآن بتدريب الخوارزميات حصريًا على أعمالهم وحدها، في محاولة لدفع حدودهم الإبداعية الخاصة، هناك حجة أخرى في قلب هذه القضية أيضًا، حيث قد تكون عمليات التعلم الآلي المستخدمة لتدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي التوليدي عملية إبداعية في حد ذاتها.
و يقول دو سوتوي: "الكود المعرض للبيانات - الأعمال الفنية الموجودة، على سبيل المثال - قادر على التعلم والتحور والتطور، هذا يعني أن الكود الذي ينتج في نهاية عملية التعلم يختلف تمامًا عن الكود الأصلي الذي كتبه الإنسان، وهذا يعني أن هناك فرصة للكود لإنتاج شيء يستحق أن نطلق عليه إبداع الكود وليس الإنسان الذي بدأ العملية".

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الذكاء الاصطناعي الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يتنبأ بسكر الدم!

في خطوة رائدة نحو تحسين إدارة مرض السكري، أعلنت شركتا IBM وRoche عن تطوير حل ذكي مشترك يُعالج واحدة من أكثر التحديات الصحية تعقيدًا: العبء اليومي المستمر لمراقبة مستويات السكر في الدم.
جاءت النتيجة على شكل تطبيق مبتكر يحمل اسم Accu-Chek SmartGuide Predict، يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بمستويات الجلوكوز قبل حدوث التغييرات المفاجئة، ما يمنح المستخدمين فرصة استباق الأحداث واتخاذ قرارات صحية مبنية على التوقع لا رد الفعل.

تنبؤ بسكر الدم... كما تتنبأ بالأحوال الجوية
يأخذ التطبيق مفهوم مراقبة السكري إلى بُعد جديد، إذ لا يكتفي بإظهار مستوى السكر الحالي، بل يرسم خريطة لتوجهاته المستقبلية. تمامًا كما تعتمد على نشرة الطقس لتخطط ليومك، يمكنك الآن الاعتماد على هذا التطبيق للتخطيط لمستويات سكر في الدم خلال الساعات المقبلة.
ويعمل التطبيق بالتكامل مع جهاز الاستشعار المستمر للجلوكوز من Roche، حيث يعالج البيانات لحظيًا باستخدام الذكاء الاصطناعي، ليمنح المستخدم رؤى دقيقة تساعده على تفادي التقلبات المفاجئة والخطيرة في مستويات الجلوكوز.

ثلاث ميزات رئيسية تحدث فرقًا حقيقيًا
يمتاز تطبيق SmartGuide Predict بثلاث وظائف رئيسية، كل منها يستهدف قلقًا شائعًا لدى مرضى السكري:
* Glucose Predict: ميزة تعرض تصورًا لمسار مستوى الجلوكوز خلال الساعتين المقبلتين، ما يمنح المستخدم وقتًا كافيًا لتعديل نظامه الغذائي أو أخذ جرعة إنسولين وقائية.
* Low Glucose Predict: بمثابة نظام إنذار مبكر، ينبّه المستخدم باحتمال حدوث انخفاض حاد في السكر قبل 30 دقيقة تقريبًا من وقوعه—وقت كافٍ لاتخاذ إجراء تصحيحي سريع.
* Night Low Predict: خاصية تُعد الأهم لكثير من المرضى، إذ تتنبأ بخطر انخفاض السكر أثناء النوم وهو أكثر الأوقات خطورة. التطبيق يقيم المخاطر قبل النوم ويقترح ما إذا كانت وجبة خفيفة ليلية ضرورية.
يقول موريتز هارتمان، رئيس قسم حلول المعلومات في شركة Roche: «من خلال تسخير قوة التكنولوجيا التنبؤية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، يمكن لتطبيق Accu-Chek SmartGuide Predict أن يمنح مرضى السكري قدرة أكبر على اتخاذ قرارات استباقية لإدارة حالتهم الصحية بثقة ووعي».

الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل أبحاث السكري
تتجاوز فوائد التعاون بين IBM وRoche الجانب العلاجي، لتصل إلى مجال الأبحاث السريرية. فقد طوّرت الشركتان أداة ذكية مدعومة بمنصة watsonx من IBM، تعيد تعريف كيفية تحليل البيانات في التجارب السريرية.
بدلًا من العمليات اليدوية البطيئة، تقوم الأداة الجديدة برقمنة وتصنيف وترجمة البيانات السريرية المجهولة الهوية، وربطها تلقائيًا بمعلومات أجهزة مراقبة السكر ونمط حياة المشاركين في الدراسة.
والحصيلة؟ اكتشاف أنماط وارتباطات دقيقة في وقت قياسي ما يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في فهم المرض وتطوير أساليب العلاج، وربما يكون أكثر تأثيرًا على المدى البعيد من التطبيق ذاته. 

تحالف فريد بين التكنولوجيا والصحة
يجمع هذا التعاون بين قوتين من عالمين مختلفين: خبرة IBM التقنية والذكاء الاصطناعي من جهة، وخبرة Roche في علوم الحياة والرعاية الصحية من جهة أخرى. وهو نموذج ناجح لتكامل الصناعات لخدمة احتياجات صحية حقيقية.
يقول هارتمان: «شراكتنا طويلة الأمد مع IBM تعكس الإمكانات الكبيرة للابتكار بين الصناعات في تقديم حلول فعّالة لاحتياجات صحية غير ملبّاة، وتسريع الوصول إلى نتائج علاجية أفضل».
وأضاف كريستيان كيلر، المدير العام لـIBM في سويسرا: «التعاون مع Roche يُبرهن على قوة الذكاء الاصطناعي عندما يُستخدم لهدف واضح: دعم المرضى في إدارة حالاتهم بشكل أفضل. نحن نوفر بيئة تقنية موثوقة، آمنة، ومخصصة تُعزز الابتكار في مجال الرعاية الصحية». 

دلالات الابتكار لمستقبل التكنولوجيا الصحية؟
بعد سنوات من متابعة التكنولوجيا الصحية، يمكن القول إن هذه الشراكة مختلفة. فهي لا تقدم وعودًا فضفاضة، بل تركز على حل واضح وملموس لمشكلة تؤثر على أكثر من 590 مليون شخص حول العالم يعيشون مع مرض السكري.
إنّ التحول من الإدارة التفاعلية إلى الإدارة التنبؤية لا يُعد مجرد تحسين، بل تغيير في قواعد اللعبة. فبدلًا من انتظار المشكلة، أصبح بالإمكان توقعها ومنعها. الذكاء الاصطناعي هنا لا يستبدل الإنسان، بل يزوّده بالمعلومة في الوقت المناسب ليحسن اتخاذ القرار.
التطبيق متاح حاليًا فقط في سويسرا، وهي خطوة مدروسة لاختبار فعالية النظام قبل تعميمه عالميًا. ومن المتوقع أن يتابعه قطاع الرعاية الصحية عن كثب.
إذا أثبتت هذه التجربة نجاحها، فقد تفتح الباب أمام حلول مشابهة لأمراض مزمنة أخرى، مثل أمراض القلب، الربو، أو حتى اضطرابات الجهاز العصبي كمرض باركنسون.
وفي الوقت الراهن، يبقى الهدف الأساسي هو منح مرضى السكري القدرة على عيش حياة أكثر راحة واستقرارًا حتى أثناء نومهم. وهو هدف إنساني نبيل، يستحق أن يُسخّر له الذكاء الاصطناعي بكل إمكاناته.

أخبار ذات صلة تعليم نماذج الذكاء الاصطناعي ما لا تعرفه "واتساب" يختبر ميزة إنشاء مساعد مدعوم بالذكاء الاصطناعي

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يتيح للأطباء الدردشة مع السجلات الطبية
  • هجوم حاد على راشد الماجد لاستخدامه الذكاء الاصطناعي في أغنيته الجديدة.. فيديو
  • جامعة القاهرة تتصدّر أبحاث الذكاء الاصطناعي في مصر بـ2,191 بحثًا
  • «شرطة دبي» تنظم ورشة تعريفية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي
  • خلال محاكمة.. الذكاء الاصطناعي يحيل إلى مرجع غير موجود
  • الذكاء الاصطناعي يتنبأ بسكر الدم!
  • تعليم نماذج الذكاء الاصطناعي ما لا تعرفه
  • نقابات العمال الأمريكية تبدأ معركتها ضد الذكاء الاصطناعي
  • نجوم الفن يستخدمون الذكاء الاصطناعي لـ تهنئة الجمهور بعيد الأضحي
  • احذر فخ الذكاء الاصطناعي: مشهد وهمي بتقنية Veo 3 يثير الجدل