صنع في المغرب.. الرباط تقتحم مجال الصناعة العسكرية المتطورة
تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT
مراكش – قرر المغرب استحداث منطقتين صناعيتين عسكريتين، في خطوة جديدة ترمي إلى تعزيز مسار توطين الصناعة العسكرية، كما وقع اتفاقية مع شركة "تاتا أدفانس سيستمز" الهندية العملاقة لإقامة مصنع في الدار البيضاء الكبرى لتصنيع معدات دفاعية متطورة.
ولا يقتصر المغرب على تصنيع هذه المعدات، بل توجه أيضا إلى تطوير صناعات عسكرية أخرى مثل المسيّرات ومعدات الحرب الإلكترونية، موقفا عددا من طلبات عروض استيراد السلاح، وقد أعلنت شركة "أيرو درايف" المغربية هذا الشهر عن نجاح أول تجربة لطائرة "أطلس" بدون طيار، المصممة للمهام العسكرية.
وحسب عدد من الخبراء، فإن هذا التوجه يؤكد طموح الرباط في أن تصبح رائدا إقليميا في مجال الصناعة العسكرية، يعززه رفع ميزانية الدفاع لسنة 2025.
يؤكد الباحث في الشؤون الإستراتيجية هشام معتضد للجزيرة نت أن التفكير في توطين الصناعة العسكرية يعتبر جزءا من إستراتيجية بعيدة المدى لتعزيز استقلالية الرباط في مجال الدفاع وتحقيق السيادة الدفاعية، ويمكن تتبع هذا التوجه مع بداية الألفية الثالثة، ولكن دفعة جديدة برزت في العقد الأخير في ظل التحولات الجيوسياسية الإقليمية والدولية.
ويضيف أن هذه الخطوة ليست مجرد استجابة لحاجة محلية، بل هي جزء من تحول شامل في مقاربة المغرب للأمن القومي، حيث تعتمد الدولة على تطوير قدرات ذاتية للتصنيع العسكري، وتقلل من الاعتماد على الخارج في تأمين المعدات الحساسة.
وهو ما يؤكده أستاذ العلوم السياسية محمد بنطلحة الدكالي للجزيرة نت، مشيرا إلى أن الرغبة في صناعة عسكرية مغربية، تندرج في إطار مشروع وطني يعي جيدا الدوافع الجيوإستراتيجية والتوازنات الإقليمية، خاصة أن موقع المغرب الجغرافي يضعه ضمن موقع متداخل المصالح والرهانات.
ويؤكد بنطلحة أن المغرب حرص في عهد الملك محمد السادس على نهج إستراتيجية جديدة قوامها الانفتاح على توطين الصناعة العسكرية، سعيا منه لضمان التفوق الإستراتيجي في محيطه الإقليمي، وهو ما من شأنه أن يسهم في تقليص فاتورة استيراد الأسلحة من الخارج، وفي تقوية الاقتصاد الوطني من خلال خلق مقاولات مغربية متخصصة في المجال.
عزز المغرب ترسانته القانونية من خلال المصادقة على قانون يقضي باستحداث منطقتين للتصنيع الدفاعي، ويحمل المرسوم دلالات إستراتيجية كبيرة، إذ يعكس النية في تأسيس بنية تحتية دفاعية متكاملة، تتيح تصنيع وتطوير نظم تسليحية خاصة، حسب الباحث معتضد.
ويضيف أنه وفقا لنظرية الواقعية في العلاقات الدولية، والتي تركز على تعزيز القوة القومية كوسيلة للحفاظ على الأمن والاستقلال، يعد هذا المرسوم خطوة عملية لتعزيز موقع الرباط بصفته فاعلا إقليميا مستقلا، وقادرا على تلبية احتياجاته الدفاعية من دون الاعتماد المفرط على التحالفات الخارجية، كما تتجاوز أهمية المرسوم الجانب التقني، فهي تتعلق بتقوية الأمن الوطني عبر تأمين المصادر الداخلية للتسليح.
في حين يوضح بنطلحة أن التقنين خطوة مهمة نحو البدء في الصناعة العسكرية، مؤكدا أن الجيش المغربي يفكر في مشروع وطني للصناعة العسكرية المغربية، زيادة على الاهتمام بتطوير برامج البحث العلمي والهندسي، والعمل على تطوير قدراته العسكرية والأمنية على المستوى الأفريقي والدولي.
سجلت ميزانية الدفاع الوطني المغربي خلال السنوات الخمس الأخيرة قفزات نوعية، تعززت باعتماد موازنة لسنة 2025 تصل إلى نحو 133 مليار درهم (13 مليار دولار) من أجل "اقتناء وإصلاح المعدات العسكرية ودعم تطوير صناعة الدفاع"، بزيادة قاربت 9 مليارات درهم (873 مليون دولار) عن السنة الماضية، وزيادة فاقت 37 مليار درهم (3.5 مليارات دولار) عن سنة 2019.
ويشرح بنطلحة أن الرفع من الميزانية هو لتغطية نفقات شراء وصيانة المعدات العسكرية، لكنه يأتي أيضا في سياق إستراتيجية المغرب لتطوير الصناعة الدفاعية، منبها إلى أن ذلك يشمل تحسين أوضاع أفراد الجيش المغربي، عن طريق رفع أجورهم حسب رتبهم العسكرية، وقد خصص لذلك حوالي 8 مليارات دولار.
في حين يؤكد معتضد، أن الزيادة في الإنفاق وفقا لنظرية الاقتصاد الدفاعي قد تكون ضرورية لتهيئة الظروف الملائمة للانتقال إلى الإنتاج المحلي، فبعد بناء القدرات المحلية، يمكن أن يقلل المغرب بشكل تدريجي من اعتماده على الاستيراد، وهذا يسهم في خفض النفقات العسكرية المستقبلية.
ومن الناحية الجيوسياسية، فإن ذلك يعزز قوة الردع العسكري، ويمكّن المغرب من مواكبة التطورات الإقليمية والدولية، وفي ظل بيئة أمنية متغيرة وغير مستقرة تعد هذه الزيادة ضرورة للحفاظ على التوازن الإستراتيجي مع القوى الإقليمية المنافسة.
ويقيم المغرب شراكات مع عدد من الدول الرائدة، لكن الشروع في إحداث مصنع للمعدات الدفاعية في ضواحي مدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمملكة، بالشراكة مع الشركة الهندية، له دلالة إستراتيجية هامة، ويشكل خطوة متقدمة في تعزيز قدرات المغرب في مجال الصناعات الدفاعية، لا سيما في ظل التوجه المتزايد نحو الاكتفاء الذاتي في الصناعات العسكرية.
ويبرز الخبير الأمني والإستراتيجي محمد الطيار للجزيرة نت أن درجة المعضلة الأمنية التي يعرفها محيط المغرب الإقليمي سواء في منطقة الساحل الأفريقي أو غيرها، دفعته للدخول بشكل ملحوظ في مجال التصنيع العسكري.
ويؤكد الطيار أن الهند تمتلك صناعة عسكرية متطورة وقد فرضت نفسها بقوة في مجال الصناعات العسكرية والأمنية المتطورة والدقيقة والمتنوعة، ومن شأن هذه الاتفاقية تعزيز المشروع الإستراتيجي الذي سطره المغرب لتوطين الصناعة العسكرية محليا.
في حين يفسر معتضد أن هذه الاتفاقية تظهر تحولا في مسار الرباط نحو تقليل اعتماده على الشركاء التقليديين في أوروبا وأميركا الشمالية، بتوسيعه التعاون مع دول أخرى مثل الهند، إذ يسعى المغرب إلى تنويع مصادره الدفاعية والتكنولوجية، وهو ما يتماشى مع نظرية التوازن التي تشير إلى أهمية تنويع الشراكات لتحسين التوازن الإستراتيجي مع القوى الإقليمية والدولية، كما تُعد هذه الاتفاقية خطوة نحو تحقيق استقلالية إستراتيجية في صناعة الأسلحة الدفاعية.
فرص وتحدياتترتكز العقيدة العسكرية المغربية على 3 مبادئ أساسية تشمل: الجوار، والتضامن، والشراكة، وتعد التنافسية في مجال التكنولوجيا الدفاعية أحد أكبر التحديات التي تواجه الدول النامية التي تسعى لتطوير صناعات عسكرية محلية، ويعتبر الخبراء أن عبارة "صنع في المغرب" ستعد بحق مفخرة.
ويشير الطيار إلى أن المغرب يحصل على أنظمة تكنولوجية متطورة من خلال عقد شراكات مع حلفائه، كما يخضع العديد من الخبراء والتقنيين المغاربة لتدريبات مكثفة، مع عودة آخرين من الخارج، وأطلق المغرب برامج التطوير والبحث العلمي بشراكة مع الجامعات والمعاهد المغربية، وتم الإعلان أيضا عن إنشاء المركز الملكي للدراسات وأبحاث الدفاع التابع للكلية الملكية للدراسات العسكرية العليا.
ويضيف معتضد أن المغرب يعتمد -علاوة على موارده البشرية المؤهلة القادرة على التعامل مع التكنولوجيا المتطورة- على نظرية "تجمع الصناعات"، مما جعله يحصل على بنية تحتية صناعية متقدمة بشكل يعزز من التنافسية ويزيد من فرص النجاح، وتشكل هذه النظرية نموذجا يمكن تطبيقه في توطين الصناعات الدفاعية.
كما يستند إلى تجربته الناجحة في صناعة السيارات والطائرات التي اكتسبت سمعة دولية خلال العقدين الماضيين، إذ يعكس ذلك قدرته على جذب الاستثمارات الأجنبية ونقل التكنولوجيا.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
أكد أن انهيار النظام الإيراني يزعزع استقرار المنطقة.. السوداني: العراق يعزز قدراته الدفاعية لحماية أجوائه
البلاد (بغداد)
حذر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من تداعيات الصراع الإقليمي المتصاعد، مؤكداً أن انهيار النظام في إيران سيكون بمثابة “كارثة جيوسياسية” تهدد استقرار المنطقة برمتها، مشيراً إلى أن العراق يتابع بقلق حقيقي تداعيات التوتر المتزايد بين طهران وتل أبيب.
وشدد السوداني في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، على أن النظام الإيراني “ليس ضعيفاً كما يُصوَّر”، معتبراً أنه يمتلك قاعدة شعبية وأنصاراً ومؤسسات راسخة يصعب إسقاطها بسهولة.
وقال:” الحسابات التي تراهن على سقوط النظام الإيراني في وقت قصير هي حسابات خاطئة وخطرة”، مضيفاً:” اندلاع أي حريق في الجوار سيؤدي حتماً إلى امتداد اللهب إلى باقي دول المنطقة، بما فيها العراق، فلا أحد سيكون بمنأى عن ذلك”.
وأكد السوداني أن الحكومة العراقية تشعر بقلق بالغ من امتداد الحرب إلى مختلف أنحاء المنطقة، خاصة في ظل تزايد الانتهاكات الجوية خلال التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران.
وكانت المقاتلات الإسرائيلية، قد استخدمت المجال الجوي العراقي؛ لتنفيذ هجمات على مواقع في إيران خلال الحرب التي اندلعت الشهر الماضي واستمرت 12 يوماً، وهو ما وصفه السوداني بأنه” انتهاك صارخ لسيادة العراق ومحاولة لجرّه إلى صراع لا علاقة له به”.
وأشار رئيس الوزراء العراقي إلى أن العراق لا يمتلك حالياً منظومة دفاع جوي متطورة كافية لحماية أجوائه من هذه الانتهاكات، لكنه أوضح أن حكومته شرعت في اتخاذ خطوات عملية لتعزيز قدراتها الدفاعية.
وقال السوداني:” رصدنا ضعفاً واضحاً في بنيتنا الدفاعية وبدأنا بالفعل في التعاقد على أنظمة دفاع جوي مع كوريا الجنوبية وفرنسا، لكننا قررنا تسريع عمليات الشراء والتطوير بعد التصعيد الأخير”.
وأضاف أن العراق تسلم بالفعل أجزاء من منظومة رادار جديدة وسيتسلم الجزء الأكبر خلال هذا العام، مؤكداً أن الحكومة “لن تسمح لإسرائيل أو لأي دولة أخرى بانتهاك الأجواء العراقية مرة أخرى”، وأنها ستستخدم” كل الوسائل المتاحة” لحماية السيادة الوطنية.
قلق من هشاشة وقف إطلاق النار
كما عبّر السوداني عن قلقه من هشاشة وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، لافتاً إلى أن وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في السلطة يفاقم حالة عدم الاستقرار.
وقال:” إستراتيجية نتنياهو تقوم على تأجيج الحروب واستمرار الصراعات كوسيلة للبقاء السياسي، وهذا يعرض المنطقة بأكملها للخطر”.
وأضاف:” وقف إطلاق النار لم يصمد في غزة، وكذلك في لبنان. كما أن إسرائيل تواصل شن هجمات على سوريا كلما رغبت، مما يزيد من حالة القلق لدى دول المنطقة”.
تأتي تصريحات السوداني في ظل حالة من التصعيد المستمر في الشرق الأوسط، مع تعقّد المشهد بين إسرائيل وإيران، واستمرار التوترات في غزة ولبنان وسوريا.
ويرى مراقبون أن العراق، بحكم موقعه الجغرافي وقربه من بؤر التوتر، يواجه تحدياً صعباً في تحييد نفسه عن صراع القوى الإقليمية الكبرى، خاصة في ظل الثغرات الدفاعية الحالية التي جعلته ممراً سهلاً للطائرات الحربية الأجنبية.
وأكد السوداني أن بغداد ستواصل تعزيز قدراتها الدفاعية لتأمين أجوائها، مشدداً على أن” العراق لن يكون ساحة لتصفية الحسابات بين أطراف النزاع في المنطقة”.