“إسرائيل” تعيش نشوتها الأولى منذ السابع من أكتوبر.. لكنها لن تطول!
تاريخ النشر: 25th, October 2024 GMT
يمانيون – متابعات
خلال الشهر الماضي، أُقيمت الاحتفالات داخل “إسرائيل” مع كل مرة تأكّد فيها خبر استشهاد أحد قادة المقاومة في لبنان وقطاع غزة. أغلبية مظاهر الاحتفال جاءت في سياق عام، بمعنى أنها خارج إطار مؤسسة السلطة، بدايةً من السيد حسن نصر الله حتى السيد هاشم صفي الدين، مروراً برئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يحيى السنوار.
في عدد من الأماكن قام المستوطنون بتوزيع الحلوى، وفتحوا زجاجات الخمر، ورقصوا أمام المنازل وفي الميادين العامة، على اعتبار أن “جيشهم” أنجز النصر الذي وعدهم به، بعد السابع من تشرين الأول.
الإعلاميون الإسرائيليون أمام الشاشات كانوا جزءاً من حالة النشوة العامة التي انتابت الشارع الإسرائيلي، وبعضهم أعلن مغادرته معسكر المعارضين لنتنياهو إلى معسكر الموالاة، باعتبار أن الحكومة اليمينية تحت قيادته استطاعت تجاوز جميع التحديات والوصول إلى غاياتها، وأنها داست بقدميها كل الإدانات الأممية، ولم يردعها طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير الحرب غالانت، أو موقف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الرافض لاستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة واتساع رقعة القتال.
يُعرّف علم النفس حالة النشوة الجماعيّة على أنها حالة نفسية من الابتهاج الغامر الذي يُفضي إلى غياب العقل عن إدراك ما حوله، لذا يعدّها البعض نوعاً من الشطح أو الشطط العقلي، ويمكن خلالها تغذية الجماعة التي تنتابها مثل تلك الحالة بأي نوع من الأساطير والأوهام، وهذا ما تسعى له الجماعات الدينية المتطرفة داخل “إسرائيل” عبر تغذية روح الانتقام وربط “الانتصار” بما يزعمونه من “وعود إلهية”، وهو أمر يشير بشكلٍ أو آخر إلى دنوّ أجل “إسرائيل” بحكم اضمحلال مساحة “العقل” فيها لمصلحة “الخرافة”.
خلال تلك الحالة اللاعقلانية، والتي يُغذّيها أنصار إيتمار بن غفير في حزب “عوتسما يهوديت” (العَظَمة اليهودية) وأنصار سموتريتش في تيار الصهيونية الدينية، فوّت المجتمع الإسرائيلي ثلاث حقائق، وهي:
الأولى: أن المقاومة اللبنانية استعادت بشكلٍ سريع روح المبادرة، واستطاعت تضميد جراحها بعد استشهاد أمينها العام ومن بعده رئيس المجلس التنفيذي، وانهمرت الصواريخ بشكل مكثف على حيفا وعكا وصفد، ووصلت إلى “تل أبيب” وعطلت مطار بن غوريون، ودفعت أكثر من مليوني إسرائيلي إلى الملاجئ، حتى إن المسيّرات التي أطلقها حزب الله وجدت طريقها إلى غرفة نوم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، في منزله في مدينة قيسارية الفلسطينية المحتلة على شاطئ البحر المتوسط.
الحقيقة أن حزب الله، على رغم التحديات التي يواجهها، وأشدّها من الداخل وليس الخارج، أنجز خلال الشهر الماضي معادلة جديدة تقوم على استرداد ميزان الردع وتوجيه ضربات مؤلمة إلى العدو، تمتاز بأنها متتالية وواسعة النطاق ولا يعلوها سقف، وهو ما أطلق عليه الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، في خطبته الثالثة منذ اغتيال الشهيد الأسمى السيد حسن، معادلة “إيلام العدو”.
في السياق نفسه لم تُفلح جميع محاولات التوغّل التي نفذتها قوات الاحتلال في جنوبي لبنان، ولم تتمكن أي مجموعة عسكرية إسرائيلية من السيطرة على أي موقع في أي بلدة دخلتها، إذ اعتمدت المقاومة أسلوب الكمائن، ونجحت أكثر من مرة في استدراج جنود الاحتلال وضباطه وتكبيدهم الخسائر، ثمّ إرغامهم على التراجُع، وكانت النتيجة بعد قرابة شهر أن المقاومة أفشلت خطة نتنياهو في اجتياح القرى الجنوبية وأدخلت قواته في معارك استنزاف طويلة، وبات من المألوف للإعلام العبري أن ينقل أخباراً عن المروحيات الإسرائيلية وهي تعود بالقتلى والمصابين إلى المستشفيات.
الحقيقة الثانية: تتعلق بقطاع غزة، وبالشهيد السنوار. ففي غمرة “الابتهاج الإسرائيلي” تم إغفال أن اغتيال زعيم حركة حماس، والعقل المدبر لعملية طوفان الأقصى، لم يتم إلا بعد مرور عام كامل على بداية الحرب، وأن قوات الاحتلال حتى اللحظة لا تزال عاجزة عن استرداد الأسرى الإسرائيليين أو القضاء على المقاومة واستئصال شأفتها، كما كانت الوعود عند انطلاق العمليات العسكرية الإسرائيلية، بل إنّ الكمائن المحكمة ضد القوات الهندسية الإسرائيلية في جباليا، واستهداف دبابة “ميركافا” بقذيفة “تاندوم”، وتفجير جرافتين عسكريتين بعبوات “شواظ”، وقتل قائد اللواء 401، وإطلاق الصواريخ في اتجاه “سديروت”.. هي جميعها عمليات لم تتم إلا بعد استشهاد السنوار.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ظروف استشهاد السنوار ذاتها لا تشير إلى أي نوع من المهارة الإسرائيلية، فالرجل تم استهدافه صدفة ضمن عملية لم تكن مخطَّطة بشكل مسبق. وعلى رغم ذلك فإن هناك من يُصرّ داخل “إسرائيل” على أن هذا الإنجاز العشوائي يكشف قدرة استخبارية بارعة! كما أن الفيديو الذي نشره الناطق باسم جيش الاحتلال للحظات الأخيرة في حياة السنوار ساهم من حيث لا تدرك “إسرائيل” في تحويل زعيم حماس إلى أسطورة حقيقية، فالشبان العرب باتوا اليوم ينظرون إلى السنوار باعتباره رجلاً قاتَلَ إلى الرمق الأخير، حتى آخر قطرة من دمه، فحتى وهو مُصاب بجروح خطيرة في يده، ويجلس وحيداً في بناية تعرضت للقصف، يتمالك نفسه ليلقي باليد الأخرى عصاً نحو طائرة من دون طيّار تابعة لجيش الاحتلال.
الفيديو القصير الذي تم نشره في “إسرائيل” للتشفّي والشماتة بمهندس أكبر عملية زلزلت الكيان الإسرائيلي خلال العقود الماضية، أدّى رسالة عكسية على المستوى العربي، فما سيبقى محفوراً في ذاكرة كثيرين من الأطفال العرب، هو صورة البطل الذي ناضلَ ضد الصهيونية، واستشهد بثباتٍ وعزم. وهذا ما سيحرّض أجيالاً جديدة داخل فلسطين وخارجها على أن تحذو حذوه، وتعيش بأسلوبه، فتنتهي حياتها بتلك الصورة المشرّفة. ولعلّ إليئور ليفي، محلل أخبار فلسطين في قناة “كان”، كان من القلائل داخل “إسرائيل” الذين انتبهوا لتلك المفارقة محذراً من عواقب الغطرسة الإسرائيلية.
الحقيقة الثالثة: أن التهوّر الإسرائيلي واندفاع قادة الاحتلال إلى اتخاذ قرارات متتالية باستهداف أبرز قيادات المقاومة سواء في إيران أو لبنان أو فلسطين، والتلويح بإمكان استهداف رموز أخرى فيما تبقى من الساحات، تجعل محور المقاومة برمته أمام تهديد وجودي، فثمة وعي عام اليوم بأن الحكومة الصهيونية تعمل وفق رؤية أميركية تستهدف إنهاء وجود المحور الذي ظهر إلى النور في عام 1979 مع نجاح الثورة الإيرانية، التي من يومها الأول حملت على عاتقها مهمة التصدي للهيمنة الغربية، والسعي لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وكان محور المقاومة اشتد عوده بالفعل خلال الأعوام القليلة الفائتة، وكثر عدد الساحات التي تعلن انحيازها إلى النضال ضد واشنطن و”تل أبيب”، وهو ما أنار المصابيح الحمراء لدى الإدارة الأمريكية، وجعلها أهم داعم لجيش الاحتلال في معاركه الدائرة على مدار العام المنصرم، ولا شك في أن حكومة نتنياهو تدرك الأهداف الأميركية وتسعى لتحقيقها عبر استهداف قادة المقاومة، وضرب معنويات جمهور المحور في الآن ذاته، ليتشكل موقف داخلي مناهض لخيارات المقاومة في بيروت ودمشق وصنعاء وطهران.. لكن هيهات.
ما لا يرصده مهندسو السياسة الخارجية الأمريكية أن سياسة “إسرائيل” الطائشة والرعناء ستجعل عواصم المقاومة أمام تحدِّ وجودي: “أن تكون أو لا تكون”، وستجبر أنصار “النهج الوسطي” على التراجع إلى الخلف، وسيتقدم القابضون على الزناد إلى الأمام، لأن لا خيار سوى المواجهة، ولعلّ ذلك ما قصده وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في الصيف الماضي، حين نبه لقدرة إيران على إنتاج مواد انشطارية بهدف صنع قنبلة نووية خلال أسبوع أو إثنين، كما دفع ديفيد أولبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي، إلى القول: “إذا لم يكن محور المقاومة فعالاً، فإن الردع النووي قد يكون الخيار الوحيد”.
تتمادى “إسرائيل” في سياساتها الوحشية، ضاربة بعُرض الحائط كل المواثيق الإنسانية، وتكشف عن وجه سافر من التحدي لخصومها، لكن ثمة حقائق تتشكل على الأرض، جميعها في غير مصلحتها، فالمقاومة اللبنانية تسترد عافيتها، والحركات المسلحة في غزة لا تزال تقاتل على رغم التحديات غير المسبوقة، ومحور المقاومة، في كل ساحاته، بات مستنفراً إلى أقصى درجة، لأنه لم يعد هناك خيار آخر سوى المواجهة المفتوحة، والتي لا تلتزم الأسقف ولا تعرفها.
———————————————-
– موقع الميادين/ السيد شبل
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
“البيت الذي شيده الطفايلة في قلب الوطن”
صراحة نيوز- الدكتور زيد أحمد المحيسن
في قلب العاصمة، وعلى بعد خطوات من مراكز القرار، بزغ فجر جديد لأبناء الطفيلة؛ فجرٌ يحمل بين طياته بشرى طال انتظارها، وأمنية ظلّت ردحًا من الزمن تتناقلها الألسن والقلوب على حد سواء، حتى قيّض الله لهذا الحلم أن يرى النور، ويتحول إلى صرحٍ شامخٍ يعانق سماء عمان: مقر جمعية ديوان عشائر الطفيلة.
لقد كان لي شرف الحضور في هذا اليوم البهي، يوم افتتاح المقر وتناول الغداء مع إخوتي من أبناء الطفيلة الذين توافدوا من كل حدب وصوب، يحملون في قلوبهم البهجة، وعلى وجوههم ابتسامات الفخر والرضى، إذ أصبح للطفايلة اليوم عنوان واضح، ومقر دائم، وبيت يجمع ولا يفرق، ويوحّد ولا يبعثر.
ليست فكرة المقر سوى تجلٍّ لفكرةٍ نبيلة، طالما حلم بها الغيارى من أبناء المحافظة، ممن حملوا همّ الانتماء الصادق والعمل التطوعي النظيف، فعملوا بصمت، وسعوا بجد، حتى أُتيحت لهم هذه اللحظة التاريخية. لم يكن الطريق ممهّداً، بل شاقًا ومعمّدًا بالإرادة والإيمان، لكنهم مضوا دون كلل، حاملين على أكتافهم أمانة الطفيلة ومكانتها، فكان لهم ما أرادوا.
إن وجود مقر دائم في العاصمة لهو علامة فارقة في مسيرة الطفايلة، وخطوة استراتيجية تنقل العمل الأهلي من التشتت إلى التنظيم، ومن الجهد الفردي إلى الحراك الجماعي المنظم. فهذا البيت ليس مجرد مبنى من حجر وإسمنت، بل هو مساحة حوار وتفكير، ومظلة جامعة، تحتضن أبناء الطفيلة بمختلف أطيافهم واتجاهاتهم، ليكونوا يدًا واحدة في خدمة مجتمعهم، وتقديم المبادرات التي تنهض بالشأن الاجتماعي والثقافي والتنموي.
إنه بيت للتشاور لا للتنازع، وللتآلف لا للتنافر، ومجلس دائم للحوار الجاد والبنّاء، يُعزز الانتماء الوطني، ويعيد للروح الجماعية حضورها وهيبتها في زمنٍ كثرت فيه المسافات وتفرّقت الجهود. وفيه يتدارس أبناء المحافظة قضاياهم، ويضعون أيديهم بأيدي بعض، من أجل صياغة مستقبل أفضل لأبنائهم وأحفادهم.
ولأن هذا المشروع ولد من رحم الحاجة، وتغذّى على حبّ الأرض وأهلها، فإنه يستحق أن يحاط بكل أشكال الدعم والرعاية. وها نحن على أعتاب الافتتاح الرسمي تحت الرعاية الملكية السامية، في مشهدٍ سيشكل محطة مضيئة في تاريخ العمل الأهلي لأبناء الطفيلة، ويؤكد أن الانتماء لا يُقاس بالكلام، بل بالفعل الملموس والعطاء المستمر.
كل الشكر والتقدير لكل من ساهم بفكرته أو جهده أو دعمه في إخراج هذا الحلم إلى النور، ولمن آمن بأن لابناء محافظة الطفيلة الهاشمية الحق في أن يكون لهم بيتٌ في العاصمة عمان، يجمعهم ولا يُقصي أحدًا، ويرتقي بهم نحو مزيد من المشاركة المجتمعية الفاعلة، تحت مظلة القانون والشرعية والانتماء الصادق – لله والوطن والعرش .
نعم، أصبح للطفايلة بيتٌ في قلب الوطن… فهنيئًا لهم، وهنيئًا للوطن بأبنائه الأوفياء..