نتصار “14 أغسطس 2006”.. معادلة رسخها حزب الله تجاه هزيمة مشروع “إسرائيل الكبرى”
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
شكل إنتصار المقاومة الإسلامية في لبنان بقيادة حزب الله على كيان العدو الصهيوني في 14 أغسطس من العام 2006 الأرضية لبناء وتثبيت معادلات القوة والردع التي فرضها ويفرضها اليوم محور المقاومة بكل ساحاته التي حالت دون الكثير من السيناريوهات الكفيلة بتغيير مجرى التاريخ لمصلحة المشروع الصهيو-أمريكي القائم على الحروب الطائفية وتفتيت المنطقة لمصلحة فكرة “دولة إسرائيل الكبرى”.
وإذا كان المخططون الأمريكيون ومن خلفهم كيان العدو الصهيوني قد اتخذوا قرارا من خلال العدوان الذي بدأه الأخير في يوليو عام 2006 وأنهاه مجبرا ومذلولا في 14 أغسطس شعاره إزالة حزب الله من الوجود وإخراجه من لبنان والمنطقة بشكل عام وذلك في محاولة لرسم الخريطة الجيوسياسية الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط إلا أن هذا العدوان انتهى من دون تحقيق أياً من أهدافه بعد أن أدخل هذا الانتصار معادلات جديدة في المستوى الإقليمي والدولي ودق آخر مسمار في نعش مشروع “إسرائيل الكبرى”.
ففي الوقت الذي تمكنت فيه المقاومة في لبنان من الإنتصار على الآلة العسكريّة العدوانيّة للعدو الصهيوني، استطاعت إفشال أهداف كيان العدو التي سعى إليها آنذاك، وعلى رأسها جعل لبنان منطلقاً لولادة ما يسمى “مشروع الشرق الأوسط الجديد” الذي وعدت به حينها وزيرة الخارجيّة الأمريكية، كوندوليزا رايس ليكون خاليا من أي قوى رافضة للهيمنة الأمريكية والتفوق الصهيوني.
وهنا لا بد من الإشارة إلى ما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في كلمته في الذكرى السنوية الـ17 لحرب يوليو 2006، حيث أوضح أن “حرب تموز كانت إحدى الوسائل الأساسية لتحقيق مشروع الشرق الاوسط الجديد”.
وقال السيد نصر الله: “الشرق الاوسط الجديد لنعود ونتذكر ليعرف الأجيال التي بعد ذلك وعيت بعد الحرب أن هذا المشروع كان سيؤدي لو نجح كان يعني إعتراف كل دول المنطقة ب”إسرائيل” ككيان ودولة وضياع دولة فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني، وضياع الجولان وما تبقى من لبنان تحت الإحتلال، وتكريس ”الإسرائيلي” كقوة عظمى في المنطقة في ظل هيمنة أمريكية مطلقة.
وأضاف: “هذا المشروع سقط وإنكسر هنا في لبنان سنة 2006 واستكمل الإجهاز عليه من قبل المقاومة الفلسطينية في فلسطين والمقاومة العراقية في العراق ما أدى إلى إنسحاب قوات الإحتلال الأمريكي عام 2011 من العراق وفي ظل صمود كبير لسورية والجمهورية الإسلامية في إيران”.
فمن البوابة اللبنانية رسم حزب الله بإنتصاره في 2006 آفاق الردود التي جاءت في سياق خط الانحدار الذي أجهز على المشروع الصهيو-أمريكي
بشكل نهائي من خلال تحول قوى محور المقاومة الرئيسة في لبنان والعراق وسوريا واليمن وقيادة الجمهورية الإسلامية في ايران من قوة معيقة ومعرقلة لهذا المشروع إلى قوة مانعة قادرة على إيقافه وليس فقط تأخيره.
وهنا يرى مراقبون ومختصون أن الشاهد الأبلغ منذ إنتصار أغسطس 2006 وحتى اليوم هو ربط حزب الله معادلات “تثبيت الردع وبناء القوة” بالساحات المتعددة الشريكة له في مواجهة العدو الصهيوني لحمايتها أولاً من خلال تصدير ردعه في اتجاهها، ولتوسيع نطاق المواجهة مع العدو بما يشكل أكبر ضررٍ عليه ثانياً.
وبحسب كلّ المؤشرات والمعطيات فإن الإنتصار اللبناني افتتح خط التأسيس لكل المعادلات المتلاحقة لمحور المقاومة من خلال تكامل دور حزب الله مع سوريا وإيران والمقاومة الفلسطينية وأنصار الله في اليمن والمقاومة العراقية والذي شكل منعطفا نحو إفشال مخططات العدو الصهيوني والادارة الأمريكية.
ومن أبرز التجليات المتصاعدة لهذه المعادلات بحسب المراقبين أنها عزّزت من معادلات الردع التي فرضتها مقاومة حزب الله مابعد إنتصار 2006 والتي أحدثت المزيد من التحوّلات في موازين القوى لمصلحة منظومة محور المقاومة في المنطقة إذ تمكنت هذه المنظومة من الصمود والحفاظ على أعلى درجات التعاون والتنسيق طوال أيام العدوان وفي المراحل التالية لها.
بالإضافة أن كل مفردة من هذه المعادلات أكدت بإيماءات واضحة الدلالة أن كل الاعتداءات والحروب التي شنها كيان العدو الصهيوني بعد إنتصار المقاومة في لبنان شكلت الأساس في صناعة مستقبل المنطقة في الاتجاه المعاكس لما كانت تخطط له الولايات المتحدة وكيان العدو مما ولّد بيئة استراتيجية جديدة لمصلحة قوى المقاومة تحاصر الكيان المحتلّ لفلسطين والجولان السوري وأجزاء من جنوب لبنان.
الأمر الأهم في هذا السياق يلاحظ أن تداعيات هذه المحطة الاستراتيجية، والمعادلات التي أنتجها إنتصار حزب الله كانت وما زالت هى الضربة الأولى لإسقاط كل المشاريع والتحالفات الباطلة التي تستهدف تقسيم المنطقة بعد انتقال التجربة التي تحققت في لبنان الى ساحات محور المقاومة مجتمعة في ظل التنسيق والترابط والتعاون الكامل الأفقي والرأسي لأداء الأذرع العسكرية التابعة لهذا المحور، على صعيد التسليح أو أداء مقاتليها.
ومما لا شك فيه أن نموذج المقاومة الفلسطينية يمثل صورة واضحة لمثل هذا التعاون والتنسيق والتنفيذ العملاني بين أجنحة محور المقاومة التي أفشلت المخططات الصهيوينة المدعومة أمريكيا لتصفية مقاومة فلسطين وقضيتها، وبسط السيطرة والتهويد على الأراضي الفلسطينية بالكامل وبالتالي الانقضاض من جديد لتأسيس “اسرائيل الكبرى” من الفرات الى النيل .
ولقد اصطدمت رؤية المشروع الصهيو-أمريكي بعد إنتصار المقاومة اللبنانية برؤية ميزان الإرادات لدى قوى محور المقاومة بعد أن جعلت قضية فلسطين بالنسبة لها هي القضية المركزية، ووضع الشرق الأوسط برمته يتمحور حول هذه القضية لتحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل بإحاطة كيان العدو بوجودٍ مقاومٍ قادرٍ على المواجهة وتحقيق النصر .
وبكلمات أخرى، فإن مخططات مشاريع الهيمنة الأمريكية والصهيونية بدأت تواجه تحديا حقيقيا، بعد إنتصار المقاومة في لبنان الذي اعاد البوصلة إلى الاتجاه الصحيح نحو فلسطين وشكل مرجعية عسكرية وعقائدية استلهمت منه المقاومة الفلسطينية في جميع معاركها كل الوسائل التي حاصرت كيان العدو الصهيوني، ما جعله غير قادر على احتلال أراض جديدة .
بالمقابل، في التخطيط والتدريب والتجهيز والتنسيق والتنفيذ العملاني مثل الإنتصار السوري على قوى الإرهاب وداعميه الصورة الناصعة الثانية التي جاءت لتؤكد تكامل الأدوار بين دول وأطراف ساحات محور المقاومة والتي كان لها دور أساسي في صناعه هذا النصر والذي مهد الطريق لكسر مشروع تحويل المنطقة الى دويلات مذهبية وطائفية متناحرة خدمة لمشروع “إسرائيل الكبرى” .
وهنا بالذات تبرز نتيجة هامة جداً، وإضافية، لإنتصار العام 2006، أنه لم يقتصر فقط على افشال المخطط الأمريكي الصهيوني في ذلك الحين، بل أصبح بمثابة الجدار الواقي الذي منع العدوان الكوني على سوريا من تحقيق أي هدف من أهدافه الاستراتيجية التي اعتمدت سياسة تعميم ثقافة الفتنة المذهبية والطائفية .
كما أن هذا المفهوم كان له حساباته في تداعيات العدوان على اليمن كملجأ آخر للخطط الأمريكية لنشهد مفاعيل انتصار أغسطس تتجسد في الداخل اليمني، وهو ما أرسى معادلة ردع جديدة بعدما تفكك حلف العدوان السعوديّ الأمريكي والإماراتي الصهيوني واستنزف المشاركون فيه سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، بينما انتقل المدافعون عن اليمن عبر جيشها ولجانها الشعبية في أصعب الظروف وأقساها إلى الهجوم الدفاعي خلف الحدود عقب نجاحهم في منع قوات العدوان من تحقيق تقدم حقيقي في عقد الجغرافية اليمنية .
وهنا يبدو أن المأزق الصهيوني في العجز عن الحرب ضد حزب الله بعد تحقيق توزان الرعب بتداعيات انتصار أغسطس 2006 هو نفسه مأزق العجز عن الحرب ضد اليمن التي كانت معركة الولايات المتحدة الأمريكية وكيان العدو الصهيوني تقودها بالوكالة السعودية والامارات والتي تعملان كأدوات لتنفيذ تأمين كيان العدو الصهيوني جيوسياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، وبالتالي تمدده وهيمنته إقليمياً ليتمكن من تحقيق مكاسب استراتيجية وحيوية لصالح قيام “إسرائيل الكبرى”.
وعلى الرغم من أن قوى العدوان ظنت أن الحرب في اليمن ستكون سريعة وحاسمة وأنها ستأتي بنخبة حاكمة تدين بالولاء للمشروع الصهيو-أمريكي إلا أنه ومن موقع الندّية فرض الانتصار اليمني إعادة التوازن للشرق الأوسط، وفي المقابل تعمق مأزق الحلف الصهيوني- الأمريكي وأدواته في المنطقة بعد أن أصبح اليمن جزءا، من رسم المعادلات في المنطقة وعنصرا فعالا في قوى محور المقاومة التي تشترك جميعها في الهدف الرئيس المقدس إزالة “إسرائيل” من الوجود.
ومن أبرز نقاط التعبير عن تكامل الأدوار بين أطراف محور المقاومة، دعما وإسنادا على الصعيد الجغرافي امتداد مفاعيل إنتصار 2006 نحو العراق الذي أوجد أرضية مواجهة للتواجد الأمريكي وإفشال مخطط تحركه باتجاه ساحة “ضامنة” لأمن “إسرائيل”، وفق الاستراتيجية الأمريكية، وكما عبرت رايس، إلى إحدى الساحات التي تشكل خطراً وجودياً على أمن “إسرائيل” وفق اعتراف الأخيرة.
الجمهورية الاسلامية الايرانية في هذا السياق مثلت حجر الزاوية لأقوى علامات الدعم والإسناد والتنسيق بعد أن وضعت كل إمكاناتها بتصرف قوى محور المقاومة مما شكّل نظاما إقليميا حقيقيا، قادر على تغيير المعادلات ومقارعة ما كانت تخطط له الولايات المتحدة والذي يقوم على حماية مصالحها من خلال تفتيت المنطقة وتقسيمها والتحكم في قراراتها وصولا لما يسمى مشروع “إسرائيل الكبرى” بالأساس.
وفي ضوء هذه الواقعات والأمثلة، يصحّ الاستنتاج بموضوعيةٍ ورصانة أن هذا الصعود لأسهم المقاومة الذي أدى إلى تراجع وانكفاء في المشروع الصهيو-أمريكي، وخصوصاً في فكرة “إسرائيل الكبرى” لم يكن ليتحقق لولا سياسة الردع التي رسّخها الإنتصار التأسيسي في 14 أغسطس 2006 بحيث بات كيان العدو الصهيوني أكثر ما يخشاه هو اضطراره إلى خوض حرب متعددة الجبهات، وهو يراقب ارتفاع مستوى التنسيق والتعاون بين قوى محور المقاومة.
المصدر: سبأ
المصدر: الوحدة نيوز
كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا ايران تونس روسيا سوريا صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نبيل الصوفي المقاومة الفلسطینیة إنتصار المقاومة المقاومة فی فی المنطقة فی لبنان حزب الله من خلال بعد أن أن هذا
إقرأ أيضاً:
بيان المسيرات اليمنية “لا أمن للكيان”.. قراءة في الأبعاد والدلالات السياسية والدينية والاستراتيجية
يمانيون / تحليل خاص
في مشهد شعبي غير اعتيادي، خرج اليمنيون بمسيرات مليونية عارمة، تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة والانتهاكات المتواصلة بحق المسجد الأقصى، تحت شعار صريح: “لا أمن للكيان.. وغزة والأقصى تحت العدوان”. وقد حمل البيان الصادر عن هذه المسيرات مضامين استراتيجية عميقة تتجاوز التنديد اللفظي، إلى خطاب تعبوي وتحريضي ذي أبعاد إقليمية واضحة ، هذا التحليل يسلط الضوء على أبرز الأبعاد والدلالات السياسية والدينية والاجتماعية والعسكرية التي تضمّنها البيان، ويستقرئ رسائله في ظل احتدام المواجهة في غزة، وتنامي الوعي الشعبي المقاوم في عدد من الساحات العربية.
البعد الديني – المقدسات محرك شعبي جامع :
البيان يبدأ بصيغة إيمانية صريحة: “نجدد عهدنا ووفاءنا وولاءنا لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله…”
هذه العبارة ليست مجرد افتتاحية تقليدية، بل تعكس مركزية البعد الديني كرافعة سياسية وتعبوية. إذ يتم الربط مباشرة بين الإساءة للنبي محمد صلوات الله عليه وآله ، والانتهاكات التي تطال المسجد الأقصى، في محاولة لإعادة تمركز القضية الفلسطينية في وجدان المسلمين بوصفها قضية عقائدية غير قابلة للمساومة.
من خلال هذه الصياغة، يُراد كسر طوق التجاهل الذي فرضته بعض الأنظمة عبر التطبيع، والتأكيد على أن الأمة الإسلامية تملك قاسمًا دينيًا مشتركًا يتفجر عند المساس بمقدساتها.
البعد السياسي – المواجهة مع المشروع الصهيوني والتحالف الغربي
البيان لا يكتفي بوصف العدوان الإسرائيلي على غزة باعتباره عملاً عدائيًا، بل يوسع المشهد ليضعه في سياق صراع دولي، من خلال وصف الدعم الغربي للعدو الإسرائيلي بأنه يأتي من “أمريكا والغرب الكافر وصهاينة العالم”.
هذا الخطاب يُعيد تفعيل مفردات “المواجهة الحضارية”، ويصور الصراع القائم بأنه ليس مجرد نزاع سياسي، بل صراع على القيم والهوية والوجود. كما أنه يبعث برسالة ضمنية إلى الأنظمة العربية التي تقيم علاقات مع العدو الإسرائيلي، بأن الموقف الشعبي المقاوم هو في وادٍ آخر، وهو ماضٍ في التصعيد.
إضافة إلى ذلك، فإن التأكيد على أن “فكرة تراجعنا عن موقفنا المساند لغزة هي من أفشل الأفكار” يُعدّ رسالة سياسية قوية بأن التحركات الشعبية في اليمن ليست ظرفية، بل تنطلق من موقف استراتيجي ثابت في مناهضة الاحتلال والوقوف مع المقاومة الفلسطينية.
البعد التعبوي والاجتماعي – المسيرات كأداة ضغط ونفير شامل
يستعمل البيان مفردات قوية للدعوة إلى التعبئة الجماهيرية: “لن نكتفي أمام إساءة اليهود المتكررة ببيانات الإدانة، بل نرد بالنفير والخروج المليوني…”
في هذا الإطار، المسيرات ليست فقط استجابة عاطفية، بل تحولت إلى فعل سياسي منظم، يُستعمل كوسيلة ضغط داخلي وخارجي، ورسالة مفادها أن الشارع لا يزال حاضرًا وفاعلًا في معادلة الصراع، رغم كل الضغوط الاقتصادية والحصار.
كما يدعو البيان شعوب الأمة الأخرى للتحرك، في محاولة لتوسيع دائرة المقاومة الشعبية، والتأكيد على أن نضال غزة ليس نضالًا محصورًا بفصيل أو شعب، بل هو نضال أممي إسلامي جامع.
البعد العسكري – رسائل نارية ومواقف غير تقليدية
البيان لم يخلُ من رسائل مباشرة موجهة إلى الميدان العسكري: “نقول لمجاهدينا في القوات المسلحة: لا تسمحوا للعدو الصهيوني أن يشعر بشيء من الأمان طالما وغزة تحت الإبادة…”
هذه العبارة تُعبّر عن تحول لافت، حيث يتم الربط بين التحركات الشعبية والخطاب العسكري المباشر، في إعلان ضمني أن اليمن، كجزء من محور المقاومة، يحتفظ بحقه في الرد العسكري إذا استدعت الحاجة، وأن “الأمن” الإسرائيلي أصبح مرهونًا بوقف العدوان على غزة.
البيان يضع “العدو الصهيوني” في حالة استنفار، ليس فقط داخل حدود فلسطين، بل على مستوى الجغرافيا الإقليمية، ويعيد التأكيد أن أي استهداف للبنية المدنية في غزة سيُقابل بمواقف عملية، وليس بمواقف إدانة تقليدية.
البعد الإنساني والتضامني – دعم معنوي صلب للمقاومة
يُختتم البيان برسالة إلى غزة وفلسطين: “اصبروا وصابروا فأنتم تجاهدون في سبيل الله ولن يضيع الله صبركم… ونحن معكم.”
في هذه الصيغة المزدوجة، يندمج الخطاب الإيماني بالسياسي. فهو من جهة يُطمئن أهل غزة بأن صبرهم في سبيل الله لن يذهب هدرًا، ومن جهة أخرى يؤكد لهم أنهم ليسوا وحدهم، وأن الظهير الشعبي في اليمن وكل ساحات المقاومة موجود وحاضر.
بهذه العبارات، يتجاوز البيان منطق التضامن الرمزي، إلى تعهد ميداني ومعنوي بالدعم والصمود، وهو ما يمنح فصائل المقاومة دفعة معنوية كبرى وسط حصار خانق وعدوان مستمر.
ختاماً : اليمن يُعيد التموضع في قلب معادلة الصراع
البيان الصادر عن المسيرات اليمنية لا يمكن قراءته بوصفه فقط موقفًا تضامنيًا تقليديًا، بل هو إعلان عن تموضع استراتيجي جديد، يحمل عدة رسائل إلى الكيان الإسرائيلي ’’لا أمان ما دام العدوان قائمًا’’ وإلى الأنظمة العربية ’’ لا تطبيع يغطي على جرائم الاحتلال’’ ، وإلى شعوب الأمة ’’ التحرك الشعبي ممكن وفاعل، والنفير الجماهيري واجب’’ وإلى غزة والمقاومة ’’ لستم وحدكم، والأمة لا تزال حية’’.
من هنا، فإن المسيرات المليونية، التي خرجت من بلد يعاني ويلات الحرب والحصار، تُعيد التأكيد أن القضية الفلسطينية لا تموت ما دام هناك من يعتبرها بوصلته الأخلاقية والعقائدية والسياسية.