لجريدة عمان:
2025-12-13@16:09:21 GMT

الكتب الورقية والكتب الرقمية.. مستقبل متشابك

تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT

الترجمة عن الفرنسية: حافظ إدوخراز -

يشكّل قطاع الكتاب من الناحية الاقتصادية، الصناعة الثقافية الأولى في فرنسا. وإذا كانت سوق الكتاب - بشكليه الورقي والرقمي- قد شهدت بعضًا من التراجع خلال الربع الأول من هذه السنة مسجّلةً انخفاضًا بنسبة 3.5٪ وفقًا لأسبوعية الكتب (Livres Hebdo)، فإن ممارسات القراءة قد عرفت من جهتها نموًّا ملحوظًا.

غير أنه يبدو أن ظهور الإنترنت والتقنيات الجديدة قد كان له تأثير على المنشورات المطبوعة ودخل في تنافسٍ معها. فكيف يمكننا إذن تفسير صمود الكتب الورقية واستمرارها في العصر الرقمي؟

إرثٌ ثقافي

إذا كان الورق يُحيل على إرثٍ ثقافي متجذّر في الزمن وغني بعدة قرون وراءه، فهو يظل مع ذلك مجرد حاملٍ واحد ضمن آخرين. ويعكس هذا الحامل التطور البطيء للاستخدامات، وسيضطر إلى التكيّف مع ضرورة النشر واسع النّطاق.

لقد فرضت المطبوعات نفسها إلى حدٍّ كبير خلال القرن التاسع عشر، بينما منحها القرن العشرون دفعةً كبيرة بفضل ظهور كتاب الجيب، وانجذاب الجمهور للأدب، وتدويل المنشورات من طرف دور النشر الكبرى في العالم.

يحتفظ الكتاب اليوم بطابعٍ رمزي وسلطة قوية، فبنشره يغدو المؤلف مؤلفًا. إن ولوج الكتاب إلى قائمة أو مجموعة معينة هي التي تُدرجه ضمن المجال الأدبي، وتلك إشارات أساسية للقارئ إذ تسمح له بالوقوف على فرادة كتابٍ ما والوعي بشهرته ومكانته.

الكتاب يدخل في ثورة/تطور

تشكّل التكنولوجيا الرقمية، وفقًا للمؤرخ الفرنسي روجيه شارتييه (Roger Chartier) والمتخصص في تاريخ الكتب والنشر وممارسة القراءة، ثورةً كبرى لا تقل أهميةً عن ثورة المطبعة أو الانتقال من اللّفائف إلى المخطوطات. فهي تضاعف ممارسات القراءة، وتؤثر الاضطرابات التي ترتّبت عنها في تقنية النشر بقدر ما تؤثر في الاستخدامات وفي تلقّي الخطابات وإدراكها من طرف الجمهور.

وفي حين يخصّص الفرنسيون ما يقرب من ساعة وسبعٍ وثلاثين دقيقة يوميًا للإبحار في شبكة الإنترنت، وعلى الرغم من منافسة وسائل الإعلام الأخرى، إلا أن القراءة، وبغضّ النظر عن شكلها، قد أصبحت فعلًا جذّابًا على نحوٍ متزايد. كما أن ممارستها آخذةٌ في النمو، خاصّةً في وسائل النقل العام. ووفقًا لمقياس استخدامات الكتاب الرقمي لعام 2019، فقد صرّح 22% من الفرنسيين بأنهم قد قرؤوا كتابًا رقميًا واحدًا على الأقل خلال السنة السابقة، وهو أعلى معدل تم تسجيله خلال السنوات الثماني الماضية.

كما أن الكتاب الرقمي من شأنه تشجيع الناس على قضاء المزيد من الوقت في القراءة، لأن 23% من المستخدمين يقرؤون أكثر من ذي قبل. إن الكتاب الرقمي ليس حكرًا على الشباب، بل إن جميع الفئات العمرية معنية. وبالرجوع إلى مقياس استخدامات الكتاب الرقمي دائمًا، فإن القراء لا يقتصرون في قراءاتهم على الكتاب الرقمي.

إلى جانب الحاسوب، فإن اللوحات الإلكترونية والهواتف الذكية هي الوسائط المفضّلة لدى القراء الذين شملهم الاستطلاع، ويأتي القارئ الإلكتروني في المركز الرابع فقط. تتيح هذه الحوامل، المناسبة للتنقّل، اصطحاب عدد كبير من الكتب سواء من أجل القراءة المجتهدة أو المريحة والمرفِّهة عن النفس.

غير أن القراء لا يقتصرون على الكتاب الرقمي، بل إن الكتب المطبوعة والمسموعة تثير اهتمامهم بنفس القدر. وبينما يتيح الكتاب الرقمي قراءةً مجزّأة وسريعة ويدمج أدوات بحثٍ مختلفة، يوفّر الكتاب الورقي من جهته راحةً للعين وييسّر فهم النص.

أدبٌ رقمي

بين المواقع الشخصية والمدونات والمنصات الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، يتعزّز الحضور الرقمي للمؤلفين آخذًا في الازدياد سنةً تلو أخرى. فالكثير منهم صاروا يستخدمون الشبكة العنكبوتية لأغراض التواصل مع القراء من أجل التعريف بإنتاجاتهم والترويج لها على سبيل المثال، أو لأهداف أدبية تسمح لهم بأن يخوضوا تجارب جديدة بين الفينة والأخرى.

لقد لاحظ المجتمع العلمي تدريجيًا تشكّل مجالٍ جديد هو الأدب الرقمي الذي يقدّم للقراء أعمالًا تفاعلية مثل رواية «انفصال» (Déprise) للمؤلفين سيرج بوشاردون (Serge Bouchardon) وفانسون فولكارت (Vincent Volckaert). إن هذه الأعمال، غير المعروفة إلى حدٍّ ما عند عامة الناس والتي رأى العديد منها النور في إطار البحث الإبداعي، هي مستلهَمة من ألعاب الفيديو وتعتمد على مشاركة مستخدم الإنترنت. تمنح هذه الأعمال، الممتعة والمبتكرة، للقارئ طرقًا مختلفة للتفاعل مع المحتوى المعروض مما يسمح له بالتقدّم بالسّرد.

بين الشعر الحيّ ومولّد النصوص وأدب التغريدات والأشكال الأخرى للتدوين السريع، يحتضن الأدب الرقمي العديد من الأشكال والكتابات. ويتنقّل عدد متزايد من المؤلفين بين المنشورات الورقية والرقمية، وهذا حال الكاتب فرونسوا بون (François Bon) على سبيل المثال، الذي بادر بإنشاء منصّة للكتابة (Le Tiers Livre) منذ عام 1997.

يبدو هذا الموقع الشخصي كفضاءٍ متعدد يجمع بين الممارسات المختلفة لهذا الفنان العابر للوسائط، ويدعو القارئ إلى أن يتوه في تعرّجات متاهةٍ غنية على الدوام بأعمال الكاتب، فضلًا عن نصوص غير منشورة ومقالات ومراجعات نقدية وورشات عمل من بين أمور أخرى. وبوسع المتصفّح أن يتابع على الموقع التقدم الذي يحرزه الكاتب في بعض مشاريع الكتابة الخاصة به، والتي سيتم نشرها لاحقًا على شكل كتاب ورقي عند اكتمالها.

تفاعلات عديدة خارج الكتاب

وإلى جانب الأدب الرقمي، تستفيد المنشورات الورقية أيضًا من أشكالٍ أخرى للأدب خارج الكتاب. إذ تساهم القراءات الموسيقية والعروض، على سبيل المثال لا الحصر، بشكل كبير في الترويج لصورة أخرى عن الأدب وجذب جمهور أوسع. وبهذا المعنى، فإن هذه الأشكال الجديدة التي تتيح إمكانية الاتصال بين المؤلفين والقراء بطريقة مختلفة تسهم في إشعاع المنشورات المطبوعة وتثمينها، وتضمن بالتالي بقاءها واستمراريتها.

تعمل الحياة الأدبية، سواء من خلال اللقاءات مع المؤلفين أو المهرجانات أو غيرها من التظاهرات الأدبية، على تنشيط وتعزيز التفاعلات بين الفاعلين الثقافيين والشغوفين بالقراءة والكتاب في جميع أنحاء البلد. ويشهد على ذلك النجاح الذي تلقاه بعض معارض الكتاب واستمراريتها، مثل معرض باريس للكتاب الذي استقطبت دورته التاسعة والثلاثون في مارس الماضي أكثر من مائة وستين ألف زائرٍ جاؤوا للقاء المؤلفين والعارضين القادمين من حوالي خمسين دولة مختلفة. كما أن هذه اللقاءات تحظى بالتشجيع أيضًا من خلال المكتبات ونوادي القراءة وصناديق الكتب أو حتى تطبيقات مشاركة الكتب مثل «بوك سكوير» (Booksquare) و«كتب الأقارب» (Livres de Proches) أو تطبيقات شراء الكتب مثل «بوكساب (Booxup).

حوامل هجينة

تسعى بعض المشاريع التي يقودها فنانون وناشرون وشركات خاصة إلى التفكير في تهجين حوامل القراءة، بحيث يدمج الكتاب بين صفحاته من التقنيات ما يسمح بطمس الحدود بين الورقي والرقمي، كما هو الشأن بالنسبة لقوائم منتجات بعض العلامات التجارية والقادرة على دمج إمكانية الولوج إلى شبكة الويفي أو إعادة شحن هاتفك الذكي.

كما أصبح من الممكن جعل الكلمات تظهر أو تختفي بفضل الأحبار الحرارية، كما يشهد على ذلك الكتاب «اللامتناهي» الذي صمّمته الفنانة ألبرتين مونييه (Albertine Meunier) والذي لا تكشف صفحاته البيضاء عن محتواها، إلا من خلال تقليبها.

ومهما يكن المستقبل الذي ينتظر الكتاب على المدى البعيد، فلا تزال أمامه أيام زاهرة.

كارين كيرا باحثة في اللغة والأدب الفرنسي بجامعة اللورين (فرنسا)

عن موقع The Conversation

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکتاب الرقمی کتاب ا

إقرأ أيضاً:

في يوم حقوق الإنسان.. رسائل حب وإنسانية تتصدر ندوة دار الكتب

نظمت دار الكتب والوثائق القومية، برئاسة الأستاذ الدكتور أسامة طلعت، في إطار اهتمام وزارة الثقافة بنشر الوعي المجتمعي وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، فعالية ثقافية بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان.

أقيمت الندوة التثقيفية بقاعة الأمم المتحدة بدار الكتب تحت عنوان "الإنسان أولًا.. نحو عالم أكثر عدلًا وإنصافًا"، بقاعة علي مبارك

بدأت الندوة فعالياتها بالسلام الجمهوري، ثم قامت الأستاذة حنان نور مدير قاعة الأمم المتحدة بالترحيب بالحضور، مؤكدة دور دار الكتب في نشر الوعي الإنساني، وتعزيز القيم التي تكرس مبدأ كرامة الإنسان وتعايشه مع الآخر، كما عرضت فيديو توضيحي عن الاحتفالية أعده فريق قاعة الأمم المتحدة احتفالًا باليوم العالمي لحقوق الإنسان.

وجدير بالذكر تخلل فقرات الندوة مشاركات الأطفال الموهوبين، حيث قدموا فقرات شعرية عكست جمال الرسالة الإنسانية للندوة، وهم: أدهم الجمال، وعبد الله محمد، فريدة محمود عطية، يوسف محمود عطية، نورين وياسين، وقد لاقت مشاركاتهم ترحيبًا كبيرًا من الحضور.

استهل الدكتور عبد الحميد يحيى، أستاذ الإدارة والتنمية البشرية – جامعة حلوان، الندوة بكلمة أوضح فيها أن حقوق الإنسان ليست مفهومًا قانونيًا جامدًا، وإنما هي منظومة قيمية تبدأ من داخل الإنسان وتمتد إلى المجتمع كله.

وتحدث عن أهمية تنمية الوعي الذاتي، ودور المؤسسات التعليمية والثقافية في تشكيل سلوك الفرد ليكون قادرًا على ممارسة حقوقه باحترام ومسؤولية، وأكد أن المجتمعات لا تتقدم إلا حين يعي الإنسان دوره وحقوقه وواجباته، لافتًا إلى أن التنمية البشرية الحقيقية تقوم على احترام الإنسان لذاته أولًا، ثم احترامه للآخر المختلف في الدين أو الثقافة أو الاتجاه.

ثم تحدث الأستاذ وحيد الأسيوطي، رئيس مؤسسة مصر العربية لحقوق الإنسان، مؤكدًا أن حقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة أو التنازل، لأنها حقوق أصيلة يولد بها الإنسان.

وأشار إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – منذ صدوره في 10 ديسمبر 1948 – وضع إطارًا موحدًا لتلك الحقوق عبر العالم، وأن الدولة المصرية قطعت شوطًا مهمًا في مجالات الحماية الاجتماعية، وتمكين الفئات الأولى بالرعاية، وتعزيز الحريات المدنية.

كما شدد على ضرورة نشر ثقافة احترام الآخر، وأن بناء مجتمع يحترم حقوق الإنسان يبدأ من الأسرة، مرورًا بالمدرسة، وصولًا إلى الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني.
قدم اللواء دكتور محمد فخر الدين – مدير عام مركز التنمية البشرية، مداخلة تفاعلية ثرية مع الجمهور، تناول فيها العلاقة بين القيم الدينية وحقوق الإنسان، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ لمعاذ بن جبل حول "حق الله على العباد وحق العباد على الله"، موضحًا أن الإسلام وضع أساسًا راسخًا لحقوق الإنسان وكرامة النفس البشرية.

وانتقل للحوار المباشر مع الجمهور من خلال أسئلة حياتية واقعية حول حرية الاختيار، وحقوق الأبناء، والحدود الفاصلة بين التقاليد الاجتماعية والمواثيق الدولية، مؤكدًا أن الوعي هو أساس ممارسة الحقوق دون صدام أو تطرف.

اختُتمت الندوة بكلمة للدكتور مينا رمزي، رئيس الإدارة المركزية لدار الكتب، الذي أكد أن حقوق الإنسان هي حقوق أساسية غير قابلة للتنازل، وأشار إلى ضرورة النظر إلى قضايا حقوق الإنسان نظرة شاملة غير مجتزأة، مؤكدًا أن تقييم أي قضية من زاوية واحدة يؤدي إلى صورة ناقصة، تمامًا كمن يرى وجهًا من جانب واحد دون رؤية تكوينه الكامل.

واستعرض ما قامت به الدولة المصرية من جهود ملموسة، خاصة في مجال الصحة، مشيرًا إلى مشروع التأمين الصحي الشامل، وجهود القضاء على الفيروسات والأمراض المزمنة التي كانت تؤرق المجتمع لسنوات طويلة، مثل القضاء على فيروس سي نهائيا، بالإضافة إلى الكشف المبكر عن الأورام، والاهتمام بصحة المرأة، والفحوصات الدورية للأطفال في المدارس.

وتحدث باستفاضة عن جهود الدولة المصرية في تعزيز الحق في الصحة، مستعرضًا تجربة شخصية لإنسان مسن استطاع إجراء جراحة دقيقة لتغيير مفصل بعلاج على نفقة الدولة، دون أي تكلفة مالية، معتبرًا ذلك نقلة نوعية في الخدمات الصحية.

وفي ختام كلمته، تناول الدكتور مينا رمزي البعد الإنساني العميق لحقوق الإنسان، موضحًا أن احترام الآخر يبدأ من الحب الإنساني، أيًا كان دينه أو لونه أو جنسه.

وسرد قصة الحكيم الذي قال: أنا لا أخاف الله… لأني أحبه، والحب يطرد الخوف خارجًا"، مبينًا أن هذه الرسالة تمثل جوهر الإنسانية، وأن الحب حين يسود بين البشر تنتهي الصراعات ويزدهر السلام، وختم كلمته متمنيًا أن يكون هذا اليوم العالمي فرصة لتعزيز الرحمة والتقارب والتفاهم بين البشر في كل مكان.

واختتمت الندوة بتوجيه الشكر لجميع المتحدثين والحضور، مؤكدة استمرار دار الكتب في أداء رسالتها التنويرية في دعم قيم العدالة وحقوق الإنسان وبناء وعي مجتمعي مستنير.

مقالات مشابهة

  • أسوان تطلق أول برنامج للتحول الرقمي لتعزيز كفاءة الجهاز الإداري
  • جامعة الإسكندرية تطلق برنامج "ابدع انطلق" لتمكين ذوي الهمم ودعم مشاريعهم الريادية
  • دفعة جديدة تقود التحول الرقمي في القطاع المالي تتخرج من الأكاديمية العربية
  • وزير العمل في قمة المرأة 2025: «الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي يعيدان تشكيل خريطة الوظائف»
  • في يوم حقوق الإنسان.. رسائل حب وإنسانية تتصدر ندوة دار الكتب
  • بعد إلغاء الورقية.. طريقة إصدار شهادة مخالفات المرور الإلكترونية
  • ما الذي تم من تطوير بمستشفى قصر العيني وأهم التحديات؟..رئيس جامعة القاهرة يجيب
  • «أسبوع أبوظبي المالي».. مبادرات وشراكات عالمية ترسم مستقبل الابتكار المالي
  • مدبولي: نؤمن بأن مستقبل الأمم يُبنى بالعلم والمعرفة
  • نادي العُلا يحصل على جائزة "المؤسسة الرياضية الواعدة"